أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية الطاعة المطلقة














المزيد.....

فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية الطاعة المطلقة


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8438 - 2025 / 8 / 18 - 15:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تُعد مسألة الطاعة للحاكم من المحاور الفقهية والسياسية الأكثر تعقيدًا وإثارة للجدل في التراث الإسلامي. إذ ينشأ من هذه المسألة تصوّرٌ مركزي حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتحديد حدود شرعية السلطة وواجبات الرعية تجاهها. ومع أن القرآن والسنة يحثان على العدل والإنصاف، إلا أن فقه الطاعة تعرّض لتحوّلات جذرية أدت إلى تأسيس مواقف متعددة بين المُلزم بالطاعة الكاملة، والمُجيز للمقاومة أو المعارضة.

1. جذور فقه الطاعة: من الحتمية إلى الاجتهاد
في السياق الإسلامي الأول، كان الحاكم يتلقى الطاعة كجزء من النظام السياسي الجديد، مع استثناءات واضحة للظلم والجور. غير أن النصوص التي تُروّج للطاعة المطلقة، سواء على مستوى الحديث أو الفقه، أخذت طابعًا تأويليًا فاعلًا لدعم الاستبداد، وصُيغت في أزمنة واجتماعات سياسية لم تكن منسجمة مع روح الدين الجامعة للعدل.
تُستغلّ نصوص مثل: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، ولكنها تُختزل في صيغة "أطع الأمير وإن جلد ظهرك"، لتصبح أداة فصل بين معارضة الاستبداد، وقبول الطاعة تحت أي ظرف. هذا التناقض يشير إلى التحول من فقه تأملي يبحث عن العدل إلى فقه مُستخدم لإضفاء القداسة على الحاكم، بل وتحويل نقد السلطة إلى جريمة عقائدية.

2. تصورات فقهية متباينة: بين الطاعة المشروطة وغير المشروطة
ظهر في التراث فقهاء أصروا على وجوب طاعة الحاكم ما لم يأمر بمعصية صريحة، معتبرين الطاعة ضمانة للنظام والاستقرار، ومنهم الأئمة الأربعة، الذين رغم الاختلافات الفقهية بينهم اتفقوا على فكرة ضرورة الطاعة لمن بيده السلطان.
على الجانب الآخر، برزت أصوات أخرى ترفض الطاعة المطلقة، وتجيز مقاومة الظلم، وتؤكد حق الأمة في إزاحة الحاكم الظالم، ومنهم الحسن البصري، والزهراء بنت النبي، وأئمة المعارضة كالزيديين، الذين اعتبروا أن الشرعية الحقيقية هي لمن يحقق العدل لا لمن فرض نفسه بالقوة.
هذا التعدد يشير إلى أن "فقه الطاعة" ليس نصًا جامدًا، بل مجالًا مفتوحًا للنقاش والاجتهاد، لكنه للأسف غالبًا ما يُغلق لصالح القوى السياسية السائدة.

3. فقه الطاعة كأداة للهيمنة السياسية
استُثمر فقه الطاعة بشكل مكثف من قبل الأنظمة السياسية عبر التاريخ الإسلامي ليصبح جهازًا أيديولوجيًا يشرعن القهر والظلم، ويجعل من المعارضة جريمة دينية.
إن جعل الحاكم "ظل الله في الأرض"، أو "نائب الله"، يحوّل أي نقد أو رفض له إلى مساس بالقداسة، ويُرسّخ ثقافة الخضوع واللامساءلة. هذه الثقافة تؤثر في النفوس بشكل عميق، فتُولد حالة من الاستسلام النفسي والاجتماعي، تترافق مع قمع الإرادات الفردية والجماعية.
وبالتالي، فإن "وعاظ السلاطين" لا يقومون بدور ديني توجيهي، بل يصبحون جُزءًا من منظومة القمع، يغذونها بخطاب ديني مغلوط، يُبعد الناس عن الوعي النقدي والحرية.

4. من فقه الطاعة إلى فقه المعارضة: إمكانات التحرر
بالرغم من كل ما سبق، شهدت التاريخ الإسلامي أصواتًا نقدية فقهية، نادت بضرورة إعادة قراءة النصوص في ضوء مقاصد الشريعة، وضرورة حماية الأمة من الطغيان.
فلسفة الإسلام السياسي الحقيقي، كما عبر عنها الإمام علي في نهجه، ترتكز على أن الحاكم خادم للأمة لا سيدها، وأن الطاعة مشروطة بالعدل والحق، وأن من واجب الأمة التصدي للظلم. هذا التوجه هو المفتاح لإعادة بناء خطاب ديني يحرر الدين من أسر "وعاظ السلاطين"، ويعيد للدين دوره كضامن للحرية والكرامة الإنسانية.

الخلاصة
فقه الطاعة وفقه الاستبداد ليسا مجرد اختيارات فقهية جامدة، بل تعبيرات عن طبيعة العلاقة بين المؤسسة الدينية والسلطة السياسية في كل زمن ومكان. كلما تماهى الفقيه مع الحاكم، صار الدين أداة بيد الجلاد لا أداة تحرير للمظلومين. لذا، يظل التحدي الأكبر هو تحرير الفقه من أسر الخضوع، واستعادة روح المقاومة التي تضمن مجتمعًا يعبر عن طموحات العدل والكرامة والحرية.


***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟
- ماذا يشعر الجاهل؟
- التطبير... بین شجاعة الفتوى ومراعاة الجماهير
- متى يُصبح الجهل مقدسًا؟
- الجهل ... موت بطيء في هيئة حياة
- مضيق هرمز سلاح إيران ذو الحدين
- العراق وأزمة المياه: حين تتقدّم التجارة على السيادة
- قراءة في كتاب -آلهة في مطبخ التاريخ-
- قراءة في كتاب - حرب العاجز، سيرة عائد، سيرة بلد - لزهير الجز ...
- إِسْرَائِيل VS حِزْبِ اَللَّهِ. . . هَلْ مِنْ مُنْتَصِرٍ؟
- لمحات الوردي... النهاية والمصير


المزيد.....




- شاهد.. دلالات إستنجاد جيش الإحتلال بيهود الشتات في الخارج!
- وزيرا الاقتصاد الوطني والصناعة يطلعان فعاليات محافظة سلفيت ع ...
- القوى الوطنية والإسلامية: جرائم الاحتلال بحق الأسرى وتدنيس ا ...
- الجيش الإسرائيلي يبحث عن يهود من الخارج للقتال في غزة
- الجيش الإسرائيلي يبحث عن يهود من الخارج للقتال في غزة
- الاحتلال يواصل إغلاق مدخل سلفيت ويعتقل شابين من قراوة بني حس ...
- جيش الاحتلال يبحث التواصل مع يهود العالم لتعويض نقص المجندين ...
- إسرائيل تبحث تجنيد يهود العالم لتعويض نقص جنودها
- إعلام عبري: جيش الاحتلال يدرس تجنيد يهود الخارج لسد نقص الجن ...
- فيديو.. إصابات في إطلاق نار في حي يهودي في نيويورك


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية الطاعة المطلقة