أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود














المزيد.....

تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8376 - 2025 / 6 / 17 - 09:23
المحور: القضية الكردية
    


في عالمٍ تتدفق فيه الأحداث كالنهر الجارف، تُختزل الحياة في سباقٍ محموم بين عناوين متلاحقة، كلّ منها يحمل في طياته دراما إنسانية أو سياسية أو اجتماعية تدفع المرء إلى التساؤل: أيّها يُختار؟ وأيّها يُترك؟ وكيف يُفكَّك هذا التشابك الذي يتحوّل إلى ضجيجٍ يومي؟ تُركّب تركيا مشهدًا من هذا القبيل، حيث تتكدّس القضايا فوق بعضها كطبقاتٍ من التاريخ الحيّ، فلا تكاد تلتقط أنفاسك حتى تُفاجأ بحدثٍ جديد يقلب الموازين. هنا، يصبح الصحفيون – ربما – الأكثر حظًّا، فلديهم من المادة الخام ما يكفي لصنع آلاف القصص، دون أن يخشوا من جفاف المنابع أو فراغ الساحة.

في خضمّ هذا الزخم، تطفو على السطح رسالةٌ مثيرة للجدل، كُتبت بحبرٍ يمتزج فيه الفلسفة بالسياسة، والنقد بالتشريح الاجتماعي، لتُطرح أسئلةٌ لا تنتهي: لماذا الآن؟ وما الهدف من إثارة هذه العاصفة من النقاشات في وقتٍ يعجّ بالأزمات؟ الرسالة، التي تحمل توقيعًا مألوفًا، تتنقل بين الكون والذرة، بين الماركسية والإسلام، بين الفيزياء الكمومية وصراعات الهوية، وكأنها محاولةٌ لاحتواء العالم في سطورٍ قليلة. لكنّ الجدل الحقيقي لم ينشأ حول هذه الأفكار بقدر ما انفجر حول اللغة التي كُتبت بها، وتحديدًا ذلك الوصف الذي حوّل المجتمع الكوردي إلى "مزبلةٍ تفوق المستعمرة"، وتلك العبارات التي لم تترك شيئًا من الموروث الديني والاجتماعي إلا ومسحته بفرشاةٍ قاسية.

المشكلة ليست في النقد ذاته، فكل مجتمعٍ يحمل تناقضاته وعيوبه، وكل تاريخٍ يخفي تحت صفحاته انتصاراتٍ وهزائم. لكنّ المشكلة تكمن في كيف ننقد، وبأي عينٍ نرى، وأي لسانٍ ننطق. فحين يتحوّل الخطاب إلى ساحةٍ للتحقير، بدلًا من أن يكون جسرًا للفهم، نفقد إنسانيتنا قبل أن نفقد حججنا. هل يُعقل أن يُختزل شعبٌ بأكمله – بكلّ تراثه وكفاحه وتضحياته – في كلمةٍ جارحة؟ هل يُقبل أن تُلغى قرونٌ من الثقافة والفنون والأدب بجرة قلم؟ لننظر إلى الأمثلة التاريخية: فحتى الشعوب التي عانت من التفتيت، مثل الاسكتلنديين في مواجهة الإنجليز، أو العرب في تشتتهم الحالي، لم تُحكَم عليهم بالزوال لمجرّد أنهم فشلوا – حتى الآن – في توحيد رؤيتهم. التاريخ لا يرحم، لكنّه أيضًا لا يُختزل في لحظةٍ واحدة.

ثمّة شيءٌ مأساويٌ في أن يُحاكم الماضي بمعايير الحاضر، دون اعتبارٍ للسياق أو الظروف. فالشيخ سعيد، والقاضي محمد، وسيد رضا، وغيرهم من الرموز، لم يكونوا ملائكةً ولا شياطين، بل بشرًا حاولوا – ضمن إمكاناتهم – أن يخدموا قضيتهم. قد نختلف معهم، وقد نرفض بعض خياراتهم، لكنّ إنكار دورهم هو إنكارٌ للتاريخ نفسه. والأمر نفسه ينطبق على اللغة والثقافة: فالكوردية، مثل أي لغةٍ أخرى، تحمل في مفرداتها روح شعبها، وإذا كان ثمة نقصٌ في التطوير الأكاديمي أو السياسي لها، فذلك نتيجة القمع والمنع، لا العجز الذاتي. كيف نحكم على لغةٍ لم تُمنح فرصةً كاملةً لتزدهر؟

الأكثر إيلامًا في هذا السياق هو صمتُ بعض من يدّعون تمثيل هذا الشعب، والذين يتحركون فقط عندما تُهدّد مصالحهم الانتخابية. هم يرفعون شعاراتِ "الحرية" و"الكفاح"، لكنّهم يهرعون إلى صناديق الاقتراع كلّما شعروا بأنّ كرسيّهم في خطر. هذه المفارقة تكشف عن أزمةٍ أعمق: أزمة النخب التي تبيع أحلام الجماهير في سوق المساومات.

في النهاية، ليست المسألة مسألة آراءٍ فحسب، بل مسألة أخلاق. نستطيع أن نختلف حول الماركسية أو الإسلام، حول الكوانتم أو التاريخ، لكنّنا لا نستطيع – أو لا ينبغي – أن نختلف حول ضرورة الحفاظ على إنسانيتنا المشتركة. النقد ضرورةٌ حيوية، لكنّ الاحترام ضرورةٌ أكثر حيوية. والموضوعية مطلبٌ أساسي، لكنّ الإنصاف هو الأساس. ربما علينا أن نتذكّر دائمًا أن الكلمات ليست حروفًا مجردة، بل سكاكينُ قد تطعن القلوب قبل الأجساد. فهل نختار أن نكون جرّاحين أم جلّادين؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟
- شاطئ الخوف: تأملات في ظل صمت البنادق
- حين تتكلم الجبال ويسكت العالم
- على درب السلام، أين تقف الوعود؟
- رمادٌ لم يُدفن: كيف يُعاد تدوير الجريمة في ذاكرة الأمم؟
- تأمل في مشهدٍ يتدحرج من السلة إلى السلطة


المزيد.....




- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- الأمم المتحدة: الجوع الشديد يهدد جنوب السودان ومالي بسبب الص ...
- مندوب إيران في الأمم المتحدة: إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمر ...
- مندوب إيران في الأمم المتحدة: إسرائيل تجاوزت كل الخطوط الحمر ...
- مؤسستان فلسطينيتان: العزلة والمخاطر تتضاعف على الأسرى بسجون ...
- غزة والسودان في عين العاصفة.. الأمم المتحدة تحذر من مجاعة وش ...
- الأمم المتحدة: الحرب الإسرائيلية على غزة تسبّب -معاناة مرعبة ...
- ألمانيا: المؤبد لطبيب سوري متهم بارتكاب جرائم حرب في سوريا
- الأمم المتحدة: 638 ألف سوداني يواجهون خطر المجاعة
- مفوضية الأمم المتحدة للاجئين تلغي أكثر من 3000 وظيفة بسبب نق ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود