أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ساجت قاطع - نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ














المزيد.....

نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ


محمد ساجت قاطع
كاتب ومدون عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في سياق عراقي مشحون بالاقتتال الطائفي، أصدر الكاتب العراقي حسن العلوي عام 2007 كتابه «عمر والتشيع: ثنائية القطيعة والمشاركة»، ساعيًا إلى إعادة قراءة العلاقة التاريخية بين الرمزين المؤسسين للمذهبين: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. تناول العلوي طيفًا واسعًا من القضايا، يصعب الإحاطة بها جميعًا في هذا المقال. من أبرز ما طرحه: نقده للفئة التي تُعرف بـ"المستبصرين" – أي من انتقلوا من المذهب السني إلى الشيعي – في فصلٍ حمل عنوان "مثالب المستبصرين".
فبعد أن أقرّ بحقهم في اختيار المذهب، وجّه إليهم نقدًا حادًا مفاده أنهم – رغم تحولهم – لم يقدّموا جديدًا على مستوى الفكر أو التأليف، بل انشغلوا بموضوعات استُهلكت بحثًا وجدلاً، كمسألة سبّ عمر بن الخطاب وذكر مثالبه، وهي قضايا كُتب عنها مئات الكتب، دون أن يقدموا معالجات فكرية جديدة أو رؤى نقدية مغايرة. ويرى العلوي أن هؤلاء المستبصرين يمارسون قراءة انتقائية للتاريخ: يسلّطون الضوء على وقائع محددة ويغضّون الطرف عن أخرى، ما يجعل قراءتهم منحازة ولا تلامس الحقيقة أو الموضوعية.
في المقابل، أشاد العلوي بما أسماه المدارس العلمية التنويرية، وعلى رأسها: المدرسة المصرية ممثلة بكتابات عباس محمود العقاد، وطه حسين، وعبد الرحمن الشرقاوي؛ المدرسة العراقية ممثلة بـعلي الوردي؛ المدرسة الشيعية الخطابية التنويرية ممثلة بـالشيخ أحمد الوائلي؛ كما أثنى على فكر علي شريعتي ورؤاه. ويرى أن هذه المدارس مجتمعة قدّمت أنضج قراءة للتاريخ، لأنها استندت إلى مناهج علمية حديثة، واعتمدت التحليل الموضوعي بدل السرد المتحيز. وبناءً على هذه الرؤية، فإن العلاقة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب لم تكن صدامية، بل قامت على مبدأ المشاركة السياسية، وهو ما يسعى العلوي إلى ترسيخه في كتابه هذا. بذلك، بدا العلوي كمن يبحث عن جسر معرفي يتجاوز الانقسامات العقائدية نحو قراءة علمية وواقعية للتاريخ الإسلامي.

جاء صدور الكتاب في ذروة الحرب الطائفية في العراق، كمحاولة للحدّ من لهيب الفتنة الذي أحرق أرواح آلاف العراقيين، ومدّ يد التصالح مع الذات والتاريخ. وقد صاغ العلوي هذا الإهداء بنص مؤثر يعكس رمزية عثمان العميقة، حيث أهدى كتابه إلى رمز وطني وحدوي خالص، هو الشهيد عثمان العبيدي، الشاب البغدادي الذي أنقذ سبعة من زوّار الكاظمية من الغرق في نهر دجلة، قبل أن يبتلعه النهر مع الضحية الثامنة. وكان الإهداء بنصّ عميق:

 «إلى ابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي، عثمان بن علي العبيدي...
إليه، رجلاً أنقذ سبع أرواح من الموت غرقًا بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي.
وعند الثامنة تعانقت الروحان، وهبط الجسدان معًا تحت مياه الجسر المشترك. وحسبك أنك حبر هذه السطور.»
صرّح العلوي بأن كتابه هذا محاولة للترويج لنظرية "المشاركة"، ويمثّل – برأيه – لبنة أولى على طريق السلم الأهلي، الذي لا يتحقق إلا بالمصالحة مع التاريخ. غير أن هذه النظرية لم تمرّ دون نقاش أو نقد. فقد قرأتُ في معرض الرد عليه كتابًا مميزًا بعنوان "التشيع بين السياسة والتاريخ والواقع" للأستاذ مختار الأسدي، الذي ناقش فيه بإسهاب الجوانب التي أهملها أو تغافل عنها العلوي.
أشار الأسدي إلى أن العلوي نفسه مارس قراءة انتقائية، تعمّد فيها إخفاء صفحات من الصراع الحقيقي الذي دار بين علي وعمر. كما تساءل: هل حقًا كانت "المشاركة" التي يتحدث عنها اختيارًا حرًا؟ أم أنها تسوية فرضتها معادلة القوة والضرورة السياسية؟ وهل يبدأ السلم الأهلي من تجاهل المسؤوليات التاريخية، أم من مواجهتها بجرأة وصدق؟
مثل هذا النقد لا يُضعف أطروحة العلوي، بل يثريها بطرح الأسئلة الصعبة التي لا يمكن لمشروع المصالحة أن يتجاهلها.

لا شك أن حسن العلوي – الصحفي والمفكر المعروف، وأخ المفكر الراحل الكبير هادي العلوي – يتمتع ببراعة لغوية وذهنية تحليلية عالية، وهو أحد أبرز الأقلام العراقية في تناول موضوعات التاريخ والسياسة، بلغةٍ أدبيةٍ مشبعةٍ بالفكر والرؤية النقدية. لكن التحدي الحقيقي في مشروع العلوي يتمثل في كونه مشدودًا بين شخصيتين: شخصية الكاتب البليغ، وشخصية المصلح الطامح للمصالحة.
أحيانًا تبدو الحماسة الأدبية طاغية على التوثيق، وأحيانًا يطغى النداء الإنساني على الحياد التاريخي، وهو ما يجعل قراءته محفوفة بالتوتر بين المثالية والواقع.

يبقى هذا الكتاب محاولة فكرية جريئة ونبيلة، وُلدت في لحظة عراقية بالغة الحساسية، محاولةً لتهدئة العقول المشتعلة والقلوب الممزقة. وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته نظرية "المشاركة" وتباين الآراء حولها، فإن مجرّد طرح هذه الفكرة في سياق التوتر الطائفي، هو بحد ذاته موقف شجاع يستحق التقدير والنقاش.
إن قراءة "عمر والتشيع" ليست مجرد استذكار لتاريخ مضى، بل تمرين على العبور فوق الجراح الطائفية نحو أفق إنساني أرحب.

️ محمد ساجت السليطي
كاتب وباحث عراقي



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟
- ماذا يشعر الجاهل؟
- التطبير... بین شجاعة الفتوى ومراعاة الجماهير
- متى يُصبح الجهل مقدسًا؟
- الجهل ... موت بطيء في هيئة حياة
- مضيق هرمز سلاح إيران ذو الحدين
- العراق وأزمة المياه: حين تتقدّم التجارة على السيادة
- قراءة في كتاب -آلهة في مطبخ التاريخ-
- قراءة في كتاب - حرب العاجز، سيرة عائد، سيرة بلد - لزهير الجز ...
- إِسْرَائِيل VS حِزْبِ اَللَّهِ. . . هَلْ مِنْ مُنْتَصِرٍ؟
- لمحات الوردي... النهاية والمصير
- خنساء الجنوب.. فدعة
- الرصافي.. نقده لقانون العشائر
- قراءة في كتاب -مصقولة- بطعم الحنظل لسلمان كيوش
- فضفضة علمانية


المزيد.....




- كواحدٍ من رموزها الثقافية.. مدينة برمنغهام تعلن تفاصيل جنازة ...
- الجيش الإسرائيلي يُعلن تفاصيل أنشطته العسكرية في لبنان.. ومص ...
- -هجمات لصالح روسيا-.. بولندا توجه تهمة الإرهاب لكولومبي محتج ...
- إسرائيل -ترفض- إعلان لندن عن اعتراف محتمل بدولة فلسطين
- محادثات أمريكية صينية -بناءة- قبيل انتهاء هدنة الرسوم وسط ته ...
- اكتئاب خلف الكاميرا.. مشاهير هوليود يروون معاركهم النفسية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل قضية نزع سلاح حزب الله
- -أنقذوا الفاشر- حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعه ...
- نواب أميركيون يصفون الوضع في القطاع بالكارثي ويؤكدون فشل -مؤ ...
- مقترح أوروبي لمعاقبة إسرائيل أكاديميا لانتهاكاتها في غزة


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد ساجت قاطع - نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ