بوتان زيباري
الحوار المتمدن-العدد: 8434 - 2025 / 8 / 14 - 22:32
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
في زحمة الإعلانات عن "انقلابٍ ناعم" في سوريا، تُنسف المدن، وتُذبح العائلات، ويُستبدل السكان بأمراء جهاديين من آسيا الوسطى. لم تسقط دولة الأسد لِتُبنى دولة مدنية، بل لِتُقام خلافةٌ معلنة بفعل الأمر الواقع، تُدار من دمشق بيد مجموعاتٍ مصنّفة إرهابية في القوائم الأميركية والأوروبية. لم يُعلن الجولاني تخلّيه عن مشروع الخلافة كما فعل جورباتشوف مع الاتحاد السوفيتي، بل تُترجم شعاراته على الأرض بمجازر ضد العلويين في الساحل، والدروز في السويداء، ومسيحيي وادي النصارى. مشاهد تُذكّر بيوغوسلافيا ودارفور، لا بل تفوقها وحشيةً حين تُرتكب باسم "الشرع" وتحت راية "التحرير".
الرأي العام الغربي، لا سيما الأميركي، ما زال يتأخر في استيعاب الحقيقة. الإعلام، حتى المعادي للإرهاب، بدأ يصف هذه المجموعات بـ"الحلفاء الممكنين"، وكأن دماء السوريين لا تُقاس بمعايير أخلاقية، بل بمنفعتها الجيوسياسية. لكن الجاليات السورية في المهجر — من علويين، مسيحيين، دروز، أكراد، وسنة معتدلين — بدأت تستفيق. هي ليست مجرد نازحين، بل كيانات سياسية ناشطة، تملك القدرة على تشكيل الوعي عبر السوشال ميديا، اللوبيات القانونية، والتواصل مع الكونغرس والإعلام.
ما يحدث ليس مجرد تغيير نظام، بل محاولة استبدال مكونات مجتمعية بأخرى. مليشيات "النصرة" وحلفاؤها لا تؤمن بالفيدرالية أو اللامركزية، بل تؤمن بسلطة مركزية خلافية، ترفض الشراكة، وتعتبر أي تعددية "انحرافًا". لا يمكن بناء دولة تعدّدية على أنقاض مجتمعات مُذبّحة. لا يمكن الحديث عن ديمقراطية بينما تُستبدل قرى الساحل بمقاتلين أجانب، وتُهدّد كنائس بوجودها.
المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة، مطالبٌ الآن بخطوة جريئة: أولاً، ضمان أمن المناطق المهددة — الساحل، السويداء، وادي النصارى، والشمال الشرقي الكردي — كمقدمة لأي تسوية سياسية. ثانياً، إدراك أن أي ترتيب سياسي لا يشمل جميع المكونات، لا يمكن أن يكون عادلاً أو مستقرًا. ثالثاً، دعم المبادرات القانونية للجاليات السورية في الغرب، التي بدأت تسجّل جمعياتها وفق الأنظمة الأميركية لتمثيل مظلومية شعوبها.
ثلاثة أشهر قد تكفي لتُكشف الحقيقة، أو ليفوت الأوان. لكن المهم أن يُسمع صوت الضحية قبل أن يُصبح الصمت شريكًا في الجريمة. فسوريا ليست ساحة صراع إقليمي، بل وطنٌ لجميع أبنائه. ومن يُهمّه مستقبلها، عليه أن يبدأ من حيث يبدأ الدم: من صوت المهدور، لا من لغة المُمسك بالسلاح.
#بوتان_زيباري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟