أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : لمن ترفع اليافطة !















المزيد.....



رواية : لمن ترفع اليافطة !


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 18:35
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول: لييج – نبض الأمل

في صباح مشمس من أبريل 2025، وقفت كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، على رصيف محطة غيمان في لييج، ممسكة بيافطة كتبت عليها بخطها الطفولي الواضح: "أوقفوا الابادة الجماعية الاجتماعية". كانت تقف إلى جانب جدتها سارة، امرأة في أواخر الستينيات، ذات وجه محفور بالتجاعيد التي تحكي قصص إضرابات عمال الفحم في ستينيات القرن الماضي، عندما كانت لييج قلب الصناعة البلجيكية النابض. محطة غيمان، بقبتها الزجاجية الرائعة التي صممها سانتياغو كالاترافا، بدت كتحفة فنية تجمع بين الحداثة وذاكرة الماضي. القبة الزجاجية، التي تشبه أجنحة طائر عملاق، كانت تلقي بظلالها على الرصيف، حيث تجمع مئات المتظاهرين، يحملون يافطات مكتوبة بخطوط يدوية ومطبوعة، تعكس غضباً شعبياً متصاعداً ضد سياسات الائتلاف الحاكم الجديد، المعروف رمزياً بـ"الصقور". كانت أشعة الشمس الذهبية تخترق الزجاج، مضيئةً الوجوه المتوترة والمتفائلة في آن واحد، بينما حمل نسيم الربيع رائحة الأمل الممزوج بالتحدي.

كلارا، بشعرها البني القصير وعينيها الواسعتين، كانت تحمل يافتتها بفخر طفولي، وكأنها تدرك، رغم صغر سنها، أنها جزء من شيء أكبر منها. جدتها سارة، التي كانت ترتدي معطفاً أزرق باهتاً ووشاحاً صوفياً، وضعت يدها على كتف كلارا، وهي تنظر إلى الحشد بعيون تحمل خليطاً من الحنين والغضب. كانت سارة قد شهدت أياماً كانت فيها لييج مركزاً للنضال العمالي، عندما كان عمال المناجم يواجهون أصحاب رؤوس الأموال في معارك طاحنة من أجل حقوقهم. اليوم، كانت الحرب مختلفة، لكن الروح هي نفسها. المتظاهرون، الذين تجمعوا تحت راية حزب العمل الشيوعي، كانوا يستعدون للصعود إلى القطار السريع المتجه إلى بروكسل، حيث سينضمون إلى مظاهرة كبرى ضد سياسات التقشف التي فرضها ائتلاف "الصقور"، بقيادة زعيم يُدعى لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور.

وسط الحشد، لاحظت كلارا شاباً في أواخر العشرينيات يُدعى إسماعيل، طالب دراسات عليا في جامعة لوفان، يحمل يافطة مكتوب عليها: "السلام لروسيا، التضامن مع فلسطين". كان إسماعيل، ابن مهاجر من شمال إفريقيا، طويل القامة، ذا بشرة زيتونية وعينين عميقتين تحملان وهجاً إنسانياً يعكس الألم والأمل معاً. كان يرتدي جاكيت جينز ممزقاً قليلاً عند الأكمام، وكان شعره الأسود المجعد يتمايل مع النسيم. لم تكن نظرة كلارا إليه مجرد فضول طفولي، بل كانت لحظة تواصل عفوي، كما لو أن روحين تعرفتا على بعضهما دون كلمات. إسماعيل، الذي لاحظ نظرات كلارا، رد بابتسامة خجولة، ثم اقترب منها ومن جدتها، وقال: "يافطتكِ قوية، كلارا. إنها تصرخ بصوت الشعب." تفاجأت كلارا بأنه يعرف اسمها، لكن سارة أوضحت أنها كانت تتحدث عن حفيدتها مع بعض النشطاء قبل قليل. كانت تلك اللحظة بداية رابط إنساني، ليس حباً رومانسياً، بل وحدة قلبين يجمعهما هدف مشترك: مقاومة الظلم.

المحطة كانت تعج بالحركة. كان المتظاهرون يتبادلون القصص والأخبار، بعضهم يتحدث عن إضرابات يناير وفبراير التي شلت البلاد، وآخرون يناقشون تصريحات مثيرة للجدل نسبها النشطاء إلى لوكاس، الذي زُعم أنه رفض اعتقال زعيم أجنبي متهم بجرائم إبادة جماعية، مخالفاً التزامات بلجيكا تجاه المحكمة الجنائية الدولية. كما تحدثوا عن تصريح فيكتور، الذي وصف عملية إرهابية في الشرق الأوسط، تحديداً تفجير أجهزة بيجر في لبنان عام 2024، بأنها "تكتيك ذكي". هذه التصريحات، التي تداولها النشطاء كدليل على الميول الفاشية للائتلاف، أثارت غضباً عارماً. كانت كلارا تستمع إلى هذه المحادثات بفضول طفولي، تحاول فهم لماذا يبدو العالم غاضباً هكذا. سألت جدتها: "لماذا يفعلون هذا، جدتي؟ لماذا يريدون إيذاء الناس؟" أجابت سارة بهدوء: "لأنهم يخافون من قوتنا، كلارا. يخافون من أصواتنا عندما تتحد."

في الساعة الواحدة والنصف ظهراً، أعلن صوت من مكبرات الصوت عن اقتراب موعد انطلاق القطار. كان القطار السريع، بتصميمه الأنيق ونوافذه الواسعة، ينتظر على الرصيف، مكتظاً بالمتظاهرين الذين صعدوا بحماس. جلست كلارا بجانب جدتها في إحدى العربات، بينما وقف إسماعيل قريباً، يواصل نقاشه مع مجموعة من الشباب. كانوا يتحدثون عن كيفية ارتباط سياسات التقشف في بلجيكا بأجندات عالمية، تُدار من قبل لوبيات عابرة للقارات تسعى لعسكرة الاقتصاد وتحويل الشعوب إلى أدوات في حروب لا تخدم مصالحهم. إسماعيل، الذي كان قد قرأ كثيراً عن التاريخ السياسي والاقتصادي، كان يشرح بثقة: "إنهم يريدون تحويل بلجيكا إلى ثكنة عسكرية، تماماً كما فعلوا في أماكن أخرى. لكننا لن نسمح بذلك." كانت كلماته تحمل نبرة تحدٍ، لكن عينيه كانتا تعكسان قلقاً عميقاً، كما لو أنه يدرك حجم المعركة التي تنتظرهم.

كان القطار يمضي بسرعة عبر المناظر الطبيعية البلجيكية، حيث تمتزج الحقول الخضراء مع المباني الحديثة والقرى القديمة. مر القطار بمحطة لوفان في الساعة الثانية إلا ربع، حيث صعد المزيد من المتظاهرين، يحملون يافطات جديدة تندد بالحكومة وتدعو إلى التضامن مع مقاومة فلسطين ضد الإبادة الجماعية في غزة. كانت لوفان، بجامعتها العريقة وشوارعها التاريخية، تبدو هادئة تحت أشعة الشمس، لكن الهدوء كان خادعاً، إذ كانت المدينة تشارك في الحراك الشعبي بقوة. كلارا، التي كانت تنظر من النافذة، رأت طفلاً في مثل عمرها يلوح للقطار، ممسكاً بيافطة صغيرة مكتوب عليها: "أوقفوا الحرب!" شعرت كلارا بقلبها ينبض بشكل أسرع، وكأنها تدرك أنها ليست وحدها في هذا النضال.

في العربة، بدأت سارة تروي لكلارا قصصاً عن إضرابات الستينيات، عندما كانت شابة تشارك في المظاهرات ضد إغلاق المناجم. "كنا نغني في الشوارع، كلارا، وكنا نعرف أن صوتنا سيُسمع يوماً ما." كانت كلمات سارة تحمل حنيناً لأيام النضال، لكنها كانت أيضاً تحمل تحذيراً: "اليوم، الخطر أكبر. إنهم لا يكتفون بإغلاق المصانع، بل يريدون إغلاق قلوبنا." إسماعيل، الذي كان يستمع إلى الحديث، اقترب وسأل: "هل تعتقدين، يا سارة، أننا نستطيع مواجهتهم؟" أجابت سارة بنظرة حادة: "إذا لم نفعل، فمن سيفعل؟"

كان القطار يقترب من بروكسل، حيث مر بمحطة بروكسل الشمالية، التي كانت مبانيها الحديثة تعكس طموح العاصمة الأوروبية. لكن هذا الطموح كان يخفي توتراً متزايداً، إذ كانت المدينة تستعد لاستقبال آلاف المتظاهرين. في الساعة الثانية ظهراً، وصل القطار إلى محطة بروكسل المركزية، حيث كانت الشوارع المحيطة تعج بالحركة. نزل المتظاهرون، بمن فيهم كلارا وسارة وإسماعيل، وتوجهوا نحو ساحة قريبة، حيث كان مقرراً أن يُعقد التجمع الخطابي في الساعة الثالثة عصراً. كانت السماء لا تزال مشمسة، والنسيم الخفيف يحمل أصوات الهتافات التي بدأت ترتفع تدريجياً.

كلارا، التي كانت لا تزال ممسكة بيافتتها، سارت بجانب إسماعيل، الذي بدأ يتحدث إليها عن فلسطين، بلد لم تره لكنه أصبح جزءاً من وعيها بفضل جدتها. "هناك أطفال مثلكِ، كلارا، يحلمون بالعيش بسلام، لكنهم يواجهون الحرب كل يوم." كانت كلمات إسماعيل تحمل ألماً عميقاً، لكنها كانت أيضاً تحمل أملاً. سألته كلارا: "هل يمكننا مساعدتهم؟" أجاب إسماعيل: "نعم، بأن نرفع أصواتنا هنا. إذا توحدنا، يمكننا تغيير العالم." كانت تلك اللحظة نقطة تحول في علاقتهما، حيث بدأت كلارا ترى في إسماعيل ليس فقط ناشطاً، بل أخاً أكبر يشاركها حلمها بمستقبل أفضل.

في الساحة، بدأ الحشد يتجمع، وكانت اليافطات تتراقص تحت أشعة الشمس. كانت هناك لافتات تندد بالإبادة الجماعية في غزة، وأخرى تطالب بحقوق العمال والمتقاعدين، وغيرها تندد بسياسات التقشف التي حوّلت العاطلين عن العمل إلى صناديق المساعدة الاجتماعية المكتظة. كلارا، التي كانت تسير بجانب إسماعيل، شعرت بأنها جزء من لوحة كبيرة، كما لو أن كل يافطة كانت فرشاة تضيف لوناً إلى لوحة المقاومة. إسماعيل، الذي كان يحمل يافتته بثبات، نظر إلى كلارا وقال: "أنتِ رمز هذا اليوم، كلارا. صوتكِ سيُسمع."

مع اقتراب الساعة الثالثة، بدأ التجمع الخطابي يتشكل. صعد فنسنت، زعيم حزب العمل الشيوعي، إلى منصة مؤقتة، وبدأ خطابه بنبرة مليئة بالحماس والغضب. تحدث عن سياسات "الصقور" التي وصفها بـ"الإبادة الاجتماعية"، مشيراً إلى تخصيص 4 مليارات يورو لشراء طائرات مقاتلة، بينما يعاني الشعب من تقليص الخدمات الأساسية. "إنهم يعطون الأولوية للوبيات الأسلحة على احتياجات شعبنا!" صرخ فنسنت، وسط هتافات الحشد. كلارا، التي كانت تستمع بتركيز، شعرت بقلبها ينبض بشكل أسرع. نظرت إلى إسماعيل، الذي كان يرفع قبضته مع الحشد، وشعرت بأنها جزء من شيء عظيم.

كان خطاب فنسنت يربط بين القضايا المحلية والعالمية، مشيراً إلى أن الحكومة البلجيكية، بدعمها للناتو، تُسهم في جرائم ضد الإنسانية، سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا. تحدث عن تصريح فيكتور المثير للجدل، الذي وصف تفجير أجهزة البيجر في لبنان بأنه "تكتيك ذكي"، محذراً من أن مثل هذه التصريحات تُظهر ميولاً فاشية. كلارا، التي كانت تحاول فهم هذه الكلمات الكبيرة، سألت إسماعيل: "ما معنى فاشية؟" أجابها بهدوء: "هي عندما يستخدم الناس القوة لإسكات الآخرين، كلارا. لكننا لن نسكت."

مع انتهاء الخطاب، بدأت المظاهرة تنطلق في شوارع بروكسل. كانت كلارا تسير في المقدمة، ممسكة بيافتتها، بينما كان إسماعيل إلى جانبها، يحمل يافتته بثبات. كانت الشوارع تعج بالهتافات: "لا للتقشف!"، "تضامن مع فلسطين!"، "أوقفوا الحرب!" كانت كلارا تشعر بأنها جزء من نهر بشري، يتدفق بحرية وتحدٍ. إسماعيل، الذي كان ينظر إليها بفخر، قال: "أنتِ شجاعة، كلارا. أشجع مما كنت أتخيل." ضحكت كلارا، وقالت: "أنا فقط أريد أن يكون العالم عادلاً."

كانت المظاهرة تملأ شوارع بروكسل، حيث شلت حركة المرور في وسط المدينة. كانت الشرطة تترقب من بعيد، لكن الحشد كان منظماً، يسير بخطى واثقة. كلارا، التي كانت تمسك بيد جدتها من جهة وتنظر إلى إسماعيل من جهة أخرى، شعرت بأنها ليست وحدها. كان هذا الرابط الإنساني بينهما، وبينهم وبين الحشد، هو القوة التي ستحمل المقاومة إلى الأمام. مع اقتراب الغروب، بدأت الشمس تميل نحو الأفق، ملقيةً بظلال طويلة على الشوارع، لكن روح المظاهرة ظلت مشتعلة.

في تلك اللحظة، شعرت كلارا بأنها ليست مجرد طفلة تحمل يافطة، بل صوتاً من أصوات شعب يرفض الاستسلام. إسماعيل، الذي كان يسير إلى جانبها، شعر بنفس الشعور. كانا يعلمان أن الطريق إلى بروكسل لم يكن مجرد رحلة جغرافية، بل مسيرة نحو الأمل، نحو عالم أكثر عدلاً. ومع كل خطوة، كانا يقتربان من تحقيق هذا الحلم، معاً.



الفصل الثاني: بروكسل – صوت الساحة

تحت سماء مشمسة في الثانية ظهراً من يوم الأحد، 27 أبريل 2025، وصل القطار السريع إلى محطة بروكسل المركزية، حاملاً كلارا وجدتها سارة وإسماعيل مع مئات المتظاهرين من لييج. كانت المدينة، عاصمة أوروبا، تعج بالحياة، لكن تحت واجهتها الأنيقة من المباني الحديثة والشوارع النظيفة، كان هناك توتر متصاعد يعكس انقساماً عميقاً في المجتمع البلجيكي. نزل المتظاهرون من القطار، يحملون يافطاتهم التي كانت تتراقص تحت أشعة الشمس الذهبية، كما لو أنها لوحات مقاومة تعكس روح لييج النضالية التي امتدت إلى قلب بروكسل. كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، كانت لا تزال ممسكة بيافتتها التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية"، وهي تسير بجانب جدتها سارة، التي كانت تمشي بخطوات واثقة رغم تقدمها في السن. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان يسير قريباً، ممسكاً بيافتته التي تدعو إلى السلام والتضامن مع فلسطين، وعيناه تعكسان مزيجاً من الحماس والقلق.

كانت شوارع بروكسل المحيطة بالمحطة تعج بالحركة، حيث بدأ المتظاهرون يتدفقون نحو ساحة قريبة، حيث كان مقرراً أن يُعقد التجمع الخطابي في الساعة الثالثة عصراً. كانت المدينة، بمبانيها الزجاجية ومؤسساتها الأوروبية الضخمة، تبدو كرمز للحداثة، لكنها كانت أيضاً مركزاً للصراع السياسي الذي هز بلجيكا منذ تشكيل ائتلاف "الصقور" بعد انتخابات 2024. هذا الائتلاف، بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور، تبنى سياسات تقشف قاسية، شملت خفض مخصصات البطالة بنسبة 15%، رفع سن التقاعد إلى 67 عاماً، وتقليص حقوق العمال الليليين وفي العطلات. كما أثارت سياستهم لتحويل العاطلين عن العمل إلى صناديق المساعدة الاجتماعية المكتظة غضباً شعبياً، إذ رأى النشطاء أنها محاولة لإذلال العمال بدلاً من توفير فرص عمل حقيقية.

كلارا، التي كانت تمشي وسط الحشد، شعرت بإحساس غريب بالانتماء. كانت اليافطات من حولها تحمل رسائل متنوعة: بعضها يندد بالحكومة، وأخرى تطالب بالسلام مع روسيا، وغيرها تعبر عن التضامن مع مقاومة فلسطين ضد الإبادة الجماعية في غزة. كانت هذه اليافطات، التي كانت تتراقص تحت نسيم الربيع الخفيف، كأنها تعكس قلب بلجيكا النابض بالمقاومة. سألت كلارا جدتها: "لماذا يحمل الجميع يافطات مختلفة؟" أجابت سارة بابتسامة حنون: "لأن الظلم واحد، كلارا، لكنه يأتي بأشكال مختلفة. لكننا جميعاً هنا من أجل العدل." إسماعيل، الذي كان يسير إلى جانبهما، أضاف: "إنه مثل لغز كبير، كلارا. كل يافطة هي قطعة، وعندما نضعها معاً، نرسم صورة عالم أفضل."

بينما كانوا يسيرون نحو الساحة، بدأ إسماعيل يتحدث إلى كلارا عن فلسطين، مستخدماً لغة بسيطة تناسب عمرها. "هناك أطفال مثلك، كلارا، يحلمون باللعب في الحدائق، لكنهم يواجهون القنابل. نحن هنا لنقول إننا معهم." كانت عينا كلارا تلمعان بالفضول، وسألته: "هل يمكننا حقاً مساعدتهم من هنا؟" أجاب إسماعيل: "نعم، لأن صوتنا يصل إلى العالم. عندما نهتف هنا، يسمعوننا هناك." كانت كلماته تحمل قوة هادئة، تجعل كلارا تشعر بأنها جزء من شيء أكبر من نفسها. كان هذا الرابط الإنساني بينهما يتكون تدريجياً، ليس كحب رومانسي، بل كوحدة قلبين يجمعهما حلم مشترك بالعدالة.

وصل الحشد إلى الساحة، التي كانت تقع في قلب بروكسل، محاطة بمباني حكومية ومقاهٍ صغيرة كانت زبائنها تراقب الحدث من بعيد. كانت الساحة واسعة، مرصوفة بالحجارة، ومزينة بنافورة صغيرة كانت مياهها تلمع تحت أشعة الشمس. بدأ المتظاهرون يتجمعون في حلقات، يتبادلون القصص والأخبار، بينما كان بعضهم يوزع الماء والوجبات الخفيفة. كلارا، التي كانت لا تزال ممسكة بيافتتها، شعرت بأنها في وسط عالم جديد. كانت ترى وجوهاً متنوعة: عمالاً في منتصف العمر، شباباً من الجامعات، وكبار سن يحملون ذكريات النضالات القديمة. كانت سارة تتحدث مع امرأة عجوز أخرى، كانت زميلتها في إضرابات الستينيات، وكانت كلماتهما مليئة بالحنين والتحدي. "كنا نعتقد أننا انتصرنا في تلك الأيام، لكن اليوم نرى أن المعركة لم تنته بعد،" قالت المرأة العجوز، وهي تضحك ضحكة مريرة.

إسماعيل، الذي كان يقف قريباً، بدأ يتحدث إلى مجموعة من الشباب عن السياسات العالمية التي تربط بين التقشف في بلجيكا والحروب في الشرق الأوسط. "إنهم يريدون تحويل بلجيكا إلى ثكنة عسكرية،" قال، مشيراً إلى تخصيص 4 مليارات يورو لشراء طائرات مقاتلة من طراز F-35. "هذه الأموال يمكن أن تبني مستشفيات ومدارس، لكنهم يفضلون إنفاقها على الحروب." كانت كلماته تحمل غضباً هادئاً، لكنها كانت أيضاً مليئة بالأمل. كلارا، التي كانت تستمع من بعيد، اقتربت وسألته: "لماذا يختارون الحرب بدلاً من بناء المدارس؟" توقف إسماعيل للحظة، ثم أجاب: "لأن الحروب تجلب المال للأقوياء، كلارا. لكننا هنا لنقول إننا أقوى منهم."

في الساعة الثالثة عصراً، بدأ التجمع الخطابي. صعد فنسنت، زعيم حزب العمل الشيوعي، إلى منصة مؤقتة مقامة في وسط الساحة. كان فنسنت رجلاً في الأربعينيات، ذا صوت جهوري ونظرة حادة تعكس تصميماً لا يلين. بدأ خطابه بنبرة مليئة بالحماس: "إخوتي وأخواتي، نحن هنا اليوم لنقول لا للإبادة الاجتماعية! لا لسياسات الصقور التي تسرق حقوقنا وتدفعنا إلى الفقر!" كانت كلماته تهز الحشد، الذي تجاوز عدده الآلاف، وبدأت الهتافات ترتفع: "لا للتقشف! لا للحرب!" كلارا، التي كانت تقف في المقدمة مع جدتها، رفعت يافتتها عالياً، وشعرت بقلبها ينبض بحماس لم تشعر به من قبل. كانت تشعر بأنها جزء من شيء عظيم، كما لو أن صوتها الصغير يمكن أن يغير العالم.

تحدث فنسنت عن تخصيص الحكومة لمليارات اليوروهات لشراء الأسلحة، بينما يعاني الشعب البلجيكي من تقليص الخدمات الأساسية. "إنهم يعطون الأولوية للناتو ولوبيات الأسلحة الأمريكية، بينما يتركون عمالنا ومتقاعدينا يعانون!" صرخ فنسنت، وهو يشير إلى السياسات التي حولت العاطلين عن العمل إلى صناديق المساعدة الاجتماعية المكتظة. كما ندد بتصريحات فيكتور، الذي زُعم أنه وصف تفجير أجهزة البيجر في لبنان بأنه "تكتيك ذكي". "هل هذا هو المستقبل الذي نريده؟ حكومة تمجد العنف وتسحق شعبها؟" سأل فنسنت، وسط هتافات الحشد التي هزت الساحة.

لم يقتصر خطاب فنسنت على القضايا المحلية. فقد ربط بين سياسات التقشف في بلجيكا والإبادة الجماعية في غزة، معبراً عن تضامن الحزب مع مقاومة الشعب الفلسطيني. "نحن هنا لنقول إن الظلم في غزة هو ظلمنا، وإن النضال هنا هو نضالهم!" كانت كلماته تحمل صدى التضامن العالمي، مما جعل كلارا تشعر بأنها جزء من شيء أكبر من بلجيكا. نظرت إلى إسماعيل، الذي كان يرفع قبضته مع الحشد، وشعرت بأنها تريد أن تكون مثله، شجاعة وقوية. إسماعيل، الذي لاحظ نظراتها، اقترب وقال: "أنتِ تجعلين هذا اليوم مميزاً، كلارا. يافتتكِ هي صوتنا جميعاً."

بعد انتهاء الخطاب في حوالي الساعة الثالثة والنصف عصراً، بدأت المظاهرة تنطلق في شوارع بروكسل. كانت الشوارع تعج بالمتظاهرين، الذين رفعوا يافطاتهم وهتفوا بشعارات تندد بالحكومة وتدعو إلى العدالة. كانت كلارا تسير في المقدمة مع جدتها، بينما كان إسماعيل إلى جانبهما، يحمل يافتته بثبات. كانت الشوارع مزدحمة، والشرطة تراقب من بعيد، لكن الحشد كان منظماً، يسير بخطى واثقة. كانت الهتافات تملأ الجو: "أوقفوا الإبادة!"، "حقوق العمال!"، "تضامن مع فلسطين!" كلارا، التي كانت تمسك بيد جدتها، شعرت بأنها جزء من نهر بشري يتدفق بحرية وتحدٍ.

أثناء المسيرة، بدأ إسماعيل يتحدث إلى كلارا عن مفهوم "الإسلام الصهيوني"، وهو مصطلح استخدمه بعض المتظاهرين للإشارة إلى تحالفات عالمية مزعومة تستخدم الدين والإرهاب لتبرير الحروب. "إنهم يحاولون تقسيمنا، كلارا، لكننا أقوى عندما نتحد," قال إسماعيل، وهو يحاول تبسيط الفكرة لتناسب عقل طفلة. كلارا، التي كانت تستمع بعيون مفتوحة، سألته: "لماذا يريدون تقسيمنا؟" أجاب إسماعيل: "لأنهم يخافون من وحدتنا. عندما نتحد، لا يستطيعون إيقافنا." كانت كلماته تحمل قوة هادئة، تجعل كلارا تشعر بأنها قادرة على مواجهة العالم.

مع استمرار المظاهرة، بدأت الشمس تميل نحو الغروب، ملقيةً بظلال طويلة على شوارع بروكسل. كانت المظاهرة قد شلت حركة المرور في وسط المدينة، مما أجبر السلطات على إغلاق بعض الشوارع الرئيسية. كلارا، التي كانت لا تزال تحمل يافتتها، شعرت بإرهاق خفيف، لكنها كانت مصممة على مواصلة المسيرة. إسماعيل، الذي لاحظ تعبها، اقترح أن يتوقفوا للحظة للراحة. أخذها مع سارة إلى جانب الطريق، حيث جلسوا على مقعد خشبي قرب نافورة صغيرة. "أنتِ بطلة اليوم، كلارا," قال إسماعيل، وهو يبتسم. ضحكت كلارا وقالت: "أنا فقط أريد أن يكون العالم عادلاً."

في تلك اللحظة، بدأت كلارا وإسماعيل يتبادلان قصصاً شخصية. أخبرها إسماعيل عن والده، الذي فقد عمله في مصنع في لييج بسبب إغلاقه في ظل سياسات التقشف، وعن أمه التي كانت تحلم بأن يصبح مهندساً. "كنت أريد أن أجعلها فخورة بي، لكنني الآن أريد أن أجعل العالم مكاناً أفضل للجميع," قال إسماعيل. كلارا، بدورها، تحدثت عن جدتها سارة، التي علمتهما أن المقاومة هي "نبض الحياة". "جدتي تقول إننا إذا توقفنا عن النضال، فإن قلوبنا تتوقف عن النبض," قالت كلارا، وهي تنظر إلى سارة التي كانت تتحدث مع متظاهر آخر.

مع اقتراب الساعة الخامسة عصراً، بدأت المظاهرة تتلاشى تدريجياً، لكن روح المقاومة ظلت مشتعلة. كانت كلارا وإسماعيل يعلمان أن هذا اليوم ليس سوى بداية. كانا يشعران بأن الرابط الإنساني الذي نشأ بينهما، وبينهما وبين الحشد، هو القوة التي ستحمل المقاومة إلى الأمام. ومع غروب الشمس، وقفا معاً في الساحة، ينظران إلى الحشود التي بدأت تتفرق، لكنهما كانا يعلمان أن هذه ليست النهاية، بل بداية فصل جديد في نضال بلجيكا من أجل العدالة.


الفصل الثالث: رابط القلوب

مع استمرار المظاهرة في شوارع بروكسل، تحت سماء أبريل 2025 المشمسة، بدأت علاقة كلارا وإسماعيل تتعمق، ليس كحب رومانسي، بل كرابط إنساني يحمل في طياته قوة الأمل والتحدي. كانت كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، تمشي بخطوات صغيرة لكن واثقة، ممسكة بيافتتها التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية"، وهي تنظر إلى الحشد من حولها بعيون مليئة بالفضول والتصميم. إلى جانبها، كانت جدتها سارة، التي كانت تسير ببطء بسبب آلام المفاصل التي راكمتها سنوات النضال والعمل الشاق، لكن عينيها كانتا تلمعان بحماس الشباب. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان يسير قريباً، يحمل يافتته التي تدعو إلى السلام والتضامن مع فلسطين، وكان يلقي نظرات متابعة إلى كلارا، كما لو أنه يرى فيها رمزاً لجيل جديد يحمل شعلة المقاومة.

كانت شوارع بروكسل تعج بالهتافات، حيث كان المتظاهرون يرددون شعارات تندد بسياسات ائتلاف "الصقور"، بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور. كانت اليافطات من حولهم تحمل رسائل متنوعة: بعضها يطالب بحقوق العمال والمتقاعدين، وأخرى تندد بالإبادة الجماعية في غزة، وغيرها ترفض سياسات التقشف التي حوّلت العاطلين عن العمل إلى صناديق المساعدة الاجتماعية المكتظة. كلارا، التي كانت تشعر بأنها جزء من هذا النهر البشري، سألت إسماعيل وهما يسيران: "إسماعيل، هل يمكن أن نوقف هذا الظلم؟" توقف إسماعيل للحظة، ثم أجابها بنبرة هادئة لكنها مليئة بالثقة: "نستطيع، كلارا، إذا بقينا معاً. المقاومة ليست مجرد هتافات، إنها قلوبنا التي ترفض الاستسلام." كانت كلماته تحمل صدى عميقاً، كما لو أنه يحاول زرع الأمل في قلب طفلة تكتشف العالم للمرة الأولى.

كانت المظاهرة تملأ شوارع بروكسل، حيث شلت حركة المرور في وسط المدينة. كانت الشرطة تراقب من بعيد، لكن الحشد كان منظماً، يسير بخطى واثقة، كما لو أنه يعلم أن قوته تكمن في وحدته. كلارا، التي كانت تمسك بيد جدتها، شعرت بإحساس غريب بالقوة. كانت ترى في عيون المتظاهرين من حولها مزيجاً من الغضب والأمل، وكانت تشعر بأن يافتتها، رغم بساطتها، هي جزء من هذه القوة. إسماعيل، الذي كان يسير إلى جانبهما، بدأ يتحدث إلى كلارا عن قصص من التاريخ البلجيكي، عن إضرابات عمال الفحم في القرن التاسع عشر، وعن كيف كان الشعب يتحد في وجه الظلم. "كانوا مثلنا، كلارا. كانوا يحملون يافطات، وكانوا يهتفون، وكانوا يؤمنون بأن صوتهم سيغير العالم." سألته كلارا: "وهل غيّروا العالم؟" أجاب إسماعيل بابتسامة: "غيّروا أشياء كثيرة، لكنهم علّمونا أن النضال لا يتوقف."

مع اقتراب الغروب، بدأت الشمس تميل نحو الأفق، ملقيةً بظلال طويلة على شوارع بروكسل. كانت المظاهرة لا تزال مستمرة، لكن الإرهاق بدأ يظهر على وجوه بعض المتظاهرين. إسماعيل، الذي لاحظ أن كلارا بدأت تبطئ خطواتها، اقترح أن يتوقفوا للراحة. أخذها مع سارة إلى مقهى صغير في شارع جانبي، بعيداً عن صخب المظاهرة. كان المقهى صغيراً، ذا طاولات خشبية ونوافذ تطل على الشارع، حيث كان يمكن رؤية المتظاهرين وهم يمرون. جلسوا على طاولة قرب النافذة، وطلب إسماعيل عصيراً برتقالياً لكلارا وزجاجة ماء لسارة. كلارا، التي كانت لا تزال تمسك بيافتتها، وضعتها على الأرض بجانبها، ونظرت إلى إسماعيل وقالت: "أنا متعبة، لكنني لا أريد أن أتوقف." ضحك إسماعيل وقال: "أنتِ مثل جدتكِ، كلارا. قلبكِ لا يعرف الاستسلام."

في المقهى، بدأ إسماعيل يتحدث إلى كلارا عن مفهوم "الإسلام الصهيوني"، وهو مصطلح سمعه من بعض المتظاهرين خلال المظاهرة. حاول تبسيط الفكرة لتناسب عقل طفلة: "هناك أناس يستخدمون الدين والخوف ليجعلوا الناس يكرهون بعضهم. لكنهم في الحقيقة يريدون السيطرة على الجميع." سألته كلارا: "لماذا يفعلون ذلك؟" أجاب إسماعيل: "لأنهم يعتقدون أن السيطرة تجلب القوة. لكن القوة الحقيقية هي في وحدتنا، كلارا." كانت كلماته تحمل نبرة هادئة، لكنها كانت مليئة بالإيمان بأن التغيير ممكن. كلارا، التي كانت تستمع بعيون مفتوحة، شعرت بأنها تفهم شيئاً جديداً عن العالم، رغم أنها لم تستوعب كل التفاصيل.

سارة، التي كانت تستمع إلى الحديث، أضافت: "في أيامي، كلارا، كنا نناضل ضد أصحاب المناجم. اليوم، نناضل ضد أصحاب الحروب. لكن الروح واحدة." كانت كلمات سارة تحمل حكمة السنين، وكانت تنظر إلى كلارا بعيون مليئة بالفخر. إسماعيل، الذي كان يستمع إلى سارة، شعر بأنها تمثل جيلاً أعطى الكثير من أجل العدالة، وأن كلارا هي استمرار لهذا الإرث. "أنتِ محظوظة، كلارا، لأن لديكِ جدة مثل سارة," قال إسماعيل، وهو يبتسم. ضحكت كلارا وقالت: "أعرف ذلك! هي التي علمتني أن أكتب اليافطة."

بعد استراحة قصيرة، قرر الثلاثة العودة إلى المظاهرة، التي كانت لا تزال مستمرة في شوارع بروكسل. كانت الشمس قد بدأت تغرب، ملقيةً بضوء برتقالي على المباني، مما أضفى جواً دراماتيكياً على المشهد. كانت الهتافات لا تزال ترتفع، لكنها أصبحت أكثر هدوءاً مع اقتراب المساء. كلارا، التي شعرت بالانتعاش بعد العصير، رفعت يافتتها مرة أخرى، وسارت بجانب إسماعيل، الذي كان يتحدث إلى متظاهرين آخرين عن أهمية التنظيم الشعبي. "إذا أردنا تغيير الأمور، يجب أن نكون منظمين مثل جيش، لكن جيشاً من أجل السلام," قال إسماعيل، وهو ينظر إلى الحشد.

في تلك اللحظة، مرت مجموعة من الشباب يحملون لافتة كبيرة مكتوب عليها: "لا لعسكرة الاقتصاد!" اقترب إسماعيل منهم، وبدأ يناقشهم حول تخصيص الحكومة لمليارات اليوروهات لشراء الأسلحة، بينما يعاني الشعب من نقص في الخدمات الأساسية. كلارا، التي كانت تستمع، سألته: "لماذا يشترون أسلحة إذا لم تكن هناك حرب هنا؟" أجاب إسماعيل: "لأنهم يستعدون لحروب لا نريدها، كلارا. لكنهم ينسون أننا نحن من سيدفع الثمن." كانت كلماته تحمل ألماً عميقاً، كما لو أنه يرى مستقبلاً مظلماً، لكنه كان مصمماً على تغييره.

مع استمرار المظاهرة، بدأت الشرطة تتحرك ببطء نحو الحشد، مما أثار توتراً خفيفاً. إسماعيل، الذي لاحظ ذلك، اقترح على سارة وكلارا أن يبتعدا قليلاً عن الصفوف الأمامية. "لا أريد أن تعرضا للأذى," قال، وهو ينظر إليهما بعيون قلقة. سارة، التي كانت معتادة على مثل هذه المواقف، قالت: "لا تخف، إسماعيل. لقد رأيت أسوأ من هذا في الستينيات." لكنها وافقت على الابتعاد قليلاً، من أجل كلارا. استقروا في زاوية من الساحة، حيث كان بإمكانهم رؤية الحشد دون أن يكونوا في قلب المواجهة.

في تلك اللحظة، بدأ إسماعيل يروي لكلارا قصة والده، الذي عمل في مصنع في لييج حتى أغلق بسبب سياسات التقشف. "كان والدي يعمل لساعات طويلة، لكنه كان فخوراً بعمله. عندما أغلق المصنع، شعر بأن جزءاً منه قد مات." كانت كلمات إسماعيل تحمل ألماً شخصياً، لكنها كانت أيضاً تعكس قصة آلاف العمال الذين فقدوا وظائفهم. كلارا، التي كانت تستمع بتركيز، قالت: "أنا آسفة، إسماعيل. لكنك الآن هنا، وهذا يعني أن والدك فخور بك." ابتسم إسماعيل، متأثراً ببراءة كلارا، وقال: "أتمنى ذلك، كلارا."

سارة، التي كانت تستمع إلى الحديث، أضافت قصتها الخاصة. "عندما كنت شابة، كنت أعمل في مصنع للنسيج. كنا نناضل من أجل أجور أفضل وظروف عمل أكثر إنسانية. لم يكن الأمر سهلاً، لكننا تعلمنا أن الوحدة هي قوتنا." كانت كلمات سارة تحمل حكمة السنين، وكانت تنظر إلى كلارا بعيون مليئة بالأمل. "أنتِ الآن جزء من هذه الوحدة، كلارا. يافتتكِ هي صوتنا جميعاً." شعرت كلارا بفخر طفولي، ونظرت إلى إسماعيل وقالت: "أنا سعيدة لأنني هنا معكما."

مع اقتراب المساء، بدأت المظاهرة تتلاشى تدريجياً، لكن الروح النضالية ظلت مشتعلة. كانت الشرطة قد بدأت بإغلاق بعض الشوارع، لكن الحشد ظل هادئاً، يتفرق ببطء. قرر إسماعيل وسارة وكلارا العودة إلى محطة بروكسل المركزية للقطار العائد إلى لييج. أثناء سيرهم، تحدث إسماعيل عن أهمية مواصلة النضال. "اليوم كان بداية، كلارا. غداً سنعود، وسنكون أقوى." سألته كلارا: "هل ستكون معنا غداً؟" أجاب إسماعيل: "بالطبع، كلارا. أنا معكِ دائماً."

في المحطة، وهم ينتظرون القطار، جلسوا على مقعد خشبي، وكانت كلارا لا تزال ممسكة بيافتتها. نظرت إلى إسماعيل وقالت: "أشعر بأننا سنفوز يوماً ما." ابتسم إسماعيل وقال: "سنفوز، كلارا، لأن قلوبنا أقوى من أسلحتهم." كانت تلك اللحظة ختاماً ليوم طويل، لكنها كانت أيضاً بداية لرحلة طويلة من النضال والأمل، حيث كان رابط القلوب بين كلارا وإسماعيل وسارة هو القوة التي ستحمل بلجيكا نحو مستقبل أفضل.


الفصل الرابع: ظلال القمع

مع اقتراب غروب الشمس في بروكسل، في ذلك اليوم المشمس من أبريل 2025، بدأت المظاهرة التي هزت شوارع العاصمة تتلاشى تدريجياً، لكن التوتر في الجو ازداد. كانت كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، لا تزال تمسك بيافتتها التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية"، وهي تسير بجانب جدتها سارة، التي كانت تحمل في عينيها ذكريات نضالات الماضي. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان يسير إلى جانبهما، ممسكاً بيافتته التي تدعو إلى السلام والتضامن مع فلسطين، وكان يراقب الحشد بعينين متيقظتين، مدركاً أن الهدوء الذي يعم الشوارع قد يكون خادعاً. كانت الشوارع المحيطة بساحة التجمع الخطابي تعج بالمتظاهرين الذين بدأوا يتفرقون ببطء، لكن أصوات الهتافات لا تزال ترن في الأجواء، كأنها صدى لقلب بلجيكا النابض بالمقاومة. كانت اليافطات التي يحملها المتظاهرون، والتي تندد بسياسات ائتلاف "الصقور" بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور، تلقي بظلالها على الشوارع المرصوفة، كما لو أنها تحكي قصة شعب يرفض الاستسلام.

كان الجو لا يزال مشمساً، لكن النسيم الخفيف بدأ يحمل برودة المساء، مما جعل كلارا ترتجف قليلاً داخل معطفها الأحمر. لاحظ إسماعيل ذلك، فخلع جاكيت الجينز الخاص به ووضعه على كتفيها، قائلاً: "لا تدعي البرد يوقفكِ، كلارا. أنتِ أقوى من ذلك." ابتسمت كلارا، متأثرة بلطفه، وقالت: "شكراً، إسماعيل. أنا لست خائفة من البرد، لكنني لا أحب عندما ينظر إلينا الشرطيون هكذا." كانت تشير إلى مجموعة من رجال الشرطة الذين بدأوا يتحركون ببطء نحو الحشد، مرتدين زيهم الأسود وخوذاتهم، وكأنهم يستعدون لشيء قد يحدث. سارة، التي كانت تراقب المشهد بعيون متمرسة، قالت: "هذا ليس جديداً، كلارا. كانوا يفعلون الشيء نفسه في الستينيات. يحاولون إخافتنا، لكننا لا نخاف."

إسماعيل، الذي كان يشعر بالقلق من اقتراب الشرطة، اقترح أن يبتعدوا قليلاً عن الصفوف الأمامية. "لا أريد أن تعرضا للأذى،" قال، وهو ينظر إلى سارة وكلارا. سارة، التي كانت معتادة على مثل هذه المواقف، هزت رأسها وقالت: "لقد رأيت أسوأ من هذا، إسماعيل. لكن من أجل كلارا، دعنا نتحرك إلى جانب الشارع." توجه الثلاثة إلى زاوية هادئة قرب مقهى صغير، حيث كان بإمكانهم رؤية الحشد دون أن يكونوا في قلب المواجهة المحتملة. كان المقهى مزدحماً بالزبائن، بعضهم من المتظاهرين الذين توقفوا للراحة، وبعضهم من سكان بروكسل الذين كانوا يراقبون المشهد من النوافذ. جلسوا على طاولة خارجية، وطلب إسماعيل عصيراً لكلارا وقهوة لسارة، بينما اكتفى هو بزجاجة ماء.

في المقهى، بدأ إسماعيل يتحدث إلى كلارا عن السياسات التي أثارت هذه المظاهرة. حاول تبسيط الأمور لتناسب عقل طفلة: "الصقور، بقيادة لوكاس وفيكتور، يريدون تقليص حقوق الناس. يقولون إنهم يوفرون المال، لكنهم ينفقون المليارات على الأسلحة." سألته كلارا: "لماذا يشترون الأسلحة إذا لم تكن هناك حرب هنا؟" أجاب إسماعيل: "لأنهم يستعدون لحروب لا نريدها، كلارا. يعتقدون أن الأسلحة تجلب القوة، لكن القوة الحقيقية هي في وحدتنا." كانت كلماته تحمل نبرة هادئة، لكنها كانت مليئة بالإيمان بأن التغيير ممكن. كلارا، التي كانت تستمع بعيون مفتوحة، شعرت بأنها تفهم شيئاً جديداً عن العالم، رغم أنها لم تستوعب كل التفاصيل.

سارة، التي كانت تستمع إلى الحديث، أضافت: "في أيامي، كنا نناضل ضد أصحاب المناجم الذين أرادوا استغلالنا. اليوم، نناضل ضد أصحاب الحروب الذين يريدون تحويل بلادنا إلى ساحة قتال." كانت كلمات سارة تحمل حكمة السنين، وكانت تنظر إلى كلارا بعيون مليئة بالفخر. "أنتِ الآن جزء من هذه المعركة، كلارا. يافتتكِ هي صوتنا جميعاً." شعرت كلارا بفخر طفولي، ونظرت إلى إسماعيل وقالت: "أنا سعيدة لأنني هنا معكما."

بينما كانوا يتحدثون، بدأت أصوات الضجيج ترتفع من الشارع. كانت الشرطة قد بدأت تتحرك بشكل أكثر وضوحاً، وهي تحمل دروعاً وهراوات، مما أثار توتراً في الحشد. إسماعيل، الذي كان يراقب المشهد، نهض وقال: "يجب أن نكون حذرين. لا أريد أن نكون في وسط أي مشكلة." سارة، التي كانت تعرف كيف تتصرف في مثل هذه المواقف، قالت: "دعنا نبقى هنا للحظة. إذا اقتربوا أكثر، سنتحرك." كلارا، التي كانت تشعر بالقلق للمرة الأولى، أمسكت بيد جدتها بقوة، وسألت: "هل سيؤذوننا؟" أجاب إسماعيل: "لن نسمح بذلك، كلارا. نحن هنا لحماية بعضنا."

فجأة، ارتفعت أصوات صافرات الشرطة، وبدأ الحشد يتحرك بشكل أسرع، كما لو أنه يحاول تجنب المواجهة. إسماعيل، الذي كان يراقب المشهد بعناية، قرر أن الوقت قد حان للابتعاد تماماً. "دعنا نذهب إلى شارع جانبي،" قال، وهو يساعد سارة على النهوض. أمسك بيد كلارا، وقاد الثلاثة إلى زقاق هادئ بعيداً عن الشوارع الرئيسية. كان الزقاق ضيقاً، محاطاً بمباني قديمة ذات واجهات حجرية، وكان هناك عدد قليل من المتظاهرين الذين اختاروا نفس الطريق لتجنب الشرطة. كلارا، التي كانت لا تزال تمسك بيافتتها، سألت: "لماذا يحاولون إيقافنا؟ نحن لم نفعل شيئاً خاطئاً." أجاب إسماعيل: "لأنهم يخافون من صوتنا، كلارا. صوتكِ أنتِ وجدتكِ والآلاف مثلنا هو ما يجعلهم يرتجفون."

في الزقاق، توقف الثلاثة لالتقاط أنفاسهم. كانت أصوات الهتافات لا تزال تصل إليهم من بعيد، لكنها كانت أضعف الآن. سارة، التي كانت تتنفس بصعوبة قليلاً، جلست على حافة رصيف صغير، وقالت: "هذا يذكرني بإضراب عام 1960. كانت الشرطة تحيط بنا من كل جانب، لكننا لم نستسلم." كلارا، التي كانت تنظر إلى جدتها بإعجاب، سألت: "وكيف انتصرتم؟" أجابت سارة: "لم ننتصر دائماً، لكننا أبقينا الأمل حياً. وهذا ما نفعله اليوم." إسماعيل، الذي كان يستمع، أضاف: "الأمل هو سلاحنا الأقوى، كلارا. طالما نحن هنا، لن يستطيعوا إخماده."

بينما كانوا يتحدثون، سمعوا صوتاً عالياً من الشارع الرئيسي، كأنه صوت قنبلة صوتية. تبادل إسماعيل وسارة نظرة قلق، لكن سارة قالت بهدوء: "إنهم يحاولون تفريق الحشد. لكنهم لن يوقفونا." إسماعيل، الذي كان يشعر بمسؤولية حماية كلارا وسارة، قرر أن يبقوا في الزقاق حتى تهدأ الأمور. بدأ يروي لكلارا قصة والده، الذي فقد عمله في مصنع في لييج بسبب سياسات التقشف. "كان والدي يعمل لساعات طويلة، لكنه كان يحب عمله. عندما أغلق المصنع، شعر بأن جزءاً من كرامته قد سُرق." كانت كلمات إسماعيل تحمل ألماً شخصياً، لكنها كانت أيضاً تعكس قصة آلاف العمال الذين عانوا من نفس المصير.

كلارا، التي كانت تستمع بتركيز، قالت: "أنا آسفة، إسماعيل. لكنك الآن هنا، وهذا يعني أن والدك فخور بك." ابتسم إسماعيل، متأثراً ببراءة كلارا، وقال: "أتمنى ذلك، كلارا. لكنني هنا لأنني أريد أن أجعل العالم مكاناً أفضل، ليس فقط لي، بل للجميع." سارة، التي كانت تستمع، أضافت: "هذا هو معنى النضال، إسماعيل. أن تفكر في الآخرين قبل نفسك." كانت كلماتها تحمل حكمة السنين، وكانت تنظر إلى كلارا وإسماعيل بعيون مليئة بالأمل.

مع مرور الوقت، بدأت أصوات الضجيج من الشارع الرئيسي تهدأ، مما جعل إسماعيل يشعر براحة نسبية. قرر أن يعودوا إلى الساحة لمعرفة ما يحدث. عندما وصلوا، وجدوا أن الحشد قد تفرق إلى حد كبير، لكن بعض المتظاهرين كانوا لا يزالون موجودين، يهتفون بشعارات خافتة. كانت الشرطة قد أغلقت بعض الشوارع، لكن لم تكن هناك مواجهات عنيفة. إسماعيل، الذي كان يراقب المشهد، قال: "يبدو أن الأمور هدأت. لكن هذا لا يعني أننا توقفنا." كلارا، التي كانت لا تزال تمسك بيافتتها، قالت: "سأعود غداً، إسماعيل. يجب أن نواصل." ضحك إسماعيل وقال: "هذا هو الحديث الذي أحبه، كلارا!"

قرر الثلاثة العودة إلى محطة بروكسل المركزية للقطار العائد إلى لييج. أثناء سيرهم، بدأ إسماعيل يتحدث عن خطط المستقبل. "يجب أن ننظم المزيد من المظاهرات، ويجب أن نصل إلى الناس في كل مدينة." سارة، التي كانت تسير ببطء، قالت: "النضال يحتاج إلى صبر، إسماعيل. لكن مع أشخاص مثلك وكلارا، أنا متأكدة أننا سننتصر." كلارا، التي كانت تستمع، قالت: "أنا سأكون دائماً هنا، جدتي. وإسماعيل أيضاً، أليس كذلك؟" أجاب إسماعيل: "بالطبع، كلارا. نحن معاً في هذا."

في المحطة، وهم ينتظرون القطار، جلسوا على مقعد خشبي، وكانت كلارا لا تزال ممسكة بيافتتها. نظرت إلى إسماعيل وقالت: "أشعر بأننا سنفوز يوماً ما." ابتسم إسماعيل وقال: "سنفوز، كلارا، لأن قلوبنا أقوى من أسلحتهم." كانت تلك اللحظة ختاماً ليوم طويل، لكنها كانت أيضاً بداية لرحلة طويلة من النضال والأمل، حيث كان رابط القلوب بين كلارا وإسماعيل وسارة هو القوة التي ستحمل بلجيكا نحو مستقبل أفضل.


الفصل الخامس: صدام مع السلطة

مع حلول الأيام التالية للمظاهرة الكبرى في بروكسل، في أواخر أبريل 2025، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في أنحاء بلجيكا، كما لو أن الشعب قد استيقظ من سبات طويل ليواجه سياسات ائتلاف "الصقور" بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور. كانت لييج، المدينة الصناعية التي تحمل ذكريات النضال العمالي، مركزاً لهذا الحراك الشعبي. كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، كانت لا تزال تحمل يافتتها التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية"، وهي تجلس في غرفة المعيشة الصغيرة في منزل جدتها سارة، حيث كانت الجدران مزينة بصور قديمة لمظاهرات الستينيات. سارة، التي كانت ترتدي وشاحاً صوفياً باهتاً، كانت تحكي لكلارا قصصاً عن أيام الإضرابات الكبرى، بينما كانت تتابع الأخبار على جهاز راديو قديم يصدر أصواتاً متقطعة. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان قد أصبح زائراً منتظماً لمنزل سارة، حيث كان يجلب معه أخباراً عن الإضرابات الجديدة التي بدأت تنتشر، خاصة بين موظفي صناديق المساعدة الاجتماعية، الذين رفضوا سياسات الحكومة القمعية التي أجبرتهم على التعامل مع العاطلين عن العمل بطرق غير إنسانية.

كانت كلارا، رغم صغر سنها، مصرة على مرافقة إسماعيل في بعض الاجتماعات التنظيمية التي كانت تُعقد في مراكز اجتماعية صغيرة في لييج. كانت تحمل يافتتها كدرع، وكانت تشعر بأنها جزء من شيء عظيم، حتى لو لم تفهم كل التفاصيل. إسماعيل، الذي كان قد أصبح رمزاً للشباب الثائر في المدينة، كان ينظر إلى كلارا بإعجاب، وكأنه يرى فيها روح جيل جديد يرفض أن يُسلب مستقبله. "أنتِ شجاعة، كلارا," كان يقول لها، وهو يبتسم ابتسامة دافئة. "لكن يجب أن تكوني حذرة. الأمور قد تصبح صعبة." كانت كلارا ترد بثقة طفولية: "أنا لا أخاف، إسماعيل. أريد أن أكون مثل جدتي." سارة، التي كانت تستمع من زاوية الغرفة، كانت تضحك وتقول: "إنها حفيدتي، إسماعيل. لديها قلب من نار."

في إحدى الليالي، عُقد اجتماع في مركز اجتماعي صغير في ضواحي لييج، حيث تجمع نشطاء من حزب العمل الشيوعي ومؤيدون من مختلف أنحاء المدينة. كان المركز عبارة عن مبنى قديم ذي جدران متشققة، مزين بملصقات تاريخية لإضرابات العمال. كان إسماعيل يقود النقاش، وهو يتحدث عن أهمية تنظيم إضراب عام جديد للضغط على الحكومة. "إذا توقف العمال عن العمل، ستتوقف عجلة الاقتصاد. هذه هي قوتنا," قال، وهو ينظر إلى الحاضرين بعيون مليئة بالحماس. كلارا، التي كانت جالسة في الصف الأمامي، ممسكة بيافتتها، كانت تستمع بتركيز، وكأنها تحاول استيعاب كل كلمة. في تلك اللحظة، دخل رجل في منتصف العمر، كان موظفاً في إحدى صناديق المساعدة الاجتماعية، وقال بنبرة غاضبة: "لقد فرضوا علينا عقوبات لأننا رفضنا معاملة العاطلين عن العمل كأرقام. يريدوننا أن نكون آلات، لكننا بشر!" كانت كلماته تهز الحاضرين، وارتفعت هتافات التأييد في القاعة.

بعد الاجتماع، قرر إسماعيل أن يصطحب كلارا وسارة إلى المنزل، حيث كان الظلام قد بدأ يغطي شوارع لييج. كانت المدينة هادئة، لكن الهدوء كان خادعاً، إذ كانت التوترات الاجتماعية تتصاعد يوماً بعد يوم. أثناء سيرهم، تحدث إسماعيل عن خطط الإضراب الجديد، وكيف أن موظفي الصناديق الاجتماعية قد انضموا إلى الحركة. "هذه خطوة كبيرة، كلارا. إذا توحدنا جميعاً، يمكننا إجبار الصقور على التراجع." سألته كلارا: "وماذا لو لم يتراجعوا؟" أجاب إسماعيل: "سنواصل النضال حتى يفعلوا. لا يوجد خيار آخر." كانت كلماته تحمل تصميماً لا يلين، لكن كلارا لاحظت ظلاً من القلق في عينيه، كما لو أنه يعلم أن الطريق لن يكون سهلاً.

في صباح اليوم التالي، بدأ إضراب جديد في لييج، حيث توقف موظفو صناديق المساعدة الاجتماعية عن العمل، مما أدى إلى شلل جزئي في الخدمات. كانت الأخبار تنتشر بسرعة، وكانت الصحف المحلية تتحدث عن "تمرد الشعب" ضد سياسات التقشف. إسماعيل، الذي كان قد انضم إلى لجنة تنظيم الإضراب، كان يقضي ساعات طويلة في الاجتماعات والمظاهرات الصغيرة التي كانت تُعقد في شوارع لييج. كلارا، التي كانت مصرة على المشاركة، كانت ترافقه في بعض هذه الفعاليات، حاملة يافتتها كرمز لتحديها. سارة، التي كانت قلقة على سلامة حفيدتها، كانت تقول: "كلارا، أنتِ صغيرة على هذا، لكن قلبكِ كبير. فقط كوني حذرة." لكن كلارا كانت ترد: "أنا أريد أن أكون مثلكِ، جدتي. أنتِ لم تخافي أبداً."

في إحدى الأمسيات، عُقدت مظاهرة صغيرة أمام مبنى الحكومة المحلية في لييج، حيث تجمع المئات من العمال والنشطاء. كان إسماعيل في الصف الأمامي، يقود الهتافات: "لا للتقشف! نعم للعدالة!" كلارا، التي كانت تقف إلى جانبه، رفعت يافتتها عالياً، وكانت تشعر بأنها جزء من شيء عظيم. لكن الجو بدأ يتوتر عندما ظهرت قوات الشرطة، مرتدية زياً مضاداً للشغب، وبدأت تحيط بالحشد. كانت أصوات الصفارات ترتفع، وكانت الأضواء الحمراء والزرقاء من سيارات الشرطة تلقي بظلال مخيفة على الشوارع المظلمة. إسماعيل، الذي كان يراقب المشهد، أمسك بيد كلارا وقال: "ابقي قريبة مني، كلارا. لا تتحركي بعيداً."

فجأة، اندلعت مواجهة بين الشرطة وبعض المتظاهرين في الصف الأمامي. بدأت الشرطة تستخدم الهراوات، وضرب إسماعيل على كتفه بقوة، مما جعله يتراجع خطوة إلى الوراء. كلارا، التي شهدت المشهد، شعرت بالغضب يغلي في قلبها. ركضت نحو إسماعيل، وهي تصرخ: "اتركوه! إنه يدافع عن مستقبلنا!" كانت صغيرة الحجم، لكن صوتها كان قوياً، كما لو أنه يحمل غضب جيل بأكمله. أحد رجال الشرطة نظر إليها بتردد، لكنه تراجع عندما رأى الحشد يتقدم لدعم إسماعيل. سارة، التي كانت في الخلف، هرعت نحو كلارا وأمسكت بها، وقالت: "كلارا، لا تعرضي نفسك للخطر!" لكن كلارا، التي كانت عيناها مليئتين بالدموع والتحدي، قالت: "لا أستطيع أن أشاهد وأصمت، جدتي!"

إسماعيل، الذي كان يتألم من الضربة، نهض ببطء، ونظر إلى كلارا بإعجاب. "أنتِ شجاعة، كلارا. لكن دعينا نبتعد الآن." ساعد سارة وكلارا على الابتعاد من الصفوف الأمامية، حيث كانت المواجهة تتصاعد. تمكن الثلاثة من الوصول إلى زاوية هادئة في الشارع، حيث كانوا بعيدين عن العنف. كان إسماعيل يتنفس بصعوبة، لكنه حاول تهدئة كلارا، قائلاً: "لا تخافي، كلارا. هذا جزء من النضال. يحاولون إخافتنا، لكنهم لن ينجحوا." كلارا، التي كانت لا تزال تمسك بيافتتها، قالت: "لن أخاف، إسماعيل. أنا معك."

بعد أن هدأت الأمور قليلاً، عاد الثلاثة إلى منزل سارة. كانت سارة قلقة على إسماعيل، الذي كان يعاني من كدمة على كتفه، لكنها كانت فخورة بشجاعته. "أنتَ تذكرني بالشباب في أيامي، إسماعيل. كانوا يواجهون الشرطة بنفس الشجاعة," قالت، وهي تضع ضمادة على كتفه. إسماعيل، الذي كان يحاول التقليل من الألم، قال: "هذا لا شيء مقارنة بما يعانيه الناس في أماكن أخرى. أطفال في غزة يواجهون القنابل، ونحن نواجه هراوات. يجب أن نواصل." كلارا، التي كانت تستمع، قالت: "سأظل معكما، مهما حدث."

في الأيام التالية، تصاعدت حدة الإضرابات، حيث انضم المزيد من العمال والموظفين إلى الحركة. كانت الأخبار تتحدث عن إغلاق مكاتب حكومية وتوقف خدمات في عدة مدن. إسماعيل، الذي كان يقضي معظم وقته في تنظيم الفعاليات، أصبح شخصية بارزة في الحراك، لكنه كان حريصاً على إبقاء كلارا وسارة بعيدتين عن الخطر. في إحدى الليالي، زار منزل سارة، وجلس مع كلارا ليتحدث عن المستقبل. "يجب أن نبني حركة قوية، كلارا. لكن يجب أن نكون أذكياء. الشرطة لن تتوقف، والصقور لن يتراجعوا بسهولة." سألته كلارا: "ماذا يمكنني أن أفعل؟ أنا صغيرة." أجاب إسماعيل: "أنتِ لستِ صغيرة، كلارا. صوتكِ هو قوتنا. عندما تحملين يافتتكِ، أنتِ تلهمين الجميع."

في نهاية الأسبوع، عُقدت مظاهرة أخرى في لييج، هذه المرة أكبر من السابقة. كانت كلارا في الصف الأمامي، ممسكة بيافتتها، بينما كان إسماعيل يقود الهتافات. سارة، التي كانت تقف في الخلف، كانت تنظر إليهما بعيون مليئة بالفخر. لكن التوتر كان واضحاً، إذ كانت الشرطة موجودة بأعداد أكبر هذه المرة. عندما بدأ الحشد يهتف ضد سياسات التقشف، تحركت الشرطة مرة أخرى، وبدأت تستخدم الغاز المسيل للدموع. إسماعيل، الذي كان يحاول حماية كلارا، أمسك بيدها وسحبها بعيداً، بينما كانت سارة تتبعهما. تمكن الثلاثة من الوصول إلى زقاق جانبي، حيث كانوا بعيدين عن الغاز.

في الزقاق، كانت كلارا تسعل بسبب الغاز، لكنها كانت لا تزال ممسكة بيافتتها. إسماعيل، الذي كان يحاول تهدئتها، قال: "أنتِ قوية، كلارا. لا تدعيهم يكسرونكِ." سارة، التي كانت تتنفس بصعوبة، قالت: "هذا هو النضال، كلارا. إنه ليس سهلاً، لكنه يستحق." في تلك اللحظة، شعرت كلارا بأنها ليست مجرد طفلة، بل جزء من قوة أكبر. نظرت إلى إسماعيل وسارة وقالت: "لن أتوقف أبداً." كان ذلك وعد طفلة، لكنه كان وعد شعب يرفض الاستسلام.


الفصل السادس: وحدة الأمل

مع مرور الأسابيع بعد المواجهات في لييج، في مايو 2025، أصبحت المقاومة الشعبية في بلجيكا قوة لا يمكن تجاهلها. كانت الإضرابات التي بدأت بين موظفي صناديق المساعدة الاجتماعية قد امتدت إلى قطاعات أخرى، بما في ذلك النقل العام والتعليم، مما جعل مدن مثل لييج وبروكسل تعيش حالة من التوتر المستمر، ولكن أيضاً حالة من الأمل المتجدد. كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، كانت قد أصبحت رمزاً صغيراً في لييج، حيث كان النشطاء يتحدثون عن "الطفلة ذات اليافطة" التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية". كانت كلارا تجلس في غرفة المعيشة في منزل جدتها سارة، تحمل يافتتها التي أصبحت متسخة قليلاً من كثرة استخدامها، لكنها كانت لا تزال تحملها بفخر. سارة، التي كانت ترتدي معطفها الأزرق الباهت، كانت تتابع الأخبار على التلفاز، حيث كانت الصحف المحلية تتحدث عن تصاعد الحراك الشعبي ضد ائتلاف "الصقور" بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان قد أصبح قائداً بارزاً في الحركة، حيث كان يقضي ساعات طويلة في تنظيم الإضرابات والمظاهرات، لكنه كان يحرص دائماً على زيارة كلارا وسارة ليطمئن عليهما.

كانت لييج، بمبانيها الصناعية القديمة وشوارعها الضيقة، تعيش أجواء النضال بشكل يومي. كانت الشوارع مزينة بملصقات تدعو إلى الإضراب العام، وبعض الجدران كانت تحمل كتابات بالرذاذ تندد بسياسات التقشف. كلارا، التي كانت مصرة على المشاركة في الفعاليات، كانت ترافق إسماعيل في بعض الاجتماعات التنظيمية، حاملة يافتتها كرمز لتحديها. في إحدى الأمسيات، عُقد اجتماع في مركز اجتماعي في وسط لييج، حيث تجمع نشطاء من مختلف الأعمار والخلفيات. كان المركز مزدحماً، والجو مفعماً بالحماس. إسماعيل، الذي كان يقود النقاش، تحدث عن أهمية ربط النضال في بلجيكا بالقضايا العالمية. "ما يحدث هنا في لييج هو جزء من معركة أكبر. في فلسطين، في سوريا، في كل مكان يعاني من الظلم، نحن نناضل معاً," قال، وهو ينظر إلى الحاضرين بعيون مليئة بالتصميم.

كلارا، التي كانت جالسة في الصف الأمامي، كانت تستمع بتركيز، وكأنها تحاول استيعاب كل كلمة. عندما انتهى الاجتماع، اقتربت من إسماعيل وسألته: "كيف يمكننا مساعدة الناس في فلسطين من هنا؟" أجاب إسماعيل: "نفعل ذلك برفع أصواتنا، كلارا. عندما نهتف هنا، يسمعوننا هناك. صوتكِ يصل إلى العالم." كانت كلماته تحمل قوة هادئة، تجعل كلارا تشعر بأنها جزء من شيء أكبر من نفسها. سارة، التي كانت تقف في الخلف، اقتربت وقالت: "أنتِ تجعلينني فخورة، كلارا. وأنتَ أيضاً، إسماعيل. أنتم جيل جديد، لكنكم تحملون نفس الروح التي كنا نحملها في الستينيات."

في الأيام التالية، بدأت المقاومة البلجيكية تكتسب دعماً دولياً. وصلت وفود من فرنسا وهولندا للتضامن، حاملة لافتات تدعم الإضرابات وتندد بالسياسات العسكرية للناتو. كما بدأت رسائل التضامن تصل من فلسطين وسوريا، حيث كتب نشطاء في غزة رسالة إلى الحركة البلجيكية، يشكرون فيها الشعب البلجيكي على وقوفه معهم. كانت هذه الرسائل تُقرأ في الاجتماعات، مما كان يعزز من معنويات المتظاهرين. إسماعيل، الذي كان يقرأ إحدى هذه الرسائل في اجتماع، قال: "هذا هو معنى التضامن. عندما نقف معاً، لا يمكن لأحد أن يكسرنا." كلارا، التي كانت تستمع، شعرت بقلبها ينبض بحماس، وكأنها تريد أن تصرخ للعالم بأنها جزء من هذه الوحدة.

في منتصف مايو، قرر حزب العمل الشيوعي، بقيادة فنسنت، تنظيم مؤتمر شعبي في لييج لتوحيد الجهود بين مختلف الحركات الاحتجاجية. كان المؤتمر مقرراً في قاعة كبيرة في وسط المدينة، كانت تُستخدم في السابق لاجتماعات نقابات العمال. كانت القاعة مزينة بأعلام حمراء وملصقات تاريخية، وكانت تعج بالنشطاء الذين جاؤوا من مختلف أنحاء بلجيكا وخارجها. إسماعيل، الذي كان أحد المنظمين، كان يتحرك بين الحاضرين، يوزع المنشورات ويناقش الخطط المستقبلية. كلارا، التي أصرت على الحضور، كانت تجلس في الصف الأمامي، ممسكة بيافتتها، وكانت تنظر إلى الحشد بعيون مليئة بالفضول والأمل.

في منتصف المؤتمر، طلب فنسنت من كلارا أن تصعد إلى المنصة لتتحدث. كانت هذه لحظة غير متوقعة، وشعرت كلارا بالخوف للحظة، لكن إسماعيل، الذي كان يقف بجانبها، همس في أذنها: "أنتِ تستطيعين، كلارا. صوتكِ هو صوتنا." صعدت كلارا إلى المنصة، ممسكة بيافتتها، ووقفت أمام الحشد الذي كان يتجاوز المئات. كانت يداها ترتجفان قليلاً، لكنها تنفست بعمق وبدأت تتحدث: "أنا كلارا، وأنا طفلة. لكنني أعرف أن التضامن هو قوتنا. نحن نحب بلجيكا، ونحب كل إنسان يقاوم الظلم. أريد أن أعيش في عالم عادل، وأعرف أننا سنفوز إذا بقينا معاً." كانت كلماتها بسيطة، لكنها كانت تحمل صدقاً طفولياً هز قلوب الحاضرين. ارتفعت الهتافات في القاعة، وكان إسماعيل ينظر إليها بفخر، وكأنه يرى فيها مستقبل الحركة.

بعد كلمتها، اقترب إسماعيل من كلارا وقال: "لقد جعلتِ الجميع يشعرون بالأمل، كلارا. أنتِ صوت لييج." ضحكت كلارا، وقالت: "أنا فقط قلت ما أشعر به." سارة، التي كانت تجلس في الصف الأمامي، كانت عيناها مليئتين بالدموع، لكنها كانت تبتسم. "أنتِ حفيدتي، كلارا. لقد جعلتيني أشعر بأن كل نضالنا في الماضي كان يستحق." كانت تلك اللحظة نقطة تحول في المؤتمر، حيث ألهمت كلمات كلارا الحاضرين لتكثيف جهودهم.

في الأيام التالية، بدأت الحركة تكتسب زخماً أكبر. كانت الإضرابات تتوسع، وكانت المظاهرات تجتذب أعداداً متزايدة من الناس. إسماعيل، الذي كان يقود العديد من الفعاليات، كان يحرص على إبقاء كلارا وسارة بعيدتين عن المواجهات مع الشرطة، لكنه كان يشجعهما على المشاركة في الفعاليات السلمية. في إحدى المظاهرات، التي عُقدت في ساحة غيمان تحت قبة كالاترافا الزجاجية، كانت كلارا تقف في الصف الأمامي، ممسكة بيافتتها، بينما كان إسماعيل يقود الهتافات. كانت الشرطة موجودة، لكنها كانت تتجنب التدخل، ربما بسبب الحضور الدولي الذي بدأ يراقب الأحداث.

في تلك المظاهرة، وصلت وفود من فرنسا، حاملة لافتات تدعم الإضرابات البلجيكية. كان هناك ناشط فرنسي يُدعى جان، تحدث إلى إسماعيل وقال: "ما تفعلونه هنا يلهمنا في باريس. إذا نجحتم، سينجح الجميع." إسماعيل، الذي كان متأثراً بهذه الكلمات، قال: "هذا هو التضامن، جان. نحن نناضل معاً." كلارا، التي كانت تستمع، اقتربت وسألت: "هل سيأتي الناس من كل العالم لمساعدتنا؟" أجاب جان: "إذا واصلتم، كلارا، سيكون العالم كله معكم." كانت كلماته تحمل وعداً، جعل كلارا تشعر بأنها جزء من شيء عالمي.

في نهاية المظاهرة، وقف إسماعيل وكلارا وسارة تحت قبة غيمان، ينظران إلى الحشد الذي بدأ يتفرق. كانت الشمس تغرب، ملقيةً بضوء ذهبي على القبة الزجاجية، مما جعل المشهد يبدو كلوحة فنية. إسماعيل، الذي كان يمسك بيد كلارا، قال: "هذا مجرد البداية، كلارا. الطريق طويل، لكننا سنصله معاً." كلارا، التي كانت لا تزال تحمل يافتتها، قالت: "أنا مستعدة، إسماعيل. لن أتوقف." سارة، التي كانت تنظر إليهما، قالت: "أنتم أملنا. طالما هناك أشخاص مثلكما، لن ينطفئ الأمل."

كانت تلك اللحظة ختاماً لمرحلة من النضال، لكنها كانت أيضاً بداية لمرحلة جديدة. كان رابط القلوب بين كلارا وإسماعيل وسارة، وبينهم وبين الحشد، هو القوة التي ستحمل المقاومة إلى الأمام. ومع غروب الشمس، كانت لييج تقف كرمز للأمل، وكانت بلجيكا تستعد لمواجهة جديدة مع السلطة، مدعومة بوحدة شعبها.


الفصل السابع: بلجيكا على مفترق الطرق

مع حلول يونيو 2025، كانت بلجيكا تعيش حالة من التوتر المتزايد والأمل المتجدد، حيث أصبحت المقاومة الشعبية ضد ائتلاف "الصقور"، بقيادة لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور، قوة لا يمكن تجاهلها. كانت لييج، المدينة الصناعية التي تحمل ذكريات النضال العمالي، مركزاً لهذا الحراك، لكن بروكسل، العاصمة الأوروبية، كانت تشهد أيضاً مظاهرات وإضرابات شلت حركة المدينة. كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات، كانت قد أصبحت رمزاً صغيراً للمقاومة، حيث كانت يافتتها التي كتبت عليها "أوقفوا المذبحة الاجتماعية" تظهر في كل مظاهرة، متسخة قليلاً من كثرة استخدامها لكنها لا تزال تحمل بريق التحدي. سارة، جدتها، كانت تقف إلى جانبها في كل فعالية، رغم آلام المفاصل التي جعلت خطواتها بطيئة، لكن عينيها كانتا تلمعان بحماس الشباب الذي عرفته في إضرابات الستينيات. إسماعيل، الشاب الطالب في جامعة لوفان، كان قد أصبح قائداً بارزاً في الحركة، يقضي أيامه في تنظيم الإضرابات والمظاهرات، لكنه كان يحرص دائماً على العودة إلى لييج ليطمئن على كلارا وسارة، اللتان أصبحتا بالنسبة له عائلة النضال.

كانت الشوارع في لييج تعج بالحركة، حيث كانت الملصقات التي تدعو إلى الإضراب العام تزين الجدران، وبعضها كان يحمل رسائل تضامن مع فلسطين وسوريا، مما يعكس الروح العالمية للحركة. كانت الأخبار تتحدث عن إغلاق مكاتب حكومية وتوقف خدمات النقل العام في عدة مدن، مما أجبر الحكومة على الرد بتصريحات متشددة. لوكاس، زعيم "الصقور"، ظهر على شاشات التلفزيون، مدعياً أن الإضرابات تهدد الاقتصاد الوطني، وداعياً إلى "عودة النظام". فيكتور، رئيس حزب الإصلاح، كان أكثر حدة، حيث وصف المتظاهرين بـ"الفوضويين" الذين يسعون لتدمير بلجيكا. لكن هذه التصريحات لم تفعل سوى إشعال المزيد من الغضب، حيث رأى النشطاء أنها دليل على خوف الحكومة من قوة الشعب.

كلارا، التي كانت تجلس في غرفة المعيشة في منزل سارة، كانت تستمع إلى الأخبار بتركيز، وهي تمسك بيافتتها. سألت جدتها: "لماذا يقولون إننا سيئون؟ نحن نريد فقط أن يكون العالم عادلاً." أجابت سارة، وهي تضع يدها على كتف كلارا: "لأنهم يخافون منكِ، كلارا. صوت طفلة مثلكِ يجعلهم يرتجفون، لأنه صوت الحقيقة." إسماعيل، الذي كان يزور المنزل في تلك اللحظة، أضاف: "هم يريدون إسكاتنا، كلارا، لكننا لن نسكت. كل يافطة، كل هتاف، هو خطوة نحو النصر." كانت كلماته تحمل قوة هادئة، تجعل كلارا تشعر بأنها جزء من شيء عظيم.

في صباح يوم مشمس في منتصف يونيو، عُقدت مظاهرة كبرى في ساحة غيمان في لييج، تحت قبة كالاترافا الزجاجية التي كانت تلمع تحت أشعة الشمس. كانت المظاهرة تجمع آلاف المتظاهرين، بمن فيهم عمال، طلاب، ومتقاعدون، جميعهم يحملون يافطات تندد بسياسات التقشف والعسكرة. كلارا كانت في الصف الأمامي، ممسكة بيافتتها، بينما كان إسماعيل يقود الهتافات: "لا للتقشف! نعم للعدالة!" سارة، التي كانت تقف في الخلف بسبب صعوبة المشي لمسافات طويلة، كانت تنظر إلى كلارا وإسماعيل بعيون مليئة بالفخر. كانت القبة الزجاجية تلقي بظلالها على الحشد، مما جعل المشهد يبدو كلوحة فنية تجمع بين الحداثة وروح النضال.

كانت المظاهرة سلمية في البداية، لكن التوتر كان واضحاً، إذ كانت الشرطة موجودة بأعداد كبيرة، مرتدية زياً مضاداً للشغب. إسماعيل، الذي كان يراقب المشهد، أمسك بيد كلارا وقال: "ابقي قريبة مني، كلارا. لا نريد أي مشاكل." لكن كلارا، التي كانت قد اكتسبت شجاعة من المواجهات السابقة، قالت: "أنا لا أخاف، إسماعيل. أريد أن أكون هنا." كانت كلماتها تحمل براءة طفولية، لكنها كانت أيضاً تعكس تصميماً لا يلين.

في منتصف المظاهرة، صعد فنسنت، زعيم حزب العمل الشيوعي، إلى منصة مؤقتة، وبدأ يتحدث إلى الحشد بنبرة مليئة بالحماس: "نحن هنا اليوم لنقول للصقور إننا لن نستسلم! لن نسمح لهم بتحويل بلجيكا إلى ثكنة عسكرية! لن نسمح لهم بسرقة مستقبل أطفالنا!" كانت كلماته تهز الحشد، الذي رد بالهتافات: "لا للحرب! نعم للسلام!" كلارا، التي كانت ترفع يافتتها عالياً، شعرت بقلبها ينبض بحماس لم تشعر به من قبل. نظرت إلى إسماعيل، الذي كان يرفع قبضته مع الحشد، وشعرت بأنها جزء من قوة لا تُقهر.

لكن الجو بدأ يتوتر عندما تحركت الشرطة نحو الحشد، وبدأت تستخدم الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. إسماعيل، الذي كان يحاول حماية كلارا، أمسك بيدها وسحبها بعيداً، بينما كانت سارة تتبعهما بصعوبة. تمكن الثلاثة من الوصول إلى زقاق جانبي، حيث كانوا بعيدين عن الغاز. كانت كلارا تسعل بشدة، لكنها كانت لا تزال تمسك بيافتتها، وكانت عيناها مليئتين بالدموع والتحدي. إسماعيل، الذي كان يحاول تهدئتها، قال: "أنتِ قوية، كلارا. لا تدعيهم يكسرونكِ." سارة، التي كانت تتنفس بصعوبة، قالت: "هذا هو النضال، كلارا. إنه ليس سهلاً، لكنه يستحق."

بعد أن هدأت الأمور، عاد الثلاثة إلى ساحة غيمان، حيث كان الحشد قد بدأ يتفرق. كانت الشرطة قد أغلقت بعض الشوارع، لكن المتظاهرين ظلوا يهتفون بشعارات خافتة. إسماعيل، الذي كان يشعر بالإرهاق لكنه كان مصمماً على مواصلة النضال، قال: "هذا ليس النهاية، كلارا. غداً سنعود، وسنكون أقوى." كلارا، التي كانت لا تزال تسعل قليلاً، قالت: "أنا مستعدة، إسماعيل. لن أتوقف." سارة، التي كانت تنظر إليهما، قالت: "أنتم أملنا. طالما هناك أشخاص مثلكما، لن ينطفئ النضال."

في الأيام التالية، بدأت الحركة تكتسب دعماً دولياً أكبر. وصلت وفود من ألمانيا وإيطاليا، حاملة لافتات تدعم الإضرابات البلجيكية. كما وصلت رسائل تضامن من نشطاء في الشرق الأوسط، يشكرون الشعب البلجيكي على وقوفه مع قضاياهم. إسماعيل، الذي كان يقرأ إحدى هذه الرسائل في اجتماع، قال: "هذا هو معنى الوحدة. نحن لسنا وحدنا في هذا النضال." كلارا، التي كانت تستمع، سألت: "هل سيأتي الناس من العالم لمساعدتنا؟" أجاب إسماعيل: "إذا واصلنا، كلارا، سيكون العالم كله معنا."

في نهاية يونيو، عُقد مؤتمر شعبي آخر في لييج، هذه المرة بحضور وفود دولية. كانت القاعة مزدحمة، والجو مفعماً بالأمل. صعدت كلارا إلى المنصة مرة أخرى، بناءً على طلب فنسنت، وبدأت تتحدث: "أنا كلارا، وأنا طفلة. لكنني أعرف أننا يمكن أن نغير العالم إذا بقينا معاً. أريد أن أعيش في عالم عادل، وأعرف أننا سنفوز." كانت كلماتها بسيطة، لكنها كانت تحمل صدقاً هز قلوب الحاضرين. ارتفعت الهتافات في القاعة، وكان إسماعيل ينظر إليها بفخر، وكأنه يرى فيها مستقبل الحركة.

مع اقتراب نهاية المؤتمر، وقف إسماعيل وكلارا وسارة تحت قبة غيمان، ينظران إلى الحشود التي بدأت تتفرق. كانت الشمس قد غربت، ملقيةً بضوء خافت على القبة الزجاجية، مما جعل المشهد يبدو كلوحة فنية. إسماعيل، الذي كان يمسك بيد كلارا، قال: "سننتصر، كلارا، لأن إنسانيتنا أقوى من قوتهم." كلارا، التي كانت لا تزال تحمل يافتتها، قالت: "أنا أؤمن بك، إسماعيل." سارة، التي كانت تنظر إليهما، قالت: "أنتم أمل بلجيكا. طالما هناك قلوب مثل قلوبكما، ستبقى المقاومة حية."

كانت بلجيكا تقف على مفترق طرق، بين سلطة تحاول فرض سياسات التقشف والعسكرة، وشعب يرفض الاستسلام. كان رابط القلوب بين كلارا وإسماعيل وسارة، وبينهم وبين الحشد، هو القوة التي ستحدد مصير البلاد. ومع غروب الشمس، كانت لييج وبروكسل تقفان كرمزين للأمل، في انتظار فجر جديد من العدالة والإنسانية.



…………….

ملخص رواية : لمن ترفع اليافطة


تدور أحداث رواية "لمن ترفع اليافطة" في بلجيكا عام 2025، حيث تعيش البلاد تحت وطأة سياسات التقشف والعسكرة التي يفرضها ائتلاف حاكم يُعرف رمزياً بـ"الصقور"، بقيادة زعيم يُدعى لوكاس ورئيس حزب الإصلاح فيكتور. في قلب هذا الصراع الاجتماعي والسياسي، تبرز شخصيات رئيسية تجسد روح المقاومة الشعبية: كلارا، الطفلة ذات العشر سنوات التي تحمل يافطة كتبت عليها "أوقفوا الابادة الجماعية الاجتماعية"، وجدتها سارة، امرأة في الستينيات تحمل ذكريات إضرابات عمال الفحم، وإسماعيل، طالب دراسات عليا في جامعة لوفان وابن مهاجر من شمال إفريقيا، يحمل حلماً بتغيير العالم. الرواية، التي تتكون من سبعة فصول، تأخذ القارئ في رحلة إنسانية من لييج إلى بروكسل، حيث تتشابك القصص الشخصية مع النضال الجماعي ضد الظلم، مع إشارات إلى قضايا عالمية مثل الإبادة الجماعية في فلسطين وسياسات الناتو العسكرية.

في الفصل الأول، "لييج – نبض الأمل"، تبدأ القصة في محطة غيمان في لييج، حيث تقف كلارا مع جدتها سارة وسط حشد من المتظاهرين الذين يستعدون للسفر إلى بروكسل للاحتجاج ضد سياسات "الصقور". تلتقي كلارا بإسماعيل، الذي يحمل يافطة تدعو إلى السلام والتضامن مع فلسطين. ينشأ بينهما رابط إنساني عميق، يعكس وحدة الأهداف بين جيلين مختلفين. في القطار المتجه إلى بروكسل، تناقش الشخصيات سياسات الحكومة، بما في ذلك تصريحات مثيرة للجدل منسوبة إلى لوكاس وفيكتور، مثل رفض اعتقال زعيم أجنبي متهم بجرائم إبادة ووصف تفجير أجهزة بيجر في لبنان بـ"التكتيك الذكي". ينتهي الفصل مع وصولهم إلى بروكسل، حيث يستعد الحشد لتجمع خطابي في ساحة مركزية.

في الفصل الثاني، "بروكسل – صوت الساحة"، يصل المتظاهرون إلى بروكسل، حيث تعج المدينة بالتوتر الاجتماعي. يتجمع الآلاف في ساحة مركزية، حيث يلقي فنسنت، زعيم حزب العمل الشيوعي، خطاباً نارياً يندد بسياسات التقشف وتخصيص المليارات لشراء طائرات مقاتلة بدلاً من دعم الخدمات الأساسية. كلارا، التي تقف في الصفوف الأمامية، ترفع يافتتها بفخر، بينما يواصل إسماعيل نقاشاته مع المتظاهرين حول الربط بين النضال المحلي والقضايا العالمية. يبدأ الحشد بالمسير في شوارع بروكسل، مما يشل حركة المرور، وتتأكد كلارا من أهمية التضامن عندما تستمع إلى إسماعيل وهو يشرح لها عن أطفال فلسطين الذين يواجهون الحروب. تنتهي المظاهرة مع اقتراب الغروب، لكن روح المقاومة تظل مشتعلة.

الفصل الثالث، "رابط القلوب"، يركز على تعميق العلاقة بين كلارا وإسماعيل وسارة خلال المظاهرة في بروكسل. يتبادلون القصص الشخصية، حيث يروي إسماعيل عن والده الذي فقد عمله في مصنع بسبب التقشف، وتتحدث سارة عن نضالاتها في الستينيات. كلارا، التي ترى في إسماعيل أخاً أكبر، تتساءل عن كيفية إيقاف الظلم، فيجيبها إسماعيل بأن المقاومة هي "قلب ينبض بالأمل". مع تصاعد التوتر بسبب تحركات الشرطة، يبتعد الثلاثة إلى مقهى جانبي، حيث يواصلون نقاشهم عن التضامن العالمي، بما في ذلك مفهوم "الإسلام الصهيوني" الذي يستخدمه النشطاء للإشارة إلى تحالفات عالمية تستغل الدين لتبرير الحروب. ينتهي الفصل بإصرار كلارا على مواصلة النضال، معززة برابطها مع إسماعيل وسارة.

في الفصل الرابع، "ظلال القمع"، تتصاعد حدة المواجهات مع عودة الشخصيات إلى لييج. تبدأ إضرابات جديدة بين موظفي صناديق المساعدة الاجتماعية، الذين يرفضون سياسات الحكومة القمعية. كلارا تصر على مرافقة إسماعيل في الاجتماعات التنظيمية، بينما تحذرها سارة من المخاطر. خلال مظاهرة أمام مبنى الحكومة المحلية في لييج، تتحرك الشرطة لتفريق الحشد، ويُضرب إسماعيل على كتفه، مما يثير غضب كلارا التي تصرخ دفاعاً عنه. ينجح الثلاثة في الابتعاد عن العنف، لكن الحادث يعزز إصرار كلارا على مواصلة النضال. ينتهي الفصل بعودتهم إلى منزل سارة، حيث يتبادلون قصصاً عن النضال والأمل، مؤكدين أن الوحدة هي سلاحهم الأقوى.

الفصل الخامس، "صدام مع السلطة"، يشهد تصعيداً في الإضرابات، حيث تنضم قطاعات جديدة مثل النقل والتعليم إلى الحركة. إسماعيل يصبح قائداً بارزاً، بينما تستمر كلارا في حضور الفعاليات، حاملة يافتتها. خلال مظاهرة أخرى في لييج، تستخدم الشرطة الغاز المسيل للدموع، مما يجبر الثلاثة على الاحتماء في زقاق جانبي. كلارا، التي تسعل بسبب الغاز، تؤكد إصرارها على مواصلة النضال، مدعومة بشجاعة إسماعيل وحكمة سارة. ينتهي الفصل بلحظة تأمل، حيث تدرك كلارا أنها ليست مجرد طفلة، بل جزء من قوة شعبية أكبر.

في الفصل السادس، "وحدة الأمل"، تكتسب المقاومة دعماً دولياً، مع وصول وفود من فرنسا وهولندا ورسائل تضامن من فلسطين وسوريا. يُعقد مؤتمر شعبي في لييج، حيث تُطلب من كلارا إلقاء كلمة. رغم خوفها، تصعد إلى المنصة وتتحدث عن التضامن والعدالة، ملهمة الحاضرين بكلماتها البسيطة والصادقة. إسماعيل وسارة يدعمانها، وتتعزز روح الوحدة بين المتظاهرين. خلال مظاهرة أخرى في ساحة غيمان، يظهر الحضور الدولي، مما يجعل الشرطة تتردد في التدخل. ينتهي الفصل بلحظة رمزية تحت قبة كالاترافا، حيث يقف الثلاثة معاً، مؤكدين أن الوحدة هي قوتهم.

الفصل السابع، "بلجيكا على مفترق الطرق"، يصور بلجيكا في لحظة حاسمة. تستمر الإضرابات والمظاهرات، وتتوسع لتشمل مدناً أخرى، مع دعم دولي متزايد. خلال مظاهرة كبرى في ساحة غيمان، يلقي فنسنت خطاباً يربط بين النضال المحلي والقضايا العالمية، بينما ترفع كلارا يافتتها بفخر. تواجه الشرطة الحشد بالغاز المسيل للدموع، لكن الثلاثة ينجون من العنف. في مؤتمر شعبي آخر، تتحدث كلارا مجدداً، مؤكدة إيمانها بالعدالة والتضامن. تنتهي الرواية بلحظة تأمل تحت قبة غيمان، حيث يقف إسماعيل وكلارا وسارة، ينظرون إلى الحشد، ويؤكدون أن إنسانيتهم أقوى من قوة "الصقور".

الرواية تجسد رحلة إنسانية عبر قصة كلارا، التي تمثل براءة الطفولة وشجاعة الجيل الجديد، وإسماعيل، الذي يجسد طموح الشباب الثائر، وسارة، التي تحمل حكمة النضال التاريخي. من خلال هذه الشخصيات، تبرز الرواية موضوعات التضامن، المقاومة ضد الظلم، والربط بين النضالات المحلية والعالمية. بلجيكا، كما تُصور في الرواية، تقف على مفترق طرق بين سلطة قمعية وشعب يسعى للعدالة، مع إيمان راسخ بأن وحدة القلوب هي القوة التي ستغير المستقبل.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية : نبوءة الرياح في شوارع شيكاغو
- تحالف الإرهاب والمال والنفوذ الصهيوني في قلب فرنسا
- نهاية عصر لوبيات الصهاينة
- رواية : كوميديا الفردوس السومري..رواية تاريخية
- رواية : عبيد ماستريخت: دراكولا كرئيس للمفوضية
- رواية : صحراء السراب
- رواية : دموع الأرض المحلقة
- رواية : أصداء الخفاء
- رواية: عشرة أعوام من الرماد
- رواية :رأس ابو العلاء المهشم !
- رواية: إمبراطورية سامر السريع
- رواية: أصداء الأفق المحطم
- رواية : ارض النبض الكربلائي العجيب
- رواية : مكعبات الوافل واناشيد الميز
- رواية : رقصة الدم على رمال النفط
- رواية: سنغافورة السراب
- رواية: أنقاض الإمبراطورية: غزة تُحرر أمريكا
- نهاية عصر الصهيونية: كيف تحولت أمريكا من عبدة اللوبي إلى ثوا ...
- رواية: أسرى الشرق المفقود
- سيرك الخيانة برعاية الروتشيلد


المزيد.....




- المخرجة التونسية كوثر بن هنية.. من سيدي بوزيد إلى الأوسكار ب ...
- نزف القلم في غزة.. يسري الغول يروي مآسي الحصار والإبادة أدبي ...
- فنانون عراقيون في مواجهة الحرب بمعرض في طهران + فيديو
- بغداد تتنفس -ثقافة- بمهرجان الكتاب الدولي وقطر ضيف شرف في قل ...
- مهرجان الإسكندرية يكشف عن أقوى 10 أفلام سياسية في تاريخ السي ...
- متحف الأوسكار يحتفي بالذكرى الـ50 لـ-الفك المفترس- بـ200 قطع ...
- الشاعر حامد بن عقيل يفك شفرة العالم في -الوحدة حرّية حزينة- ...
- متحف اليمن الوطني.. صرح تاريخي طاله التخريب الإسرائيلي
- دمشق تطلق غدا أول تظاهرة سينمائية عن الثورة السورية
- جدل عالمي حول مقاطعة السينما الإسرائيلية.. ما القصة؟?


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : لمن ترفع اليافطة !