أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - من الدين لله إلى الدين للسلطة














المزيد.....

من الدين لله إلى الدين للسلطة


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 08:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أ‌. الدين كتجربة حرّة
في أصل نشأته، كان الدين دعوة مفتوحة للضمير الإنساني، لا يحتاج إلى قوة قهرية أو جهاز سلطوي ليفرض نفسه. هو تجربة روحية تنبع من الداخل، حيث يجد الفرد في الصلاة والخشوع والذكر سبيلًا للسمو والتطهر، لا أداة للانضباط السياسي. الدين لله يعني أن العلاقة قائمة على الحرية: الإيمان خيار، والطاعة لله ليست مرسومًا سلطويًا بل انقيادًا قلبيًا نابعًا من القناعة.
هذا ما نلمسه في البدايات التأسيسية للأديان. فالمسيحية الأولى كانت حركة إيمانية صغيرة مضطهدة من قبل الإمبراطورية الرومانية، والإسلام في مكة كان دعوة أخلاقية وروحية تواجه الطغيان المكي من خارج بنية السلطة، لا من داخلها.

ب‌. الدين حين يلبس ثوب السلطة
لكن التحول يبدأ حين تكتشف الدولة أن الدين يملك قوة رمزية هائلة، وأن بإمكانها استثمار هذه القوة لبناء شرعيتها. هنا ينتقل الدين من فضاء الحرية إلى فضاء السلطة. لم يعد "نداءً من السماء" بقدر ما أصبح "مرسومًا من القصر"..يتجلى هذا التحول في ثلاث صور أساسية:
1. الصلاة كإعلان ولاء: حين تُحوَّل الجماعة الدينية إلى طقس سياسي. ففي الإسلام الأموي، صارت خطبة الجمعة تُفتتح بالدعاء للخليفة، لتصبح الصلاة فعلًا مزدوجًا: عبادة وبيعة.
2. الخطبة كمنصة دعائية: لم تعد موعظة لتذكير المؤمنين بالله، بل خطابًا رسميًا ينقل سياسات الدولة إلى الناس. وفي التاريخ الإسلامي، كان عزل أو تعيين الخطباء مرتبطًا بموقفهم من السلطان.
3. الفتوى كمرسوم قانوني: الفقيه لم يعد باحثًا حرًا عن الحكم الشرعي، بل موظفًا في جهاز الدولة يُنتج فتاوى تخدم حاجاتها.

ج. أمثلة تاريخية على هذا التحول
المسيحية مع الإمبراطور قسطنطين (القرن الرابع): انتقلت من ديانة مضطهدة إلى دين الدولة الرسمي. هذا التحول منح الكنيسة قوة هائلة، لكنه سلبها حرية الروح، إذ صارت أداة لإمبراطورية تريد توحيد شعوبها باسم الصليب.
الإسلام الأموي والعباسي: جرى تحويل خطبة الجمعة إلى أداة سياسية، بحيث تُلعن فيها المعارضة، ويُعلن الولاء للخليفة. الإمام مالك نفسه تعرّض للتعذيب لأنه رفض إصدار فتوى تجبر الناس على بيعة بعينها.
العصر الحديث: في الأنظمة الجمهورية ذات الطابع الديني (إيران مثلًا)، صار الدين مرجعية رسمية تفرض نفسها عبر أجهزة الدولة، لا عبر قناعة المؤمنين.


د. من المقدس الحر إلى المقدس المؤدلج
التحول من "الدين لله" إلى "الدين للسلطة" يعني أن المقدس لم يعد مجالًا للبحث عن الله، بل مجالًا لتثبيت الدولة. هنا نفرق بين:
- المقدس الحر: حيث يتوجه الإنسان إلى الله بعيدًا عن وصاية السلطة.
- المقدس المؤدلج: حيث يُختزل الدين في خطاب رسمي، ويُختطف الله ليُستخدم كحارس للعرش.
الفيلسوف سبينوزا تنبّه إلى هذه النقطة حين فرّق بين الدين بوصفه أخلاقًا تقود إلى الحرية، والدين بوصفه مؤسسة تابعة للسلطة تنتج الطاعة. وكانط ميّز أيضًا بين "الدين الأخلاقي" (القائم على العقل الحر) و"الدين الكنسي" (القائم على الطاعة العمياء).

هـ. النتائج المترتبة على هذا التحول
حين يتحول الدين إلى سلطة، يفقد جوهره الروحي، ويخسر المجتمع حريته في الإيمان. وتكون النتيجة:
1. قتل حرية الضمير: لم يعد الإيمان اختيارًا، بل واجبًا مفروضًا.
2. تسييس الطقوس: تتحول العبادة إلى إظهار ولاء سياسي.
3. عسكرة المقدس: يصبح الدين غطاءً للحروب والتصفيات الداخلية والخارجية



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟
- ماذا يشعر الجاهل؟
- التطبير... بین شجاعة الفتوى ومراعاة الجماهير
- متى يُصبح الجهل مقدسًا؟


المزيد.....




- ميغان تشوريتز.. النجمة اليهودية التي تحدت الصهيونية بجنوب أف ...
- محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى ...
- محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى ...
- فرنسا: نصب تذكاري للمحرقة اليهودية يتعرض للتشويه بعبارة -الح ...
- محافظة القدس: الاحتلال يدمّر آثارا إسلامية أموية أسفل المسجد ...
- حرس الثورة الاسلامية: اليمن سيوجّه ردّا قاسيا للصهاينة
- “نحن أبناء الأرض”.. مسيحيو غزة يرفضون التهجير
- مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير
- رئيس الوكالة اليهودية يلغي زيارته لجنوب إفريقيا خشية اعتقاله ...
- إسرائيل تمنح وسام الرئاسة لزعيم الطائفة الدرزية


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - من الدين لله إلى الدين للسلطة