أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟














المزيد.....

كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 12:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أ. من الفقيه الحر إلى الشيخ الموظف
في أصل الفكرة، رجل الدين ليس موظفًا لدى أحد؛ بل هو شاهد على الحقيقة، ومجتهد في النصوص، وناقد للسلطة إن انحرفت. لكنه حين يدخل في منظومة الدولة، يتحول من صاحب رسالة إلى أداة وظيفية. يصبح دوره ليس البحث عن الحق، بل تبرير الواقع. لا يعلو صوت الفقيه إلا إذا بارك الحاكم، ولا ينجو إلا الشيخ الذي يطيع.
هذا التحول البنيوي يجعل المؤسسة الدينية جزءًا من جهاز الدولة: ليست مستقلة، بل خاضعة، بل ومُنتَجة بشكل مباشر.

ب. آليات إنتاج "الشيخ الرسمي"
الدولة لا تترك رجال الدين ليكونوا أحرارًا، بل تصنعهم وفق حاجاتها. وهذا يتم عبر ثلاث آليات رئيسية:
1. الانتقاء والتعيين: الدولة تتحكم في المناصب الدينية العليا (المفتي، شيخ الأزهر، المرجعيات الرسمية، مجالس الإفتاء). ومن خلال آلية التعيين، تضمن أن من يصل إلى المنبر هو من ينسجم مع خطابها السياسي.
2. التأهيل الأكاديمي والإداري: الجامعات الدينية الرسمية (الأزهر، الحوزات الممولة من الدولة، كليات الشريعة الحكومية) لا تخرّج علماء مستقلين، بل موظفين مدرَّبين على الانضباط البيروقراطي. فيصبح تكوينهم الديني مشروطًا بلغة "الخدمة العامة" لا بحرية البحث.
3. العقاب والثواب: من يطيع: يُكافأ بالمنصب والراتب والظهور الإعلامي. من يعارض: يُقصى أو يُشهر به أو يُحاصر ماليًا.
الاستقلال الديني يُعامل كتهمة، والاجتهاد الحر يُترجم إلى "خيانة"، والخروج عن الخط الرسمي يُسوَّق كفتنة أو زندقة.

ج. أمثلة تاريخية ومعاصرة
في العصر العباسي: ظهر "قاضي القضاة" كوظيفة رسمية، بحيث يُنتخب القاضي الأعلى بقرار من الخليفة، ليصبح الدين جزءًا من جهاز الدولة القضائي.
في العثمانيين: مؤسسة "شيخ الإسلام" لم تكن مستقلة، بل ذراعًا رسمية تصدر الفتاوى وفق مصالح الباب العالي.
في إيران المعاصرة: تمت تصفية أو تهميش مرجعيات كبرى مثل السيد شريعتمداري والطباطبائي القمي ومحمد رضا الشيرازي، لأنهم رفضوا الخضوع لمبدأ ولاية الفقيه. فالبقاء ليس للأعلم، بل للأكثر ولاءً.
في العراق: نرى كيف تحولت بعض المرجعيات إلى أدوات بيد أحزاب سياسية، تُستخدم فتاواها لتبرير صفقات السلطة أو منح الشرعية لمشاريع مذهبية.
في السعودية: المؤسسة الدينية الرسمية (هيئة كبار العلماء) ارتبطت تمامًا بخط الدولة، بحيث تتحرك الفتوى صعودًا أو هبوطًا مع اتجاهات السلطة.

د. التبعية مقابل الاستقلال
المسألة هنا ليست مجرد انحراف أفراد، بل بنية سلطوية: الدولة تنتج رجال الدين كما تنتج موظفيها الآخرين، وفق منطق الولاء لا وفق منطق المعرفة. ولهذا، نجد أن "العالم المستقل" مهدد دومًا بالتهميش أو الاتهام، بينما "العالم الموالي" يجد الطريق مفتوحًا أمامه.
وهنا تكمن خطورة الظاهرة: الدين نفسه يُختزل في خطاب موظف. الفقيه لم يعد مرشدًا للناس، بل موظفًا في قسم العلاقات العامة للسلطة.

هـ. النتيجة: قتل الاجتهاد
حين يُختزل الدين في مؤسسة رسمية، يُقتل الاجتهاد الحر. لا يعود هناك مجال للتفكير النقدي أو إعادة قراءة النصوص. المطلوب ليس "العالم المبدع"، بل "المكرر المطيع". وهكذا، تُغلق أبواب الإصلاح من الداخل، ويتحوّل الدين إلى خطاب جامد يعيد إنتاج السلطة ويمنع أي تغيير.

***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الدين لله إلى الدين للسلطة
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات
- من يصنع الجهل؟
- ماذا يشعر الجاهل؟
- التطبير... بین شجاعة الفتوى ومراعاة الجماهير


المزيد.....




- أكسيوس: السفير الأمريكي للاحتلال يتبنى مصطلح -يهودا والسامرة ...
- ميغان تشوريتز.. النجمة اليهودية التي تحدت الصهيونية بجنوب أف ...
- محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى ...
- محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى ...
- فرنسا: نصب تذكاري للمحرقة اليهودية يتعرض للتشويه بعبارة -الح ...
- محافظة القدس: الاحتلال يدمّر آثارا إسلامية أموية أسفل المسجد ...
- حرس الثورة الاسلامية: اليمن سيوجّه ردّا قاسيا للصهاينة
- “نحن أبناء الأرض”.. مسيحيو غزة يرفضون التهجير
- مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير
- رئيس الوكالة اليهودية يلغي زيارته لجنوب إفريقيا خشية اعتقاله ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟