أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظل التنافر والتعاون التركي-السعودي















المزيد.....

التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظل التنافر والتعاون التركي-السعودي


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 20:30
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تتردد في الآونة الأخيرة تصريحات كثيرة تشير إلى احتمالية التطبيع أو السلام بين سوريا وإسرائيل، بل وتزامن ذلك مع أنباء عن محاولة اغتيال مزعومة تستهدف أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي في المعارضة السورية. قد يبدو للوهلة الأولى أن هذين الموضوعين منفصلان، لكن الحقيقة أن العلاقة بينهما عميقة ومتشابكة، وتتصل مباشرة بتنافس وتعاون يجمع السعودية وتركيا في الملف السوري، بل وتتقاطع فيه مصالح أمريكا وإسرائيل وحتى إيران.

فما الذي يجري فعلاً؟ ولماذا الآن؟ وهل هناك مؤشرات حقيقية على تحوّل جدي في الملف السوري، أم أن الحديث عن التطبيع مجرد ضجيج سياسي يستخدم لأهداف مختلفة؟

في الواقع، إن الحديث عن "تطبيع" بين سوريا وإسرائيل ليس جديداً، لكنه اكتسب زخماً أكبر بعد التغيرات التي طرأت على المشهد الإقليمي، خاصةً بعد تعاظم النفوذ التركي والسعودي في دعم ما يُعرف بـ"النظام الجديد" في سوريا. إلا أن هذا النظام الجديد لا يعني بالضرورة نظاماً واحداً أو متجانساً؛ فالرؤية السعودية ليست هي الرؤية التركية، رغم وجود بعض القواسم المشتركة. فالسعودية تطمح إلى إعادة بناء سوريا تحت رعاية سنية، ربما تكون قريبة من فكرة "بنو أمية"، ليس فقط لاعتبارات تاريخية، بل لأنها ترى أن هذا الخيار هو السبيل لقطع الذراع الإيراني الممتدة عبر العراق وسوريا إلى لبنان، حيث حزب الله. أما تركيا، فرغم أنها تشاطر السعودية الرغبة في كبح نفوذ إيران، فإن أهدافها تختلف في التفاصيل؛ فهي تريد نظاماً سنياً أيضاً، لكنه نظام ينسجم مع توجهاتها الإسلامية القومية، ويتماشى مع مشروعها السياسي الداخلي، خاصةً في ظل محاولات تعديل دستوري في تركيا نفسها قد يؤدي إلى تقليص العلمانية فيها.

لكن ماذا عن القضايا الأخرى، كالديمقراطية وحقوق الأقليات؟ هنا تظهر الفجوة بين الدولتين وبين الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة وأوروبا. فالدول الغربية، التي كانت دائماً ترفع شعار الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات، لم تعد تضع هذه المواضيع في قلب أولوياتها في سوريا. فالمبعوث الأمريكي توماس باراك، في مقابلته على قناة العربية، أكد أن واشنطن لا تتدخل في الشأن الداخلي السوري، وهو ما يفسر الصمت الدولي أمام الانتهاكات المستمرة، خصوصاً في مناطق الساحل. وهذا بالطبع يريح كل من السعودية وتركيا، اللتين لا تملآن أصلاً بأهمية هذه القضايا بنفس القدر الذي تفعله الديمقراطيات الليبرالية.

لكن هل يمكن القول أن هناك توافقاً كاملاً بين الرياض وأنقرة؟ الجواب لا، إذ ثمة اختلافات واضحة، أهمها موقف كل منهما من الكورد. فالسعودية لا تعارض وجود الكورد كقوة مستقلة في شمال شرق سوريا، بل سبق أن أقامت علاقات مع قسد، بينما تركيا تعتبر الكورد تهديداً قائماً، وتعارض بشدة أي شكل من أشكال الحكم الذاتي أو الفيدرالية في تلك المناطق. ومع ذلك، فإن هناك محاولات لتخطي هذا الاختلاف، خصوصاً في ظل الوساطة الأمريكية بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني، والتي تربطها بمشروع الحل في سوريا. فشرط تركي واضح: لن تقبل أنقرة بوجود كوردي مستقل في سوريا إذا كان ذلك يعني استمرار التهديد الأمني لها. ومن ثم، فإن حزب العمال الكوردستاني لن يتخلى عن سلاحه إلا عندما يتأكد من أن تركيا لن تهاجم الحكم الذاتي في شرق الفرات. وبالتالي، فإن حل المسألة الكوردية في تركيا يرتبط مباشرةً بتطورات الوضع في سوريا.

أما بالنسبة لموضوع التطبيع السوري الإسرائيلي، فهو نقطة الخلاف الأساسية بين البلدين. فالسعودية، التي بدأت قبل أحداث الطوفان في الأقصى عام 2023 بالتحرك نحو التطبيع مع إسرائيل برعاية الأمير محمد بن سلمان، ترى أن التسوية الفلسطينية يجب أن تتضمن دولة فلسطينية، حتى لو لم تكن هناك قيادة فلسطينية موحدة حالياً. ولكن بشرط: أن تسبق دول مثل سوريا ولبنان التطبيع السعودي، باعتبار أن الدول العربية المجاورة لإسرائيل هي الأقرب لحل مشكلتها معها. أما تركيا، فرغم عدم إعلانها رسمياً معارضتها، فإن موقفها عملياً معروف. فأنقرة لا تشجع التطبيع السوري الإسرائيلي، لأنها ترى فيه خطراً على نفوذها المتزايد في العالم العربي، والذي كانت إيران سابقاً المنافس الأساسي له فيه. فبعد أن فقدت إيران الكثير من نفوذها بسبب خسائرها في غزة ولبنان والعراق، ترى تركيا أن أي تسوية تؤدي إلى تقارب عربي-إسرائيلي ستضعف موقعها الإقليمي، وتفتح الباب أمام تحالفات جديدة قد تهدد وجودها.

وهنا تظهر علاقة أخرى، وهي العلاقة بين تركيا وإسرائيل، التي تظل معقدة. فبينما توجد علاقات أمنية واستخباراتية بين البلدين، فإن الحكومة التركية الحالية تنظر إلى الصعود الإسرائيلي في المنطقة كتهديد، خاصةً في ظل التواجد العسكري التركي المتزايد في عدد من البلدان العربية، من ليبيا إلى السودان مروراً بالصومال وقطر. وقد سبق أن حاولت تركيا إنشاء قواعد عسكرية في سوريا، لكن إسرائيل ردت بضرب قاعدة تيفور التي كان يعمل فيها مهندسون أتراك، مما أعطى إشارة واضحة بأن تل أبيب لا ترغب في تمدد النفوذ التركي في سوريا.

وقد تدخل المبعوث الأمريكي توماس باراك في هذا الملف، ليؤكد أنه لا ينبغي أن تتحول سوريا إلى منصة لتهديد إسرائيل من أي جهة، بما في ذلك تركيا. وهذا ما يقلق أنقرة، التي تدرك أن أي سلام بين دمشق وتل أبيب سيجعل وجودها العسكري في سوريا غير مبرر، وسيضعف نفوذها السياسي هناك، خاصةً إذا اعتمد أحمد الشرع، رئيس المعارضة السورية، على دعم سعودي-غربي أكثر منه على الدعم التركي.

وفيما يتعلق بمحاولة اغتيال أحمد الشرع، فإن تسريب الأخبار عنها جاء من مصادر تركية، وهو ما يحمل رسائل متعددة. فمن ناحية، تسعى تركيا إلى تأكيد دورها في حماية الشرع من المؤامرات الإيرانية أو الداخلية، ومن جهة أخرى، تضغط على السعودية لتدرك أن دعمها للشرع لا يعني بالضرورة أن هذا الدعم سيكون مستمراً أو غير مشروطاً، خاصةً إذا مضى في طريق التطبيع مع إسرائيل. فالرئيس التركي أردوغان، كما يبدو، لا يثق تماماً في مستقبل الشرع السياسي بعد التوصل إلى أي اتفاق سلام، ويحاول وضع نفسه كضامن أساسي لبقائه في السلطة.

أخيراً، لا يمكن فصل ما يحدث في سوريا عن الصراع الأوسع على مستقبل المنطقة، خاصةً في ظل الضعف الحالي لإيران، التي فقدت أذرعها الرئيسية في حماس وحزب الله والفصائل العراقية، وتعاني من تصدعات داخلية. وهنا، ترى تركيا أن انهيار النظام الإيراني قد يكون مفيداً لها، لأنه سيخلصها من منافس إقليمي قوي، بل وربما يفتح الباب أمام إعادة تشكيل جديد للحدود والكيانات في آسيا الوسطى والجنوبية، خاصةً في المناطق ذات الأغلبية الأذرية شمال إيران، والتي قد تصبح ضمن منظور مستقبلي تحت النفوذ التركي.

باختصار، سوريا اليوم ليست مجرد دولة ممزقة بالحرب، بل هي ساحة مفتوحة على صراعات أوسع، تتقاطع فيها المصالح وتتصارع فيها الأدوار، وتتحول فيها السياسة إلى لعبة متعددة الأبعاد، حيث لا شيء كما يبدو، وكل شيء مرتبط بكل شيء.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...


المزيد.....




- فيديو متداول لحشود -عشائر سوريا- بطريقها إلى السويداء.. ما ح ...
- هل يُحوّل نظام الطائرات المسيّرة الأوكرانية الحرب إلى -لعبة- ...
- تقرير يكشف: إسرائيل تسعى للحصول على دعم أميركي لنقل فلسطينيي ...
- إحدى -أقسى عقوبات- أوروبا: خفض سقف سعر النفط الروسي
- ما دلالة تحريم شرب القهوة في أعراف العشائر السورية؟
- حماس تتهم إسرائيل بعرقلة جهود التوصل لوقف إطلاق النار في غزة ...
- هل تخدم تحركات العشائر مساعي الحكومة لفرض سيطرتها على السويد ...
- الضحك قد ينقذ حياتك.. لماذا نميل للمزاح في الأوقات الصعبة؟
- لندن توقف مخططا لنقل الأفغان إليها وتترك آلاف المتعاونين لمص ...
- عاجل | الرئاسة السورية: ننطلق في موقفنا من أحداث الجنوب السو ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظل التنافر والتعاون التركي-السعودي