أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق














المزيد.....

كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 10:28
المحور: القضية الكردية
    


في قلب الشرق الأوسط، حيث تلتقي دماء التاريخ بجراح الجغرافيا، تقف كوردستان شامخةً كشاهدٍ على واحدة من أعظم المآسي الإنسانية. لم تكن مجرد أرضٍ تُقسَّم، بل كانت هويةً تُشرَّر، وشعبًا يُحوَّل إلى غريب في وطنه. فبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، لم تكن خطوط سايكس-بيكو مجرد حدودٍ مرسومة على الورق، بل كانت شفراتٍ استعماريةً مزَّقت جسدًا حيًا، وحوَّلت تاريخًا عريقًا إلى ركامٍ من الهويات المزيفة. لقد صاغ المستعمرون البريطانيون والفرنسيون كياناتٍ هشة من فراغ، ثم زينوها بشعارات قوميةٍ مموهة، كالعروبة والطورانية، ليخفو وراءها جراحًا لا تندمل.

لم تكن "القومية العربية" سوى وهمٌ نسجه ضباط الاستخبارات البريطانيون مثل "ستورز" و"لورانس"، ثم أعادت المخابرات الأمريكية صياغته بأردية اشتراكية زائفة في عهد عبد الناصر. أما "القومية التركية"، ف مويز كوهين، المعروف بـ"كوك ألب" المتحول إلى رمزٍ قومي – الذي حوَّل الإرث العثماني المتعدد الأعراق إلى أسطورةٍ عنصرية تخدم مشروع أتاتورك التصفوي. وفي كلتا الحالتين، كان الهدف واحدًا: تفكيك المنطقة إلى كياناتٍ متناحرة، تُنكر بعضها بعضًا، وتنسى أنها جميعًا ضحايا المؤامرة ذاتها. لقد جُرِّد الكوردي من اسمه ولغته وتاريخه، ثم وُضع في قوالبَ مصطنعةٍ تمنعه حتى من تذكُّر ماضيه. ففي سوريا صار "عربيًا"، وفي تركيا "طورانيًا"، وفي إيران "فارسيًا"، بينما ظلَّ غريبًا في كلٍّ منها.

لم يكن التقسيم الجغرافي سوى الوجه الظاهر للمؤامرة، أما الوجه الخفي فكان طمس الهوية عبر تغيير أسماء المدن والقرى، وتجريم اللغة الكوردية، وتزوير التاريخ. فكيف يُطلب من شعبٍ أن يُشارك في مؤسسات كياناتٍ قامت على إنكاره؟ كيف يُنتظر منه أن يقبل بـ"حكم ذاتي" هشٍّ يُمنح كصدقة، بينما أرضه تُنهب وتراثه يُسرق؟ إن المشاركة في هذه اللعبة السياسية المزوَّرة ليست سوى إضفاء شرعية على كياناتٍ استعمارية، واعترافًا ضمنيًا بشرعية التقسيم.

لكن الأرض لا تكذب، والذاكرة لا تموت. فمن سومر إلى ميديا، لم تكن كوردستان مجرد جغرافيا، بل كانت وعاءً لحضاراتٍ صنعت التاريخ. اليوم، تخرج الأرض صرخاتها من تحت الأنقاض: نقوشٌ في آمد، وحجارةٌ في دهوك، وقصائدٌ تُنشد بالسورانية والكرمانجية، كلها تشهد على زيف تلك الحدود. فاكتشافات الآثار الحديثة تثبت أن هذه الأرض كانت مهدًا للإنسان قبل أن يُختزل وجودها إلى سطورٍ في اتفاقيات استعمارية.

إن المعركة اليوم لم تعد ضد المستعمر القديم وحده، بل ضد إرثه الذي تحوَّل إلى نظام عالمي جديد. فالدساتير الجديدة، والانتخابات الزائفة، وحتى الخطابات "الوحدوية" المعلبة، كلها أدوات لإدامة التبعية. ولكن طريق التحرر يبدأ بالاعتراف بالجريمة الأولى: أن كوردستان لم تُقسَّم بسبب ضعفها، بل لأنها كانت قويةً بما يكفي لتهديد مصالح الغزاة. لذا، فإن النضال الحقيقي ليس مسلحًا فحسب، بل هو ثقافيٌ في جوهره. تعليم اللغة، حفظ التراث، كشف زيف الروايات الرسمية – هذه معارك لا تقل أهمية عن المواجهات السياسية. فالأرض التي تُنسى لن يُعاد لها حقها، والشعب الذي ينسى نفسه لن يطالب بأرضه.

في النهاية، ليست قضية كوردستان مجرد صراعٍ على حدود، بل هي اختبارٌ لإنسانية العالم أجمع. ما قيمة القانون الدولي إن صمت أمام شعبٍ يُحاكم لمجرد تلفظه باسمه؟ وما معنى الحضارة إن كانت تُشرع لاستمرار احتلالٍ عمره قرن؟ ربما يأتي اليوم الذي تُدرك فيه الشعوب المجاورة أن التقسيم الاستعماري لم يظلم الكورد وحدهم، بل خدع الجميع. عندها فقط، ستنكسر الأوهام، وتُولد الهويات الحقيقية من تحت الرماد.

لذا، فإن الخيار الوحيد هو الوحدة: وحدة الصف الكوردي، وتعزيز الوجود الدبلوماسي الدولي، وبناء وعيٍ جماعيٍ يجعل من الأجيال القادمة حراسًا للهوية والحق. فالمستقبل لا يُبنى على تمجيد كياناتٍ هجينة، بل على التمسك بالجذور، والنضال من أجل كوردستانٍ حرّةٍ موحدة، من طوروس إلى زاغروس، حيث يعود الشعب إلى أرض أجداده، منتصرًا على كل أوهام التقسيم.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار
- اللامركزية بين مطرقة السلطة وسندان الحرية: تأملات في فلسفة ا ...
- صراع الجبابرة: إيران وسوريا في دوامة الشرق الأوسط الدامية
- الكوردايتي: سيمفونية تحوّلٍ من البقاء إلى الازدهار
- تأملات في الحرية والذات والهوية
- صوت المثقّف في مواجهة دوّامة التفاهة والانقياد
- حين ينهش القناع مَن يلبسه
- سوريا بين رُكام الشرق وحُمى الغرب: عن الأويغور، إسرائيل، وخر ...
- تركيا والكورد في مفترق الطرق
- انفصال المعنى عن الفعل الإنساني: المأساة الصامتة للمجتمع الح ...


المزيد.....




- 91 بالمائة من المهاجرين الأفغان غير الشرعيين يعودون طوعاً إل ...
- أولمرت يتهم الشرطة الإسرائيلية بالمسؤولية عن -جرائم حرب- بال ...
- بريطانيا.. اعتقال أكثر من 40 شخصا خلال احتجاجات في لندن رفضا ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإتمام صفقة ت ...
- الهيئة العليا لعشائر غزة: المجاعة تفتك بالأهالي والمستشفيات ...
- الآلاف يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة بإتمام صفقة تبادل أسرى
- أوامر قضائية جديدة تقيد إجراءات إدارة ترامب تجاه المهاجرين ...
- سفينة شحن إيرانية تنقذ عشرات المهاجرين السودانيين من الغرق ...
- نتنياهو يناقش غداً صفقة الأسرى وسط مماطلة الاحتلال
- جريمة إبادة متعمدة في نقاط توزيع المساعدات: الاحتلال يقتل 27 ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق