أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت














المزيد.....

الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 00:16
المحور: القضية الكردية
    


في زحمة الحروب التي لا تُعد ولا تُحصى، وفي متاهة السياسة التي تُدار بحساباتٍ لا تُعلن، يبقى الكردي واقفًا، لا يطلب شهادة رثاء من التاريخ، بل يطالب بمكانه في الحياة. ليس سؤاله عن الحدود أو الجنسية أو اللغة مجرد مطلب إداري، بل هو صرخة وجود، صرخة شعب تجاوز الثلاثين مليونًا، يعيش على أرضه كغريب، ويُعامل في وطنه كمُجرم. ووسط هذا الصراع الطويل، تبرز تركيا، أو بالأحرى تبرز سياسة رجب طيب أردوغان، التي تُبنى على مبدأ واحد: أن الكردي، أينما كان، هو تهديد. ليس لأنه يحمل السلاح، بل لأنه يحمل الذاكرة، وله لغة، ولديه حلم.

أردوغان، الذي يحكم بيد من حديد منذ عقود، لم يُخفِ يومًا عداءه للقضية الكردية. لم يكن هذا العداء مجرد موقف سياسي، بل أضحى جزءًا من بنية النظام نفسه. كل خطوة يخطوها، داخل تركيا أو خارجها، تُقاس بمدى قدرتها على كبح صوت الكردي، على تهميشه، على تفتيته. يتحدث عن "السلام"، ويُرسل الطائرات الحربية إلى جبال قنديل. يدّعي التفاوض، ويعيد فتح الجبهات في الشمال السوري. يُعلن عن "فرص متقدمة" في الحوار مع عبد الله أوجلان، وفي الوقت نفسه يُصعّد من القصف على مناطق يقطنها مدنيون أكراد، يسقطون كل يوم كأرقام لا تُهم، بينما تُكتب التقارير ببرود دبلوماسي.

لكن الأغرب من ذلك كله هو محاولته تجميل هذا العداء بعباءة "محاربة الإرهاب". فحزب العمال الكردستاني، الذي يُصنفه أردوغان عدوًا رقم واحد، لم يُخلق من فراغ، بل هو نتاج عقود من القمع، من حرمان، من إلغاء الهوية. وحين يُصرّ أردوغان على أن المشكلة ليست مع الشعب الكردي، بل مع "الإرهاب"، فإنه يكذب على نفسه قبل أن يكذب على العالم. كيف يمكن أن تُفاوض شعبًا من خلال سجنه لقائده؟ كيف تتحدث عن حقوق ثقافية ولغوية في دستور جديد، بينما تُدمر القرى الكردية بالطائرات، وتُهجر العائلات، وتُبنى "مناطق آمنة" على أنقاض بيوت المهجرين؟

وإذا كان أردوغان يعتقد أن بإمكانه أن يُحلّ القضية الكردية بضربة جوية أو بصفقة مع ترامب، فهو واهم. لأن الشعب الكردي لم يُهزم يومًا بالحروب، بل نما فيها. لم يُقتل صوته بالرصاص، بل ازداد ارتفاعًا. وحين يُرسل جنوده إلى جيبوتي، كما لو أن هناك تهديدًا كرديًا يُهدد أنقرة من هناك، فهو لا يُظهر قوة، بل يُظهر هشاشة مشروعه. مشروع يقوم على الخوف من الآخر، من المُختلف، من المُطالب بحقوقه.

وفي سوريا، حيث تُرسم الخرائط على وقع المدافع، تُحاول تركيا تحويل الحكومة المؤقتة إلى أداة لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، كأنها تريد إشعال فتيل صراع لا ينتهي، يُضعف الجميع، ويخدمها وحدها. لكن قسد ليست مجرد تشكيل عسكري، بل هي تجربة سياسية، تجربة لامركزية، تجربة ديمقراطية حقيقية، تُعطي صلاحيات حقيقية للإدارة المحلية، تُطبّق ما لم يطبّقه حزب البعث في عقود. وحين تُحاول تركيا عرقلة هذه التجربة، فهي لا تُحارب مسلحًا، بل تُحارب فكرة، فكرة التعايش، فكرة التنوع، فكرة أن سوريا يمكن أن تكون وطنًا لكل أبنائها.

ومن المفارقات أن الولايات المتحدة، التي تُتهم أحيانًا بالاستغلال، تُصبح في هذا السياق حليفًا أكثر وعيًا من بعض الجوار. فرغم تقلبات السياسة الأمريكية، ورغم تغريدات ترامب التي كانت تُغيّر الموقف في لحظة، إلا أن الواقعيّة جعلت من الكرد حلفاء موثوقًا بهم. لم يُخيبوا ظنّها في معركة داعش، وهم يُمسكون اليوم بأكثر من ألفي أسير من التنظيم، يُحذرون من كارثة إن لم تُؤخذ قرارات جادة. والأخطر أن بعض الدوائر الإسرائيلية تُعلن بصراحة أن "سوريا المقسمة" هي الأفضل، ما يُكشف عن مشروع تفتيتي أكبر، لا يخدم إلا من يُريد المنطقة ضعيفة، مشتتة، تابعة.

لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها هي أن الموقف الأمريكي ليس موقفًا واحدًا. هناك مؤسسة عسكرية، وهناك مؤسسة دبلوماسية، وهناك مراكز قوى داخلية تُدرك أن الوجود في شرق الفرات ليس ترفًا، بل مسألة أمن قومي. فالنفط، والأنابيب، والموقع الجيوسياسي، كلها عوامل تجعل من بقاء أمريكا في سوريا حتمية استراتيجية، وليس خيارًا ترفيهيًا. وتجربة أفغانستان، وانسحاب 2019 الذي خذل القادة الأكراد، لا يمكن أن تتكرر بسهولة، خصوصًا بعد أن بات من الواضح أن الانسحابات المفاجئة تُعيد إنتاج الفوضى، لا الاستقرار.

أما العلاقة بين أردوغان وترامب، فهي ليست علاقة حلفاء، بل علاقة صفقة. رجل مبادئ مقابل رجل تجارة. وحين يُراهن أردوغان على هذه العلاقة، فهو يراهن على رملٍ متحرك. لأن المؤسسة الأمريكية، رغم كل ما يُقال، لا تُبنى على التغريدات، بل على مصالح استراتيجية طويلة الأمد، لا تتفق غالبًا مع الطموحات السلطوية لأنقرة.

وفي النهاية، لا يمكن لأي شعب أن يُهزم طالما يُؤمن بقضيته. والكردي اليوم أمام اختبار كبير: أن يُعيد ترتيب بيته الداخلي، أن يُوحّد قواه السياسية، أن يُصبح يدًا واحدة، لا أصابع متفرقة. لأن القوة لا تُبنى بالسلاح وحده، بل بالوحدة، بالرؤية، بالوعي. وحين يقف الكرد معًا، سيأتي اليوم الذي تضطر فيه كل القوى، من أنقرة إلى واشنطن، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات ليس كمُنتصر ومُنهزم، بل كأطراف متساوية في الحقوق، في الأرض، في الحلم.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تبكي الجبال وتحتضر الرمال
- الهوية التي تكسر حدود الاستعمار: الكورد وقضية الأرض
- صدى العهد والتفويض الثائر: صوت كوردي في رحلة دستور وأرض
- في حضرة الجغرافيا المنسيّة: الكورد بين جذور الأرض وخرافات ال ...
- أطياف الخراب وصهيل الأوهام: سوريا بين سندان التاريخ ومطرقة ا ...
- حين تُكتب الخيانة بخطٍّ كوردي
- سوريا.. بين جثةٍ تُقسَّم وقلبٍ لا يزال ينبض
- السويداء: صدى الدم في وحدةٍ مكسورة
- بين الثورة والتجديد: من خُميني إلى الشرع السنيّ
- دمٌ على جدران التاريخ: سردية الكورد بين المذابح والانتفاضات
- هل نحن أصحاب سردنا أم مجرد متلقين؟
- أزمنة النبع الكوردي: من أطلال التشتت إلى ضياء السياسة
- رسائل لم تُسلَّم... وذاكرة لا تموت
- كوردستان: الجرح النازف في جسد الشرق الأوسط الممزق
- الشرق الأوسط يُعيد تشكيل خارطته.. فهل من يقظة كوردية تُعيد ل ...
- التطبيع السوري الإسرائيلي.. صراع المصالح وتنافس الأدوار في ظ ...
- لعبة الأقنعة: تشريح الصراع التركي بين الديمقراطية والاستبداد ...
- الهدنة والردع: أطياف القوة في لعبة المصالح المتشظية
- سلامٌ هشٌّ.. كالزجاج يلمع ويُخفي شظايا الحرب
- أطياف الصراع: قراءة فلسفية في تداعيات الضربة الإيرانية والرد ...


المزيد.....




- مئات الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بصفقة تبادل أ ...
- رفضا لسياسة تجويع الفلسطينيين.. مئات الإسرائيليين يتظاهرون ق ...
- الأونروا: لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر ويجب اتخاذ قرار سياسي ...
- تهافت الغزيين على التكايا الخيرية في ظل تفاقم المجاعة
- الأونروا: لا يمكن استمرار قتل إسرائيل للفلسطينيين خلال محاول ...
- تحت الحصار.. مدينة درزية على شفا المجاعة
- خبراء الأمم المتحدة يدعون إسرائيل إلى إعادة تفعيل منظومة الم ...
- ما يزيد عن مجرد حزب جديد
- الأمم المتحدة تعلن وفاة 7 مهاجرين من الجوع والعطش قبالة سواح ...
- وزيرة بريطانية تحذر من تفاقم أزمة المجاعة بقطاع غزة


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - الريح لا تُمسك بالأسوار، والشعب لا يُهزم بالصمت