محمد ساجت قاطع
الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 16:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعيش العراق واحدة من أخطر أزماته الوجودية في العصر الحديث، أزمة تتعلق بالماء؛ ذاك العنصر الذي تقوم عليه الحياة ويُبنى عليه الأمن والسيادة والاستقرار. لا يمكن لأي دولة أن تنهض أو تخطط لمستقبلها وهي مهددة بالعطش، وهذا ما يواجهه العراق في ظل استمرار تركيا وإيران في التحكم الجائر بمصادر المياه المشتركة دون اتفاقات ملزمة أو مفاوضات جادة.
ما يدعو إلى الحيرة، بل الغضب، هو عجز الحكومة العراقية عن اتخاذ موقف حقيقي يعيد للدولة هيبتها وحقوقها. بدلاً من التفاوض الحازم مع دول المنبع، تلجأ الحكومة إلى حلول كارثية كإيقاف الزراعة في العديد من المناطق. هذا القرار لا يعالج أصل المشكلة، بل يزيدها تعقيداً: آلاف العائلات تُجبر على النزوح، البطالة ترتفع، التصحر يتمدد، والاكتفاء الذاتي الغذائي يصبح حلماً بعيد المنال.
الزراعة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي عمود اجتماعي وثقافي واقتصادي يمس حياة ملايين العراقيين. كيف تقبل دولة تمتلك نهري دجلة والفرات أن تتخلى عن زراعتها بهذا الشكل، دون حتى أن تطرق أبواب التفاوض الجاد؟
العراق لا يفتقر إلى أوراق التفاوض، بل يفتقر إلى الإرادة السياسية. إن حجم التبادل التجاري بين العراق وكل من تركيا وإيران يمثل ورقة ضغط فعالة. نحن نستورد من هاتين الدولتين كل شيء تقريباً: من الغاز إلى الخضار، ومن الملابس إلى مواد البناء. فهل يعقل أن نظل مستهلكين صامتين بينما تُمنع عنا مياه الشرب والزراعة؟!
من حق العراق، بل من واجبه، أن يربط التبادل التجاري مع هاتين الدولتين بضمان حصصه المائية، وأن يرفع صوته في المحافل الدولية، وأن يتحرك دبلوماسياً، سياسياً، اقتصادياً وحتى إعلامياً من أجل حقوقه. فالأمن المائي لا يقل شأناً عن الأمن القومي، ولا كرامة لشعب يُجبر على التنازل عن نهره.
لقد آن الأوان أن تتوقف سياسة المراوغة، وأن تُدار هذه الأزمة بما يليق بخطورتها. الصمت لم يعد مقبولاً، والعراق لا يحتمل مزيداً من التهاون. حقوقنا في الماء ليست للمساومة، ولا للانتظار.
#محمد_ساجت_قاطع (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟