أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع














المزيد.....

آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 18:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إنّ لظاهرة "وعّاظ السلاطين" آثارًا بالغة العمق والخطورة، لا تقتصر على الشأن الديني وحده، بل تمتد إلى بنية الوعي الجمعي، والسيكولوجيا المجتمعية، والشرعية السياسية، ناهيك عن أثرها على مشروع الإصلاح الديني ومكانة المؤسسة الدينية ذاتها. ويمكن إجمال أبرز هذه الآثار فيما يلي:

1. تحويل الدين إلى أداة تبرير أهم الأضرار الناتجة عن هذه الظاهرة هو تحويل الدين من رسالة تحرير روحي وأخلاقي إلى خطاب شرعنة للطغيان والظلم. لم يعد الدين في هذه الحالة قوة أخلاقية ناقدة، بل أصبح مؤسسة رمزية للحراسة، تُمنح منابرها لتمجيد الحاكم وتفسير قراراته وفق تأويلات انتقائية تُقصي البعد القيمي والأخلاقي للنصوص. وفي ذلك ينهار جوهر الدين بوصفه "كلمة الله في وجه الجائر"، كما يختزل النص في إرادة السلطة لا في مقاصد الحق والعدل.

2. إضعاف الثقة بالدين ورجاله حين يرى العامة أن المؤسسة الدينية تصطف دائمًا إلى جانب الحاكم، وتدافع عن تجاوزاته، وتبرر حروبه وفساده، يفقد رجل الدين مكانته بوصفه ضميرًا أخلاقيًا أو مرجعًا نزيهًا. تبدأ هنا موجة النفور والشك في صدقية الخطاب الديني، وهو ما يؤدي غالبًا إلى الانفصال التدريجي بين الجمهور والدين، ليس كعقيدة روحية بل كمؤسسة مجتمعية، وقد يقود ذلك في بعض البيئات إلى الإلحاد أو العدمية أو الارتياب الجذري من كل ما هو ديني.


3. إفشال مشاريع الإصلاح يسهم وعاظ السلاطين في إفشال أي نهوض إصلاحي حقيقي، إذ سرعان ما يتحالفون مع السلطة ضد أي صوت نقدي، ويصدرون الفتاوى التي تُحرم التظاهر، وتُجرم العصيان، وتُدين المطالبات الشعبية باسم "درء الفتنة" أو "وحدة الأمة"، مما يعيق الإصلاح السياسي والاجتماعي، ويخنق الأصوات الحرة التي تنشد التغيير السلمي. وهكذا تتحول المؤسسة الدينية، في كثير من التجارب، إلى جزء من منظومة القمع لا من حركية التحرر.

4. خلق وعي ديني زائف لا يقتصر الأثر على مستوى السياسة، بل يمتد إلى بنية التفكير الديني نفسها. يُعاد تشكيل العقل الديني بما يتلاءم مع بنية السلطة، حيث تُنتج فتاوى وفق معايير الولاء لا الاجتهاد، ويُعاد تفسير مفاهيم الطاعة، والشورى، والفتنة، والجهاد، بما يخدم نظام الحكم القائم. وبهذا، تتشكل نسخة زائفة من الدين، تُربى الأجيال عليها، وتُستنسخ في المنابر التعليمية والإعلامية، ليُعاد إنتاج الاستبداد عبر الدين لا ضده.


5. تثبيت السيكولوجيا الاستسلامية على المستوى النفسي، تساهم هذه الظاهرة في بناء شخصية جماعية مستسلمة، ترى في الحاكم ظلّ الله على الأرض، وفي الطاعة المطلقة فضيلة، وفي الاعتراض خروجًا عن الملة أو سفكًا للدماء. وهو ما يعزز شعور العجز، ويُميت روح المقاومة، ويُطبع الوعي على القبول بالعنف والطغيان كأقدار لا كاختيارات بشرية يمكن نقدها أو تغييرها.

6. التواطؤ مع العنف في بعض السياقات، لا يكتفي وعاظ السلاطين بالتبرير، بل يُضفون القداسة على ممارسات العنف السلطوي، فيُشرعن القمع تحت غطاء الدين، وتُمنح الحرب صفة "الفتح"، ويُصور المعارضون كـ"خوارج العصر"، في حين يُكافأ القاتل بوصفه "مجاهدًا"، ويُمنح المجرم غفرانًا فوريًا باسم المذهب أو الوطن أو الدفاع عن العقيدة.


باختصار، إنّ ظاهرة "وعاظ السلاطين" لا تفسد السياسة فحسب، بل تفسد الدين ذاته، وتُهدر قيمة الإنسان، وتُكرس بنية طاعة عمياء تعطل العقل وتُحاصر الضمير. وهي، في المحصلة، واحدة من أبرز أسباب تأخر المجتمعات الإسلامية وتكلس نظمها، وفشلها في بناء دولة عادلة وحديثة، تليق بقيم الدين وتطلعات الإنسان في آنٍ واحد.

***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟
- ماذا يشعر الجاهل؟
- التطبير... بین شجاعة الفتوى ومراعاة الجماهير
- متى يُصبح الجهل مقدسًا؟
- الجهل ... موت بطيء في هيئة حياة
- مضيق هرمز سلاح إيران ذو الحدين
- العراق وأزمة المياه: حين تتقدّم التجارة على السيادة


المزيد.....




- -مؤتمر غزة- يقدم إحاطة تاريخية وسياسية حول المسجد الأقصى
- دعوات لحل تنظيم الإخوان في سوريا.. هل تلجأ دمشق إلى حظره؟
- 57 دولة اسلامية تدين -إسرائيل- وتطالب بحلول فورية
- سوريا ـ الزعيم الروحي حكمت الهجري يطالب بـ-إقليم منفصل- للدر ...
- أحمد الشرع: لست امتدادا لأحزاب أو تنظيمات إسلامية ولا أرتبط ...
- عراقجي يدعو الدول الإسلامية لاتخاذ أربعة إجراءات حاسمة ضد إس ...
- مندوب فلسطين الأممي يوجه نداء للدول الإسلامية: أفعالنا اليوم ...
- -محدث- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مدير عام أوقاف غزة: الاحتلال دمر 93% من المساجد و70% من المق ...


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع