أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية














المزيد.....

الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8386 - 2025 / 6 / 27 - 08:33
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تتلاشى أنوار المعارك لتترك وراءها سحابة من الأسئلة الوجودية، حيث تتحول الهدنة من مجرد توقفٍ مؤقت للقتال إلى مرآة تعكس تشظي الإرادات وتناقض الروايات. فما بين زئبقية الخطاب السياسي وصلابة الوقائع الميدانية، تنشأ فجوةٌ لا تُردم إلا بسرديات تزيّنها الأطراف المتنازعة بألوان النصر الوهمي. إسرائيل ترفع راية "الانتصار الكامل" بعد ضرباتٍ قالت إنها شلت البرنامج النووي الإيراني، بينما ترد طهران بأنها انتزعت "توازن الردع" وأثبتت صموداً وجودياً. لكن العقل التحليلي لا يكتفي بالشعارات؛ فالتقارير الاستخباراتية تكشف أن الأضرار النووية مؤقتة، وأن قلب المنشآت الحساسة ظلّ سالماً، مما يطرح سؤالاً جوهرياً: هل النصر هو مجرد صناعة سردية، أم أنه حصيلة تغيير ملموس في معادلات القوة؟

في هذا المسرح المُعتم، تبرز الحرب الباردة على جبهة المعلومات كمعتركٍ لا يقل شراسة عن ساحات القتال. فالتسريبات والبيانات المتناقضة تعكس صراعاً خفياً بين أروقة الاستخبارات ودهاليز صنع القرار. واشنطن تتهم بتشويه الحقائق، وتل أبيب تواجه انتقاداتٍ داخلية حول "الفجوة التكنولوجية" التي ظهرت رغم الادعاءات بالتفوق المطلق. هنا، تتحول الهدنة إلى ساحةٍ جديدة للصراع، حيث تُختبر مصداقية الروايات، وتُقاس القوة ليس بعدد الصواريخ المُسقطة، بل بقدرة كل طرف على حفر سرديته في وعي الرأي العام العالمي.

أما الدبلوماسية، فتسير على حبلٍ مشدود فوق فوهة بركان. فتحت طاولة المفاوضات، تلوح واشنطن بإحياء الاتفاق النووي، بينما ترفع طهران شعار "الحقوق السلمية" كشرطٍ غير قابل للمساومة. وفي الظل، تقف موسكو وبكين كشاهدَيْن صامتين، تاركتين خيوط اللعبة تتشابك دون انخراطٍ مباشر. روسيا تختزل دورها في التلميحات الدبلوماسية، والصين تختار الصمتَ الاستراتيجي، مدركتين أن أي خطأ في هذه المعادلة قد يُشعل حرباً إقليمية لا تُبقي ولا تذر. وفي قلب هذا التيه، تواجه إيران معضلة ثلاثية الأبعاد: إعادة بناء ترسانتها، والحفاظ على مكاسبها النووية، وترميم صورتها كقوةٍ صامدة في مواجهة العزلة الدولية.

لكن اللعبة لا تقتصر على الأطراف المباشرة، فالمشهد الإقليمي يغلي بتحركاتٍ خفية. إسرائيل تسعى لنسج تحالفات أمنية مع دولٍ كانت بالأمس القريب على حافة العداء، في محاولةٍ لتوسيع دائرة الردع. بينما تعيش طهران على وقع حملات قمع داخلية ضد "العملاء"، وكأنها تحاول تطهير جسدها السياسي من أي شوائب قد تُضعف موقفها في الجولة القادمة. وفي خضم هذا، تطفو على السطح حقيقةٌ مقلقة: الهدنة ليست نهاية الحرب، بل هي استراحة المحارب، حيث يُعاد ترتيب الأوراق استعداداً لجولةٍ أكثر ضراوة.

سباق التكنولوجيا: حين تتحول القوة إلى معادلة رقمية

في أروقة "رافائيل"، حيث تُنسج أسرار التكنولوجيا العسكرية، أعلنت إسرائيل بداية المرحلة الثانية من حربها مع إيران، لكن هذه المرة ليس بالصواريخ فقط، بل بالسيطرة الرقمية على ساحة المعركة. فبينما كان المدير العام لوزارة الدفاع، أمير برام، يعلن عن تطوير "القبة الحديدية" بطرازاتها المتقدمة، كان الصوت الخفي بين السطور يقول: إن المعركة القادمة ستُحسم في معامل الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات، لا في الخنادق. إسرائيل تدرك أن التفوق التكنولوجي لم يعد رفاهية، بل ضرورة وجودية، خاصة بعد أن كشفت الهجمات الأخيرة عن ثغراتٍ في منظوماتها الدفاعية.

وفي الجانب الآخر، تُسرع طهران خطاها نحو اختزال الزمن النووي، معلنةً رفع وتيرة تخصيب اليورانيوم كردٍّ استباقي على أي ضربة مقبلة. لكن الصراع هنا ليس تقنياً فحسب، بل هو أيضاً انعكاس لتناقضات البنية الداخلية الإيرانية. فبين مُشدّدي الحرس الثوري الداعين لامتلاك القنبة كضمانة نهائية، والتيار الإصلاحي الذي يفضل "الخيار النووي الخفي"، تُختزل معضلة إيران في سؤالٍ واحد: هل الأجدى مواجهة إسرائيل بقوةٍ صاروخية صرفة، أم باللعب على حافة الهادر النووي دون تجاوزه؟

هكذا يتحول الصراع من مواجهةٍ بين جيشين إلى حرب أنظمة ذكية، حيث تُقاس القوة بعدد الخوارزميات القادرة على اختراق دفاعات الخصم قبل حتى إطلاق الصواريخ. إسرائيل تعلن صراحةً أنها لن تعود إلى ما قبل الهجمات، وكأنها تضع العالم أمام خيارٍ وحيد: إما سباق تسلح تكنولوجي يُعيد تعريف معنى الردع، أو حربٌ شاملة تُذيب كل الحدود بين العسكري والسياسي.

وفي النهاية، تبقى الهدنة مجرد صفحةٍ في كتاب الصراع الأطول. فتحت رماد التهدئة، تُخفي الأطراف جمراً لا ينطفئ، ومصالح لا تموت. السؤال الذي يلوح في الأفق كشبحٍ مطارد: هل تستطيع الإرادة السياسية أن تتحول من أداة حرب إلى جسر سلام، أم أن العالم مقبل على حقبةٍ جديدة من الردع المتبادل، حيث تصبح التكنولوجيا هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الجميع؟



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...
- رحلة الكُرد نحو الذات السياسية
- بين سُحب التقسيم ووهج الاتفاق: رقصة الأضداد في ظل الشرق المض ...
- أقنعة الاستبداد: سوريا بين مطرقة التقديس وسندان التماثل الخف ...
- لعبة التوازن بين الحوار والقمع في الملف الكوردي التركي


المزيد.....




- ضربة إيران.. أهم الأسئلة التي بقيت بلا إجابة بعد كشف البنتاغ ...
- ترحيل مصري من الولايات المتحدة بعد إدانته بركل كلب وإلزامه ب ...
- عودة مؤثرة لأسرى الحرب الأوكرانيين بعد الإفراج عنهم ضمن عملي ...
- صواريخُ ومسيّرات.. لغة الحوار بين أوكرانيا وروسيا وترامب يرى ...
- روسيا تعلن التصدي لعشرات المسيّرات الأوكرانية وإصابة صحفي في ...
- سفيرة أميركا لدى روسيا تغادر منصبها في ظل نقاش عن ضبط العلاق ...
- خبراء أميركيون: ما الذي يدفع بعض الدول لامتلاك السلاح النووي ...
- الحكومة الكينية تعتبر المظاهرات محاولة انقلابية وسط انتقاد أ ...
- هكذا وصلت الملكة رانيا والأميرة رجوة إلى البندقية لحضور حفل ...
- شاهد لحظة إنقاذ طفلة علقت في مجاري الصرف الصحي في الصين لساع ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - بوتان زيباري - الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية