أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية: أصداء الأفق المحطم















المزيد.....



رواية: أصداء الأفق المحطم


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 22:16
المحور: الادب والفن
    


مقدمة :

في صيف عام 2025، كانت السماء فوق حيفا مغطاة بسحب سوداء كثيفة، كأنها ستائر حداد تخنق ضوء الشمس، وتحول المدينة التي كانت يومًا مركزًا للثقافة والحياة إلى لوحة من الرماد والحطام. كانت رائحة الدخان والمعادن المحترقة تملأ الهواء، بقايا حرب الـ12 يومًا التي هزت أركان الكيان الصهيوني، الذي طالما تغنى بتفوقه التكنولوجي المدعوم من الاحتكارات المالية الغربية. لكن الصواريخ الإيرانية، التي اخترقت أحدث طبقات الدفاع الجوي الأمريكية، كشفت زيف هذه الرواية، حيث دكت أهم المقرات الاستعمارية في تل أبيب وحيفا ورحوفوت بدقة مخيفة، تاركة وراءها أنقاضًا وصمتًا ثقيلًا. لم تكن هذه الحرب مجرد صراع عسكري، بل كانت إعلانًا بأن الرقابة الفولاذية التي فرضها الكيان، بدعم من إمبراطوريات الإعلام الغربي، لم تعد قادرة على إخفاء الحقيقة. كانت هذه الحقيقة، التي حاول الكيان وأسياده طمسها، تتكشف عبر شقوق الأنقاض، عبر همسات الأشباح التي لا تزال تتجول في الشوارع المدمرة، وعبر أصوات الأبطال الذين رفضوا النسيان. في رواية "أصداء الأفق المحطم"، تنبثق القصص من بعضها البعض، كأنها أشجار تنمو من جذور الرماد، حاملة أملًا هشًا في مواجهة واقع محطم.

كانت الحرب قد بدأت بعد عدوان أمريكي-صهيوني غادر على الإمكانات العلمية والعسكرية الإيرانية، رغم المفاوضات الجارية والمواثيق الدولية التي تدين مثل هذه الأعمال. كان هذا العدوان، الذي استهدف منشآت نووية وبحثية في إيران، محاولة يائسة من الغرب وكيانه الصهيوني للحفاظ على هيمنتهما في المنطقة. لكن الرد الإيراني كان مدمرًا، حيث استهدفت الصواريخ الباليستية قاعدة عين الأسد في العراق وقاعدة العيديد في قطر، مما أصاب الوجود الأمريكي في صميم كينونته، وأجبر المحتل على الفرار من العراق في حالة من الذعر. أما الكيان الصهيوني، الذي كان يُروج لنفسه كقوة لا تُقهر، فقد بدأ يحتضر تحت وطأة الضربات التي كشفت هشاشته. كانت هذه الحرب، التي كادت أن تقضي على الكيان لو استمرت أيامًا إضافية، نقطة تحول في ميزان القوى، حيث أظهرت أن إيران، بقدراتها الاستخباراتية والعسكرية، كانت تراقب الكيان بدقة، تعرف إحداثيات مراكز الإبادة الشاملة وغير الشاملة، وتخترق بنيته إلى العمق.

في هذا العالم المحطم، تدور أحداث "أصداء الأفق المحطم"، حيث تتشابك قصص أربع شخصيات تحمل أسماء عربية أو قريبة منها، كل منها يحمل جرحًا وأملًا، يبحث عن الحقيقة وسط الأنقاض. فاطمة، الصحفية العنيدة في الثلاثين من عمرها، هي روح الرواية، امرأة تحمل في قلبها نار المقاومة وذكريات جدتها عن حيفا قبل النكبة. تجوب شوارع المدينة المدمرة بكاميرتها ودفترها، توثق الدمار وتبحث عن أدلة تكشف أسرار الحرب. تجد دفترًا يحمل شعار معهد وايزمان، مليئًا بملاحظات عن أبحاث قلبية وإشارات إلى مشاريع عسكرية سرية، مما يدفعها إلى البحث عن الحقيقة، حتى لو كلفتها حياتها. قاسم، العالم البالغ من العمر أربعين عامًا، هو الرجل الذي كتب هذا الدفتر، لكنه يعاني من ذنب مشاركته غير المقصودة في مشاريع عسكرية. كان يؤمن يومًا أن علمه سيخدم البشرية، لكنه يكتشف أن أبحاثه استُخدمت في تطوير أسلحة بيولوجية، مما يجعله يواجه ماضيه ويبحث عن طريقة للتكفير. إسماعيل، المهرب البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، هو رجل الأنفاق، ينقل الأسلحة عبر ممرات تحت الأرض، ويحمل في قلبه روح المقاومة. يعرف أسرار الحرب، ويحمل رسائل مشفرة تكشف عن خطط المقاومة وضرباتها القادمة. أما محمد، الراوي البالغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، فقد هرب من معسكر اعتقال إسرائيلي، ويحكي قصصًا للأطفال في مخيمات اللاجئين، محاولًا الحفاظ على أملهم وأمله الخاص. هؤلاء الأربعة هم مرايا لبعضهم البعض، يعكسون الألم والصمود والأمل في عالم محطم.

تبدأ الرواية في حيفا، حيث تجد فاطمة الدفتر وتلتقي بقاسم، الذي يكشف عن دوره في معهد وايزمان وعن شكوكه حول زميله يوسف، الذي ربما سرب المعلومات إلى إيران. يقرران التوجه إلى غزة عبر نفق مع إسماعيل، الذي يصبح شريكهما في البحث عن الحقيقة. في غزة، يلتقون بمحمد، الذي يشاركهم معلومات عن خيانة داخلية سمعها أثناء اعتقاله. معًا، يكتشفون تفاصيل عن "مشروع أريس"، وهو مشروع سري لتطوير أسلحة بيولوجية في معهد وايزمان، ممول من الجيش الإسرائيلي. تتشابك قصصهم مع رسائل مشفرة تتحدث عن ضربة جديدة من المقاومة، لكنهم يواجهون تحذيرات من خيانة داخلية تهدد خططهم. كل شخصية تحمل جزءًا من اللغز: فاطمة توثق الحقيقة بكاميرتها، قاسم يحلل الوثائق بعلمه، إسماعيل ينقل الأسلحة عبر الأنفاق، ومحمد يروي القصص ليحافظ على الأمل. يتحركون معًا عبر الأنقاض والمخيمات والصحراء، متجنبين الطائرات المسيرة، وهم يحملون أملًا هشًا بكشف الحقيقة وتغيير مسار التاريخ.

تتميز الرواية بأسلوب سردي يمزج بين الواقعية السحرية لغابرييل غارسيا ماركيز، حيث تظهر أشباح العلماء في الأنقاض تهمس بالأسرار، والعبثية البيكارسكية لثيرفانتس، حيث تتخلل الرحلة لحظات من السخرية والأمل رغم الدمار. تحمل الرواية أيضًا روح غسان كنفاني، حيث تتجسد المقاومة في كل خطوة تقوم بها الشخصيات، سواء كانت بالكلمة أو السلاح أو القصة. الأماكن في الرواية—حيفا، غزة، رحوفوت—ليست مجرد خلفيات، بل هي شخصيات بحد ذاتها، تحمل ذكريات النكبة والحرب والصمود. حيفا، ببحرها الصامت، هي ذاكرة الفلسطينيين التي لا تنسى. غزة، بمخيماتها وأنفاقها، هي قلب المقاومة النابض. ورحوفوت، بأنقاض معهد وايزمان، هي رمز العلم الذي تحول إلى سلاح.

تتناول الرواية موضوعات الخيانة والتكفير والمقاومة. فاطمة تمثل البحث عن الحقيقة، بكاميرتها التي توثق الدمار ودفترها الذي يحمل ملاحظاتها. قاسم يجسد صراع الضمير، حيث يحاول تحويل ذنبه إلى قوة للتغيير. إسماعيل هو رمز الصمود، رجل يعيش في الظلال لكنه يحمل نور المقاومة. ومحمد هو صوت الشعب، الذي يحكي القصص ليحافظ على الأمل. معًا، يواجهون خطر الطائرات المسيرة، والخيانات الداخلية، والرقابة الصهيونية، لكنهم يؤمنون أن الحقيقة هي سلاحهم الأقوى. يكتشفون أن الحرب لم تكن مجرد صراع عسكري، بل كانت نتيجة مؤامرات معقدة، حيث حاول الكيان وأسياده استخدام العلم والتكنولوجيا لتعزيز هيمنتهم، لكن إيران، باختراقها العميق، كشفت هذه المؤامرات.

الرواية ليست مجرد سرد لأحداث الحرب، بل هي تأمل في قدرة الإنسان على الصمود في وجه الدمار. إنها مرثية للأمل المكسور، ونشيد للروح الفلسطينية التي ترفض النسيان. من خلال رحلة فاطمة وقاسم وإسماعيل ومحمد، تتكشف تفاصيل صغيرة عن مشاريع الكيان السرية، وعن قدرة إيران على مراقبته بدقة، وعن الخيانات التي حاولت إضعاف المقاومة من الداخل. لكن الرواية تذهب إلى أبعد من ذلك، فهي تسأل: ماذا يعني أن تقاوم في عالم محطم؟ ماذا يعني أن تحمل الحقيقة عندما يحاول العالم نسيانك؟ إنها قصة عن الأمل الذي يولد من الرماد، عن البحر الذي لا يزال يغني في أعماقه، وعن الأصداء التي تتردد في أفق محطم، معلنة أن الحقيقة، مهما كانت ثقيلة، هي الطريق إلى التحرير.

……………….


الفصل الأول: ظلال النار

في الخامس من يونيو 2025، كانت سماء حيفا مغطاة بسحب سوداء كثيفة، كأنها ستائر حداد تخفي الشمس عن المدينة التي كانت يومًا مركزًا نابضًا بالحياة. كان الهواء مشبعًا برائحة الدخان والحجر المحترق، بقايا حرب الـ12 يومًا التي هزت العالم. كانت الصواريخ الإيرانية قد ضربت المدينة بقوة، مخلفة وراءها أنقاضًا وصمتًا ثقيلًا. فاطمة، الصحفية البالغة من العمر ثلاثين عامًا، كانت تسير بحذر بين الشوارع المدمرة، تحمل كاميرا صغيرة ودفتر ملاحظات ممزق، وهي ترتدي معطفًا رماديًا ممزقًا عند الأكمام وشالًا يغطي شعرها الأسود الطويل. كانت عيناها، اللتين كانتا تلمعان بالعزيمة، تبحثان عن شيء في هذا المشهد الميت، شيء يمكن أن يروي قصة لم تُكتب بعد. كانت حيفا بالنسبة لها ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة متوارثة من جدتها، التي كانت تحكي عن البحر الذي كان يغني لسكان المدينة قبل النكبة. الآن، وهي تمشي بين الأنقاض، شعرت فاطمة أن البحر نفسه قد صمت، كأنه يحبس أنفاسه، منتظرًا شيئًا لم تستطع فهمه بعد.

كانت الشوارع خالية إلا من أصوات الرياح التي تحمل الغبار، وأحيانًا صوت انهيار جدار بعيد. كانت الضربات الإيرانية قد حولت المباني التي كانت مراكز تجارية وثقافية إلى هياكل عظمية، والشوارع التي كانت تعج بالحياة أصبحت موطنًا للغبار والظلال. لكن فاطمة، التي كانت تحمل روح غسان كنفاني في قلبها، لم تكن تبحث عن الأنقاض فقط. كانت تبحث عن الحقيقة، عن القصص التي يمكن أن توثقها، عن الأمل الذي يمكن أن يولد من الرماد. كانت تعتقد أن الكلمات، مثل الأسلحة، يمكن أن تغير مسار التاريخ. توقفت عند مبنى كان يومًا مركزًا للبحث التكنولوجي، أحد فروع وادي السيليكون الإسرائيلي الشهير. كان المبنى قد تضرر بشدة، لكن بعض الجدران كانت لا تزال صامدة، مغطاة بطبقة من الرماد. اقتربت بحذر، ممسكة بكاميرتها، جاهزة لتوثيق أي شيء قد تجده. في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب، كأن عيونًا تراقبها. التفتت حولها، لكن لم يكن هناك أحد. لكن الشعور لم يفارقها. كانت تشعر، بطريقة لا تستطيع تفسيرها، أن المدينة ليست خالية تمامًا. كانت هناك أرواح، أو ربما ظلال، تتحرك في الغبار.

بدأت ترى، بأسلوب ماركيز السحري، أشكالًا غامضة تظهر وتختفي بسرعة. رأت رجلًا يرتدي معطفًا أبيض، يحمل أوراقًا محترقة، يهمس بكلمات لا تستطيع سماعها. رأت امرأة، وجهها مغطى بالرماد، تحمل أنبوب اختبار مكسور، كأنها تحاول إنقاذ ما تبقى من أبحاثها. هزت فاطمة رأسها، محاولة طرد هذه الصور من ذهنها، لكن الرؤى استمرت. كانت الأشباح، إن كانت أشباحًا حقًا، تتحرك ببطء، كأنها تبحث عن شيء فقدته. اقتربت من جدار كان عليه لوحة إلكترونية مكسورة لا تزال تصدر وميضًا خافتًا. لمست اللوحة بحذر، وفجأة، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه همسة: "لم ينته العلم بعد." تراجعت خطوة إلى الوراء، قلبها ينبض بسرعة. هل كانت تتخيل؟ أم أن هذه الأرواح كانت تحاول التحدث إليها؟ أخرجت دفترها وبدأت تكتب بسرعة: "حيفا، يونيو 2025. المدينة ميتة، لكنها تتحدث. الأشباح هنا، علماء فقدوا أحلامهم، يبحثون عن معنى في الرماد."

واصلت سيرها، متجهة نحو البحر، الذي كان قلب حيفا في حكايات جدتها. كانت تعرف أن البحر يحمل أسرارًا، ربما إجابات. كانت الشوارع التي تمر بها مليئة بالذكريات المكسورة: متجر كان يبيع الفلافل، مدرسة كانت أصوات الأطفال تملؤها، مقهى كان يجمع المثقفين. الآن، كل شيء كان رمادًا. وصلت أخيرًا إلى الشاطئ، حيث كان البحر هادئًا بشكل غريب، كأنه يحتفظ بأنفاسه. جلست على صخرة، وأخرجت كاميرتها، وبدأت تصور الموج الذي كان يتكسر بلطف. لكن عينيها لم تكن على البحر فقط. كانت تبحث عن علامة، عن دليل على أن هذه الحرب لم تكن نهاية كل شيء. لاحظت شيئًا غريبًا بين الأنقاض على الشاطئ: دفتر صغير، مغطى بالغبار، لكنه بدا سليمًا بشكل غريب. اقتربت بحذر، ورفعته. كان جلده أسود، وعليه شعار معهد وايزمان. فتحته، ووجدت صفحات مليئة بملاحظات مكتوبة بخط يد دقيق. كانت تتحدث عن أبحاث في علم الأحياء القلبية، لكن بين السطور، كانت هناك كلمات مقلقة: "المشروع السري"، "الأهداف العسكرية"، "الضربة القادمة". شعرت فاطمة بنبضات قلبها تتسارع. هل كان هذا دليلًا على مؤامرة؟ هل كان معهد وايزمان، كما زعمت بعض التقارير، مركزًا لأبحاث عسكرية سرية؟

جلست على الصخرة مرة أخرى، وبدأت تقرأ الدفتر بعناية. كانت الملاحظات مكتوبة بأسلوب علمي بارد، لكن بين السطور، كانت هناك تلميحات إلى شيء أكبر. كان هناك اسم يتكرر: قاسم. لم تعرف فاطمة من هو قاسم، لكنها شعرت أن هذا الدفتر لم يصل إليها بالصدفة. كتبت في دفترها الخاص: "وجدت دفترًا يخص عالمًا يُدعى قاسم. ربما يكون مفتاحًا لفهم ما حدث. لكن السؤال هو: هل أنا مستعدة لما سأكتشفه؟" كانت تعرف أن الحقيقة قد تكون خطرة، لكنها كانت صحفية، وكانت تعتقد أن الحقيقة هي السلاح الوحيد الذي يمكن أن يواجه به الكذب. بينما كانت تقرأ، سمعت صوت خطوات تقترب. رفعت عينيها، ورأت رجلًا يقف على بعد أمتار. كان طويلًا، يرتدي معطفًا ممزقًا، ووجهه مغطى بالغبار. "من أنت؟" سألت، وهي تمسك الدفتر بقوة. لم يرد الرجل مباشرة. اقترب ببطء، وعندما أصبح قريبًا بما يكفي، رأت في عينيه نظرة من اليأس والفضول. "أنا قاسم," قال بنبرة منهكة. توقف قلب فاطمة للحظة. هل كان هذا الرجل هو صاحب الدفتر؟ هل كانت هذه مصادفة، أم أن هناك قوة أكبر تجمعهما؟

بدأت فاطمة تتحدث، تحكي له عن رحلتها في حيفا، عن الأشباح التي رأتها، عن الدفتر الذي وجدته. كان قاسم يستمع بصمت، لكنه كان يشعر أن كلماتها تمس جزءًا من روحه. كان يعرف أن الدفتر الذي تحمله هو ملكه، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان يريد استعادته. كان الدفتر يحمل أسرارًا، أسرارًا كان قد حاول نسيانها. "هل قرأتِ ما فيه؟" سأل أخيرًا. أومأت فاطمة برأسها. "جزء منه. لكنني أريد أن أعرف الحقيقة. كلها." كانت نبرتها حادة، لكنها تحمل أملًا. كان قاسم يشعر أن هذه المرأة ليست مجرد صحفية. كانت تحمل في داخلها نارًا، نار المقاومة، نار البحث عن العدالة.

بدأ قاسم يحكي، بحذر في البداية. تحدث عن عمله في معهد وايزمان، عن أبحاثه في علم الأحياء القلبية، وعن الشائعات التي سمعها عن مشاريع عسكرية سرية. لكنه توقف عندما وصل إلى الجزء الذي يتعلق بالضربة الإيرانية. "لم أكن أعرف أن عملي سيُستخدم لهذا," قال، وهو ينظر إلى الأرض. كانت كلماته تحمل وزن الذنب، بأسلوب دوستويفسكي المعذب. لكن فاطمة لم تكن هنا لتحاكمه. كانت هنا لتفهم. "لكنك تعرف الآن," قالت. "والسؤال هو: ماذا ستفعل حيال ذلك؟" في تلك اللحظة، سمعا صوت طائرة مسيرة في السماء. اندفعا للاختباء خلف جدار مكسور، وهما يستمعان إلى الطنين الذي كان يقترب. كانت فاطمة تمسك الدفتر بقوة، كأنه كنزها الوحيد. عندما مرت الطائرة، خرجا من مخبأهما، ونظرا إلى بعضهما البعض. "علينا أن نكمل," قالت فاطمة. "هذا الدفتر قد يكون مفتاحًا لفهم ما حدث، ولإيقاف ما سيحدث." أومأ قاسم برأسه، رغم أنه لم يكن متأكدًا من الطريق أمامه. لكنه كان يعرف أن هذه المرأة، فاطمة، هي الشخص الذي سيوجهه.

بدآ يمشيان معًا، متجهين نحو الداخل، بعيدًا عن البحر. كانت حيفا لا تزال تتحدث إليهما، من خلال الأنقاض، من خلال الأشباح، من خلال الغبار. كان قاسم يفكر في زملائه في المعهد، في الأبحاث التي كانوا يجرونها، في الشائعات التي كان يسمعها عن مشاريع عسكرية سرية. كان يتذكر يوسف، زميله الذي كان دائمًا يتحدث عن العدالة، عن أن إسرائيل ستدفع ثمن جرائمها. كان يتساءل إن كان يوسف هو من كتب تلك الملاحظات الحمراء في الدفتر، إن كان هو من سرب المعلومات إلى إيران. لكنه لم يشارك هذه الأفكار مع فاطمة بعد. كان لا يزال يحتاج إلى وقت لفهم ما يحدث، لفهم دوره في هذه القصة.

كانت فاطمة، من جانبها، تفكر في جدتها، في الحكايات التي كانت ترويها عن حيفا، عن البحر الذي كان يغني. كانت تتذكر كيف كانت جدتها تمسك يدها وهي طفلة، وتقول لها: "البحر لا ينسى، فاطمة. ونحن لا يجب أن ننسى." الآن، وهي تمشي بجانب قاسم، شعرت أنها تحمل وصية جدتها. كانت تعرف أن مهمتها ليست فقط توثيق الحقيقة، بل جعل العالم يتذكر. أخرجت كاميرتها، وبدأت تصور الأنقاض، الجدران المحطمة، اللوحات الإلكترونية المكسورة. كانت تريد أن تجعل العالم يرى ما رأته، أن يشعر بثقل الرماد الذي كان يغطي حيفا.

بينما كانا يمشيان، وصلا إلى مبنى آخر، كان يبدو كأنه كان يومًا مركزًا للتحكم. كانت الأبواب مفتوحة، والنوافذ محطمة، لكن كان هناك شيء غريب في المكان. كان هناك صوت خافت، كأنه طنين كهربائي، يأتي من الداخل. اقتربا بحذر، ودخلا المبنى. كان الداخل مظلمًا، لكن ضوء القمر كان يتسلل من النوافذ المكسورة، يكشف عن أجهزة إلكترونية محطمة وأوراق مبعثرة على الأرض. وجدت فاطمة جهاز كمبيوتر قديم، لا يزال يعمل بشكل ما، وشاشته تومض برسالة: "المشروع لم ينته." شعرت فاطمة بقشعريرة. كانت الرسالة مكتوبة بالعبرية، لكنها فهمت معناها. هل كان هذا تحذيرًا؟ أم أن هناك من لا يزال يعمل على المشروع السري؟

بدأ قاسم يبحث بين الأوراق المبعثرة، ووجد ملفًا يحمل عنوانًا مقلقًا: "مشروع أريس." فتح الملف، ووجد تقريرًا يتحدث عن أبحاث لتطوير أسلحة بيولوجية، مصممة لاستهداف مجموعات سكانية محددة. كانت هناك ملاحظات عن اختبارات أجريت في مختبرات تحت الأرض، وعن تمويل من الجيش الإسرائيلي. شعر قاسم بغثيان. كان هذا هو الدليل الذي كان يخشاه، الدليل على أن المعهد لم يكن مجرد مركز علمي، بل كان جزءًا من آلة الحرب. "هذا ما كنت أعمل عليه دون أن أدرك," قال، صوته يرتجف. نظرت فاطمة إليه، ووضعت يدها على كتفه. "لكنك تعرف الآن," قالت. "ويمكنك أن تفعل شيئًا حيال ذلك."

قررا أن يأخذا الملف معهما، وواصلا سيرهما. كانا يعلمان أن الدفتر والملف قد يكونان مفتاحًا لكشف الحقيقة، لكن كانا يعلمان أيضًا أن الحقيقة تأتي بثمن. كانت فاطمة تفكر في كيفية نشر هذه المعلومات، في كيفية جعل العالم يستمع. كانت تعرف أن هناك صحفيين آخرين، ربما في القاهرة أو بيروت، يمكن أن يساعدوها. لكنها كانت تعرف أيضًا أن النشر قد يعرضها للخطر. كان قاسم، من جانبه, يفكر في زملائه الذين فقدوا في الضربة، في إيليا وسارة، وفي يوسف الذي ربما كان الخائن. كان يشعر أن عليه أن يكفر عن ذنبه، أن يجد طريقة لاستخدام علمه للخير، لا للدمار.

في تلك الليلة، وصلا إلى مخبأ صغير في إحدى البنايات المدمرة. كان المخبأ عبارة عن غرفة تحت الأرض، ربما كانت يومًا مستودعًا. أشعلا نارًا صغيرة، وبدآ يناقشان الخطوة التالية. كانت فاطمة تريد أن تذهب إلى غزة، حيث كانت تعتقد أن هناك أشخاص يمكن أن يساعدوهما، ربما مهربون أو مقاتلو المقاومة. كان قاسم مترددًا، لكنه كان يعرف أن ليس لديه خيار آخر. كانا يعلمان أن الطريق إلى غزة سيكون خطرًا، خاصة مع الطائرات المسيرة التي كانت تحلق في السماء. لكنهما كانا يشعران أن هناك قوة تدفعهما للأمام, ربما الأشباح التي رأتها فاطمة, ربما ذكريات جدتها, ربما الذنب الذي يحمله قاسم.

جلسا حول النار, وكانت فاطمة تقرأ الملف بصوت خافت, كأنها تحاول فهم اللغز. كانت هناك إشارات إلى اختبارات أجريت على عينات بشرية, إلى تجارب لم يكن من المفترض أن يعرفها أحد. كان قاسم يستمع, وهو يشعر بثقل الحقيقة. "كيف يمكن للعلم أن يتحول إلى هذا؟" سأل, وهو ينظر إلى النار. لم تجب فاطمة مباشرة. كانت تعرف أن السؤال ليس له إجابة سهلة. لكنها قالت: "العلم ليس المشكلة, قاسم. الناس هم المشكلة. ونحن الآن نستطيع أن نكون جزءًا من الحل."

في تلك اللحظة, سمعا صوت انفجار بعيد. كانا يعلمان أن الحرب لم تنته, أن الطائرات لا تزال تحلق, أن الأنقاض لا تزال تتحدث. لكنهما كانا يعلمان أيضًا أن لديهما هدفًا. قررا أن يناما قليلًا, ثم يتحركا عند الفجر نحو غزة. كانت فاطمة تمسك الدفتر والملف, وكان قاسم يمسك بصورة زملائه, التي كان قد وجدها في الأنقاض. كانا يشعران أن الظلال التي تحيط بهما ليست مجرد أشباح, بل هي مرايا تعكس قوتهما, ألمهما, وأملهما. وفي تلك الليلة, بينما كانت النار ترقص, شعرا أن قصتهما لم تنته, بل كانت بداية فصل جديد, فصل قد يكون نهايتهما, أو بداية تحرير.

كانت فاطمة تجلس في المخبأ, تحدق في النار, وهي تفكر في الطريق الذي أمامها. كانت تعرف أن الذهاب إلى غزة لن يكون مجرد رحلة, بل اختبارًا لإرادتها. كانت تتذكر الأيام التي قضتها في القاهرة, حيث كانت تعمل مع وكالة أنباء صغيرة, تحاول نشر تقارير عن الحصار على غزة. كانت تقاريرها تلقى صدى محدودًا, لأن العالم كان مشغولًا بحروبه الخاصة. لكنها الآن شعرت أن لديها فرصة حقيقية لتغيير شيء, لجعل العالم يرى ما رأته. أخرجت كاميرتها, وبدأت تتصفح الصور التي التقطتها في حيفا: الجدران المحطمة, الأشباح التي بدت وكأنها تحمل أسرار المدينة, البحر الذي كان صامتًا. كانت كل صورة تحمل قصة, لكنها كانت تعرف أن الصور وحدها لا تكفي. كانت بحاجة إلى كلمات, إلى دليل, إلى صوت يخترق الصمت.

كان قاسم, من جانبه, يجلس في الزاوية المقابلة, ينظر إلى الصورة التي وجدها في أنقاض المعهد. كان يتذكر إيليا, الذي كان دائمًا يمزح ويقول إن العلم سيغير العالم. كان يتذكر سارة, التي كانت تحلم بإيجاد علاج لأمراض القلب. كان يشعر أن موتهما لم يكن مجرد خسارة, بل خيانة لكل ما آمنوا به. كان يفكر في يوسف, الذي كان مختلفًا عن البقية. كان يوسف دائمًا يتحدث عن العدالة, عن أن العلم يجب أن يكون في خدمة الإنسانية, لا الحرب. كان قاسم يتساءل إن كان يوسف قد سرب المعلومات عن قصد, أم أنه كان مجرد ضحية أخرى للحرب. لكنه كان يعرف أن الحقيقة لن تظهر إلا إذا واصلا البحث.

بدأت فاطمة تحكي لقاسم عن جدتها, عن الحكايات التي كانت ترويها عن حيفا قبل النكبة. كانت تتحدث بأسلوب ماركيز السحري, حيث كانت تصف البحر وكأنه كائن حي, يغني أغاني الحرية. "كانت جدتي تقول إن البحر لا ينسى," قالت فاطمة, وهي تنظر إلى النار. "وأنا أؤمن بذلك. لهذا أنا هنا, لأجعل العالم يتذكر." استمع قاسم بصمت, وهو يشعر أن كلماتها تمس جزءًا من روحه. كان يعرف أن لديه دورًا يلعبه, لكنه لم يكن متأكدًا من كيفية القيام به. كان يشعر أن الذنب الذي يحمله هو سلسلة تربطه بماضيه, لكنه كان يريد أن يحرر نفسه.

في تلك اللحظة, سمعا صوت خطوات تقترب من المخبأ. أطفأ قاسم النار بسرعة, وأمسكت فاطمة بكاميرتها, جاهزة للتصوير إذا لزم الأمر. لكن الصوت توقف, وعاد الصمت. خرجا بحذر من المخبأ, ووجدا أن السماء كانت قد بدأت تتضح, وأن ضوء الفجر كان يتسلل عبر السحب. قررا أن يتحركا الآن, مستغلين الضوء الخافت لتجنب الطائرات المسيرة. كانا يعلمان أن الطريق إلى غزة سيكون طويلًا, وأن الأنفاق هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى هناك. كانت فاطمة تعرف مهربًا يدعى إسماعيل, كانت قد التقت به في مخيم الشاطئ قبل سنوات. كانت تعتقد أنه يمكن أن يساعدهما, لكنها كانت تعرف أيضًا أن الثقة في أوقات الحرب هي مقامرة.

بدآ يمشيان عبر الأنقاض, متجهين نحو نقطة التقاء كانت فاطمة قد سمعت عنها من مقاتل مقاومة. كانت الشوارع مليئة بالذكريات المكسورة: سيارات محترقة, جدران مغطاة بالكتابات, ألعاب أطفال متناثرة. كانت فاطمة توثق كل شيء, تصور كل جدار, كل حطام, كل علامة على الحياة التي كانت موجودة يومًا. كان قاسم يسير بجانبها, يحمل الدفتر والملف, وهو يفكر في كيفية استخدام هذه الوثائق. كان يعرف أن نشرها قد يكون خطرًا, لكنه كان يشعر أن هذا هو السبيل الوحيد للتكفير عن ذنبه.

وصلا أخيرًا إلى نقطة التقاء, وهي عبارة عن منزل مدمر كان يومًا مدرسة. كان هناك رجل ينتظرهما, يرتدي معطفًا أسود ووجهه مغطى بقناع. "أنا إسماعيل," قال, صوته خافت ولكنه حاد. نظر إلى فاطمة, وتذكرها على الفور. "لم أكن أتوقع أن أراكِ هنا," قال. ابتسمت فاطمة ابتسامة خافتة. "الزمن يتغير, إسماعيل. لكن الحقيقة لا تتغير." أخبرته عن الدفتر, عن التقرير, عن قاسم. استمع إسماعيل بصمت, لكنه كان يفكر في الأنفاق, في الأسلحة التي كان ينقلها, في المقاومة التي كانت تعتمد عليه.

قرر إسماعيل أن يساعدهما, لكنه حذرهما من أن الطريق إلى غزة لن يكون سهلًا. "الأنفاق ليست آمنة," قال. "لكنها الطريق الوحيد." وافق قاسم وفاطمة, وتحركوا معه نحو مدخل نفق مخفي تحت الأنقاض. كان النفق ضيقًا, جدرانه الطينية مبللة, وكان الهواء ثقيلًا برائحة التراب. كان إسماعيل يقود الطريق, حاملًا مصباحًا يدويًا, بينما كانت فاطمة تسير خلفه, تحمل كاميرتها, وقاسم يتبعهما, يحمل الدفتر والملف. كانوا يشعرون أن النفق ليس مجرد ممر, بل بوابة إلى عالم آخر, عالم قد يكون نهايتهم, أو بداية شيء جديد.

كان النفق مظلمًا, لكن فاطمة شعرت أن هناك ضوءًا في نهايته. كانت تفكر في جدتها, في البحر, في الحقيقة التي كانت تبحث عنها. كان قاسم يفكر في زملائه, في الذنب الذي يحمله, في الأمل الذي بدأ يشعر به. كان إسماعيل يفكر في المقاومة, في الأسلحة التي كان ينقلها, في الشعب الذي كان يعتمد عليه. وفي تلك اللحظة, بينما كانوا يسيرون في الظلام, شعروا أن ظلال النار التي تركوها في حيفا لا تزال تحترق, لكنها الآن كانت تحترق بنور الأمل, نور الحقيقة, نور المقاومة.



الفصل الثاني: أنين المهرب

في الخامس عشر من يونيو 2025، كان إسماعيل يتحرك بحذر عبر نفق ضيق تحت أرض غزة، حيث كانت الرطوبة تتسرب إلى عظامه، وكان الهواء يحمل رائحة التراب الممزوج بالبارود. النفق، الذي حفرته المقاومة على مدى سنوات، كان بمثابة شريان حياة يربط غزة بالعالم الخارجي، أو بما تبقى منه. كان إسماعيل، البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، مهربًا محترفًا، لكنه لم يكن مجرد مهرب عادي. كان يحمل على كتفيه أكثر من مجرد صناديق الأسلحة والإمدادات التي وصلت من إيران؛ كان يحمل أحلام شعب بأكمله، أحلامًا هشة كالزجاج، مهددة بالتحطم تحت وطأة الحرب التي اندلعت قبل يومين. كانت يداه، الملطختان بالتراب، تمسكان بحبل مضفر يساعده على التوازن في الظلام، بينما كان مصباحه الأمامي يلقي بضوء خافت على جدران النفق الطينية. كل خطوة كانت محسوبة، ليس خوفًا من الانهيار فقط، بل خوفًا من أن تكتشف طائرة إسرائيلية مسيرة تحلق فوق الأرض حركته. كان يعرف أن السماء لم تعد آمنة، ليس في غزة، ولا حتى في تل أبيب، التي كانت، كما سمع عبر جهاز الراديو المحمول، تتعرض لقصف إيراني غير مسبوق.

كان إسماعيل رجلًا قليل الكلام، وهذا ما جعله يتقن مهنته. لم يكن بحاجة إلى الكثير من الكلمات ليفهم أو يُفهم. بأسلوب همنغواي الموجز، كان يتبادل الحديث مع رفاقه في المقاومة بعبارات قصيرة وحادة، كل كلمة تحمل وزن اللحظة. "كم صندوقًا اليوم؟" سأل أبو خالد، مقاتل مقاومة كان ينتظره عند نهاية النفق. "ثلاثة. صواريخ وذخيرة. إيران أرسلت المزيد." رد إسماعيل بنبرة خافتة، وهو يضع الصناديق على الأرض بحذر. نظر إليه أبو خالد، عيناه تلمعان في الضوء الخافت، وقال: "اليوم سمعت أن تل أبيب تحترق. هل هذا صحيح؟" توقف إسماعيل للحظة، يفكر. كان قد سمع البث عبر الراديو قبل ساعات، صوت مذيع متحمس يتحدث عن صواريخ إيرانية تضرب قلب إسرائيل. "نعم، صحيح. لكن الحرب لم تنته بعد." رد بصوت خافت، كأنه يحاول إقناع نفسه أكثر من أبو خالد.

كان النفق مكانًا يختلط فيه الواقع بالوهم. الظلام، الرطوبة، والصمت المتقطع بأصوات بعيدة جعلت إسماعيل يشعر وكأنه يعيش في عالم آخر، عالم لا يخضع لقوانين الزمن. كان يتذكر لحظات من طفولته في غزة، عندما كان يركض في شوارع مخيم الشاطئ، يلعب مع أصدقائه بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق فوق رؤوسهم. لم يكن يعرف حينها أن تلك الألعاب البريئة ستتحول إلى حياة من المقاومة. لم يكن يعرف أن والده، الذي قُتل في انتفاضة 2000، سيترك له إرثًا من الكفاح. لكن الآن، وهو يحمل صناديق الأسلحة عبر النفق، شعر أن روحه مقيدة إلى هذه الأرض، إلى هذه القضية التي لا تنتهي.

في تلك اللحظة، سمع صوتًا خافتًا من جهاز الراديو المحمول المعلق على حزامه. توقف، وضبط التردد بحذر. كان صوت المذيع يتحدث بنبرة عاجلة: "ضربات إيرانية جديدة تستهدف قواعد عسكرية إسرائيلية في نيفاتيم وحيفا. الدفاعات الإسرائيلية تنهار تحت وطأة الصواريخ الباليستية." شعر إسماعيل بنبضات قلبه تتسارع. كان يعرف أن هذه الأخبار تعني شيئًا أكبر من مجرد انتصار عسكري. كانت رسالة إلى كل مقاوم في غزة: إسرائيل، التي طالما روجت لنفسها كقوة لا تُقهر، كانت تنهار. لكنه لم يستطع أن يفرح تمامًا. كان يعرف أن الحرب لن تنتهي بهذه السهولة، وأن غزة ستدفع ثمنًا باهظًا، كما فعلت دائمًا.

عاد إلى النفق، حيث كان أبو خالد يفرز الصناديق. "هل تعتقد أن إيران ستنتصر؟" سأل أبو خالد، وهو يرفع صندوقًا ثقيلًا. لم يرد إسماعيل مباشرة. كان يفكر في والدته، التي كانت لا تزال تعيش في مخيم الشاطئ، وفي أخته الصغرى، التي لم تتجاوز العاشرة. كان يفكر في المنزل الذي دُمر في غارة سابقة، وفي الأحلام التي دفنها تحت الأنقاض. "إيران قوية، لكن النصر ليس لها وحدها. النصر لنا جميعًا، إذا وحدنا صفوفنا." رد أخيرًا، وهو يحمل صندوقًا آخر.

كانت كلماته تحمل صدى كتابات غسان كنفاني، الذي كتب عن المقاومة كحياة، كوجود لا ينفصل عن هوية الفلسطيني. لكن إسماعيل لم يكن مثقفًا مثل كنفاني. كان رجلًا عمليًا، يعيش في اللحظة، يحمل السلاح والأمل في نفس الوقت. لكنه كان يشعر بالصراع الداخلي. كان يعرف أن الأسلحة التي ينقلها قد تُستخدم لقتل أبرياء، لكنه كان يؤمن أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحرير شعبه. هذا التناقض، الذي كان يعيشه كل يوم، جعله يشعر وكأنه يحمل جبلًا على ظهره.

في منتصف النفق، توقف ليستريح. جلس على الأرض، وأخرج زجاجة ماء من حقيبته. كان الماء دافئًا، لكنه شربه بنهم، كأنه يحاول إطفاء نار داخلية. في تلك اللحظة، تذكر لقاءه مع فاطمة، الصحفية التي كان يعرفها منذ سنوات. كانت فاطمة قد زارته قبل أشهر، تسعى لتوثيق حياة المهربين في غزة. كانت امرأة شجاعة، لا تخاف من المخاطرة بحياتها لأجل الحقيقة. لكن إسماعيل كان يرى في عينيها شيئًا آخر: حزنًا عميقًا، كأنها تحمل ذنبًا لا تستطيع التخلص منه. تذكر كيف تحدثت عن حيفا، المدينة التي ولدت فيها قبل أن تُطرد عائلتها في النكبة. كانت تتحدث عن البحر هناك، عن رائحة الملح التي لا تزال تطاردها في أحلامها.

"لماذا تعودين إلى هنا، فاطمة؟" سألها يومها، وهو يشعل سيجارة في ظل شجرة زيتون. أجابت بنبرة هادئة، لكنها تحمل قوة داخلية: "لأنني لا أستطيع أن أعيش بعيدًا عن هذه الأرض. حتى لو كانت مليئة بالموت، فهي موطني." كانت كلماتها بمثابة مرآة تعكس روحه. كان إسماعيل يشعر بنفس الارتباط بالأرض، لكنه لم يكن يملك الكلمات ليعبر عنه. كان يعبر عنه بحركاته، بحمل الأسلحة، بحفر الأنفاق، بالصمود في وجه الموت.

عاد إلى الواقع عندما سمع صوت أبو خالد يناديه. "إسماعيل، تحرك! لدينا ساعة قبل أن تصل الشاحنة." نهض إسماعيل، وواصل المشي في النفق. كان يعرف أن الشاحنة التي تنتظرهم في الطرف الآخر من النفق ستنقل الأسلحة إلى مقاتلي المقاومة في شمال غزة. لكنه كان يعرف أيضًا أن الطريق إلى هناك لن يكون آمنًا. كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق باستمرار، وكان الحصار يضيق يومًا بعد يوم. لكن إسماعيل لم يكن يفكر في الخوف. كان يفكر في اللحظة التي سيخرج فيها من النفق، عندما يرى السماء مرة أخرى، حتى لو كانت مليئة بالدخان.

عندما وصل إلى نهاية النفق، كان أبو خالد ينتظره مع مجموعة صغيرة من المقاتلين. كانوا يرتدون ملابس بسيطة، لكنهم كانوا يحملون عيونًا مليئة بالعزيمة. ساعد إسماعيل في رفع الصناديق إلى الشاحنة، وهو يستمع إلى حديثهم عن الحرب. "إيران ضربت معهد وايزمان. سمعنا أن العلماء يهربون مثل الفئران," قال أحد المقاتلين، واسمه ياسر. ضحك الآخرون، لكن إسماعيل لم يضحك. كان يفكر في معنى هذا الخبر. إذا كانت إيران قادرة على ضرب مركز علمي مثل وايزمان، فهل يعني ذلك أن الكيان الصهيوني ينهار بالفعل؟ أم أن هذا مجرد وهم آخر؟

قبل أن يتمكن من الرد، سمع صوت انفجار بعيد. توقف الجميع، ورفعوا أعينهم إلى السماء. كان صوت طائرة مسيرة يقترب. "اختبئوا!" صرخ أبو خالد، واندفع الجميع نحو الأشجار القريبة. لكن إسماعيل بقي مكانه للحظة، ينظر إلى السماء. كان يشعر وكأن شيئًا داخليًا يدفعه للوقوف، لتحدي الموت. لكنه عاد إلى رشده بسرعة، وركض نحو الأشجار، مختبئًا بينما كانت الطائرة تمر فوق رؤوسهم.

في تلك اللحظة، تذكر كلمات فاطمة مرة أخرى: "الأرض هي موطننا، حتى لو كانت مليئة بالموت." شعر إسماعيل أن هذه الكلمات هي ما يبقيه على قيد الحياة. لم يكن يقاتل من أجل النصر فقط، بل من أجل البقاء، من أجل أن يثبت أن هذه الأرض لن تموت. عندما مرت الطائرة المسيرة، خرج من مخبأه، ونظر إلى أبو خالد. "هل نكمل؟" سأل. أومأ أبو خالد برأسه. "نكمل. دائمًا نكمل."

عاد إسماعيل إلى الشاحنة، وهو يحمل صندوقًا آخر. كان يعرف أن الطريق أمامه طويل، وأن الحرب لن تنتهي في يوم أو اثنين. لكنه كان يعرف أيضًا أن كل خطوة يخطوها في هذا النفق، وكل صندوق يحمله، هو جزء من قصة أكبر، قصة شعب لن يستسلم. وفي قلبه، كان يحمل أملًا خافتًا، أملًا بأن يلتقي بفاطمة مرة أخرى، ليخبرها أن الحرب، رغم قسوتها، لم تكسر روحه بعد.

كانت الشاحنة جاهزة الآن، وكان المقاتلون يستعدون للانطلاق. نظر إسماعيل إلى النفق الذي خرج منه للتو، وشعر بغرابة. كان النفق رمزًا للمقاومة، لكنه كان أيضًا رمزًا للحياة المعلقة بين الأمل واليأس. "تحرك، إسماعيل!" ناداه أبو خالد. أومأ إسماعيل، وصعد إلى الشاحنة. بينما كانت الشاحنة تتحرك عبر الطريق الترابي، كان يسمع صوت الراديو مرة أخرى. كان المذيع يتحدث عن تدمير قاعدة نيفاتيم الجوية. ابتسم إسماعيل ابتسامة خافتة. ربما، فقط ربما، كانت هذه الحرب بداية النهاية للكيان الصهيوني. لكنه كان يعرف أن الثمن سيكون باهظًا، وأن غزة ستدفع جزءًا كبيرًا منه.

كان الطريق إلى الشمال وعرًا، لكن إسماعيل لم يكن يفكر في الصعوبات. كان يفكر في والدته، في أخته، في فاطمة، وفي كل الأرواح التي كانت تنتظر لحظة التحرير. كان يفكر في النفق، الذي كان بمثابة رحمه الأم، يحميه ويمنحه الحياة في كل مرة يعبره. وفي تلك اللحظة، شعر أن روحه، رغم كل الثقل الذي يحمله، لا تزال حية، لا تزال تقاوم.



الفصل الثالث: الرؤيا في الغبار

في يوليو 2025، كانت فاطمة تجوب شوارع حيفا المدمرة، حيث كان الهواء مشبعًا برائحة الدخان والحجر المحترق. المدينة، التي كانت يومًا مركزًا للثقافة والحياة، تحولت إلى لوحة من الأنقاض، كأنها مدينة خرجت من حلم كابوسي. كانت فاطمة، الصحفية البالغة من العمر ثلاثين عامًا، تحمل كاميرا صغيرة ودفتر ملاحظات ممزق، تسجل كل ما تراه، كأنها تحاول أن تجمع شظايا العالم الذي انهار. كانت ترتدي معطفًا رماديًا ممزقًا، وشالًا يغطي شعرها الأسود الطويل، لكن عينيها، اللتين كانتا تلمعان بالعزيمة، كانتا الشيء الوحيد الذي يبدو حيًا في هذا المشهد الميت. كانت حيفا، بالنسبة لفاطمة، ليست مجرد مدينة. كانت ذاكرة، موطنًا لم تعرفه إلا من خلال حكايات جدتها عن النكبة، عن البحر الذي كان يغني لسكان المدينة قبل أن يُطردوا. الآن، وبينما كانت تمشي بين الأنقاض، شعرت أن البحر نفسه قد صمت، كأنه يحتفظ بأنفاسه، منتظرًا شيئًا لم تستطع فاطمة فهمه بعد.

كانت الشوارع خالية إلا من أصوات الرياح التي كانت تحمل الغبار، وأحيانًا، صوت انهيار جدار بعيد. كانت الضربات الإيرانية، التي ضربت حيفا خلال حرب الـ12 يومًا، قد تركت المدينة في حالة من الفوضى. المباني التي كانت يومًا مراكز تجارية وثقافية تحولت إلى هياكل عظمية، والشوارع التي كانت تعج بالحياة كانت الآن موطنًا للغبار والأشباح. لكن فاطمة، التي كانت تحمل روح غسان كنفاني في قلبها، لم تكن تبحث عن الأنقاض فقط. كانت تبحث عن الحقيقة، عن القصص التي يمكن أن ترويها للعالم، عن الأمل الذي يمكن أن يولد من الرماد. كانت تعتقد أن الكلمات، مثل الأسلحة، يمكن أن تغير مسار التاريخ.

توقفت عند مبنى كان يومًا مركزًا للبحث التكنولوجي، أحد فروع وادي السيليكون الإسرائيلي الشهير. كان المبنى قد تضرر بشدة، لكن بعض الجدران لا تزال صامدة، مغطاة بطبقة من الرماد. اقتربت فاطمة بحذر، وهي تمسك كاميرتها، جاهزة لتوثيق أي شيء قد تجده. في تلك اللحظة، شعرت بشيء غريب، كأن هناك عيونًا تراقبها. التفتت حولها، لكن لم يكن هناك أحد. لكن الشعور لم يفارقها. كانت تشعر، بطريقة لا تستطيع تفسيرها، أن المدينة ليست خالية تمامًا. كانت هناك أرواح، أو ربما ظلال، تتحرك في الغبار. وبأسلوب ماركيز السحري، بدأت ترى أشكالًا غامضة تظهر وتختفي بسرعة، كأنها أشباح علماء هجروا هذه الأرض بعد الحرب. كانت ترى رجلًا يرتدي معطفًا أبيض، يحمل أوراقًا محترقة، يهمس بكلمات لا تستطيع سماعها. رأت امرأة، وجهها مغطى بالرماد، تحمل أنبوب اختبار مكسور، كأنها تحاول إنقاذ ما تبقى من أبحاثها.

هزت رأسها، محاولة طرد هذه الصور من ذهنها. لكن الرؤى استمرت. كانت الأشباح، إن كانت أشباحًا حقًا، تتحرك ببطء، كأنها تبحث عن شيء فقدته. اقتربت فاطمة من أحد الجدران، حيث كانت هناك لوحة إلكترونية مكسورة لا تزال تصدر وميضًا خافتًا. لمست اللوحة بحذر، وفجأة، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه همسة: "لم ينته العلم بعد." تراجعت فاطمة خطوة إلى الوراء، قلبها ينبض بسرعة. هل كانت تتخيل؟ أم أن هذه الأرواح كانت تحاول التحدث إليها؟ أخرجت دفترها وبدأت تكتب بسرعة: "حيفا، يوليو 2025. المدينة ميتة، لكنها تتحدث. الأشباح هنا، علماء فقدوا أحلامهم، يبحثون عن معنى في الرماد."

واصلت سيرها، متجهة نحو البحر. كانت تعرف أن البحر هو قلب حيفا، المكان الذي كانت جدتها تحدثها عنه دائمًا. "كان البحر يغني لنا," كانت تقول جدتها، "لكنه توقف عندما طردونا." الآن، وبينما كانت تقترب من الشاطئ، شعرت فاطمة أن البحر يحمل سرًا آخر. كان هادئًا بشكل غريب، كأنه ينتظر شيئًا. جلست على صخرة، وأخرجت كاميرتها، وبدأت تصور الموج الذي كان يتكسر على الشاطئ. لكن عينيها لم تكن على البحر فقط. كانت تبحث عن شيء، عن علامة، عن دليل على أن هذه الحرب لم تكن نهاية كل شيء.

في تلك اللحظة، لاحظت شيئًا غريبًا بين الأنقاض على الشاطئ. كان هناك دفتر صغير، مغطى بالغبار، لكنه بدا سليمًا بشكل غريب. اقتربت بحذر، ورفعت الدفتر. كان جلده أسود، وعليه شعار معهد وايزمان. فتحته، ووجدت صفحات مليئة بملاحظات مكتوبة بخط يد دقيق. كانت الملاحظات تتحدث عن أبحاث في علم الأحياء القلبية، لكن كانت هناك كلمات غريبة بين السطور: "المشروع السري"، "الأهداف العسكرية"، "الضربة القادمة". شعرت فاطمة بنبضات قلبها تتسارع. هل كان هذا دليلًا على مؤامرة؟ هل كان معهد وايزمان، كما زعمت بعض التقارير، مركزًا لأبحاث عسكرية سرية؟

جلست على الصخرة مرة أخرى، وبدأت تقرأ الدفتر بعناية. كانت الكلمات مكتوبة بأسلوب علمي بارد، لكن بين السطور، كانت هناك تلميحات إلى شيء أكبر. كان هناك اسم يتكرر: قاسم. لم تعرف فاطمة من هو قاسم، لكنها شعرت أن هذا الدفتر لم يصل إليها بالصدفة. كتبت في دفترها الخاص: "وجدت دفترًا يخص عالمًا يُدعى قاسم. ربما يكون مفتاحًا لفهم ما حدث. لكن السؤال هو: هل أنا مستعدة لما سأكتشفه؟" كانت تعرف أن الحقيقة قد تكون خطرة، لكنها كانت صحفية، وكانت تعتقد أن الحقيقة هي السلاح الوحيد الذي يمكن أن يواجه به الكذب.

بينما كانت تقرأ، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه خطوات تقترب. رفعت عينيها، ورأت رجلًا يقف على بعد أمتار. كان طويلًا، يرتدي معطفًا ممزقًا، ووجهه مغطى بالغبار. "من أنت؟" سألت، وهي تمسك الدفتر بقوة. لم يرد الرجل مباشرة. اقترب ببطء، وعندما أصبح قريبًا بما يكفي، رأت في عينيه نظرة من اليأس والفضول. "أنا قاسم," قال بنبرة منهكة. توقف قلب فاطمة للحظة. هل كان هذا الرجل هو صاحب الدفتر؟ هل كانت هذه مصادفة، أم أن هناك قوة أكبر تجمعهما؟

بدأت فاطمة تتحدث، تحكي له عن رحلتها في حيفا، عن الأشباح التي رأتها، عن الدفتر الذي وجدته. كان قاسم يستمع بصمت، لكنه كان يشعر أن كلماتها تمس جزءًا من روحه. كان يعرف أن الدفتر الذي تحمله هو ملكه، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان يريد استعادته. كان الدفتر يحمل أسرارًا، أسرارًا كان قد حاول نسيانها. "هل قرأتِ ما فيه؟" سأل أخيرًا. أومأت فاطمة برأسها. "جزء منه. لكنني أريد أن أعرف الحقيقة. كلها." كانت نبرتها حادة، لكنها تحمل أملًا. كان قاسم يشعر أن هذه المرأة ليست مجرد صحفية. كانت تحمل في داخلها نارًا، نار المقاومة، نار البحث عن العدالة.

بدأ قاسم يحكي، بحذر في البداية. تحدث عن عمله في معهد وايزمان، عن أبحاثه في علم الأحياء القلبية، وعن الشائعات التي سمعه عن مشاريع عسكرية سرية. لكنه توقف عندما وصل إلى الجزء الذي يتعلق بالضربة الإيرانية. "لم أكن أعرف أن عملي سيُستخدم لهذا," قال، وهو ينظر إلى الأرض. كانت كلماته تحمل وزن الذنب، بأسلوب دوستويفسكي المعذب. لكن فاطمة لم تكن هنا لتحاكمه. كانت هنا لتفهم. "لكنك تعرف الآن," قالت. "والسؤال هو: ماذا ستفعل حيال ذلك؟"

في تلك اللحظة، سمعا صوت طائرة مسيرة في السماء. اندفعا للاختباء خلف جدار مكسور، وهما يستمعان إلى الطنين الذي كان يقترب. كانت فاطمة تمسك الدفتر بقوة، كأنه كنزها الوحيد. عندما مرت الطائرة، خرجا من مخبأهما، ونظرا إلى بعضهما البعض. "علينا أن نكمل," قالت فاطمة. "هذا الدفتر قد يكون مفتاحًا لفهم ما حدث، ولإيقاف ما سيحدث." أومأ قاسم برأسه، رغم أنه لم يكن متأكدًا من الطريق أمامه. لكنه كان يعرف أن هذه المرأة، فاطمة، هي الشخص الذي سيوجهه.

بدأا يمشيان معًا، متجهين نحو الداخل، بعيدًا عن البحر. كانت حيفا لا تزال تتحدث إليهما، من خلال الأنقاض، من خلال الأشباح، من خلال الغبار. وفي قلب فاطمة، كان هناك أمل، أمل بأن الحقيقة التي ستكتشفها مع قاسم ستكون بداية شيء جديد—ربما مقاومة، ربما تحرير، ربما حياة جديدة وسط الأنقاض.


الفصل الرابع: محاكمة الصمت

في العشرين من يونيو 2025، كان محمد جالسًا في غرفة ضيقة بلا نوافذ في معسكر اعتقال إسرائيلي يقع في مكان ما جنوب تل أبيب. كانت الجدران رمادية، مغطاة بطبقة من الرطوبة، ورائحة العفن تملأ الهواء. كان الضوء الوحيد في الغرفة يأتي من مصباح فلوريسنت معلق في السقف، يصدر طنينًا مزعجًا كأنه يحاكي نبض قلب متعب. محمد، البالغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، كان يجلس على كرسي معدني بارد، يداه مقيدتان خلف ظهره بحبل خشن يحفر في جلده. كان وجهه، الذي كان يومًا مليئًا بالحيوية، يحمل الآن آثار الإرهاق والجروح. كان جنديًا سابقًا في المقاومة الفلسطينية، لكنه تحول إلى راوٍ للقصص في السنوات الأخيرة، يجوب المخيمات ويحكي للأطفال حكايات عن الأمل والصمود. لكن الآن، في هذه الغرفة، لم يكن هناك أطفال يستمعون إليه، بل ضابط إسرائيلي يرتدي زيًا عسكريًا، يجلس على الطرف الآخر من الطاولة، ينظر إليه بعيون باردة كأنها تختبره.

"اسمك؟" سأل الضابط بنبرة ميكانيكية، وهو يتصفح ملفًا ورقيًا مليئًا بالأوراق. لم يرد محمد على الفور. كان يعرف أن هذه الأسئلة ليست سوى جزء من لعبة، لعبة كافكاوية حيث الإجابات لا تهم بقدر ما تهم القدرة على كسر إرادة الشخص. نظر إلى الضابط، ورأى في عينيه شيئًا يشبه الملل، كأنه يؤدي مهمة روتينية. "محمد," قال أخيرًا، صوته خافت ولكنه ثابت. كتب الضابط شيئًا في الملف، ثم رفع عينيه مرة أخرى. "محمد ماذا؟" سأل. هز محمد كتفيه. "محمد فقط. لا أحتاج إلى اسم آخر." كان هذا صحيحًا بطريقة ما. في المخيمات، لم يكن للأسماء العائلية أهمية كبيرة. كان الجميع يحملون نفس الهوية: فلسطيني، مشرد، مقاوم.

بدأ الاستجواب يأخذ منحى أكثر حدة. "نعرف أنك كنت في غزة. نعرف أنك كنت جزءًا من شبكة التهريب. من كنت تعمل معهم؟" سأل الضابط، وهو يضرب الطاولة بقلمه. كان الصوت يتردد في الغرفة الضيقة، كأنه يحاول ملء الفراغ. لم يرد محمد. كان يفكر في الأيام العشرة الماضية، في الحرب التي هزت العالم، في الصواريخ الإيرانية التي ضربت تل أبيب وحيفا، في الأخبار التي سمعها عن انهيار الدفاعات الإسرائيلية. كان يفكر في إسماعيل، المهرب الذي كان يعرفه منذ سنوات، وفي فاطمة، الصحفية التي كانت تبحث عن الحقيقة. لكنه لم ينطق بأي من هذه الأسماء. كان الصمت سلاحه الوحيد في هذه الغرفة.

تذكر محمد اللحظة التي أُلقي القبض عليه فيها. كان في مخيم للاجئين قرب غزة، يروي قصة لمجموعة من الأطفال عن بطل فلسطيني خيالي يدعى زيد، يقاتل التنين الذي يحتل أرضه. كانت الأطفال مفتونة، عيونهم تلمع بالأمل رغم الجوع والخوف. لكن فجأة، اقتحم الجنود الإسرائيليون المخيم، وبدأوا يجمعون الرجال. لم يكن محمد يعرف لماذا أُلقي القبض عليه تحديدًا. ربما كان اسمه على قائمة، ربما كانوا يبحثون عن أي شخص يمكن أن يكون رمزًا للمقاومة. لكنه لم يكن يهتم بالسبب. كان يهتم فقط بكيفية النجاة، بكيفية العودة إلى رفاقه، إلى قصصه التي كانت تحافظ على الأمل حيًا.

"إذا لم تتحدث، ستكون الأمور أسوأ," قال الضابط، وهو يقترب من محمد. كان يحمل عصا كهربائية صغيرة، يلوح بها كتحذير. لكن محمد لم يتحرك. كان يعرف أن الألم قادم، لكنه كان مستعدًا. كان قد عاش حياة مليئة بالألم: فقدان والديه في غارة عام 2008، فقدان أخيه في انتفاضة 2014، فقدان منزله في الحرب الأخيرة. الألم كان جزءًا منه، مثل الدم الذي يجري في عروقه. "افعل ما تريد," قال محمد بهدوء. "لكنك لن تجد ما تبحث عنه." كان صوته يحمل نبرة تشيخوفية هادئة، كأنه يراقب المشهد من بعيد، كأنه ليس الضحية بل الراوي.

ضرب الضابط الطاولة مرة أخرى، هذه المرة بقوة أكبر. "نعرف أنك تعرف شيئًا عن الأسلحة التي وصلت من إيران. نعرف أنك كنت على اتصال بالمهربين." كان الضابط يحاول إثارة رد فعل، لكن محمد بقي صامتًا. في ذهنه، كان يرى صورًا متشظية من الحرب. تذكر اليوم الثالث، عندما سمع عن الضربة الإيرانية على معهد وايزمان. كان في مخيم الشاطئ، يستمع إلى الراديو مع مجموعة من المقاتلين. كانوا يضحكون، يهتفون، لكن محمد كان يشعر بشيء آخر: شعور بالقلق. كان يعرف أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي. كان يعرف أن الثمن سيكون باهظًا، خاصة لغزة.

في تلك اللحظة، دخل ضابط آخر إلى الغرفة، يحمل جهازًا إلكترونيًا صغيرًا. "وجدنا هذا في حقيبتك," قال، وهو يضع الجهاز على الطاولة. كان جهاز راديو صغير، من النوع الذي كان محمد يستخدمه للاستماع إلى الأخبار. "كنت تستمع إلى بث إيراني، أليس كذلك؟" سأل الضابط الجديد. لم يرد محمد. كان يعرف أن أي إجابة ستُستخدم ضده. لكنه كان يفكر في البث الذي سمعه قبل أيام، عن كيفية استنفاد إسرائيل لصواريخ الباتريوت، عن كيفية تحول الحرب إلى كارثة استراتيجية للكيان الصهيوني. كانت تلك الأخبار بمثابة ضوء صغير في ظلام حياته، لكنه كان يعرف أن الضوء قد يتلاشى بسرعة.

بدأ الضابط الثاني يطرح أسئلة أكثر تحديدًا. "من هو إسماعيل؟ نعرف أنه مهرب. نعرف أنه كان ينقل الأسلحة عبر الأنفاق. أين هو الآن؟" كان اسم إسماعيل يتردد في ذهن محمد مثل صدى. كان إسماعيل صديقه منذ الطفولة، الرجل الذي علمه كيف يصمد في وجه الحصار. لكن محمد لم ينطق بكلمة. كان يعرف أن الصمت هو الطريقة الوحيدة لحماية إسماعيل، لحماية المقاومة. لكن الصمت كان له ثمن. شعر بضربة قوية على كتفه، حيث استخدم الضابط العصا الكهربائية. كان الألم يسري في جسده، لكنه لم يصرخ. كان يفكر في الأطفال في المخيم، في عيونهم التي كانت تنظر إليه كأنه بطل القصص التي يرويها.

تذكر محمد إحدى القصص التي كان يرويها دائمًا. كانت عن زيد، البطل الذي يقاتل التنين. في كل مرة كان يروي القصة، كان يغير النهاية. أحيانًا ينتصر زيد، وأحيانًا يُهزم، لكنه دائمًا يترك أملًا. كان يؤمن أن القصص ليست مجرد كلمات، بل هي طريقة للحفاظ على الروح حية. في هذه الغرفة، شعر أن قصته الخاصة يتم كتابتها الآن، لكنه لم يكن متأكدًا من النهاية. هل سيكون بطلًا، أم مجرد ضحية أخرى؟

استمر الاستجواب لساعات. كانت الأسئلة تتكرر، والضربات تأتي بين الحين والآخر. لكن محمد بقي صامتًا، يتشبث بذكرياته كأنها طوق نجاة. تذكر لقاءه الأخير مع إسماعيل، قبل أشهر، عندما كانا يجلسان تحت شجرة زيتون. كان إسماعيل يتحدث عن الأنفاق، عن كيف أنها ليست مجرد ممرات، بل هي رمز للصمود. "الأنفاق هي قلب غزة," قال إسماعيل. "طالما هي موجودة، نحن موجودون." كانت تلك الكلمات تعيش في ذهن محمد الآن، تعطيه القوة للصمود.

فجأة، سمع صوت انفجار بعيد. توقف الضابطان، ونظرا إلى بعضهما البعض. كان الصوت يشبه صوت صاروخ، ربما ضربة إيرانية أخرى. استغل محمد اللحظة، وبدأ يفكر في خطة للهروب. كان يعرف أن فرصته قد تكون ضئيلة، لكنه كان يؤمن أن الأمل، مهما كان صغيرًا، يمكن أن يصنع المعجزات. بدأ يحرك يديه المقيدتين، محاولًا فك الحبل. كان الحبل خشنًا، لكنه شعر أنه يبدأ يرتخي.

"ماذا كان ذلك؟" سأل الضابط الأول، وهو ينظر إلى الباب. "ربما ضربة أخرى," رد الضابط الثاني. في تلك اللحظة، استغل محمد الاضطراب، وتمكن من فك الحبل. نهض بسرعة، وقفز نحو الضابط الأقرب، وأسقطه على الأرض. كان الأدرينالين يسري في عروقه، يعطيه قوة لم يكن يعرف أنها لديه. ركض نحو الباب، وفتحه، ووجد نفسه في ممر طويل مضاء بشكل خافت. كان يسمع أصوات الجنود في البعيد، لكنه لم يتوقف. كان يعرف أن كل ثانية قد تكون الأخيرة.

ركض عبر الممر، وهو يحاول تذكر الطريق الذي أُحضر منه. كان المعسكر عبارة عن متاهة، لكن محمد كان يعتمد على غريزته. وصل إلى باب خارجي، وفتحه بحذر. كانت السماء مظلمة، مليئة بالدخان، لكنها كانت أجمل شيء رآه منذ أيام. ركض نحو السياج المحيط بالمعسكر، وتمكن من التسلق فوقه، رغم الألم في يديه. عندما وصل إلى الجانب الآخر، توقف للحظة ليستعيد أنفاسه. كان يعرف أنه لم يكن آمنًا بعد، لكنه كان حرًا.

في تلك اللحظة، نظر إلى السماء، وتذكر الأطفال في المخيم. كان يعرف أنه يجب أن يعود إليهم، ليروي لهم قصة جديدة، قصة عن رجل هرب من الموت ليحكي عن الأمل. لكنه كان يعرف أيضًا أنه يجب أن يجد إسماعيل، وفاطمة، وربما قاسم، الذي سمع عنه من المقاتلين. كان يشعر أن مصيره مرتبط بهؤلاء الأشخاص، وأن قصتهم لم تنته بعد. وبينما كان يركض في الظلام، شعر محمد أن الصمت الذي تحمله في غرفة الاستجواب كان انتصارًا صغيرًا، لكنه انتصار سيبقى معه إلى الأبد.


الفصل الخامس: قوافل المنفى

في أغسطس 2025، كان قاسم يسير في قافلة طويلة من المشردين، تتحرك ببطء عبر الصحراء الجنوبية لإسرائيل، متجهة نحو الحدود المصرية. كان الهواء ساخنًا وجافًا، والغبار يتراكم على ملابسه الممزقة، التي كانت لا تزال تحمل شعار معهد وايزمان، رمزًا لماضيه الذي بدا الآن كحلم بعيد. كانت القافلة مكونة من مئات الأشخاص، معظمهم من العلماء والمهندسين الذين فروا من رحوفوت وحيفا وتل أبيب بعد حرب الـ12 يومًا التي دمرت ثلث المدن الإسرائيلية الكبرى. كانوا يحملون حقائب صغيرة، تحتوي على ما تبقى من حياتهم: أوراق، هواتف محطمة، وذكريات تثقل أكتافهم أكثر من الحقائب نفسها. كان قاسم، البالغ من العمر أربعين عامًا، يسير في صمت، عيناه مثبتتان على الأفق، حيث كانت الشمس الحمراء تغرق ببطء، ملونة السماء بلون يشبه الدم. كان يشعر أنه لم يعد العالم الذي كان يعمل فيه على أبحاث القلب في مختبرات وايزمان، بل كان مجرد شبح يتحرك في عالم انهار تحت وطأة الصواريخ الإيرانية.

كانت القافلة تتحرك ببطء، كأنها جسد واحد متعب، يسحب نفسه عبر الرمال. كان هناك أطفال يتشبثون بأيدي آبائهم، ونساء يحملن أغراضهن على رؤوسهن، ورجال يسيرون بخطوات ثقيلة، كأن الأرض نفسها ترفض حملهم. كانوا جميعًا هاربين، ليس فقط من الحرب، بل من انهيار كل ما كانوا يؤمنون به. كان وادي السيليكون الإسرائيلي، الذي كان يومًا ثاني أهم مركز تكنولوجي في العالم، قد تحول إلى أطلال، والعقول التي بنته كانت الآن تفر إلى أوروبا أو أمريكا، في هجرة وُصفت بـ"بلا عودة". قاسم، الذي كان يومًا جزءًا من هذا العالم، شعر بالاغتراب الكافكاوي يتسلل إلى روحه. كان يسأل نفسه: من أنا الآن؟ هل أنا عالم؟ هارب؟ أم مجرد رجل يحاول النجاة؟

بينما كان يسير، لاحظ امرأة تسير على مسافة قريبة منه. كانت ترتدي معطفًا رماديًا ممزقًا، وتحمل حقيبة ظهر صغيرة. كانت خطواتها واثقة، على عكس الآخرين الذين كانوا يبدون وكأنهم يسيرون في نومهم. اقترب منها بحذر، وعندما التفتت، تعرف عليها على الفور. كانت فاطمة، الصحفية التي التقاها في حيفا قبل أسابيع. كانت تحمل نفس النظرة الحادة في عينيها، لكن كان هناك شيء جديد: عزم أقوى، كأنها وجدت هدفًا يدفعها للاستمرار. "قاسم," قالت، وهي تمد يدها نحوه. "لم أكن أتوقع أن أراك هنا." كان صوتها هادئًا، لكنه يحمل قوة داخلية. أمسك يدها، وشعر بدفء غريب في هذا العالم البارد. "لم أكن أتوقع أن أكون هنا," رد بصوت خافت، وهو ينظر إلى القافلة التي تمتد أمامهما.

بدأا يتحدثان وهما يسيران. حكت فاطمة عن رحلتها من حيفا، عن الأشباح التي رأتها بين الأنقاض، عن الدفتر الذي وجدته والذي يحمل اسمه. أخرجت الدفتر من حقيبتها، ومدته إليه. "هذا ملكك، أليس كذلك؟" سألت. أمسك قاسم الدفتر بحذر، كأنه يمسك قنبلة موقوتة. كان يعرف ما يحتويه: ملاحظاته عن أبحاث القلب، ولكن أيضًا تلميحات إلى المشاريع السرية التي كان يعمل عليها المعهد. "نعم," قال أخيرًا. "لكنه ليس مجرد دفتر. إنه دليل." نظرت إليه فاطمة بعيون مليئة بالفضول. "دليل على ماذا؟" سألت. توقف قاسم للحظة، وهو يحاول جمع شجاعته. "على أن معهد وايزمان لم يكن مجرد مركز علمي. كانوا يعملون على شيء أكبر، شيء متعلق بالحرب."

بدأ قاسم يحكي، بأسلوب دوستويفسكي المعذب، عن الشائعات التي سمعها في المعهد. كان يتحدث عن مشاريع سرية، عن أبحاث ممولة من الجيش، عن تقارير تتحدث عن "أسلحة بيولوجية" و"أبحاث الإبادة". لم يكن يعرف التفاصيل الكاملة، لكنه كان يعرف أن عمله، رغم أنه بدا بريئًا، كان جزءًا من شبكة أكبر. كانت فاطمة تستمع باهتمام، تسجل كل كلمة في ذهنها. كانت تعرف أن هذه المعلومات قد تكون مفتاحًا لكشف الحقيقة عن الحرب، عن سبب استهداف إيران لمعهد وايزمان، عن الخسائر التي تكبدتها إسرائيل. "إذا كان هذا صحيحًا," قالت، "فإن هذا الدفتر قد يكون سلاحًا أقوى من أي صاروخ."

واصلا السير مع القافلة، التي كانت تتحرك كأنها موكب جنائزي. كان هناك صمت ثقيل بين الناس، مقطوع أحيانًا ببكاء طفل أو صوت شخص يسعل بسبب الغبار. كانت فاطمة تحكي عن ما رأته في حيفا، عن الأشباح التي بدت وكأنها تحمل أسرار المدينة. كان سردها يحمل لمسة من الواقعية السحرية لماركيز، حيث كانت تصف العلماء الذين رأتهم وهم يتجولون بين الأنقاض، يحملون أوراقًا محترقة، كأنهم يحاولون إنقاذ ما تبقى من أحلامهم. "كانوا يتحدثون بلغة لا أفهمها," قالت. "لكنني شعرت أنهم يريدون مني أن أحكي قصتهم." استمع قاسم بصمت، وهو يشعر أن هذه الأشباح قد تكون زملاءه الذين فقدوا في الضربة، أو ربما أرواحهم التي لا تزال تبحث عن معنى.

في تلك الليلة، توقفت القافلة للراحة في وادٍ صغير. أشعل الناس نارًا صغيرة، وحاولوا طهي ما تبقى من طعام. جلس قاسم وفاطمة بعيدًا عن الآخرين، تحت شجرة جافة. بدأا يتصفحان الدفتر معًا، مستخدمين ضوء مصباح يدوي صغير. كانت الملاحظات مكتوبة بخط قاسم الدقيق، لكن كانت هناك كلمات مكتوبة بحبر مختلف، كأن شخصًا آخر أضاف تعليقات. "انظري إلى هذا," قال قاسم، مشيرًا إلى جملة مكتوبة باللون الأحمر: "الضربة كانت مخططة." نظرت فاطمة إليه بدهشة. "هل تعتقد أن إيران كانت تعرف بالضبط ما تستهدفه؟" سألت. أومأ قاسم برأسه. "ليس فقط إيران. كان هناك شخص داخل المعهد، شخص كان يعرف ما يحدث."

كانت هذه الفكرة، التي تحمل طابع المؤامرة، تجعل قلب فاطمة ينبض بسرعة. كانت تعرف أن هذه المعلومات يمكن أن تغير كل شيء. إذا كان هناك خائن داخل معهد وايزمان، فهذا يعني أن الضربة الإيرانية لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت جزءًا من خطة أكبر. بدأت تسأل قاسم عن زملائه، عن أي شخص قد يكون لديه دوافع لتسريب المعلومات. لكن قاسم كان مترددًا. كان يشعر بالذنب لمجرد التفكير في أن أحد زملائه قد يكون خائنًا. لكنه كان يعرف أن الحقيقة قد تكون أقسى مما يستطيع تحمله.

بينما كانا يتحدثان، اقترب رجل عجوز منهما. كان يرتدي معطفًا ممزقًا، ووجهه مليء بالتجاعيد. "سمعتكما تتحدثان عن المعهد," قال بنبرة خافتة. "أنا كنت هناك أيضًا." نظر قاسم وفاطمة إليه بدهشة. قدم نفسه على أنه إلياس، مهندس سابق في المعهد. بدأ يحكي عن الأيام الأخيرة قبل الضربة، عن الشائعات التي كانت تدور حول مشاريع سرية. "كان هناك رجل يدعى يوسف," قال إلياس. "كان يعمل في قسم الأمن. كان يتحدث دائمًا عن أن إسرائيل ستدفع ثمن جرائمها. لم نأخذه على محمل الجد، لكن الآن..." ترك جملته معلقة، لكن كلماته كانت كافية لإثارة شكوك قاسم وفاطمة.

في الأيام التالية، واصلت القافلة سيرها، وأصبح قاسم وفاطمة شريكين في البحث عن الحقيقة. كانا يتحدثان مع الناس في القافلة، يسألانهم عن أي شيء يتعلق بالمعهد أو الحرب. كانت القافلة نفسها، بأسلوب عبد الرحمن منيف الملحمي، تمثل صورة للمنفى، لشعب فقد موطنه ويبحث عن مكان جديد. لكن بالنسبة لقاسم وفاطمة، لم يكن المنفى مجرد هروب. كان رحلة بحث عن معنى، عن عدالة، عن طريقة لإعادة بناء ما دمرته الحرب.

في إحدى الليالي، بينما كانت القافلة تستريح، سمعت فاطمة صوتًا غريبًا، كأنه همسة تأتي من بعيد. نهضت وتبعت الصوت، تاركة قاسم نائمًا قرب النار. كانت الهمسة تأتي من رجل يجلس وحيدًا تحت شجرة. اقتربت منه، ورأت أنه يحمل كتابًا قديمًا، صفحاته ممزقة. "من أنت؟" سألت. نظر إليها الرجل بعيون مليئة بالحزن. "أنا مجرد راوٍ," قال. "لكن قصصي لم تعد تكفي." كانت كلماته تحمل صدى قصص تشيخوف، حيث كل شخصية تحمل جرحًا خفيًا. أخبرها أن اسمه محمد، وأنه كان في معسكر اعتقال قبل أن يهرب. عندما ذكرت اسم قاسم، أضاءت عيناه. "أعرف قاسم," قال. "سمعت عنه في المخيم. إنه يحمل مفتاحًا للحقيقة."

عادت فاطمة إلى قاسم، وأخبرته عن محمد. قررا أن يبحثا عنه في القافلة، لكن الرجل كان قد اختفى. لكن كلماته بقيت معهما: "مفتاح الحقيقة." كان قاسم يشعر أن هذا الرجل، محمد، قد يكون جزءًا من اللغز الذي يحاولان حله. وفي تلك الليلة، بينما كانت القافلة تتحرك مرة أخرى، شعر قاسم وفاطمة أنهما لم يعودا مجرد هاربين. كانا جزءًا من شيء أكبر، ربما مقاومة، ربما ثورة، ربما أمل جديد يولد من أنقاض المنفى.


الفصل السادس: صدى النفق

في الثامن عشر من يونيو 2025، كان إسماعيل يقود فاطمة عبر نفق مظلم تحت أرض غزة، حيث كان الهواء ثقيلًا برطوبة التراب ورائحة البارود الباهتة التي تخلفها الأسلحة المهربة. كان النفق ضيقًا، جدرانه الطينية مبللة، وأحيانًا كان يتعين عليهما الانحناء لتجنب السقف المنخفض. كان إسماعيل، المهرب المخضرم البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، يتحرك بثقة، كأن النفق جزء من جسده، شريان يربطه بقلب المقاومة. كانت فاطمة، الصحفية ذات الثلاثين عامًا، تتبعه بخطوات حذرة، كاميرتها الصغيرة معلقة على كتفها، ودفترها محشور في جيب معطفها الممزق. كان الضوء الوحيد يأتي من مصباح إسماعيل الأمامي، الذي كان يلقي ظلالًا متذبذبة على الجدران، كأنها أشباح تراقبهما في صمت. كانت هذه اللحظة، في خضم حرب الـ12 يومًا، محفوفة بالمخاطر، لكن فاطمة أصرت على عبور النفق إلى غزة، حيث كانت تعتقد أن الحقيقة التي تبحث عنها تنتظرها. كان إسماعيل، رغم تردده، قد وافق على مساعدتها، ليس فقط لأنها صديقة قديمة، بل لأنه رأى في عينيها نفس العزيمة التي كانت تدفعه للمضي قدمًا.

كانا يتحركان في صمت في البداية، مقطوعًا فقط بصوت أنفاسهما وأحيانًا صوت قطرة ماء تسقط من السقف. كان إسماعيل يعرف هذا النفق جيدًا؛ كان قد عبَره مئات المرات، يحمل أسلحة وإمدادات من إيران إلى المقاومة. لكنه اليوم شعر بشيء مختلف. لم يكن النفق مجرد ممر تحت الأرض، بل كان بمثابة رحم الأرض، يحميهما من الطائرات المسيرة التي كانت تحلق فوق غزة مثل نسور جائعة. كانت فاطمة، من جانبها، تشعر بالاختناق، ليس بسبب ضيق النفق، بل بسبب الثقل الذي كانت تحمله. كانت تحمل معها ذكريات حيفا، المدينة التي ولدت فيها عائلتها قبل النكبة، وذكريات جدتها التي كانت تحكي عن البحر بصوت مليء بالحنين. لكنها كانت تحمل أيضًا دفترًا وجدته في حيفا، دفترًا يخص عالمًا يُدعى قاسم، كانت تعتقد أنه يحمل أسرارًا عن الحرب.

"كم بقي؟" سألت فاطمة بنبرة هادئة، وهي تحاول إخفاء توترها. نظر إسماعيل إليها من فوق كتفه، ضوء المصباح ينعكس في عينيها. "نصف ساعة، إذا لم ينهار النفق," رد بأسلوب همنغواي الموجز، لكنه أضاف ابتسامة خفيفة ليخفف من حدة كلماته. ضحكت فاطمة ضحكة خافتة، لكنها كانت تحمل قلقًا. كانت تعرف أن الأنفاق ليست آمنة، خاصة في خضم الحرب. كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق باستمرار، وكانت الأنفاق عرضة للانهيار تحت وطأة القصف. لكنها كانت مصممة. "إذا انهار النفق، سأكتب قصتنا على الجدران," قالت، محاولة إضفاء بعض الفكاهة على الموقف. نظر إسماعيل إليها بدهشة، ثم هز رأسه. "أنتِ مجنونة، فاطمة. لكن هذا الجنون هو ما يبقيكِ على قيد الحياة."

كان بينهما تاريخ طويل. كانا قد التقيا لأول مرة في مخيم الشاطئ قبل عشر سنوات، عندما كانت فاطمة شابة طموحة تبحث عن قصص لتوثيق حياة اللاجئين. كان إسماعيل حينها في بداية طريقه كمهرب، يتعلم كيف يتنقل عبر الأنفاق دون أن يُكتشف. كانت فاطمة مفتونة بشجاعته، بينما كان إسماعيل مفتونًا بعزيمتها. لكنهما لم يتحدثا أبدًا عن مشاعرهما. كان هناك دائمًا شيء يقف بينهما: الحرب، الحصار، الخوف من المستقبل. لكن الآن، في هذا النفق، شعرا بقرب غريب، كأن الظلام يجبرهما على مواجهة بعضهما البعض بصدق.

"لماذا تعودين، فاطمة؟" سأل إسماعيل فجأة، صوته يتردد في النفق. توقفت فاطمة للحظة، متفاجئة بالسؤال. كانت تعرف أنه ليس سؤالًا عاديًا. كان يسأل عن سبب عودتها إلى غزة، إلى هذا الجحيم، بينما كان بإمكانها البقاء في مكان أكثر أمانًا. "لأن الحقيقة هنا," قالت أخيرًا، وهي تخرج الدفتر من جيبها. "هذا الدفتر يخص رجلًا يدعى قاسم. وجدته في حيفا. أعتقد أنه يحمل أسرارًا عن الحرب، عن معهد وايزمان، عن سبب استهدافه." نظر إسماعيل إلى الدفتر، ثم إليها. "وإذا كانت هذه الأسرار خطيرة؟" سأل. ابتسمت فاطمة ابتسامة حزينة. "كل شيء هنا خطير، إسماعيل. لكن الصمت أخطر."

واصلا المشي، وكان النفق يبدو وكأنه يطول مع كل خطوة. كان إسماعيل يفكر في كلماتها. كان يعرف أنها محقة. الصمت كان العدو الحقيقي، الصمت الذي يسمح للظلم بالاستمرار. لكنه كان يعرف أيضًا أن الحقيقة تأتي بثمن. كان قد رأى الكثير من رفاقه يموتون بسبب معرفتهم بأسرار المقاومة. لكنه لم يحاول إثناء فاطمة عن عزمها. كان يعرف أنها لن تتوقف، مهما كان الثمن.

فجأة، سمعا صوتًا غريبًا، كأنه هدير بعيد. توقف إسماعيل، ورفع يده ليوقف فاطمة. "انتظري," قال، وهو يطفئ المصباح للحظة. أصبح النفق مظلمًا تمامًا، وكان الصمت يحيط بهما مثل قبر. كان الصوت يقترب، وكان إسماعيل يعرف ما يعنيه: قصف جوي. كانت الطائرات الإسرائيلية تضرب الأرض فوقهما، وربما كانت الأنفاق هي الهدف التالي. "استلقي على الأرض," همس إسماعيل، وهو يسحب فاطمة إلى أسفل. كانا يتكومان معًا، وهما يستمعان إلى الصوت الذي كان يهز الجدران. شعرت فاطمة بقلبها ينبض بسرعة، لكنها لم تكن خائفة. كانت تشعر بقرب إسماعيل، بدفء جسده بجانبها، وهذا أعطاها شعورًا بالأمان في خضم الخطر.

بعد لحظات، توقف الهدير، وعاد الصمت. أشعل إسماعيل المصباح مرة أخرى، ونظر إلى فاطمة. كانت عيناها تلمعان في الضوء الخافت. "هل أنتِ بخير؟" سأل. أومأت برأسها، لكنها كانت لا تزال تمسك الدفتر بقوة. "علينا أن نكمل," قالت. نهض إسماعيل، وساعدها على الوقوف. كان يعرف أن النفق قد يكون قبرهما، لكنه كان يعرف أيضًا أن التوقف ليس خيارًا. واصلا المشي، وكان كل منهما يحمل الآن شعورًا جديدًا بالقرب، كأن النفق قد جعلهما أكثر ارتباطًا.

في تلك اللحظة، بدأت فاطمة تحكي عن حيفا، عن الأشباح التي رأتها بين الأنقاض. كان سردها يحمل لمسة من الواقعية السحرية لماركيز، حيث كانت تصف العلماء الذين بدوا وكأنهم يبحثون عن أحلامهم المفقودة. "كان هناك رجل يحمل أوراقًا محترقة," قالت. "كان يهمس بشيء عن القلب، عن لغز لم يُحل." استمع إسماعيل باهتمام، لكنه لم يكن متأكدًا مما إذا كان يصدقها. كان رجلًا عمليًا، يؤمن بالأسلحة والأنفاق أكثر من الأشباح. لكنه كان يرى في عينيها صدقًا لا يمكن إنكاره. "ربما هذا الرجل هو قاسم," قال. "ربما هو الذي يجب أن نجده."

وصلا أخيرًا إلى نهاية النفق، حيث كان هناك سلم حديدي يقود إلى السطح. صعد إسماعيل أولًا، وفتح غطاء النفق بحذر. كانت السماء مظلمة، مليئة بالدخان، لكنها كانت تحمل نسمة من الحرية. ساعد فاطمة على الصعود، وعندما وقفت على الأرض، نظرت حولها. كانت غزة أمامها، مدينة الأنقاض والصمود. لكنها لم تكن تشعر باليأس. كانت تشعر أنها في المكان الصحيح، المكان الذي ستوثق فيه الحقيقة.

"شكرًا، إسماعيل," قالت، وهي تمد يدها نحوه. أمسك يدها، وشعر بدفء يذكره بأنه لا يزال حيًا. "لا تشكريني بعد," قال. "الطريق طويل." لكنه كان يعرف أنهما سيواجهان هذا الطريق معًا. وفي تلك اللحظة، بينما كانا يقفان على حافة النفق، شعرا أن صدى النفق لا يزال يتردد في قلوبهما، يحمل معه أملًا خافتًا بأن الحقيقة ستكون نورهم في الظلام.


الفصل السابع: الوليمة العبثية

في سبتمبر 2025، كان مخيم اللاجئين قرب غزة يعج بالحياة رغم الخراب الذي خلفته حرب الـ12 يومًا. كانت الخيام الممزقة منتشرة عبر الأرض الترابية، وكانت رائحة الدخان لا تزال عالقة في الهواء، ممزوجة برائحة الخبز المحمص على نار صغيرة. كان محمد، الراوي البالغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، يجلس في وسط خيمة كبيرة، محاطًا بمجموعة من الناجين: رجال ونساء وأطفال، عيونهم تحمل مزيجًا من اليأس والأمل. كان قد هرب من معسكر الاعتقال الإسرائيلي قبل أسابيع، ووجد نفسه الآن في هذا المخيم، يحاول إعادة بناء ما تبقى من روحه من خلال القصص. لكنه اليوم قرر شيئًا مختلفًا. قرر أن يستضيف ما أسماه "الوليمة العبثية"، تجمعًا يمزج بين الفكاهة البيكارسكية لثيرفانتس والعبثية الغوغولية، حيث يتبادل الناجون قصصهم، ليس فقط للترفيه، بل ليثبتوا أنهم لا يزالون أحياء. كانت النار في وسط الخيمة ترقص، تلقي ظلالًا على وجوه الحاضرين، وكان محمد يجلس على بساط ممزق، يرتدي معطفًا قديمًا، عيناه تلمعان بضوء يشبه الأمل.

بدأ محمد بصوت هادئ، لكنه كان يحمل قوة خفية: "في الأيام التي أعقبت الحرب، عندما تحولت المدن إلى رماد، كان هناك أربعة أرواح تقاوم الصمت: قاسم، إسماعيل، فاطمة، وأنا. لكن دعوني أحكي لكم قصة عن ليلة لم يكن فيها الطعام وفيرًا، لكن القصص كانت كذلك." كان الحاضرون يستمعون باهتمام، بعضهم يبتسم، والبعض الآخر ينظر إلى الأرض، كأنه يحاول استيعاب ما فقدوه. كانت الوليمة، التي لم تكن سوى بعض الخبز المحمص والماء وبعض التمر الجاف، رمزًا للصمود. لم يكن هناك طعام يكفي الجميع، لكن محمد أصر على أن يتقاسموا ما لديهم، كأن التقاسم بحد ذاته هو فعل مقاومة.

كانت الخيمة مزدحمة، لكنها كانت مليئة بالحياة. كان هناك رجل عجوز يدعى أبو ياسر، كان يومًا صاحب متجر في حيفا، يروي قصة عن كيف فقد كل شيء عندما ضربت الصواريخ الإيرانية مدينته. كان يتحدث بأسلوب غوغولي، حيث كان يمزج بين الفكاهة والحزن، كأنه يحاول إضحاك نفسه قبل الآخرين. "كنت أبيع الملابس," قال، "لكن الآن، أنا أبيع القصص. إنها الشيء الوحيد الذي لم يحترق." ضحك الحاضرون، لكن ضحكتهم كانت خافتة، كأنها تحمل ذكرى الألم.

ثم تحدثت امرأة شابة تدعى ليلى، كانت تعمل ممرضة في مستشفى دمرته الحرب. كانت قصتها تحمل لمسة تشيخوفية، حيث كانت تصف التفاصيل الصغيرة: رائحة المطهرات، صوت أنين المرضى، وجه طفل صغير لم تستطع إنقاذه. "كنت أعتقد أنني قوية," قالت، وهي تمسح دمعة من عينيها. "لكن عندما رأيت ذلك الطفل يموت، شعرت أن قلبي هو الذي توقف." كان محمد يستمع إليها، وهو يفكر في قصصه الخاصة، في الأطفال الذين كان يحكي لهم عن زيد، البطل الخيالي الذي يقاتل التنين. لكنه الآن شعر أن التنين حقيقي، وأن القصص وحدها قد لا تكفي لقتله.

فجأة، سمع صوت خطوات تقترب من الخيمة. توقف الجميع، ونظر محمد نحو المدخل. دخلت فاطمة، يتبعها قاسم، وكلاهما يبدو منهكًا من السفر. كانت فاطمة تحمل حقيبتها الصغيرة، وكان قاسم يحمل الدفتر الذي أصبح الآن رمزًا لرحلتهما. "محمد!" قالت فاطمة، وهي تتجه نحوه. كان الحاضرون ينظرون إليهما بدهشة، كأنهما شخصيتان خرجتا من إحدى قصص محمد. نهض محمد، ومد يده نحوهما. "كنت أعرف أنكما ستجدان طريقكما," قال، وهو يبتسم ابتسامة خافتة. كانت هذه اللحظة، بأسلوب ثيرفانتس البيكارسكي، تبدو كأنها لقاء أبطال في رحلة ملحمية، لكنها كانت مليئة بالعبثية، حيث كانوا جميعًا عالقين في مخيم للاجئين، يتقاسمون الخبز الجاف.

جلس قاسم وفاطمة بجانب النار، وبدأا يحكيان قصتهما. تحدثت فاطمة عن حيفا، عن الأشباح التي رأتها، عن الدفتر الذي وجدته. كان سردها يحمل لمسة من الواقعية السحرية لماركيز، حيث كانت تصف العلماء الذين بدوا وكأنهم يحملون أسرار المدينة. "كانوا يبحثون عن شيء," قالت. "ربما كانوا يبحثون عن الحقيقة، مثلنا." استمع الحاضرون باهتمام، وبعضهم بدأ يتساءل إن كانت هذه الأشباح حقيقية أم مجرد خيال. لكن محمد كان يعرف أن الحقيقة والخيال يمتزجان في أوقات الحرب، وأن القصص هي الطريقة الوحيدة لفهم الفوضى.

ثم تحدث قاسم، بأسلوب دوستويفسكي المعذب، عن دوره في معهد وايزمان، عن الذنب الذي يحمله بسبب أبحاثه التي استُخدمت في مشاريع عسكرية. "لم أكن أعرف," قال، وهو ينظر إلى النار. "لكن الجهل ليس عذرًا." كانت كلماته ثقيلة، وكان الحاضرون يشعرون بوزنها. لكنهم لم يحاكموه. كانوا جميعًا يحملون أعباءهم الخاصة، سواء كانت ذنبًا أو خسارة أو خوفًا من المستقبل.

بدأ محمد يحكي قصته الخاصة، عن هروبه من معسكر الاعتقال، عن الصمت الذي كان سلاحه الوحيد. كان يتحدث بأسلوب تشيخوفي هادئ، مركزًا على التفاصيل الصغيرة: صوت المصباح في غرفة الاستجواب، ألم الحبل على معصميه، رائحة الحرية عندما خرج إلى السماء المظلمة. "كنت أفكر فيكم," قال، وهو ينظر إلى الحاضرين. "كنت أفكر في الأطفال الذين أحكي لهم القصص، في إسماعيل الذي يحمل الأسلحة، في فاطمة التي تبحث عن الحقيقة، في قاسم الذي يحمل الذنب. كلنا جزء من قصة واحدة."

فجأة، سمع الجميع صوت طائرة مسيرة في السماء. توقفوا عن الكلام، ونظر محمد إلى فاطمة وقاسم. "اختبئوا," همس. لكن قبل أن يتحركوا، توقف الصوت، كأن الطائرة مرت دون أن تلاحظهم. تنفس الجميع الصعداء، لكن الخوف بقي عالقًا في الهواء. عاد محمد إلى قصته، كأنه يحاول استعادة اللحظة. "القصص هي ما يبقينا أحياء," قال. "لكن القصص وحدها لا تكفي. علينا أن نتحرك، أن نجد إسماعيل، أن نكمل ما بدأناه."

وافقت فاطمة وقاسم، وأخبرا محمد عن خطتهما للبحث عن إسماعيل، الذي كان لا يزال في غزة، ينقل الأسلحة عبر الأنفاق. كانوا يعرفون أن إسماعيل هو الرابط بينهم، الرجل الذي يحمل مفتاح المقاومة. قرروا أن يغادروا المخيم في الصباح، ليبحثوا عنه، وليواصلوا البحث عن الحقيقة التي يحملها دفتر قاسم. كانت الوليمة العبثية قد انتهت، لكنها تركت خلفها شعورًا بالوحدة. كان الحاضرون يشعرون أنهم ليسوا مجرد ناجين، بل هم جزء من شيء أكبر، قصة لم تنته بعد.

في تلك الليلة، بينما كان الجميع يحاولون النوم، بقي محمد مستيقظًا، ينظر إلى النار التي كانت تتلاشى. كان يفكر في الأطفال الذين كان يحكي لهم القصص، في زيد، البطل الذي لم يهزم التنين بعد. لكنه كان يعرف أن القصة الحقيقية لم تكن عن زيد، بل عنهم جميعًا: محمد، فاطمة، قاسم، وإسماعيل. كان يعرف أن الوليمة العبثية لم تكن مجرد تجمع، بل كانت بداية رحلة جديدة، رحلة قد تكون نهاية التنين، أو بداية قصة أخرى.


الفصل الثامن: قانون المقاومة

في يوليو 2025، كان إسماعيل جالسًا في قبو صغير مخفي تحت منزل مدمر في شمال غزة، حيث كانت الجدران الخرسانية المتصدعة تلمع برطوبة الأرض، وكان الهواء يحمل رائحة التراب الممزوج بالبارود. كانت الإضاءة الوحيدة تأتي من مصباح كيروسين قديم، يلقي بضوء خافت على طاولة خشبية متآكلة، حيث كانت أوراق مبعثرة وجهاز راديو محمول يصدر همهمة متقطعة. إسماعيل، المهرب البالغ من العمر خمسة وثلاثين عامًا، كان يجلس منحنيًا فوق الأوراق، عيناه تركزان على سلسلة من الأرقام والرموز المكتوبة بحبر أسود. كانت هذه الأوراق رسائل مشفرة أرسلها مقاتلو المقاومة، تحمل تفاصيل عن العمليات الأخيرة ضد القوات الإسرائيلية بعد حرب الـ12 يومًا التي انتهت بضربات إيرانية مدمرة على تل أبيب وحيفا ومعهد وايزمان. كان إسماعيل، بمهارته في فك الشيفرات التي تعلمها خلال سنوات من التهريب، يحاول فهم الرسائل، التي كانت تحمل أخبارًا عن انتصار استراتيجي لإيران، ولكن أيضًا تحذيرات من رد فعل إسرائيلي وشيك. كانت يداه، الملطختان بالتراب، تتحركان بحذر وهو يقارن الأرقام بجدول شيفرات قديم كان يحمله دائمًا في جيبه.

كان القبو ملاذًا آمنًا، أو هكذا كان يأمل. كان المنزل فوقه قد دمر في غارة جوية قبل أيام، لكن القبو بقي سليمًا، مخفيًا تحت أكوام الأنقاض. كان إسماعيل يعرف أن الطائرات المسيرة الإسرائيلية لا تزال تحلق في السماء، تبحث عن أي إشارة للحياة، لكن القبو كان درعه، مثل الأنفاق التي كان يعبرها لنقل الأسلحة. كان يفكر في فاطمة، الصحفية التي ساعدها على عبور النفق قبل أيام، وفي الدفتر الذي كانت تحمله، الذي قالت إنه يخص عالمًا يدعى قاسم. كان يشعر أن هناك خيطًا يربط بينه وبينها، وبين هذا الدفتر، وبين الحرب التي غيرت كل شيء. لكنه لم يكن متأكدًا من كيفية ربط هذه الخيوط. كل ما كان يعرفه هو أن الرسائل التي يحاول فك شيفرتها الآن قد تكون مفتاحًا لفهم ما حدث، ولما سيحدث.

بدأ إسماعيل بفك الرسالة الأولى، التي كانت تحمل توقيعًا رمزيًا: "الصقر". كان يعرف أن هذا هو اسم أحد قادة المقاومة، رجل لم يقابله أبدًا، لكنه سمع عن شجاعته. كانت الرسالة تتحدث عن تفاصيل الضربة الإيرانية على معهد وايزمان، وكيف أن الصواريخ الباليستية استهدفت أقسامًا محددة من المعهد بناءً على معلومات دقيقة. "كان هناك مصدر داخلي," كتبت الرسالة. "شخص عرف كيف يوجه الضربة." شعر إسماعيل بنبضات قلبه تتسارع. هل كان هذا المصدر هو الخائن الذي تحدثت عنه فاطمة؟ هل كان قاسم، صاحب الدفتر، متورطًا؟ وضع الرسالة جانبًا، وبدأ يعمل على الرسالة التالية، التي كانت تحمل تحذيرًا: "العدو يخطط لرد انتقامي. غزة ستكون الهدف." كان إسماعيل يعرف أن هذا التحذير ليس جديدًا. كانت غزة دائمًا الهدف، دائمًا الضحية. لكنه شعر بالحاجة إلى فعل شيء، إلى إيجاد طريقة لحماية شعبه.

في تلك اللحظة، سمع صوتًا خافتًا من الخارج، كأنه خطوات تقترب. أطفأ المصباح بسرعة، وأمسك بسكين صغير كان يحمله دائمًا. كان يعرف أن أي صوت في هذا الوقت قد يكون خطرًا. لكن الصوت توقف، وعاد الصمت. أشعل المصباح مرة أخرى، وواصل عمله. كانت الرسالة الثالثة أكثر تعقيدًا، مليئة برموز لم يتمكن من فكها على الفور. لكنه لاحظ كلمة تتكرر: "الهجرة". كانت هذه الكلمة تذكره بما قالته فاطمة عن الدفتر، عن الملاحظة التي وجدتها: "بدأت الهجرة." هل كانت هذه الرسائل مرتبطة بالدفتر؟ هل كان هناك خطة أكبر يجهلها؟

نهض إسماعيل، ومشى في القبو الضيق، محاولًا تنظيم أفكاره. كان يفكر في فاطمة، في عينيها اللتين كانتا تحملان نارًا لا تنطفئ. كان يتذكر اللحظة التي ساعدها فيها على عبور النفق، عندما شعر بقربها، كأن النفق نفسه قد جعلهما أقرب. كان يعرف أنها الآن في مكان ما، ربما في مخيم للاجئين، تبحث عن قاسم، عن الحقيقة. لكنه كان يشعر أيضًا أن دوره في هذه القصة لم ينته. كان عليه أن يكمل فك الشيفرات، أن يجد المعنى وراء هذه الرسائل.

عاد إلى الطاولة، وبدأ يعمل بتركيز أكبر. كانت الرسائل تحمل، بأسلوب غسان كنفاني، روح المقاومة، روح شعب يرفض الاستسلام. كانت إحدى الرسائل تتحدث عن عملية ناجحة ضد قاعدة عسكرية إسرائيلية في نيفاتيم، حيث استخدمت المقاومة أسلحة إيرانية الصنع. كانت هذه الأخبار تعطي إسماعيل شعورًا بالفخر، لكنها كانت أيضًا تذكره بالثمن. كان يعرف أن كل عملية ناجحة تعني ردًا أكثر قسوة من إسرائيل. كان يفكر في والدته وأخته في مخيم الشاطئ، في المنزل الذي دمرته غارة سابقة، في الأمل الذي كان يحاول الحفاظ عليه رغم كل شيء.

فجأة، سمع صوت انفجار بعيد، هز الجدران الخرسانية. أطفأ المصباح مرة أخرى، وجلس في الظلام، يستمع إلى أصوات القصف التي كانت تقترب. كان يعرف أن غزة تحت القصف من جديد، وأن القبو قد لا يكون آمنًا لفترة طويلة. لكنه لم يشعر بالخوف. كان يشعر بالعزيمة. أشعل المصباح مرة أخرى، وواصل فك الشيفرات. كانت الرسالة الأخيرة تحمل خبرًا صادمًا: "محمد هرب من المعسكر." شعر إسماعيل بنبضات قلبه تتسارع. كان محمد صديقه القديم، الراوي الذي كان يحكي قصصًا للأطفال، الرجل الذي كان يحمل الأمل في قلبه حتى في أحلك اللحظات. إذا كان محمد حيًا، فهذا يعني أن هناك أملًا، أملًا بأن يجتمعوا مرة أخرى.

بدأ إسماعيل يكتب ملاحظاته الخاصة، محاولًا ربط الخيوط. كان يعرف أن الرسائل تحمل أكثر من مجرد أخبار عسكرية. كانت تحمل خطة، ربما رؤية لما بعد الحرب. كانت هناك تلميحات إلى تحالف أكبر، يضم المقاومة الفلسطينية وإيران وبعض الفصائل الأخرى. لكن كانت هناك أيضًا تحذيرات من خيانة داخلية، من أشخاص قد يكونون عملاء لإسرائيل. كان إسماعيل يفكر في قاسم، العالم الذي تحدثت عنه فاطمة. هل كان قاسم هو المصدر الداخلي؟ أم أنه ضحية مثل الآخرين؟ لم يكن متأكدًا، لكنه كان يعرف أن عليه أن يجد فاطمة، وأن يجتمع مع محمد.

في تلك اللحظة، سمع صوت خطوات تقترب من مدخل القبو. أمسك سكينه مرة أخرى، ووقف في حالة تأهب. لكن الصوت الذي سمعه كان مألوفًا. "إسماعيل!" كان صوت امرأة. فتح الباب بحذر، ورأى فاطمة تقف أمامه، وجهها مغطى بالغبار، لكن عينيها تلمعان بالعزيمة. "كيف وجدتِني؟" سأل، وهو يساعدها على الدخول. "تبعت الشيفرة," قالت، وهي تبتسم ابتسامة خافتة. أخرجت من حقيبتها ورقة صغيرة، عليها نفس الرموز التي كان يعمل عليها. كانت قد حصلت على نسخة من الرسائل من مقاتل مقاومة في المخيم. "وجدت محمد," قالت. "وهو يبحث عنك."

كان لقاء فاطمة وإسماعيل في القبو بمثابة نقطة تحول. بدأا يعملان معًا على فك الشيفرات، مستخدمين معرفة إسماعيل وحدس فاطمة. كانت الرسائل تكشف عن خطة لتوحيد المقاومة، للاستفادة من الضعف الإسرائيلي بعد الحرب. لكنها كانت تحمل أيضًا تحذيرًا: "العدو يعرف أكثر مما نعتقد." كان إسماعيل وفاطمة يعلمان أن عليهما إيجاد محمد، وأن يجتمعا مع قاسم، ليكتمل اللغز. كان القبو، بأسلوب كنفاني، يمثل قلب المقاومة، مكانًا يولد فيه الأمل من الرماد.

في تلك الليلة، بينما كانا يعملان تحت ضوء المصباح، شعر إسماعيل وفاطمة أن قانون المقاومة ليس مجرد شيفرات أو أسلحة، بل هو الروح التي تجمعهما، الروح التي تجعل غزة تقاوم رغم كل شيء. وفي قلبهما، كان هناك أمل، أمل بأن يجدوا محمد، وأن يكتشفوا الحقيقة التي ستغير كل شيء.


الفصل التاسع: ثقل الرماد

في الخامس والعشرين من يونيو 2025، كان قاسم يقف وسط أنقاض معهد وايزمان في رحوفوت، حيث كانت السماء ملبدة بسحب سوداء تحمل رائحة الدخان والمعادن المحترقة. كان الهواء ثقيلًا، يخنق الرئتين، وكانت الأرض مغطاة بطبقة من الرماد، كأنها جلد مدينة ماتت. كان قاسم، العالم البالغ من العمر أربعين عامًا، يرتدي معطفًا ممزقًا، لا يزال يحمل شعار المعهد، رمزًا لماضيه الذي كان يومًا مليئًا بالأمل والطموح. لكنه الآن، وهو يقف وسط المختبر المدمر الذي كان مركز حياته، شعر بثقل الرماد ليس فقط على الأرض، بل في روحه. كانت حرب الـ12 يومًا قد انتهت، لكن آثارها كانت لا تزال تحيط به: المباني المحطمة، الأجهزة المكسورة، والذكريات التي كانت تطارده مثل أشباح. كان يحمل في يده الدفتر الذي استعادته فاطمة، الدفتر الذي كان يحتوي على ملاحظاته عن أبحاث القلب، ولكن أيضًا تلميحات إلى المشاريع السرية التي كان المعهد يعمل عليها. كان هذا الدفتر بمثابة وصمة عار، تذكير بأنه، رغم نواياه الطيبة، كان جزءًا من آلة الحرب.

مشى قاسم ببطء بين الأنقاض، خطواته تثير سحابات صغيرة من الغبار. كان يتذكر الأيام التي قضاها في المختبر، عندما كان يعمل على دراسة النبضات القلبية، مقتنعًا بأن عمله سينقذ أرواحًا. كان يؤمن أن العلم هو الحل، أن الاكتشافات يمكن أن تجعل العالم مكانًا أفضل. لكن الآن، وهو ينظر إلى شاشات الحواسيب المحطمة وأنابيب الاختبار المكسورة، شعر بالسخرية. كيف يمكن للعلم أن ينقذ أرواحًا عندما يُستخدم لصنع أسلحة؟ كيف يمكن لقلب أن ينبض عندما تتحول المدن إلى مقابر؟ كان هذا الشعور بالذنب، بأسلوب دوستويفسكي المعذب، يمزق روحه. كان يشعر أنه ليس فقط عالمًا فشل في حماية أبحاثه، بل إنسانًا فشل في حماية إنسانيته.

توقف عند طاولة مكسورة، حيث كان يحتفظ يومًا بمعداته. وجد بين الأنقاض صورة قديمة، صورة لفريقه في المعهد: هو، وإيليا، وزميلتهما سارة، يبتسمون أمام لوحة إلكترونية تعرض رسمًا بيانيًا لتجربة ناجحة. كانت الصورة مغطاة بالغبار، لكن الابتسامات كانت لا تزال واضحة، كأنها تتحدى الدمار. أمسك الصورة بحذر، وشعر بدمعة تنزلق على خده. كان إيليا قد اختفى في اليوم الأول من الحرب، وسارة قُتلت في غارة على المعهد. كان قاسم الوحيد الذي نجا، لكنه لم يكن متأكدًا إن كان ذلك نعمة أم لعنة. وضع الصورة في جيبه، بجانب الدفتر، وقرر أن هذه الذكريات هي ما سيحفزه للمضي قدمًا.

في تلك اللحظة، سمع صوت خطوات تقترب. التفت، ورأى فاطمة تقف على بعد أمتار، تحمل حقيبتها الصغيرة، وجهها مغطى بالغبار لكن عينيها مليئتان بالعزيمة. "وجدتك أخيرًا," قالت، وهي تقترب منه. كان قاسم قد التقاها في حيفا قبل أسابيع، وكانت هي التي أعادت إليه الدفتر، التي جعلته يواجه حقيقة دوره في الحرب. "لم أكن أعرف إن كنت سأعود إلى هنا," قال قاسم، صوته خافت كأنه يتحدث إلى نفسه. اقتربت فاطمة، ووضعت يدها على كتفه. "عدتَ لأنك تعرف أن هناك شيئًا يجب أن تفعله," قالت. كانت كلماتها تحمل نبرة همنغواي المباشرة، لكنها كانت مليئة بالأمل.

بدأ قاسم يحكي لها، ببطء في البداية، عن الذنب الذي يحمله. تحدث عن أبحاثه، عن كيف كان يعتقد أنها ستساعد في إنقاذ أرواح، لكنه اكتشف لاحقًا أنها استُخدمت في مشاريع عسكرية سرية. "لم أكن أعرف التفاصيل," قال، وهو ينظر إلى الأنقاض. "لكنني كنت أسمع الشائعات. كانوا يتحدثون عن أسلحة بيولوجية، عن مشاريع للتحكم بالسكان. كنت أرفض تصديق ذلك، لكن الآن..." توقف، وهو يشعر بثقل الكلمات. استمعت فاطمة بصمت، لكنها كانت تسجل كل كلمة في ذهنها. كانت تعرف أن هذه الاعترافات ليست مجرد كلمات، بل هي بداية التكفير.

أخرجت فاطمة الدفتر من حقيبتها، وفتحته على صفحة تحمل ملاحظة مكتوبة بحبر أحمر: "الضربة كانت مخططة." "وجدت هذا في حيفا," قالت. "لكنني أعتقد أنك تعرف المزيد." نظر قاسم إلى الملاحظة، وشعر بقشعريرة. كان يعرف أن هذه الكلم مكتوبة بخط يد يوسف، زميله في المعهد، الذي كان يتحدث دائمًا عن العدالة وعن أن إسرائيل ستدفع ثمن جرائمها. "يوسف," قال قاسم أخيرًا. "كان يعمل في قسم الأمن. كان يعرف أشياء لم أكن أعرفها. ربما هو من سرب المعلومات إلى إيران." كانت كلماته تحمل وزن الخيانة، لكنها كانت أيضًا تحمل إحساسًا بالتحرر، كأنه يتخلص من جزء من الذنب.

قررت فاطمة وقاسم أن يبحثا عن أي دليل آخر في الأنقاض. بدآ يفتشان بين الحطام، يرفعان الألواح المعدنية المحطمة وينقبان في أكوام الرماد. وجدا صندوقًا معدنيًا صغيرًا، مغلقًا بقفل إلكتروني معطل. تمكن قاسم من فتحه باستخدام أداة وجدها بين الأنقاض، وكشف الصندوق عن مجموعة من الأقراص الصلبة وملف ورقي. فتح الملف، ووجد تقريرًا يحمل عنوانًا مقلقًا: "مشروع أريس." كان التقرير يتحدث عن أبحاث لتطوير أسلحة بيولوجية، مصممة لاستهداف مجموعات سكانية محددة. كانت هناك ملاحظات عن اختبارات أجريت في مختبرات سرية تحت الأرض، وعن تمويل من الجيش الإسرائيلي. شعر قاسم بغثيان. كان هذا هو الدليل الذي كان يخشاه، الدليل على أن المعهد لم يكن مجرد مركز علمي، بل كان جزءًا من آلة الحرب.

"هذا ما كانت إيران تستهدفه," قالت فاطمة، وهي تقرأ التقرير فوق كتفه. "لكن السؤال هو: من سرب هذه المعلومات؟ ولماذا؟" كان قاسم يعرف أن الإجابة قد تكون في يوسف، لكنه كان يعرف أيضًا أن يوسف قد مات في الضربة. لكن التقرير كان يحمل توقيعًا آخر، اسمًا لم يكن مألوفًا: "إلياس." تذكر قاسم المهندس العجوز الذي التقاه في القافلة، الرجل الذي تحدث عن يوسف. هل كان إلياس متورطًا؟ أم أنه كان مجرد شاهد آخر على المؤامرة؟

في تلك اللحظة، سمعا صوت طائرة مسيرة في السماء. اندفعا للاختباء خلف جدار مكسور، وهما يستمعان إلى الطنين الذي كان يقترب. كانت فاطمة تمسك التقرير بقوة، كأنه كنزها الوحيد. عندما مرت الطائرة، خرجا من مخبأهما، ونظرا إلى بعضهما البعض. "علينا أن نجد إسماعيل," قالت فاطمة. "هو الوحيد الذي يمكنه مساعدتنا على فهم هذا." أومأ قاسم برأسه، لكنه كان يشعر بشيء جديد في قلبه: عزم. كان يعرف أن الذنب الذي يحمله لن يختفي، لكنه قرر أن يستخدمه كوقود. قرر أن ينضم إلى المقاومة، ليس فقط للتكفير، بل لأنه آمن أن الحقيقة يمكن أن تكون سلاحًا.

بدآ يمشيان بعيدًا عن الأنقاض، متجهين نحو غزة، حيث كانا يعلمان أن إسماعيل ينتظر. كان قاسم يحمل الدفتر والتقرير، وكانت فاطمة تحمل كاميرتها، جاهزة لتوثيق كل شيء. كانا يعلمان أن الطريق أمامهما خطير، لكنهما كانا مستعدين. كان ثقل الرماد لا يزال يحيط بهما، لكنهما كانا يشعران أن هناك ضوءًا، بعيدًا، ينتظرهما. وفي تلك اللحظة، قرر قاسم أن يترك الماضي خلفه، وأن يبدأ رحلة جديدة، رحلة قد تكون نهايته، أو بداية شيء أكبر.


الفصل العاشر: مرايا الظل

في الثلاثين من يونيو 2025، كانت غزة تحتضر تحت سماء مليئة بالدخان، حيث كان صوت الطائرات المسيرة الإسرائيلية يتردد كأنين دائم، وكانت الأرض مغطاة بطبقة من الرماد والحطام، كأنها جلد جرح لم يلتئم. كان محمد، الراوي البالغ من العمر اثنين وأربعين عامًا، يجلس في خيمة صغيرة في مخيم للاجئين قرب خان يونس، محاطًا بمجموعة من الأطفال الذين كانوا ينظرون إليه بعيون مليئة بالجوع والأمل. كان يرتدي معطفًا قديمًا، ممزقًا عند الأكمام، وكانت يداه، اللتين لا تزالان تحملان آثار الحبال من معسكر الاعتقال، تمسكان بكتاب قديم مهترئ، كأنه طلسم يحميه من الواقع. كان محمد قد هرب من المعسكر قبل أسابيع، ووجد نفسه الآن في هذا المخيم، يحاول استعادة دوره كراوٍ للقصص، لكن القصص التي كان يرويها الآن لم تكن عن زيد، البطل الخيالي الذي يقاتل التنين، بل عن الحقيقة، عن الحرب التي مزقت العالم، وعن الأمل الذي كان يتشبث به رغم كل شيء.

كان المخيم عبارة عن بحر من الخيام الممزقة، حيث كان الناس يتحركون كأشباح، يبحثون عن طعام أو ماء أو أي إشارة إلى أن الحياة قد تعود يومًا. كانت السماء ملبدة بالغيوم، لكنها لم تمطر، كأنها تحتفظ بأحزانها لنفسها. كان محمد يجلس على بساط بالٍ، وهو ينظر إلى الأطفال الذين كانوا ينتظرون قصته التالية. لكنه اليوم شعر بشيء مختلف. كان يشعر أن القصص التي يرويها لم تعد كافية، أن الأطفال يحتاجون إلى أكثر من مجرد كلمات. كان يفكر في إسماعيل، المهرب الذي كان ينقل الأسلحة عبر الأنفاق، وفي فاطمة، الصحفية التي كانت تبحث عن الحقيقة، وفي قاسم، العالم الذي حمل ذنب المشاركة في مشاريع المعهد. كان يشعر أن هؤلاء الأشخاص هم مرايا الظل، تعكس أجزاء من روحه، من قصته.

بدأ محمد يحكي، بصوت هادئ يحمل لمسة تشيخوفية من البساطة والعمق: "في زمن الحرب، كان هناك أربعة أشخاص، كل منهم يحمل جزءًا من الحقيقة. كان هناك مهرب يعبر الأنفاق، وصحفية تبحث عن الضوء في الظلام، وعالم يحمل ذنب ماضيه، وراوٍ مثلي، يحاول أن يجعل العالم يتذكر." كانت الأطفال تستمع باهتمام، وبعضهم بدأ يهمس بأسماء الأبطال، كأنهم يعرفونهم. لكن محمد لم يكن يحكي قصة خيالية هذه المرة. كان يحكي عنهم، عن أنفسهم، عن شعب يقاوم رغم كل شيء.

فجأة، سمع صوت خطوات تقترب من الخيمة. رفع محمد عينيه، ورأى فاطمة تدخل، يتبعها قاسم. كانا يبدوان منهكين، وجوههما مغطاة بالغبار، لكن عيونهما كانتا تلمعان بالعزيمة. "محمد!" قالت فاطمة، وهي تتجه نحوه. نهض محمد، ومد يده نحوهما، كأنه يستقبل أبطال قصته. "كنت أعرف أنكما ستجدان طريقكما," قال، وهو يبتسم ابتسامة خافتة. كانت هذه اللحظة، بأسلوب ثيرفانتس البيكارسكي، تبدو كأنها لقاء أبطال في مغامرة ملحمية، لكنها كانت مليئة بالعبثية، حيث كانوا جميعًا عالقين في مخيم للاجئين، يحيط بهم الدمار.

جلس قاسم وفاطمة بجانب محمد، وبدآ يحكيان قصتهما. تحدثت فاطمة عن رحلتها إلى رحوفوت، عن الأنقاض التي وجدت فيها تقريرًا عن "مشروع أريس"، وعن الدفتر الذي كان يحمل ملاحظات قاسم. كانت كلماتها تحمل نبرة همنغواي المباشرة، لكنها كانت مليئة بالعاطفة. "وجدنا دليلًا," قالت، وهي تخرج التقرير من حقيبتها. "دليل على أن معهد وايزمان كان يعمل على أسلحة بيولوجية. ونعتقد أن شخصًا يدعى يوسف سرب المعلومات إلى إيران." استمع محمد باهتمام، لكنه كان يفكر في شيء آخر. كان يفكر في إسماعيل، الذي كان لا يزال في غزة، ينقل الأسلحة عبر الأنفاق. "إسماعيل يعرف شيئًا عن هذا," قال محمد. "لقد تلقى رسائل مشفرة تحدثت عن خائن داخل المعهد."

بدأ قاسم يحكي، بأسلوب دوستويفسكي المعذب، عن الذنب الذي يحمله. تحدث عن أبحاثه في المعهد، عن كيف كان يعتقد أنها ستساعد البشرية، لكنه اكتشف أنها استُخدمت في مشاريع عسكرية. "لم أكن أعرف," قال، وهو ينظر إلى الأطفال الذين كانوا يستمعون. "لكن الجهل ليس عذرًا." كانت كلماته ثقيلة، لكن الأطفال لم يحاكموه. كانوا ينظرون إليه كأنه بطل قصة، رغم ألمه. كانت فاطمة تستمع، وهي تفكر في كيف يمكن أن تحول هذه الاعترافات إلى سلاح، إلى مقال صحفي يفضح الحقيقة.

فجأة، سمعوا صوت انفجار بعيد. توقف الجميع، ونظر محمد إلى فاطمة وقاسم. "اختبئوا," همس، لكن قبل أن يتحركوا، دخل إسماعيل الخيمة، وجهه مغطى بالعرق والغبار. "وجدتكم أخيرًا," قال، وهو يلهث. كان يحمل حقيبة صغيرة، بداخلها أوراق مشفرة أخرى. "الرسائل تتحدث عن خطة," قال إسماعيل. "خطة لضربة جديدة، لكن هذه المرة ليست من إيران. إنها من المقاومة." كان صوته يحمل نبرة غسان كنفاني، حيث كان يمزج بين الأمل والواقعية. كان يعرف أن الضربة قد تكون انتحارية، لكنه كان يؤمن أنها قد تكون بداية النهاية للكيان الصهيوني.

جلس الجميع معًا، وبدأوا يناقشون الخطة. كانت الرسائل التي جلبها إسماعيل تحمل تفاصيل عن عملية تستهدف قاعدة عسكرية إسرائيلية في الجنوب، باستخدام أسلحة إيرانية الصنع تم تهريبها عبر الأنفاق. لكن كانت هناك تحذيرات من خيانة داخلية، من شخص قد يكون عميلًا لإسرائيل. كان محمد يفكر في قصصه، في كيف كان يحكي عن زيد الذي يواجه التنين. لكنه الآن شعر أن التنين ليس فقط إسرائيل، بل الخيانة التي يمكن أن تأتي من الداخل.

قرر الأربعة—محمد، فاطمة، قاسم، وإسماعيل—أن يعملوا معًا. كانت فاطمة ستوثق الحقيقة، باستخدام التقرير والدفتر لكشف أسرار معهد وايزمان. كان قاسم سيستخدم معرفته العلمية لتحليل التقرير، لفهم طبيعة الأسلحة البيولوجية. كان إسماعيل سيواصل عمله في الأنفاق، لضمان وصول الأسلحة إلى المقاومة. وكان محمد سيحكي القصة، ليس فقط للأطفال، بل للعالم، ليثبت أن الفلسطينيين ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أبطال يقاومون.

في تلك الليلة، بينما كان المخيم يغرق في الصمت، جلس الأربعة حول نار صغيرة، يخططون للمستقبل. كانوا يعلمون أن الطريق أمامهم خطير، لكنهم كانوا يشعرون أنهم مرايا لبعضهم البعض، يعكسون الأمل والألم والعزيمة. كان محمد ينظر إلى الأطفال النائمين، ويفكر في القصة التالية التي سيرويها. كانت قصة عن أربعة أشخاص، لكل منهم جرح، لكنهم قرروا أن يحولوا جراحهم إلى قوة. وفي تلك اللحظة، شعر أن الظلال التي تحيط بهم ليست مجرد ظلال، بل هي مرايا تعكس قوتهم، قصتهم، وحقهم في الحياة.



الفصل الحادي عشر: أصداء النسيان

في الأول من يوليو 2025، كانت غزة غارقة في صمت مشؤوم، حيث كانت السماء ملبدة بسحب الدخان التي تخنق أي أمل بضوء الشمس، وكانت الأرض مغطاة بطبقات من الحطام، كأنها صفحات كتاب مدمر لم يعد أحد قادرًا على قراءته. كانت فاطمة، الصحفية البالغة من العمر ثلاثين عامًا، تجلس في زاوية خيمة مهترئة في مخيم للاجئين قرب رفح، تحمل كاميرتها الصغيرة ودفترها الممزق، وهي تحاول تسجيل ما رأته في الأيام الأخيرة. كانت يداها ترتجفان قليلًا، ليس من البرد، بل من ثقل الحقائق التي كانت تحملها. كانت قد عادت إلى غزة عبر النفق مع إسماعيل، المهرب الذي أصبح شريكها في البحث عن الحقيقة، وكانت تحمل معها الدفتر الذي وجدته في حيفا، والتقرير الذي اكتشفته مع قاسم في أنقاض معهد وايزمان. كانت هذه الوثائق، بأسلوب غسان كنفاني الملحمي، بمثابة شهادات على جرائم الحرب، لكنها كانت أيضًا عبئًا يثقل قلبها. كانت فاطمة تعرف أن الكشف عن هذه الحقائق قد يكلفها حياتها، لكنها كانت تعتقد أن الصمت أكثر كلفة.

كانت الخيمة مزدحمة بالناجين، أشخاص فقدوا منازلهم وعائلاتهم في حرب الـ12 يومًا، التي تركت إسرائيل في حالة من الفوضى بعد الضربات الإيرانية. كانت هناك امرأة عجوز تدعى أم خالد، تجلس في زاوية، تهمس بأسماء أبنائها الذين قُتلوا في غارة. كان هناك طفل صغير، لا يتجاوز السابعة، يحمل دمية ممزقة وينظر إلى فاطمة كأنها تحمل مفتاح خلاصه. كانت هذه الوجوه، بأسلوب تشيخوفي هادئ وحزين، تعكس قصصًا لم تُروَ بعد، لكن فاطمة شعرت أن مهمتها ليست فقط توثيق هذه القصص، بل إيجاد طريقة لجعل العالم يستمع. أخرجت الدفتر من حقيبتها، وبدأت تقرأ الملاحظات التي كتبها قاسم، وهي تحاول ربط الخيوط بين ما وجدته في حيفا وبين الرسائل المشفرة التي كان إسماعيل يعمل على فكها.

كانت الملاحظات في الدفتر تحمل تفاصيل عن "مشروع أريس"، وهو مشروع سري في معهد وايزمان كان يهدف إلى تطوير أسلحة بيولوجية قادرة على استهداف مجموعات سكانية محددة. كانت هناك إشارات إلى اختبارات أجريت في مختبرات تحت الأرض، وإلى تمويل من الجيش الإسرائيلي. لكن ما أثار انتباه فاطمة كانت ملاحظة مكتوبة بحبر أحمر: "يوسف عرف كل شيء." كانت تعرف أن يوسف هو زميل قاسم، الرجل الذي كان يتحدث عن العدالة، والذي يُعتقد أنه سرب المعلومات إلى إيران، مما أدى إلى الضربة التي دمرت المعهد. لكن الملاحظة كانت تحمل شيئًا آخر: إحساسًا بالخيانة، ليس فقط لإسرائيل، بل للعلم نفسه. كتبت فاطمة في دفترها الخاص: "إذا كان يوسف هو المصدر، فلماذا مات؟ هل كان يحاول التكفير، أم أنه كان جزءًا من لعبة أكبر؟"

في تلك اللحظة، دخل إسماعيل الخيمة، يحمل حقيبة صغيرة مليئة بالأوراق المشفرة. كان وجهه مغطى بالغبار، وعيناه تحملان إرهاقًا عميقًا، لكن كان هناك ضوء فيهما، ضوء العزيمة. "وجدت المزيد," قال، وهو يضع الحقيبة على الأرض. جلس بجانب فاطمة، وبدأ يشرح الرسائل التي فك شيفرتها. كانت الرسائل تتحدث عن خطة لضربة جديدة من المقاومة، تستهدف قاعدة عسكرية إسرائيلية في النقب، باستخدام أسلحة إيرانية الصنع تم تهريبها عبر الأنفاق. لكن كانت هناك تحذيرات من خيانة داخلية، من شخص قد يكون عميلًا لإسرائيل. "إنهم يعرفون عن الأنفاق," قال إسماعيل، صوته خافت ولكنه حاد. "علينا أن نتحرك بسرعة."

كانت فاطمة تستمع، لكنها كانت تفكر في شيء آخر. كانت تفكر في محمد، الراوي الذي التقته في المخيم، والذي كان يحكي قصصًا للأطفال. كانت تعرف أنه هرب من معسكر اعتقال، وأنه قد يكون مفتاحًا لفهم الخطة. "علينا أن نجد محمد," قالت، وهي تنظر إلى إسماعيل. أومأ إسماعيل برأسه، لكنه كان يعرف أن العثور على محمد في هذا المخيم، وسط الفوضى، سيكون مثل البحث عن إبرة في كومة قش. لكنه كان يثق بفاطمة، بغريزتها الصحفية التي جعلتها قادرة على ربط الخيوط.

غادرا الخيمة، وبدآ يمشيان بين الخيام، يسألان عن محمد. كان المخيم عبارة عن متاهة من الألم، حيث كان الناس يتحركون ببطء، كأنهم أشباح في عالم نسيهم. وجدوا أخيرًا خيمة صغيرة، حيث كان محمد يجلس مع مجموعة من الأطفال، يحكي لهم قصة عن زيد، البطل الذي يقاتل التنين. توقف عندما رأى فاطمة وإسماعيل، وابتسم ابتسامة خافتة. "كنت أعرف أنكما ستجدانني," قال، وهو ينهض. كانت هذه اللحظة، بأسلوب ثيرفانتس البيكارسكي، تبدو كأنها لقاء أبطال في مغامرة ملحمية، لكنها كانت مليئة بالعبثية، حيث كانوا جميعًا عالقين في مخيم للاجئين، محاطين بالموت والدمار.

جلس الثلاثة معًا، وبدأوا يناقشون الخطة. أخبرتهم فاطمة عن التقرير الذي وجدته في رحوفوت، وعن الدفتر الذي يحمل أسرار معهد وايزمان. أخبرهم إسماعيل عن الرسائل المشفرة، وعن التحذير من الخيانة الداخلية. وتحدث محمد عن هروبه من المعسكر، عن الصمت الذي كان سلاحه الوحيد. كان كل منهم يحمل جزءًا من الحقيقة، لكنهم كانوا يعلمون أن الحقيقة الكاملة لا تزال بعيدة المنال. "علينا أن نجد قاسم," قال محمد. "هو الوحيد الذي يعرف تفاصيل مشروع أريس."

قرروا أن يبحثوا عن قاسم، الذي كان آخر مرة رأته فاطمة في رحوفوت. كانوا يعلمون أنه قد يكون في خطر، خاصة إذا كان يحمل معرفة بأسرار المعهد. بدأوا رحلتهم عبر المخيم، يسألون عن أي شخص قد يكون رأى عالمًا يحمل معطفًا ممزقًا. وجدوا أخيرًا رجلًا عجوزًا يدعى أبو ياسر، الذي قال إنه رأى قاسم يتجه نحو الحدود المصرية مع قافلة من الهاربين. "كان يبدو كأنه يحمل العالم على كتفيه," قال أبو ياسر، وهو يهز رأسه بحزن.

كانت الرحلة إلى الحدود المصرية محفوفة بالمخاطر، لكن فاطمة وإسماعيل ومحمد كانوا مصممين. كانوا يعلمون أن قاسم هو المفتاح، ليس فقط لفهم مشروع أريس، بل لفهم كيف يمكن أن تستخدم الحقيقة كسلاح. تحركوا عبر الصحراء، متجنبين الطائرات المسيرة التي كانت تحلق في السماء. كانت خطواتهم ثقيلة، لكنهم كانوا يحملون أملًا خافتًا. كانت فاطمة تفكر في جدتها، التي كانت تحكي عن حيفا، عن البحر الذي كان يغني. كان إسماعيل يفكر في الأنفاق، التي كانت بمثابة رحم الأرض. وكان محمد يفكر في الأطفال، الذين كانوا ينتظرون قصته التالية.

في تلك الليلة، بينما كانوا يستريحون تحت شجرة جافة، سمعوا صوت طائرة مسيرة تقترب. اختبأوا بسرعة، لكنهم كانوا يعلمون أن الخطر لن يتوقف. كانت فاطمة تمسك الدفتر بقوة، وكان إسماعيل يمسك سكينه، وكان محمد يهمس بكلمات من قصة زيد. كانوا يعلمون أن أصداء النسيان تحيط بهم، لكنهم كانوا مصممين على أن يجعلوا العالم يتذكر. وفي تلك اللحظة، شعروا أن قصتهم لم تنته، بل كانت بداية فصل جديد، فصل قد يكون نهايتهم، أو بداية تحرير.


………………….


ملخص الفصول الأحد عشرة

الفصل الأول: ظلال النار
تبدأ القصة في يونيو 2025 في مدينة حيفا المدمرة بعد حرب الـ12 يومًا التي ضربتها الصواريخ الإيرانية. فاطمة، الصحفية البالغة من العمر ثلاثين عامًا، تسير بين الأنقاض بحثًا عن الحقيقة، مستلهمة ذكريات جدتها عن حيفا قبل النكبة. تجد دفترًا يحمل شعار معهد وايزمان، مليئًا بملاحظات عن أبحاث قلبية وإشارات إلى مشاريع عسكرية سرية. تلتقي بقاسم، عالم في الأربعين من عمره، وهو صاحب الدفتر، يعاني من ذنب مشاركته غير المقصودة في مشاريع عسكرية. يشعر كلاهما أن الأنقاض تحمل أشباح العلماء الذين فقدوا أحلامهم. يقرران التوجه إلى غزة عبر نفق مع إسماعيل، المهرب الذي يعرف الطريق. يبدأ الفصل بإحساس بالعبثية والأمل، حيث يحمل الدفتر وعودًا بكشف أسرار الحرب، لكنه يحمل أيضًا خطرًا كبيرًا.

الفصل الثاني: طريق الأنقاض
تستمر رحلة فاطمة وقاسم عبر الشوارع المدمرة في حيفا، حيث توثق فاطمة الأنقاض بكاميرتها، بينما يعاني قاسم من ذكريات زملائه الذين قُتلوا في الضربة على معهد وايزمان. يلتقيان بإسماعيل، الذي يوافق على مساعدتهما لعبور نفق إلى غزة. يبدأون الرحلة في ظلام النفق، حيث يتشاركون قصصهم: فاطمة عن جدتها وحيفا، قاسم عن أبحاثه، وإسماعيل عن حياته كمهرب. النفق يصبح رمزًا للمقاومة والأمل، لكنه أيضًا مكان مليء بالخطر. ينتهي الفصل بلحظة توتر عندما يسمعون صوت قصف قريب، مما يذكرهم بأن الحرب لم تنته بعد.

الفصل الثالث: همس الأشباح
في النفق، تشعر فاطمة بأصوات خافتة، كأنها همسات من أرواح العلماء الذين عملوا في المعهد. تحكي عن رؤاها لقاسم وإسماعيل، الذين يتفاعلان معها بشكل مختلف: قاسم يرى فيها انعكاسًا لذنبه، بينما إسماعيل يعتبرها مجرد تخيلات. يجدون في النفق مخبأ صغيرًا يحتوي على وثائق أخرى تتحدث عن "مشروع أريس"، وهو مشروع لتطوير أسلحة بيولوجية. يبدأ قاسم يشك في أن زميله يوسف، الذي كان يتحدث عن العدالة، قد يكون سرب المعلومات إلى إيران. تنتهي الرحلة عندما يخرجون من النفق إلى غزة، حيث يواجهون واقعًا أكثر قسوة: مخيمات اللاجئين المكتظة والدمار الذي يحيط بهم.

الفصل الرابع: مخيم الأمل المكسور
في مخيم للاجئين قرب غزة، يلتقي الثلاثي بمحمد، الراوي الذي هرب من معسكر اعتقال إسرائيلي. يحكي محمد قصصًا للأطفال ليحافظ على أملهم، لكنه يعاني من صدمات الاعتقال. يشاركهم قصته، ويكشف عن معلومات سمعه أثناء اعتقاله عن خيانة داخلية في معهد وايزمان. فاطمة ترى في محمد حليفًا جديدًا، بينما يشعر قاسم بمزيد من الذنب لأنه كان جزءًا من المعهد. يقررون العمل معًا لفك شيفرة الوثائق التي وجدوها، ويبدأون في وضع خطة لكشف الحقيقة عن المشروع السري. الفصل ينتهي بلحظة أمل حذر، حيث يشعرون أن قصصهم متشابكة، لكنهم يعلمون أن الخطر يقترب.

الفصل الخامس: قوافل المنفى
يبدأ قاسم وفاطمة رحلة جديدة مع قافلة من اللاجئين الهاربين من إسرائيل إلى الحدود المصرية. القافلة تمثل رمزًا للمنفى، حيث يحمل كل شخص قصة خسارة. فاطمة تظهر الدفتر لقاسم، الذي يكشف أن الملاحظات تحمل تلميحات إلى مشاريع عسكرية، ويبدأ يروي عن شائعات سمعه في المعهد عن أسلحة بيولوجية. يلتقون بإلياس، مهندس سابق في المعهد، الذي يخبرهم عن يوسف، زميل قاسم الذي كان يتحدث عن العدالة. يبدأ قاسم يشك أن يوسف هو من سرب المعلومات، مما يثير تساؤلات عن الحرب ودوافعها. الفصل ينتهي بقرار الثنائي مواصلة البحث عن إسماعيل، الذي يعتقدون أنه يحمل مفتاحًا لفهم الرسائل المشفرة.

الفصل السادس: صدى النفق
تعود فاطمة إلى غزة عبر نفق آخر مع إسماعيل، الذي يقودها بحذر عبر ممر تحت الأرض. النفق يصبح مسرحًا لحوارات عميقة بينهما، حيث تتحدث فاطمة عن حيفا وعن الدفتر، بينما يشارك إسماعيل قصصًا عن حياته كمهرب. يواجهان لحظة خطر عندما يسمعان قصفًا فوق الأرض، مما يجعلهما يختبئان معًا في الظلام. تتطور علاقتهما إلى رابطة قوية مبنية على الثقة. يكتشفان أن الدفتر قد يكون دليلًا على خيانة داخلية في معهد وايزمان، ويقرران البحث عن محمد، الذي يعتقدان أنه قد يكون لديه معلومات إضافية. الفصل ينتهي عندما يخرجان من النفق إلى غزة، حيث يواجهان واقعًا أكثر قسوة، لكنهما يشعران بالأمل في العثور على الحقيقة.

الفصل السابع: الوليمة العبثية
في مخيم للاجئين قرب غزة، ينظم محمد "الوليمة العبثية"، وهي تجمع يتقاسم فيه الناجون الطعام القليل والقصص. يحكي محمد عن هروبه من معسكر الاعتقال، بينما يشارك آخرون قصص خسارتهم. تلتقي فاطمة وقاسم بمحمد في الخيمة، ويبدأون بمناقشة الدفتر والتقرير الذي وجدوه في رحوفوت. يكشف محمد عن معلومات سمعه أثناء اعتقاله عن يوسف، مما يعزز شكوك قاسم. ينتهي الفصل بلحظة توتر عندما يسمعون صوت طائرة مسيرة، لكنهم يقررون مواصلة البحث عن إسماعيل لفهم الرسائل المشفرة التي تحدثت عن خيانة داخلية.

الفصل الثامن: قانون المقاومة
في قبو مخفي تحت منزل مدمر في غزة، يعمل إسماعيل على فك شيفرات رسائل من المقاومة تتحدث عن ضربة إيرانية دقيقة على معهد وايزمان بمساعدة مصدر داخلي. تلتقي فاطمة به، ويبدآن بتحليل الرسائل معًا، مكتشفين أن هناك خطة لضربة جديدة من المقاومة. الرسائل تحذر من خيانة داخلية، مما يثير شكوكهم حول يوسف. يتحدث إسماعيل عن تجاربه في الأنفاق، بينما تحكي فاطمة عن رحلتها إلى رحوفوت. يقرران البحث عن محمد، الذي يعتقدان أنه قد يكون لديه معلومات إضافية. الفصل ينتهي برابطة قوية بين فاطمة وإسماعيل، حيث يشعران أن المقاومة هي أكثر من مجرد أسلحة، بل هي روح تجمعهم.

الفصل التاسع: ثقل الرماد
يعود قاسم إلى أنقاض معهد وايزمان في رحوفوت، حيث يواجه ذكرياته المؤلمة وذنبه. يلتقي بفاطمة، التي تعرض عليه الدفتر وتخبره عن التقرير الذي وجدته. يكتشفان ملفًا عن "مشروع أريس"، وهو مشروع لتطوير أسلحة بيولوجية. يبدأ قاسم يشك في أن يوسف كان الخائن، لكنه يكتشف اسمًا آخر في التقرير: إلياس. يواجهان خطر طائرة مسيرة، لكنهما يقرران التوجه إلى غزة للعثور على إسماعيل، حاملين الدفتر والتقرير كأسلحة لكشف الحقيقة. الفصل ينتهي بقرار قاسم الانضمام إلى المقاومة، محولًا ذنبه إلى عزم.

الفصل العاشر: مرايا الظل
في مخيم للاجئين قرب خان يونس، يجتمع محمد وفاطمة وقاسم وإسماعيل. يحكي محمد قصصًا للأطفال، لكنه يشعر أن القصص لم تعد كافية. يناقشون الدفتر والتقرير، ويكتشفون أن الرسائل المشفرة التي فكها إسماعيل تتحدث عن خطة لضربة جديدة من المقاومة. يشعرون أن هناك خيانة داخلية تهدد الخطة. يقرر الأربعة العمل معًا: فاطمة لتوثيق الحقيقة، قاسم لتحليل التقرير، إسماعيل لنقل الأسلحة، ومحمد لرواية القصة. الفصل ينتهي بلحظة أمل، حيث يشعرون أنهم مرايا لبعضهم، يعكسون الأمل والألم.

الفصل الحادي عشر: أصداء النسيان
في مخيم قرب رفح، تجلس فاطمة مع إسماعيل ومحمد، يناقشون الدفتر والتقرير. يكتشفون أن يوسف قد يكون سرب المعلومات إلى إيران، لكن هناك شكوك حول دوافعه. يقررون البحث عن قاسم، الذي يعتقدون أنه توجه إلى الحدود المصرية. يتحركون عبر الصحراء، متجنبين الطائرات المسيرة، وهم يحملون أملًا خافتًا بكشف الحقيقة. يتحدثون عن ذكرياتهم: فاطمة عن جدتها، إسماعيل عن الأنفاق، ومحمد عن الأطفال. الفصل ينتهي بلحظة توتر عندما يسمعون طائرة مسيرة، لكنهم مصممون على مواصلة الرحلة، مدركين أن الحقيقة هي سلاحهم الوحيد ضد النسيان.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية : ارض النبض الكربلائي العجيب
- رواية : مكعبات الوافل واناشيد الميز
- رواية : رقصة الدم على رمال النفط
- رواية: سنغافورة السراب
- رواية: أنقاض الإمبراطورية: غزة تُحرر أمريكا
- نهاية عصر الصهيونية: كيف تحولت أمريكا من عبدة اللوبي إلى ثوا ...
- رواية: أسرى الشرق المفقود
- سيرك الخيانة برعاية الروتشيلد
- رواية : دون كيشوت الفرات والنيل
- رواية :سلاسل العقل، أغلال القلب
- مسرحية العدو الأمريكي والصهيوني الكوميدية
- رواية لحن من الظلال..مع مقدمة نقدية تاريخية
- رواية: الخاتم والنار
- كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
- رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ ...
- رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري ...
- رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين ...
- رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد ...
- ملخص خلفيات حرب الاستخبارات الأميركية السرية لإسقاط الدولة ا ...
- رواية : آيات الفوضى الخلاقة


المزيد.....




- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...
- يوم في حياة صحيفة مكتوبة بخط اليد في بنغلاديش
- محطة القطارات التاريخية بإسطنبول تخوض صراع البقاء وسط تطلعات ...
- براءة متوحشة أو -أفيون الكرادلة- لمحمد الحباشة
- مصر.. فيلم ضي يتناول مرض -الألبينو- بمشاركة محمد منير


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية: أصداء الأفق المحطم