أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - بين لاهوت التحرير ولاهوت الطاعة














المزيد.....

بين لاهوت التحرير ولاهوت الطاعة


محمد ساجت قاطع
كاتب وباحث عراقي

(Mohammed Sajit Katia)


الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ليس كل حضور للدين في المجال العام يفضي إلى القمع. فالدين يمكن أن يتحول أيضًا إلى قوة مقاومة، وإلى مصدر إلهام للتحرر من الاستبداد. لكن المسألة تتعلق بكيفية قراءة النصوص، وبالبنية التاريخية والاجتماعية التي تحدد وظيفة الدين: هل يكون أداة لتحرير الإنسان، أم لتقييده؟

أ‌. لاهوت التحرير: الدين كقوة مقاومة
في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، شهدت أمريكا اللاتينية بروز ما عُرف بـ”لاهوت التحرير”، وهو تيار مسيحي جديد قاده لاهوتيون مثل غوستافو غوتييريز (بيرو)، وكاميلو توريس (كولومبيا)، وليوناردو بوف (البرازيل).
هذا التيار انطلق من فكرة أن الإنجيل لا يمكن أن يُقرأ بمعزل عن واقع الفقر والظلم، وأن “ملكوت الله” ليس وعدًا مؤجلًا في السماء، بل مشروع عدالة على الأرض. لذلك، تبنى لاهوت التحرير موقفًا صريحًا إلى جانب الفقراء والمهمشين، وجعل من الدين لغة مقاومة ضد الديكتاتوريات العسكرية والرأسمالية المتوحشة.
الدين هنا لم يكن أداة قمع، بل أداة تحرر. الكنيسة لم تكن ذراعًا للسلطة، بل ملجأً للمضطهدين. النصوص لم تُقرأ لتكريس الطاعة، بل لإعلان الثورة: “طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ”.


ب‌. لاهوت الطاعة: الدين كأداة انضباط
في المقابل، ظلّ حضور الدين في العالم الإسلامي (في أغلب تجلياته السياسية) أقرب إلى “لاهوت الطاعة” منه إلى “لاهوت التحرير”. منذ العصور الأولى، جرى توظيف النصوص لإنتاج خطاب الطاعة والخضوع: “من خرج على إمامه فمات، مات ميتة جاهلية”، “اسمعوا وأطيعوا وإن ضرب ظهركم وأخذ مالكم”.
هذه النصوص، بغضّ النظر عن سياقاتها التاريخية وتأويلاتها، استُخدمت لتكريس مبدأ الانضباط بدل مقاومة الظلم. فبينما كان الدين في أمريكا اللاتينية يُقرأ كنداء للثورة على الطغيان، كان في العالم الإسلامي يُقرأ ـ في كثير من الأحيان ـ كأداة لمنع أي خروج على الحاكم.


ج. لماذا أنتجت المسيحية لاهوت التحرير والإسلام لاهوت الطاعة؟
السؤال المحوري هنا: ما الذي جعل المسيحية الحديثة قادرة على إنتاج “لاهوت التحرير”، بينما ظلّ الإسلام السياسي في معظمه يكرر “لاهوت الطاعة”؟.يمكن الإشارة إلى عدة أسباب:
1. البنية المؤسسية: الكنيسة في أمريكا اللاتينية كانت مؤسسة قائمة بذاتها، لها استقلال نسبي عن الدولة، مما أتاح لها تبنّي خطاب مقاوم. بينما في التاريخ الإسلامي، غالبًا ما جرى إدماج الفقهاء في جهاز الدولة (القضاء، الإفتاء، الحسبة)، ففقدوا استقلالهم.
2. طبيعة النصوص والتأويل: النص المسيحي (خصوصًا الأناجيل) يركّز على البُعد الأخلاقي والاجتماعي، ما يترك مجالًا واسعًا للتأويل التحرري. أما النص الإسلامي، فبما أنه احتوى أيضًا على أحكام سياسية وفقهية، فقد أُعيد تأويلها تاريخيًا بما يخدم الاستقرار السلطوي.
3. التجربة التاريخية: المسيحية الأوروبية عاشت صراعًا طويلًا مع الدولة (خصوصًا بعد عصر الإصلاح الديني)، ما جعلها قادرة على تطوير خطاب نقدي تجاه السلطة. في حين أن الإسلام المبكر نشأ متداخلًا مع تجربة الدولة، فصار من الصعب الفصل بين “الديني” و”السياسي”.

د. المفارقة الكبرى
هكذا نجد أنفسنا أمام مفارقة عميقة: في أمريكا اللاتينية، الدين كان درعًا للفقراء وسيفًا ضد الطغاة، وفي العالم الإسلامي، غالبًا ما كان الدين درعًا للحكام وسيفًا ضد المعارضين. لكن هذه المفارقة لا تعني أن النص الإسلامي مغلق على الأبد، بل أن تأويله جرى في إطار بنية تاريخية سلطوية. ولو أتيح له فضاء حر ومستقل، لكان قادرًا على إنتاج “لاهوت تحرير” إسلامي، كما حاول بعض المفكرين المعاصرين مثل علي شريعتي، وعبد الكريم سروش، ومحمد مهدي شمس الدين، وغيرهم ممن سعوا إلى قراءة الدين كقوة تحرر لا كأداة استعباد.

***
» محمد ساجت السليطي (كاتب وباحث عراقي )



#محمد_ساجت_السليطي (هاشتاغ)       Mohammed_Sajit_Katia#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين السياسي عدو الإصلاح
- الدين حين يتحول إلى أيديولوجيا قمع
- كيف تُنتج الدولة رجال دينها؟
- من الدين لله إلى الدين للسلطة
- الدين بين الرسالة والأداة
- بين التحالف والخيانة... فرقٌ كبير
- آثار ظاهرة وعّاظ السلاطين على الدين والمجتمع
- الوجه النفسي لظاهرة وعّاظ السلاطين: الحاجة إلى الحماية بدل ا ...
- مثقفو التبرير: حين يتحول الفكر إلى أداة بيد السلطة
- تأثير الغباء الاجتماعي على الشعوب: قراءة في نظرية ديتريش بون ...
- فقه الطاعة وفقه الاستبداد: التحليل الفقهي والسياسي لشرعية ال ...
- الجذور التاريخية لظاهرة وعّاظ السلاطين
- كيف يُهزم الجهل؟
- ليس الجهل وحدهُ الخطر...
- نظرية المشاركة: محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (1)
- الإصلاح الديني... لماذا يفشل دائما ؟ (2)
- أسطورة المنقذ: بين الحاجة للعدل واستغلال الوهم
- حين ينتصر الجهل
- فاجعة الكوت... حين يُستغل الألم لتصفية الحسابات


المزيد.....




- بابا الفاتيكان يدعو لإطلاق سراح الرهائن ويؤكد دعمه لحل الدول ...
- الهباش يطلع وزير الشؤون الدينية الباكستاني على الأوضاع في فل ...
- الخليل.. فلسطينيون يحيون ذكرى المولد النبوي بالمسجد الإبراهي ...
- الاحتلال يهدم غرفة زراعية في دير بلوط غرب سلفيت
- الاحتلال يعتقل خمسة مواطنين من سلفيت بينهم أمين سر
- أستاذ تاريخ وحضارة: الصهيونية الدينية سيطرت على إسرائيل والع ...
- أوغندا: اعتقالات تكشف فبركة استخبارية لإدانة جماعة إسلامية
- شيخ الأزهر يرفض تجويع غزة ويدعو إلى تضامن عربي وإسلامي
- -الرئاسية لشؤون الكنائس- تدعو لنصرة أهل فلسطين وحماية أرضها ...
- من دعا من؟ خلاف يسبق لقاء البابا ورئيس إسرائيل في الفاتيكان ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ساجت قاطع - بين لاهوت التحرير ولاهوت الطاعة