أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة المحنة














المزيد.....

أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة المحنة


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 08:42
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


لم يكن غبار المعارك آخر ما خلَّفه هذا العبث الدموي، بل كان الإرث الأقسى هو ذلك الفراغ الوجودي الذي التهم أحلامًا بُنيت بعرق الجباه ودموع الثكالى. لقد ذهبَ مَن ذهبَ ضحيَّةً للطغيان، وتشرَّد مَن تشرَّد في دروب المنافي، كأوراق الخريف التي تذروها رياحٌ لا تعرف الرحمة. دُمِّرت المدنُ حتى صارت أشباحًا تحكي قصصًا لم يعد يُصغى إليها، وسُلبَت الأوطانُ حتى لم يعد فيها إلا صدى صراخٍ بلا جواب. حتى الأمل، ذلك الكائن الهش الذي كان يتربَّع في صدور الحالمين، جُعِلَ طريحًا تحت سنابك الخيانة والجشع. فما بقي إلا ظلالٌ بشرية تتحرك بين الركام، تحمل ألقابًا بلا معانٍ، وتُصدر خطاباتٍ بلا روح، كأنها مرايا عاكسة لتلك القذارات التي صارت تُمسك بمصائر الشعوب.

الأوطان لا تُبنى على أساطير الطوائف ولا أوهام الخلافة، فهذه أضغاث أحلامٍ يروِّج لها مَن يبيعون الوهم في سوق النخاسة السياسية. التاريخ يُعلِّمنا أن الشعوب التي ترفض الخروج من قمقم العصبية، تظلُّ تدور في حلقة مفرغة من الدم والانتقام. فكم من أممٍ سقطت لأنها آثرت عبادة الأجداد على بناء المستقبل؟ وكم من حضاراتٍ تحوَّلت إلى أطلال لأنها ظلَّت تسقي جذورها بماء الأحقاد؟ سوريا، تلك الجوهرة السنية في تاج المشرق، لم تسقط فقط بسبب القصف والدمار، بل سقطت لأن بعض أبنائها ظلوا يرقصون على أنغام الماضي، بينما التاريخ يكتب سطوره بمداد النار.

هل يمكن لسوريا أن تعود؟ السؤال يُذكِّرنا بتلك الأسطورة اليونانية عن "سيزيف" الذي كان يُعذَّب بدفع الصخرة إلى الأعلى فقط لتهوي مرة أخرى. لكنَّ الفارق هنا أن سيزيف كان وحده، أما السوريون فجرَّارتهم تدفعها أيادٍ كثيرة، بعضها خفيٌّ وبعضها مرئيٌّ، لكنها جميعًا تتشارك في صنع المحنة. الوقت مبكرٌ لاستعادة الحضور، لكنه ليس مستحيلًا. فالتاريخ يعلمنا أن الأمم كالأشجار، قد تسقط أوراقها، لكن الجذور الحية قادرة دائمًا على إنبات الغصون من جديد. لكن شرط ذلك أن يتوقف أولئك الذين يسيرون في ركاب التهلكة عن الانجراف نحو الهاوية، مدفوعين بصراخ العصبوية الذي لا يزيد الأمم إلا تمزقًا.

إنهم أولئك الذين لا يُدركون ضلالهم إلا عندما تُكشف عوراتهم، فيتحولون فجأةً من مُحرِّضين على الفتنة إلى ضحايا وهميين لمؤامرات من صنع خيالهم. هم يُشبهون أولئك الذين يصرخون عند رؤية الخطر، لكنهم لا يدركون أن الخطر الحقيقي يكمن في تلك الروح التقسيمية التي تغذي نار العداوة. فمتى يفيقون من غفلتهم؟ ومتى يدركون أن الوطن لا يُبنى بشعارات التفرقة، بل بإرادة العيش المشترك؟ الجواب لا يزال ينتظر، لكن الأكيد أن سوريا لن تقوم إلا عندما يتحول أبناؤها من حطَّابين للتاريخ إلى بُنَّاءٍ للمستقبل.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي
- سوريا.. بين جثةٍ تُقسَّم وقلبٍ لا يزال ينبض
- السويداء: صدى الدم في وحدةٍ مكسورة
- بين الثورة والتجديد: من خُميني إلى الشرع السنيّ
- دمٌ على جدران التاريخ: سردية الكورد بين المذابح والانتفاضات
- هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...
- ملحمة الصراع الإيراني-الإسرائيلي وتصدعات الشرق المكسور
- صراع الوجود وأسئلة المصير: الهجوم الإسرائيلي على إيران بين ا ...
- سقوط الأقنعة: حين يصبح الفساد سلاحاً للانهيار والهيمنة
- تأملات في الخطاب والهوية بين السجال والوجود
- رياح التمرد والهشاشة: الكورد بين مطرقة الذات وسندان الجوار


المزيد.....




- أسلوب مختلف لجورجينا رودريغز في اختيار أزيائها خلال زيارتها ...
- من هم دروز سوريا ولماذا يتعرضون للهجوم؟
- -استراتيجيات تأقلم سلبية-، الحرب في اليمن تُجبر نساء على الت ...
- الحمم تجذب الزوّار مجددًا: ثوران بركاني جديد يعيد الحياة الس ...
- ويتكوف يتحرّك بين روما والدوحة.. مفاوضات -حاسمة- بشأن هدنة غ ...
- جامعة كولومبيا تعاقب 80 طالبا بسبب احتجاج مؤيد للفلسطينيين
- ماذا تعرف عن المؤرخ الذي توقع صعود ترامب واقتحام الكونغرس؟
- 5 تمارين بسيطة تعكس مرونة عضلاتك
- المدرعة -زاها- أول مركبة برمائية تركية متقدمة
- لقطات جديدة لترامب وإبستين من زفاف الرئيس وعرض أزياء فيكتوري ...


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة المحنة