أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - بين سلطة الله وسلطة الحاكم














المزيد.....

بين سلطة الله وسلطة الحاكم


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 15:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين نعيد النظر في العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة، ندرك أن أخطر ما شهده تاريخنا لم يكن صراع المذاهب أو اختلاف الفقهاء، بل لحظة اختطاف الدين وتحويله إلى ذراع للسلطة. منذ أن صار "الإيمان" شعارًا للولاء، و"الفتوى" غطاءً للاستبداد، و"الخطبة" منبرًا للدعاية، فقد الدين جزءًا من معناه الأصلي: كونه فضاءً للحرية والبحث عن الله، لا أداة للسيطرة.
النقد الذي وجهناه هنا للدين السياسي ليس نزوة فكرية، ولا عداءً مع الدين، بل هو دعوة لإنقاذه من التوظيف. إن الدين، في جوهره، أسمى من أن يتحول إلى موظف صغير في بيروقراطية الدولة أو شعار أجوف على لافتة حزبية.
الله لا يحتاج إلى وزارة، ولا إلى حزب، ولا إلى خطاب رسمي. ما يحتاجه هو قلوب صادقة، وعقول حرة، ونفوس تبحث عن المعنى.

1. حين تختلط السلطتان
تاريخ التجارب البشرية – من أوروبا في العصور الوسطى إلى تجارب إيران والعراق ومصر وغيرها – يعلّمنا أن زواج الدين بالسياسة ينتج دائمًا كائنًا مشوهًا: دينًا بلا روح، لأنه مُختزل في خدمة السلطة. وسياسة بلا مساءلة، لأنها تحتمي بقداسة زائفة. بهذا الخلط، يُظلم الدين مرتين: مرة حين يُستعمل ضد خصوم السلطة، ومرة حين يفقد الناس ثقتهم به فيرونه مرادفًا للفساد والاستبداد.

2. الحرية جوهر الإيمان
الآية القرآنية "لا إكراه في الدين" ليست مجرد جملة بلاغية، بل قاعدة أنطولوجية: الإيمان لا يولد بالإكراه. كل دين يُفرض بالسيف يتحول إلى أيديولوجيا، وكل صلاة تُؤدى خوفًا من سلطة تفقد معناها، وكل فتوى تُستخدم لحماية حكم تفرغ من روحها.
من هنا نفهم أن نقد الدين السياسي ليس خروجًا عن الدين، بل دفاع عن الإيمان كخيار حر، وعودة إلى جوهر العلاقة الأصلية بين الإنسان وربه: علاقة بلا وسطاء سياسيين، بلا ابتزاز، بلا شعارات قسرية.


3. ضرورة النقد من أجل الإصلاح
أي محاولة لإصلاح الفكر الديني ستظل عقيمة ما لم تُفكّك أولًا شبكة المصالح التي تحكم العلاقة بين المؤسسة الدينية والسلطة. فالإصلاح لا يخيف الدين، بل يخيف الدولة، الدولة تخشى إعادة قراءة النصوص لأنها تُعيد السلطة إلى العقل، الدولة تخشى تعددية الاجتهاد لأنها تُضعف هيمنة الصوت الرسمي، الدولة تخشى النقد لأنه يفضح تواطؤها باسم الدين، إذن، لا سبيل إلى إصلاح حقيقي ما لم نجرؤ على نقد الدين السياسي وتعرية بنيته الأيديولوجية.

4. نحو فصل لا يعني عداء
حين نقول "فصل الدين عن السياسة"، لا نقصد نفي الدين عن الحياة العامة، ولا عزله في الزوايا والمعابد. بل نقصد تحريره من سلطة الدولة، ومن تحويله إلى أداة هيمنة. فالدين يمكن أن يظل قوة أخلاقية ملهمة، يذكّر الإنسان بواجباته نحو الآخر، نحو العدل، نحو الفقراء والمظلومين. لكن هذه القوة الأخلاقية تذبل حين تُختزل في خطاب رسمي أو في مؤسسة تحتكر النطق باسم الله. بكلمة أخرى: نحن لا ندعو إلى دين بلا حضور، بل إلى دين بلا وصاية سياسية.

5. المستقبل بين خيارين
المستقبل مفتوح أمام خيارين: إما أن يستمر تحالف الدين والسياسة، فنظل ندور في حلقة الاستبداد المقدس، حيث تُستغل النصوص لتكميم الأفواه وتكريس الجمود. أو نجرؤ على الفصل والتحرير، فنفتح الطريق أمام دين متجدد، وسياسة مدنية عقلانية، ومجتمع يتنفس الحرية.
التجارب التاريخية، من الإصلاح الأوروبي إلى محاولات الإصلاح الإسلامي، كلها تقول لنا شيئًا واحدًا: لا نهضة مع دين سياسي، ولا مستقبل مع قداسة زائفة للسلطة.

6. كلمة أخيرة
إننا إذ ننتقد الدين السياسي، فإننا لا ننتقد الدين بل نحميه من أن يكون أداة بيد الحاكم، لا ننتقد الإيمان بل نحميه من التشويه، لا ننتقد الروح بل نحميها من أن تُسجن في قفص السلطة. المؤمن الحقيقي لا يبحث عن "دولة باسم الله"، بل عن حرية تقوده إلى الله. والسياسي النزيه لا يتكئ على قداسة دينية ليبرر حكمه، بل يحتكم إلى عقد اجتماعي وشرعية مدنية.
بين سلطة الله وسلطة الحاكم مسافة هائلة. وحين تختفي هذه المسافة، يُفسد الحاكم الدين ويُفقد الدين معناه، ولذلك، فإن نقد الدين السياسي ليس خروجًا عن الدين، بل عودة إليه.



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا نحتاج إلى نقد الدين السياسي؟
- بين لاهوت التحرير ولاهوت الطاعة
- الدين السياسي عدو الإصلاح
- الدين حين يتحول إلى أيديولوجيا قمع
- كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟
- من الدين لله إلى الدين للسلطة
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم


المزيد.....




- الفاتيكان يعلن الفتى كارلو أكوتيس الملقب بـ-الرسول الإلكترون ...
- لصالح توسعة بؤرة استعمارية: الاحتلال يجرف أراضي جنوب غرب سلف ...
- كاتب إسرائيلي: يهود العالم في مأزق بسبب ما يجري في غزة.. -طو ...
- بعد سنوات على تفجيره.. إعادة افتتاح الجامع النوري الكبير في ...
- فيديو صادم لرونالدو مع مشجع حاول التقاط سلفي معه
- حرب غزة.. ضحايا بالعشرات ومظاهرات تندد بنتنياهو وتصفه بألدّ ...
- فيديو -التجاوز بحق النبي محمد-.. الأوقاف المصرية ترد بـ6 نقا ...
- نيجيريا: مقتل نحو 70 شخصاً في هجوم لـبوكو حرام على قرية
- إيجئي: إيران الإسلامية لن تستسلم أبدا لنظام الهيمنة
- مؤتمر الوحدة الإسلامية الـ 39 يعقد في طهران اعتبارا من 8 ايل ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - بين سلطة الله وسلطة الحاكم