أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار














المزيد.....

رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 01:19
المحور: القضية الكردية
    


في قلب الشرق الأوسط المضطرب، حيث تتصارع الجغرافيا مع التاريخ، يقف الكورد أمام مفترق وجودي يحمل في طياته بذور التحرر وأشواك التبعية. إنها لحظة تشبه نافذة مكسورة بالزجاج المعتم، قد تسمح بدخول نور الاستقلال، أو تتحول إلى شظايا تجرح أحلامًا عمرها قرون. في كوردستان العراق، تتدفق عائدات النفط كدماء في شرايين الاقتصاد، لكنها سرعان ما تتجلط بفعل قرارات قضائية تذكّر بأن السيادة ما زالت رهينة في أقبية بغداد. تلك "الإعادة النفطية الفيدرالية" التي نُظمت كرقصة توازن دقيقة، تحولت إلى معركة كرّ وفرّ، حيث تتأخر الرواتب ويتصاعد الغضب، بينما تلوح في الأفق عقوبات كسياط جلد تلتف حول عنق الإقليم. لم يكن إلغاء قانون النفط والغاز عام 2022 مجرد حكم قضائي، بل كان ضربة قاضية لرئة الاقتصاد الكوردي، تاركة الإقليم يتنفس بصعوبة عبر أنبوب الهيمنة المركزية.

أما على مسرح السياسة الداخلية، فإن المشهد يشبه لوحة لفنان سريالي؛ الحزب الديمقراطي الكوردستاني (KDP) يحمل مشعل العلاقات مع أنقرة وواشنطن، بينما يلوح الحزب الوطني الكوردستاني (PUK) بورقة طهران كبطاقة عبور في أروقة السلطة. هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي، بل هو صدع وجودي يعكس هشاشة البناء الداخلي أمام عواصف الجوار. فحتى عندما أظهرت انتخابات 2024 هيمنة KDP، ظل تشكيل الحكومة رهين التأجيل، كأنما القدر يلعب بقطع الشطرنج هذه المرة على رقعة زمنية تمتد إلى ما بعد 2025. هنا تبرز السيناريوهات كأحجية مصيرية: فيدرالية غير متكافئة قد تكون جسرًا نحو شرعية دستورية، أو إعلان استقلال أحادي الجانب يحمل في أحشائه بذور العاصفة، أو انكفاء بطيء يعيد عقارب الساعة إلى زمن الهيمنة المركزية. وفي خضم هذا التيه، يبدو الدعم الأمريكي كشمعة في مهب الريح، مضيئة لكنها غير كافية لحرق ظلام التهديدات الإيرانية والتركية.

عبر الحدود، في روج آفا، تكتب المعاناة فصلها الأكثر دموية. ما بين أنقاض النظام السوري وصولوات هيئة تحرير الشام، تقف الإدارة الذاتية الكوردية كشجرة وحيدة في صحراء من العداء. لقد كان دور وحدات حماية الشعب (YPG) في محاربة داعش ملحمة بطولية، لكن الانسحاب الأمريكي المفاجئ عام 208 كشف أن التحالفات الدولية قد تكون كالسراب في صحراء السياسة. واليوم، بين تدريس اللغة الكوردية والمهرجانات الثقافية التي تشبه زهورًا نابتة بين الركام، تطل تركيا كسحابة سوداء تهدد باجتثاث كل اخضرار. التفاوض مع دمشق يلوح كخيار مرّ، لكنه قد يكون الضريبة التي يجب دفعها للحفاظ على مكتسبات ثقافية هي الأخرى مهددة بالانقراض.

إن العلاقة بين كوردستان العراق وروج آفا تشبه توأمين ملتصقين بقلب واحد؛ فكل نبضة ألم في أحدهما تتردد صدىً في الآخر. لو توحدت الرؤى الأيديولوجية بين PYD وKDP، لربما تشكلت كتلة سياسية يصعب اختراقها، لكن التنافس الداخلي يحول هذا الحلم إلى سراب. وفي النهاية، يقف الكورد أمام معادلة وجودية: إما بناء كيان قوي من خلال وحدة داخلية وتحالفات مدروسة، أو السقوط في هاوية المصالح الإقليمية المتعارضة. إنها معركة ليس فقط ضد القوى الخارجية، بل أيضًا ضد الأشباح الداخلية التي تهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي.

في الختام، فإن مستقبل الكورد في العراق وسوريا يشبه سفينةً في بحر هائج، حيث رياح الفرص تحملها تارةً نحو شواطئ الاستقلال، وتارةً أخرى تهدد بتحطيمها على صخور الهيمنة الإقليمية. إنه اختبار ليس فقط للقدرة على الصمود، بل أيضًا للحكمة في اختيار المعارك والتحالفات. ففي الشرق الأوسط، حيث تتقاطع المصالح وتتصادم الأجندات، قد يكون البقاء للأكثر مرونة لا للأكثر قوة. والكورد، بعبقريتهم السياسية وتاريخهم النضالي، أمام فرصة لكتابة فصل جديد في سجلهم الطويل من المعاناة والكبرياء، أو الوقوع مرة أخرى في فخ التشرذم الذي طالما كان العدو الداخلي الأكثر فتكًا.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة
- حين تتهامس الجغرافيا بالعقل: التأمل في مصير وطن تحكمه الأطيا ...


المزيد.....




- طهران.. اعتقال عميلين للموساد الإسرائيلي متلبسين وبحوزتهما م ...
- اعتقال عناصر خلية إرهابية قرب طهران والعثور على معدات لتصنيع ...
- طهران.. اعتقال عميلين للموساد الإسرائيلي متلبسين وبحوزتهما م ...
- عشرات الآلاف يتظاهرون في لاهاي الهولندية ضد حرب غزة
- المغرب مشغول وليس غائب
- عشرات الآلاف يتظاهرون في لاهاي للمطالبة بوقف حرب الإبادة بغز ...
- مركز حقوقي عربي: إسرائيل تطلق الإثنين سراح بقية ناشطي أسطول ...
- أقارب مقاتلي داعش الألمان المعتقلين في سوريا يطالبون برلين ب ...
- منظمة حقوقية: مقتل 406 أشخاص وإصابة 654 آخرين في الهجمات الإ ...
- هيئة البث العبرية: اعتقال إسرائيليين اثنين للاشتباه في تعاون ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار