أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب














المزيد.....

سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 21:37
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في قلبِ الشرق الأوسط، حيث تُنثرُ الذكرياتُ كرمادِ الحروب، يلوحُ "سلامٌ" بين إسرائيل وإيران، كسرابٍ يخدعُ العطشانَ ببريقِ المياه، ثم يتركهُ عاريًا تحت شمسِ الواقع. الاتفاقُ الذي أعلنه ترامب، كُتِبَ بحروفٍ من نارٍ وقصاصاتِ ورقٍ دبلوماسيّ، لكنَّ جذوةَ الصراع لم تنطفئ، بل اختبأت تحت الرماد، تنتظرُ نفخةَ ريحٍ لتشتعلَ من جديد. فالحربُ لم تُدفَنْ، بل نُكِّسَتْ أعلامُها مؤقتًا، بينما تظلُّ الأسبابُ الجذريةُ كالألغامِ المزروعةِ تحت ترابِ الهدنة، جاهزةً للانفجارِ عند أولِ خطوةٍ خاطئة.

البرنامجُ النوويُّ الإيرانيُّ، ذلك الشبحُ الذي يُطارِدُ ليالي تل أبيب وواشنطن، لم يختفِ رغمَ الضرباتِ الأمريكية. فالمادةُ النوويةُ التي اختفتْ من المنشآتِ المدمرةِ قد تكونُ انتقلتْ إلى قلاعٍ تحت الأرض، كالأفعى التي تنسلُّ من جلدها القديم. ترامب يُصرخُ "انتهى البرنامج!"، لكنَّ صمتَ المنظمات الدولية يشي بأسئلةٍ معلقةٍ كسيفٍ فوق رقابِ الجميع. وإيران، التي تئنُّ من جراحِها، قد تُحوِّلُ تلك الموادَّ إلى سلاحٍ وجوديّ، كالغريقِ الذي يتشبثُ بحطامِ السفينة. ترامب يهددُ بضربةٍ جديدة، وكأنه يُعيدُ سيناريو الحربِ إلى نقطة الصفر، بينما التاريخُ يُعلّمنا أنَّ العقوباتَ والقنابلَ وحدها لا تُنهي الأحلامَ النووية، بل تُحوّلها إلى كابوسٍ جماعيّ.

وفي زوايا المشهدِ الخلفية، تُلوحُ ظلومةُ التنينِ الصيني، الذي يلعقُ جراحَ إيرانَ بلسانِ النفطِ والعقودِ الاقتصادية. واشنطن تُرخي القيودَ قليلًا، فتتنفسُ طهرانُ الصعداء، لكنَّ هذه الأنفاسَ ليستْ هبةً أمريكية، بل جزءًا من لعبةِ الشطرنجِ الكبرى مع بكين. الصينُ، العدوُّ الأكبرُ لواشنطن، تمدُّ خيوطَها نحو طهرانَ كي تُحافظَ على توازنِ القوى، وتُضعفَ قبضةَ العقوبات. ترامب يُرسلُ إشاراتٍ متناقضةً كالعاشقِ الحائر، بين تشديدِ الخناقِ وفتحِ نوافذَ للتهوية، وكأنه يقولُ لإيران: "عيشي.. لكنْ لا تتنفسي بعمق!".

أما إسرائيل، فتبدو كالصقرِ الذي يرفضُ أن يُغمضَ عينيه عن الفريسة. نتنياهو يُريدُ "زوالًا مطلقًا" للنظامِ الإيراني، لا مجردَ تعطيلٍ لبرنامجه النووي. الهجماتُ السيبرانية، والخطاباتُ التحريضية، ودعمُ المعارضةِ في الشتات، كلُّها أدواتٌ لصنعِ "ثورةٍ ملونة" تحت شعارِ التحرير. لكنَّ ترامبَ، الذي يُفضلُ الاتفاقَ على الفوضى، يبدو كمن يُمسكُ بزمامِ صقرٍ جامح، يحاولُ ترويضهُ قبلَ أن يُطلقَ مخالبَهُ في جسدِ المنطقة. والغريبُ أنَّ إسرائيلَ نفسَها لا تُريدُ سقوطَ النظامِ الإيرانيِّ فحسب، بل تُريدُ إعادةَ تشكيلِ الشرقِ الأوسطِ كلهُ وفقَ رؤيتها، حيثُ تُصبحُ القدسُ عاصمةً أبدية، والفلسطينيون ذكرى باهتةً في كتبِ التاريخ.

وفي وسطِ هذه العاصفة، تقفُ تركيا كشجرةٍ عتيقةٍ تحاولُ أن تثبتَ جذورَها بين رياحِ المصالحِ المتضاربة. أردوغان، الذي يتحدثُ بلغةِ الدبلوماسيةِ والحوار، يعلمُ أنَّ أيَّ حربٍ جديدةٍ ستُغرقهُ بموجاتِ اللاجئين، وتُهددُ أحلامَهُ في سوريا. أنقرةُ تُراقبُ بحذرٍ تحركاتِ إسرائيلَ في الجنوبِ السوري، وتُحذّرُ من تحويلِ سوريا إلى ساحةٍ لتصفيةِ الحسابات. لكنَّ تركيا نفسَها ليستْ بريئةً من الأجندات، فهي تُريدُ إعادةَ إعمارِ سوريا بشركاتِها، وإعادةَ تشكيلِ جيشِها بيدِها، كي تُمسكَ بورقةٍ رابحةٍ في لعبةِ النفوذ. ومع ذلك، فإنَّ كلماتَ فيدان: "لا نريدُ مواجهةً مع إسرائيل"، تُذكّرنا بأنَّ السلامَ الحقيقيَّ لن يولدَ إلا بموتِ الأطماعِ القديمة، وولادةِ ثقافةٍ جديدةٍ تُقدسُ الحياةَ فوقَ الحجارةِ والحديد.

فهل هذا السلامُ "الميتُ عند الولادة" قادرٌ على أن يتحولَ إلى طفلٍ حيّ؟ التاريخُ يُجيبُ بأنَّ الهدناتِ في الشرقِ الأوسطِ تشبهُ الزجاجَ الهشَّ، قد يُزيّنُ النوافذَ لبرهة، لكنه ينكسرُ عند أولِ عاصفة. فما لم تُحلَّ جذورُ الأزمات، من البرنامجِ النوويِّ إلى أحلامِ الهيمنة، ومن صراعِ القوى العظمى إلى جراحِ الشعوبِ المنسية، فإنَّ الشرقَ الأوسطَ سيبقى ساحةً مفتوحةً للحروب، تُدفنُ فيها الأجيالُ تحت ركامِ الخطاباتِ والوعودِ الزائفة. وكما قالَ الشاعر: "السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ"، فهل ننتظرُ أن تُكتبَ فصولُ السلامِ بمدادِ الدمِ مرةً أخرى؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي
- انفتاح الغرب... نافذة خلاص أم قيد ناعم؟


المزيد.....




- -من سيزوره؟-.. كيم جونغ أون يفتتح منتجعًا شاطئيًا ضخمًا يتسع ...
- كاميرا تلتقط مشهدًا مثيرًا لدوامتي مياه معلقتين بين السماء و ...
- قانون التجنيد يشعل أزمة الحريديم مجدداً.. ونتنياهو أمام اختب ...
- بعد أشهر من الحرمان.. أكياس الدقيق تعود إلى غزة والأمهات ينت ...
- موقع أميركي: المرشح لرئاسة بلدية نيويورك زهران ممداني يثبت أ ...
- هل كانت روسيا حليفًا متخاذلًا لإيران في اللحظة المفصلية؟
- ميرتس يسجل أول حضور باجتماع أوروبي متشدد للهجرة
- حول تنظيم المنتدى الخامس للجمعية الدولية لعلم الاجتماع بالرب ...
- -النصر.. رونالدو، القصة مستمرة- بعد تمديد النجم البرتغالي عق ...
- محاكمة محتملة لوزيرة فرنسية بتهمة الفساد في قضية كارلوس غصن ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب