محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي
(Mohammed Sajit Katia)
الحوار المتمدن-العدد: 8467 - 2025 / 9 / 16 - 13:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من بغداد إلى كاتماندو، تتشابه صرخات الشباب وإن بعدت الجغرافيا، تتلاقى في مواجهة الظلم والفشل السياسي. ففي خريف 2019 اجتاحت شوارع العراق ما عُرفت بـ"تشرين العظيمة"، ثورة شبابية هزّت أسس سلطة النظام القائم على المحاصصة والطائفية والفساد المستشري، مطالبة بدولة الكرامة والمواطنة والعدالة. لم تأتِ هذه الثورة بدعوة من حزب ولا بفتوى من مرجعية، بل ولدت من رحم الألم والبطالة والقمع، وصاغها شباب لم يعرفوا سوى حلم الوطن والحرية، سقط المئات من الشهداء وآلاف الجرحى، لكن دماءهم لم تذهب سدى، بل غدت علامة فارقة في الوعي الجمعي: الحرية والحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع.
واليوم، بعد سنوات قليلة، يكرر التاريخ نفسه في نيبال، حيث يقود ما يُعرف بجيل "Generation Z" انتفاضة صاخبة ضد الفساد والمحسوبية وانسداد الأفق السياسي. شرارة الاحتجاجات أطلقها خطاب لطالب ثانوية في السادسة عشرة من عمره، أفيشكار راوت، تحدّث عن الفساد والخيبة الوطنية بصوت لم يعد خاضعًا للخوف، فامتدت كلماته كموجة عارمة عبر البلاد، وألهبت نفوس الجماهير وحركت مشاعر الحشود، فانطلقت شرارة الثورة والاحتجاج، خرج المتظاهرون وقوبلوا بالعنف، قُتل العشرات وأصيب الآلاف، واحترقت مبانٍ حكومية، حتى استقال رئيس الوزراء وشُكّلت حكومة انتقالية بانتظار الانتخابات.
ما يجمع "تشرين" و"انتفاضة نيبال" أن كليهما حركة أطلقتها الأجيال الشابة لتقول: لن نرضى بعد اليوم بالوصاية القديمة، لن نسكت عن فساد مترسخ، ولن نسمح بأن تُباع أو تُدار أوطاننا كإقطاعيات. كلاهما تحدّى الخوف وأثبت أن الشباب قادر على اختراق جدار الصمت وإعادة تعريف السياسة، لكن ما يفرّق بينهما هو السياق، ففي العراق واجه الحراك قمعًا دمويًا مفرطًا وأفرغ تدريجيًا من مضمونه السياسي، بينما في نيبال تفتح استقالة رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة الانتقالية نافذة نظرية لإصلاحات محتملة ولو بحذر.
الدرس واضح، روح التمرد على الظلم لا تعترف بالحدود ولا بالمستحيلات، ومن "تشرين العظيمة" إلى شوارع كاتماندو المشتعلة، يتجلى أن الشباب في كل مكان صاروا يطالبون بما هو أبسط وأعظم في آن واحد: الكرامة، الشفافية، العدالة، والوطن الذي يسع للجميع، لا لأقلية فاسدة تتحكم بمصير الجماعة.
***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )
#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)
Mohammed_Sajit_Katia#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟