أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - لماذا نحتاج إلى نقد الدين السياسي؟














المزيد.....

لماذا نحتاج إلى نقد الدين السياسي؟


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 14:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أ‌. لحماية الدين من التسييس
أول ما يكسبه الدين السياسي هو خسارة الدين ذاته. حين يتحول الدين إلى خطاب رسمي للدولة، فإنه يُجرّد من طاقته الروحية، ويُختزل في نصوص تبريرية تُستخدم عند الحاجة، ويُحوَّل إلى شعارات تُرفع لا إلى قيم تُعاش. وهكذا، يصبح الدين نسخة باهتة من ذاته، أشبه بظلّ باهت لفكرة عظيمة.
النقد هنا ضرورة، لأنه الوسيلة الوحيدة لوقف هذا التشويه. فالدين لا يُصان بالتحصين من النقد، بل يُصان بأن يُحرَّر من الاستخدام النفعي الذي يحوله إلى مجرد أداة.

ب‌. لحماية المجتمع من الاستبداد
الدين السياسي لا يكتفي بتشويه الدين، بل يمدّ أنيابه إلى المجتمع. حين يُقال للناس إن الحاكم يحكم "باسم الله"، تُغلق أبواب المحاسبة. وحين يُقال إن الاعتراض على الدولة هو اعتراض على "الإسلام"، يُصبح أي نقد خيانة، وأي إصلاح فتنة. بذلك، يصبح الدين السياسي درعًا للاستبداد: يحميه من النقد، ويمنحه قداسة كاذبة. ولذلك، فإن نقد الدين السياسي واجب اجتماعي، لأنه يحرر المجتمع من الخوف، ويفتح المجال للمساءلة، ويعيد السياسة إلى طبيعتها: مجال بشري خاضع للنقد والتغيير.

ج. لكسر احتكار الحقيقة
أخطر ما يفعله الدين السياسي أنه يختزل الحقيقة في خطاب رسمي واحد، يصبح الإمام الرسمي أو المرجع المقرّب من الدولة هو "المتكلم باسم الله"، يُقصى أي اجتهاد حر بدعوى أنه "خارج عن الجماعة"، يُسخَّر التراث ليكون ملكًا حصريًا للسلطة.
لكن الدين، في جوهره، خطاب مفتوح للتأويل، متعدد الأبعاد. وتاريخه يشهد على جدل واسع وتنوع في الفقه والكلام والتصوف والفلسفة. نقد الدين السياسي هو إذن نقد لادعاء احتكار الحقيقة، وفتح الباب لعودة التعددية التي هي روح الحياة الفكرية والدينية.

د. لفتح المجال للإصلاح
الإصلاح الديني والفكري لا يمكن أن ينمو في بيئة يهيمن عليها الدين السياسي، أي محاولة لإعادة قراءة النصوص تُتهم بالزندقة، أي اجتهاد يُعتبر تهديدًا للأمن القومي، أي فكر نقدي يُقدَّم كخيانة أو مؤامرة. النقد هنا لا يكون مجرد ترف فكري، بل هو شرط لتحرير المجال الإصلاحي من القيود. إذ لا يمكن لمجتمع أن يُجدد دينه ما دام محكومًا بخطاب سلطوي يدّعي أنه "التفسير الوحيد".

هـ. لأن الدين السياسي يتناقض مع روح الإيمان
الإيمان فعل حر. وإذا سُلبت الحرية، سقط الإيمان وصار مجرد طقس آلي. الدين السياسي يُفرغ الدين من محتواه الروحي لأنه يربطه بالإكراه، بينما النصوص المؤسسة تؤكد أن الإيمان لا يفرض بالقوة: "لا إكراه في الدين".
النقد إذن ليس مجرد معركة ضد سلطة سياسية، بل هو دفاع عن حقيقة الإيمان ذاته، فالدين الذي يُفرض بمرسوم ليس دينًا، بل أيديولوجيا سياسية مغلفة بعباءة الدين.

و. من أجل المستقبل
المجتمعات التي لا تجرؤ على نقد الدين السياسي تبقى أسيرة دورات متكررة من الاستبداد: يتقدم الحاكم باسم الدين، وتُقمع الحريات باسم الدين، وتنهار الثقة بين الناس والدين نفسه، ثم تنفجر المجتمعات في صراعات دامية بين دعاة التدين ودعاة التحرر.
نقد الدين السياسي هو استثمار في المستقبل، لأنه يمهّد الطريق لتوازن جديد: دين حرّ من السلطة، وسياسة بلا قداسة زائفة.

ي. خلاصة
إن الحاجة إلى نقد الدين السياسي ليست مطلبًا نخبويًا أو قضية أكاديمية، بل هي مسألة وجودية تمسّ صميم الدين والمجتمع معًا. هو دفاع عن الدين من التشويه، ودفاع عن المجتمع من الاستبداد، ودفاع عن العقل من المصادرة، ودفاع عن المستقبل من التكرار المأساوي.
بكلمة: إن نقد الدين السياسي ليس رفضًا للدين، بل إنقاذًا له، وإعادته إلى مكانه الطبيعي: مجال الضمير، لا أداة السلطة.

***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين لاهوت التحرير ولاهوت الطاعة
- الدين السياسي عدو الإصلاح
- الدين حين يتحول إلى أيديولوجيا قمع
- كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟
- من الدين لله إلى الدين للسلطة
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل


المزيد.....




- إيجئي: إيران الإسلامية لن تستسلم أبدا لنظام الهيمنة
- مؤتمر الوحدة الإسلامية الـ 39 يعقد في طهران اعتبارا من 8 ايل ...
- الهباش أمام مؤتمر جماهيري في باكستان: فلسطين خندق الدفاع الأ ...
- رغم تضييقات الاحتلال.. عشرات الآلاف يصلون بالمسجد الأقصى
- بابا الفاتيكان يطالب رئيس الاحتلال بوقف دائم لإطلاق النار ف ...
- مشروع الكنيسة الرئاسية يثير جدلا دستوريا في كينيا
- السويداء: الشيخ موفق طريف يدعو أوروبا للتدخل ويقول لولا تدخل ...
- مصر.. الإفتاء ترد على سؤال -اذكر 3 خلفاء راشدين أو تابعين اح ...
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في حارس غرب سلفيت
- بابا الفاتيكان يناقش -الوضع في غزة- مع الرئيس الإسرائيلي


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - لماذا نحتاج إلى نقد الدين السياسي؟