أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - مثقفون بسقف واطئ














المزيد.....

مثقفون بسقف واطئ


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8469 - 2025 / 9 / 18 - 23:45
المحور: القضية الفلسطينية
    


منذ أن قررت المدافع أن تغني في غزة، خرجت علينا من شقوق الجدران كائناتٌ جديدة. لا هي من الإنس ولا من الجن، يسمّون أنفسهم "مثقفين"، لكنهم في الحقيقة مجرّد "مسقّفين"؛ وضعوا سقفًا من الصفيح فوق رؤوسهم كي لا تصلهم شمس الحقيقة ولا مطر الغضب.
يمشون في الشوارع كأنهم قصائد مهربة، يظنون أن وقع أحذيتهم هو نبض التاريخ، بينما لا يسمع أحدٌ سوى صرير أرواحهم الصدئة.
يطالبون بوقف الحرب ببرودٍ يشبه برود ثلاجات الموتى. يتحدثون عن السلام كما يتحدث موظف أرشيف عن ملف قديم أكلته الأتربة. لا يجرؤون على تسمية القاتل باسمه، خوفًا من أن تتسخ ياقات قمصانهم المعطّرة بحبر الحقيقة. يريدون أن يبقوا حياديين، كأن الحياد فضيلة حين تكون السكاكين في لحم الأطفال. يا للعجب! الحياد في زمن المجازر ليس حكمة، بل هو أن تقف على مسافة واحدة من الذئب والحمل، ثم تراهن على الذئب سرًا.
هؤلاء "المسقّفون" لا يجرؤون على قول "لا" صريحة كطلقة مسدس، لكنهم أساتذة في قول "نعم، ولكن..."، "لا، ولكن...". يتحدثون بلغةٍ معقمة، كأنهم يخشون أن تنتقل إليهم عدوى الألم.
يساوون بين الجلاد والضحية، كمن يساوي بين مطرقة الحداد ورأس اليتيم. يقارنون بين طائرة الـ F-16 وبين حجر طفلٍ لم يبلغ الحلم بعد، ثم يكتبون في دفاترهم الأنيقة: "ندين العنف من كل الأطراف".
أي أطراف يا أبناء الخطيئة؟ هل جناح الطائرة وجثة الطفل طرفان متكافئان في هذه المسرحية الدموية؟
إنهم يغازلون جلادينا، يقلدونهم في طريقة شرب القهوة، وفي ضحكتهم الباردة، وفي كراهيتهم لكل ما هو حقيقي وفوضوي. يكتبون مقالاتهم وكأنهم يتقدمون لوظيفة في الأمم المتحدة، لا كأنهم يخاطبون شعبًا يُشوى على نار هادئة. لقد تخلّصوا من الغضب، من الشتيمة، من كل ما يجعل الإنسان إنسانًا، واستبدلوه بابتسامةٍ بلهاء تصلح غلافًا لمجلة أزياء.
هؤلاء ليسوا خونة بالمعنى التقليدي، إنهم أسوأ. إنهم يسرقون من المأساة معناها، يحوّلون الصرخة إلى همس، والدم إلى حبرٍ جاف. إنهم أشبه بمن يلتقط "سيلفي" مبتسمًا في جنازة، ثم يكتب تحت الصورة: "الحياة تستمر".
إنهم تجار الكلمات الباردة، يبيعوننا مواقف معلبة ومنزوعة الدسم. يربحون إعجابات على فيسبوك، ودعوات لمؤتمراتٍ مكيّفة، بينما يربح أطفال غزة شبرًا إضافيًا في مقبرة جماعية.
لذلك، حين تسمع أحدهم يقول لك: "يجب أن نكون موضوعيين"، فاعلم أنه يقصد: "دعوني أحتفظ بصداقاتي على الجانب الآخر من الخندق". وحين يخبرك أن "السلام هو الحل"، فاعلم أنه يخشى أن يخسر مقعده على طاولة العشاء مع أصدقائه الذين يموّلون الحرب.
لكن دم غزة عنيدٌ ولزج، سيلتصق بأيديهم وأقلامهم إلى الأبد. وسيبقى صوت طفلٍ تحت الركام، أغنيةً أصدق من كل بياناتهم، وقصيدةً أقوى من كل كتبهم.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة
- فكر معي: هل نعبد الله حبًا أم طمعًا؟
- حل الدولتين: ستار دخان على فضيحة أخلاقية عالمية
- لماذا يكتب مستقبل فلسطين بغير الحبر العربي؟
- رحيل عبقري لم يعرف التنازل في حياته..!
- العرب يرقصون وغزة تحترق
- فلسطين: فضيحة العرب
- المسجد والكنيسة.. كلاهما بيتنا
- حين يكون الحب شبهة أمنية..!
- العقيدة القديمة والخوف من المجهول


المزيد.....




- خدع موضة لإطلالة أنحف وأكثر طولًا من دون ريجيم
- مع بدء الجيش الإسرائيلي خطواته الأولى لغزو مدينة غزة.. حماس ...
- مطالبة حماس وسوريا وإيران بتعويضات بمليارات الدولارات بدعوى ...
- من أين ينبع الدعم الإسباني تاريخياً للفلسطينيين، وكيف يؤثر ع ...
- إسرائيل تتهم حماس بـ -ترهيب سكان غزة ومنعهم من مغادرة المدين ...
- ماكرون: إسرائيل تدمر مصداقيتها بسبب عملياتها العسكرية في غزة ...
- من هو منفذ الهجوم الذي أدى لمقتل عسكريَين إسرائيليين عند معب ...
- زيلينسكي يعلن من خطو ط التماس أسر جنود روس وتحرير أراض أوكرا ...
- فنزويلا تبدأ مناورات عسكرية في الكاريبي لثلاثة أيام وسط الته ...
- موريتانيا تستخدم الطائرات المسيّرة لمكافحة التصحر


المزيد.....

- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني / سعيد مضيه
- تمزيق الأقنعة التنكرية -3 / سعيد مضيه
- لتمزيق الأقنعة التنكرية عن الكيان الصهيو امبريالي / سعيد مضيه
- ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - ناضل حسنين - مثقفون بسقف واطئ