أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : دون كيشوت الفرات والنيل















المزيد.....



رواية : دون كيشوت الفرات والنيل


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8452 - 2025 / 9 / 1 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


مقدمة الرواية: "فارس النيل والفرات: دون كيشوت الفرات والنيل

من أطماع الغزاة عبر التاريخ، ومن العقل المأفون باحتلال ابدي للوطن العربي ، ومن بريق الذهب والنفط والممرات الدولية أمام الاحتكارات الصناعية والمالية، في الغرب ، تنبثق قصة فلسطين كجمرة متقدة تحت رماد الظلم، تحكي عن شعب لا ينكسر، وعن أرض تنبض بالحياة رغم محاولات الإبادة الجماعية. لم تكن فكرة إقامة كانتون صهيوني في قلب المشرق العربي وليدة الصدفة، بل كانت نتاج تخطيط دقيق امتد عبر قرون، بدأت خيوطه الأولى مع سيطرة آل روتشيلد على البنك الإمبراطوري العثماني في القرن التاسع عشر، وتجذرت مع الرحلات الاستكشافية الألمانية وغيرها التي مهدت لاستيطان فلسطين. هذه الرحلات، التي جاءت تحت ستار العلم والاستكشاف، كانت في حقيقتها أدوات لرسم خرائط السيطرة، تهدف إلى تمكين القوى الاستعمارية من بسط نفوذها على أرض فلسطين، التي كانت تُعد نقطة التقاء الحضارات ومفتاح السيطرة على الشرق الأوسط. لم يكن نابليون، في حملته الاحتلالية على مصر عام 1798، بعيدًا عن هذا المشروع، إذ أعلن استعداده لاعتناق الإسلام كوسيلة لتسهيل احتلاله، في خطوة تكشف عن مرونة الطامعين في تحقيق أهدافهم الاستعمارية. كان هذا الإعلان، الذي بدا كمناورة سياسية، دليلًا على استعداد القوى الاستعمارية لاستخدام أي وسيلة، مهما كانت، لتحقيق مآربها في المنطقة.

كانت فكرة الغيتو الصهيوني حلمًا للاحتكارات الصناعية والمالية الأوروبية، التي رأت في فلسطين بوابة للسيطرة على الشرق الأوسط، ومعبرًا استراتيجيًا يربط الشرق بالغرب، ويفصل المشرق العربي عن المغرب العربي، ليمنع نهوض أمة عربية كانت يومًا تسيطر على قرطبة وطليطلة وتصل إلى حدود فرنسا قبل قرون. هذا الفصل، الذي خططت له القوى الإمبريالية، لم يكن مجرد استراتيجية جغرافية، بل كان محاولة لكسر وحدة الأمة العربية، التي كانت تشكل تهديدًا لحلم السيطرة الأوروبية على العالم. فلسطين، بموقعها المركزي، كانت المفتاح لهذا المشروع، حيث كانت تُعد نقطة الوصل بين القارات الثلاث، وممرًا حيويًا للتجارة والنفوذ. قناة السويس، التي افتتحت في 1869، عززت هذه الأهمية، جاعلة فلسطين مركزًا لا غنى عنه للتحكم في حركة التجارة العالمية.

عندما قدم تيودور هرتزل مشروعه الصهيوني للبنوك الأوروبية في أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن مجرد رؤية دينية أو قومية، بل كان مقاولة مربحة مصممة لخدمة أطماع الاحتكارات في لندن وباريس وبرلين. كانت فكرة الدين اليهودي السياسي، التي فُبركت بعناية، أداة لتبرير استيطان فلسطين، وتوفير غطاء أيديولوجي للسيطرة على قناة السويس، الشريان الحيوي للتجارة العالمية. لم يكن هذا المشروع، الذي بدأ بوعد بلفور عام 1917، مجرد وعد بإقامة "وطن قومي" لليهود، بل كان جزءًا من استراتيجية أوسع للسيطرة على المنطقة، ومنع نهوض العرب كقوة موحدة. هذا الغيتو الجديد، الذي خطط له هتلر وتشرشل وبلفور وآل روتشيلد، لم يكن مجرد مستعمرة، بل كان مشروعًا إمبرياليًا لإضعاف العرب، ومنع وحدتهم، وسلب مواردهم ومواقعهم الاستراتيجية. كان الكيان الصهيوني، الذي أُسس عام 1948، أداة لهذا المشروع، حيث تم تمويله ودعمه من قبل الاحتكارات المالية الأوروبية والأمريكية، التي رأت فيه جسرًا لتوسيع نفوذها في المنطقة.

في هذا السياق، أُسست محميات الخليج الصهيو-أمريكية كجزء من المخطط نفسه، لتكون خرج الحمار البترودولاري الذي يمول الحروب التي يُمليها الغرب على الكيان الصهيوني لتنفيذها. هذه المحميات، التي أسستها البنوك ذاتها التي دعمت الكيان الصهيوني، كانت جزءًا من نظام عالمي يهدف إلى الحفاظ على الهيمنة الغربية، من خلال تمويل الحروب والصراعات التي تخدم مصالح الاحتكارات. كان البترودولار، الذي يتدفق من هذه المحميات، وقودًا لآلة الحرب الصهيونية، التي استهدفت العرب ومواردهم، وسعت إلى إضعافهم وتفتيت وحدتهم. هذا التحالف بين الكيان الصهيوني ومحميات الخليج لم يكن مجرد تحالف سياسي، بل كان تعبيرًا عن وحدة المصالح بين الرأسمالية العالمية وأدواتها الإقليمية، التي عملت معًا للحفاظ على نظام الاستغلال والسيطرة.

في قلب هذا الغيتو الصهيوني، صُنعت شخصيات فاشية مثل بن صهيون، بيدق حربي جُبل لخدمة أهداف الاحتكارات المالية. كان بن صهيون، الذي يحمل أساطير اليهودية السياسية التي فبركها دينكشوت وصدقها، جزءًا من مشروع يهدف إلى إضعاف العرب وسرقة مواردهم، بالشراكة مع محميات الخليج التي أسستها البنوك ذاتها التي أسست الكيان. كان بن صهيون، الذي يعيش في غوش دان، التجمع النازي في قلب الغيتو الصهيوني، تجسيدًا للأوهام التي بُني عليها المشروع الصهيوني. لكنه، مثل دون كيشوت في رواية سرفانتس، كان يحارب طواحين هواء، يحلم بحدود تمتد من النيل إلى الفرات، بينما يغرق في مستنقع الهزائم التي مُني بها الكيان. هذا المشروع، الذي بدا صلبًا في بداياته، بدأ يتهاوى مع هزيمة الكيان في لبنان عام 2006 على يد المقاومة اللبنانية المسلحة، ومع انتفاضات الضفة المحتلة، ثم انتفاضات غزة المسلحة، التي أظهرت صلابة الشعب الفلسطيني وعبقريته المقاومة.

في هذه الرواية، "فارس النيل والفرات: دون كيشوت الفرات والنيل"، يتشابك الواقع مع الخيال ليروي قصة مقاومة حي الزيتون في غزة، حيث يتجلى صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة النازية الصهيونية. لقب "دون كيشوت" يُطلق على بن صهيون بسخرية مريرة، فهو يحلم بحدود تمتد من النيل إلى الفرات، بينما يغرق في هزائمه أمام مقاومة حي الزيتون. هذا الحي، رمز المقاومة، ينصب كمائنه ويخوض حربًا حقيقية ضد جيش صهيوني مكون من عصابات إبادة جماعية تستهدف الأطفال والنساء والعزل. بن صهيون، الذي ثار لسنتين يحاول احتلال غزة، يجد نفسه عالقًا في مستنقع الهزيمة، بينما المقاومة تزداد قوة رغم التضحيات. جيشه، الذي يُعتبر أداة الإبادة، يخسر العديد من جنوده، ومشروع أسياده الصهيوني يقترب من الانتحار، في وقت يهرب فيه الأمريكان من قواعدهم في العراق وغيرها، تاركين بن صهيون وحيدًا أمام مصيره.

الشخصيات في الرواية، مثل بن صهيون ودينكشوت، ليست مجرد أفراد، بل رموز للأوهام والفاشية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني. بن صهيون، بأحلامه التوسعية، يجسد الطموح الأعمى الذي يقود إلى الهلاك، بينما دينكشوت، الذي فبرك أساطير اليهودية السياسية، يمثل الغطاء الأيديولوجي لهذا المشروع. على الجانب الآخر، تبرز شخصيات المقاومة في حي الزيتون، التي تمثل الشعب الفلسطيني بصلابته وعبقريته. هذه الشخصيات، رغم تشابهها مع واقعيين، صُممت لتناسب حبكة الرواية، حيث تبرز مقاومة الشعب الفلسطيني كقوة لا تُقهر. حي الزيتون، بكمائنه وحربه الحقيقية، يصبح رمزًا للتحدي، حيث يواجه الشعب الفلسطيني عصابات الإبادة الجماعية بإرادة لا تلين، ويثبت أنه، كما طائر الفينيق، ينهض من الرماد أقوى كلما ظن العدو أنه أنهاه.



الفصل الأول: أحلام بن صهيون

في غرفة مكسوة بالرخام الأبيض، تحت ضوء خافت ينعكس على جدران القدس المحتلة، كان بنيامين بن صهيون يجلس خلف مكتب ضخم من خشب البلوط، يحيط به صمت ثقيل كأنما العالم كله ينتظر أنفاسه. عيناه، المتعبتان بعمر من الصراع والطموح، كانتا مثبتتين على خريطة قديمة مطوية بعناية، مرسومة بخطوط حمراء وزرقاء تمتد من النيل إلى الفرات. كانت هذه الخريطة ليست مجرد ورقة، بل حلماً ينبض في صدره، حلماً يراه أعظم من الزمن نفسه: إسرائيل الكبرى، أرض الميعاد التي ستُبعث من جديد تحت قيادته.

كان بن صهيون، في أواخر الستينيات من عمره، رجلاً طويل القامة، نحيفاً، ذا شعر أبيض يتخلله الرمادي، وعينين تحملان نظرة من يعرف أسرار العالم ويحتقرها في آن. كان صوته عميقاً، يحمل نبرة الأوامر التي لا تقبل الجدل، لكنه اليوم كان يتحدث إلى نفسه، يهمس وهو يمرر أصابعه على الخريطة: "من الفرات إلى النيل... هذا وعد الله، وسأكون أنا من يحققه." كانت كلماته كمن يقرأ من كتاب مقدس، لكن في قلبه كان هناك ظل يتحرك، ظل الفساد الذي يطارده، تهم الرشاوى والصفقات المشبوهة التي هددت بإسقاطه. لكنه رفض الاستسلام لهذا الظل. الحرب، كما آمن دائماً، هي الطريق إلى الخلاص. الحرب ستجعله بطلاً، لا مجرد رجل يُحاكم.

في الزاوية البعيدة من الغرفة، وقف يوسف السانشو، مستشاره الأقرب، رجل قصير القامة، ممتلئ الجسم، ذو لحية قصيرة ونظارات سميكة تجعل عينيه تبدوان كأنهما تتوسلان إلى العقل. كان يوسف رجلاً يعرف الحقيقة، لكنه اختار أن يعيش في ظل بن صهيون، مقتنعاً بأن ولاءه له سيمنحه مكاناً في التاريخ. "سيدي," قال يوسف بنبرة مترددة، "التقارير من غزة ليست مبشرة. الجيش ينزف، والمقاومة في حي الزيتون أقوى مما توقعنا. رئيس الأركان يقول إننا نحتضر هناك."

التفت بن صهيون إليه بنظرة نارية، كأنما الكلمات جرحت كبرياءه. "تحتضر؟" صرخ، وهو يضرب المكتب بقبضته. "جيشنا لا يحتضر، يا يوسف! هؤلاء مجرد عصابات، قطاع طرق يختبئون في الأنفاق! سأسحقهم، وسأبني إمبراطوريتي على أنقاضهم!" كان صوته يرتجف، ليس من الغضب وحده، بل من خوف دفين، خوف من أن يرى العالم ضعفه، أن يرى أن بنيامين بن صهيون ليس سوى رجل عادي، لا بطل الأساطير التي قرأها في كتب الصهيونية القديمة.

في تلك اللحظة، دخل أحد الضباط، شاب ذو وجه شاحب ويد مرتجفة، حاملاً تقريراً جديداً. "سيدي، المقاومة في حي الزيتون دمرت إحدى دباباتنا. لقد نصبوا كميناً، وخسائرنا..." توقف الضابط، وكأن الكلمات خانته. نظر بن صهيون إليه، ثم إلى الخريطة، وابتسم ابتسامة غريبة، كأنما يرى شيئاً لا يراه الآخرون. "كمين؟" قال بهدوء مخيف. "إذن، سنرد بقوة لم يروها من قبل. أعدوا الطائرات، وجهزوا القوات. حي الزيتون سيكون درساً لهم جميعاً."

بعيداً عن أضواء القدس، في شوارع حي الزيتون الضيقة، كانت رائحة البارود تملأ الهواء. المنازل المدمرة، الجدران المتصدعة، والأشجار المحروقة كانت تشهد على حرب لا ترحم. وسط هذا الخراب، كان خالد الزيتوني يقف في غرفة صغيرة تحت الأرض، محاطاً بمجموعة من المقاتلين. كان خالد، في الثلاثين من عمره، رجلاً ذا ملامح حادة وعينين تحملان حكمة السنين رغم شبابه. كان مهندساً في السابق، يحلم ببناء مدينة حديثة لغزة، لكنه اليوم أصبح قائداً للمقاومة، يرسم خطط الكمائن بدقة مهندس.

"إنهم قادمون مجدداً," قال خالد بنبرة هادئة، وهو ينظر إلى خريطة يدوية للحي. "لكنهم لا يعرفون شوارعنا كما نعرفها نحن. الليلة، سنعلمهم درساً لن ينسوه." كان صوته يحمل ثقة رجل يعرف أن المعركة ليست مجرد سلاح، بل إرادة. حوله، كان المقاتلون يستمعون في صمت، بعضهم ينظر إلى الأرض، وآخرون يمسكون بأسلحتهم بقوة، كأنما هي امتداد لأرواحهم.

في تلك الليلة، بينما كانت القدس المحتلة تغرق في أحلام بن صهيون، كانت غزة تستعد لمعركة جديدة. كان الظلام يخيم على حي الزيتون، لكن في قلوب المقاومين كان هناك ضوء، ضوء الأمل الذي لا ينطفئ. خالد، وهو يوزع الأوامر، تذكر والدته التي كانت تنتظره في منزل صغير على أطراف الحي. "إذا متّ،" قال لنفسه، "فليكن موتي سبباً للحياة."

في القدس، كان بن صهيون لا يزال يحدق في خريطته، يتخيل جيوشه وهي تسحق كل من يقف في طريقه. لكنه لم يكن يعلم أن حي الزيتون، ذلك الحي الصغير الذي رآه مجرد نقطة على الخريطة، كان يعد له مفاجأة ستغير مجرى حلمه. كان يوسف السانشو يراقبه من بعيد، قلبه يعتصر ألماً وهو يرى سيده يغرق في أوهامه. "سيدي," همس يوسف، "أخشى أننا نسير نحو الهاوية." لكن بن صهيون لم يسمعه، أو ربما اختار ألا يسمعه.

في تلك اللحظة، رن هاتف المكتب، وكان الضابط على الطرف الآخر. "سيدي، القوات جاهزة. العملية ستبدأ فجر غد." ابتسم بن صهيون، وكأن النصر قد أصبح في يده. لكنه لم يكن يعلم أن الفجر سيحمل معه شيئاً آخر، شيئاً لم يكن في حساباته.

في حي الزيتون، كان خالد ينهي خطته. "إنهم يظنون أننا ضعفاء," قال لرفاقه، "لكنهم لا يعرفون أننا نستمد قوتنا من هذه الأرض." ثم رفع رأسه إلى السماء، كأنما يتحدث إلى النجوم. "غداً، سنكتب تاريخاً جديداً."

كان الليل يزداد عمقاً، والريح تحمل أصوات القذائف البعيدة. في القدس، كان بن صهيون يغلق عينيه، يحلم بإمبراطورية لن ترى النور. وفي غزة، كان خالد يفتح عينيه، يرى في الظلام نور المقاومة. كانت المعركة على وشك أن تبدأ، وكان العالم ينتظر، بصمت، ليرى من سينتصر: الحلم الزائف أم الإرادة الحقيقية.


الفصل الثاني: طواحين حي الزيتون

الفجر لم يكن فجراً عادياً في حي الزيتون. كان الهواء مشبعاً برائحة البارود والتراب المحروق، وصوت هدير الدبابات يقترب كعاصفة تهدد باجتثاث كل شيء. في سماء غزة، كانت طائرات الاستطلاع الصهيونية تحوم كالصقور، تراقب كل حركة، لكنها لا ترى ما يختبئ في الظلال. بنيامين بن صهيون، في مكتبه الفخم بالقدس المحتلة، كان يرتشف قهوته، عيناه تلمعان بحماسة رجل يعتقد أن النصر قاب قوسين أو أدنى. كان قد أعطى الأوامر: هجوم شامل على حي الزيتون، "لن نترك حجراً على حجر،" قال، وهو يتخيل نفسه كفارس الأساطير، يقود جيشه إلى مجد خالد. لكنه لم يكن يعلم أن الحي الذي يراه مجرد بقعة على خريطته هو قلب نابض، قلب لا يعرف الاستسلام.

في شوارع حي الزيتون الضيقة، كان خالد الزيتوني يتحرك كظل بين الأنقاض. كان قد أمضى الليل مع رفاقه يضعون الخطط، يرسمون الكمائن، يوزعون الأسلحة القليلة التي بحوزتهم. كان خالد رجلاً لا يتحدث كثيراً، لكن عينيه كانتا تحملان لغة لا تحتاج إلى كلمات. "اليوم،" قال لرفاقه في غرفة تحت الأرض، مضاءة بمصباح خافت، "سنظهر لهم أن هذه الأرض ليست للبيع." كان صوته هادئاً، لكنه يحمل قوة جبل لا يتزعزع. حوله، كان المقاتلون يستمعون، بعضهم يشد أحزمة الذخيرة، وآخرون يتفقدون أسلحتهم، وكلهم يعرفون أن هذه المعركة قد تكون الأخيرة بالنسبة لهم.

في القدس، كان بن صهيون يراقب شاشة كبيرة تعرض صوراً مباشرة من حي الزيتون، مرسلة من الطائرات بدون طيار. كان يبتسم، مقتنعاً بأن قواته، بآلاتها المتطورة ودباباتها المدرعة، ستسحق "هؤلاء العصاة" في ساعات. "إنهم يختبئون كالجرذان," قال ليوسف السانشو، الذي كان يقف بجانبه، عيناه تتحاشيان النظر إلى الشاشة. "لكنهم لن يصمدوا أمام قوتنا." لكن يوسف، الذي بدأ يشعر بثقل الحقيقة، همس في نفسه: "يا سيدي، أخشى أن تكون هذه الطواحين أقوى مما تظن."

مع أولى أشعة الشمس، بدأ الهجوم. تقدمت الدبابات الصهيونية في شوارع الحي، تتبعها فرق مشاة مدربة تدريباً عالياً. كانت الأرض ترتج تحت ثقل الآلات، وصوت الانفجارات يملأ الجو. لكن ما لم يكن في حسبان القادة في القدس هو أن خالد الزيتوني ورفاقه كانوا قد حولوا الشوارع إلى متاهة من الموت. في زقاق ضيق، انفجرت عبوة ناسفة تحت دبابة رائدة، فتحولت إلى كتلة من النار والحديد الملتوي. صرخات الجنود ملأت الهواء، ومن خلف الأنقاض، ظهرت أشباح المقاومة، تطلق النار بدقة قاتلة، ثم تختفي كأنها لم تكن.

في مكتبه، تلقى بن صهيون التقرير الأول: خسارة دبابة، وعدد من الجنود. "مستحيل!" صرخ، وهو يضرب الطاولة بقبضته. "كيف يجرؤون؟" لكنه لم ينتظر الإجابة. أمر بإرسال المزيد من القوات، وبدأت الطائرات الحربية تحلق فوق الحي، تلقي قنابلها على أهداف لم تكن واضحة حتى للطيارين. كان بن صهيون يرى في كل مقاوم شبحاً من الماضي، من أولئك الذين تحدوه في حروب سابقة، لكنه كان مقتنعاً بأن هذه المرة ستكون مختلفة. "سأجعل حي الزيتون درساً للجميع," قال، وهو يحدق في الخريطة، عيناه تلمعان بوهم النصر.

في الحي، كان خالد يقود رفاقه ببراعة لم تكن متوقعة. كان قد درس كل زاوية، كل زقاق، كل منزل مدمر. كان يعرف أن قوتهم ليست في الأسلحة، بل في معرفتهم بالأرض وإرادتهم التي لا تلين. في كمين آخر، استهدف المقاومون فرقة مشاة حاولت اقتحام أحد المباني. كانت الأرض قد حُفرت مسبقاً، وما إن دخل الجنود حتى انفجرت الأرض تحتهم، تاركةً وراءها فوضى من الدم والصراخ. "الآن!" صرخ خالد، ومن خلف الجدران، أطلق رفاقه النار، مستهدفين الناجين الذين حاولوا الفرار.

في تلك اللحظة، كانت ليلى، امرأة في الخامسة والعشرين، تتحرك في الظلال. كانت عيني المقاومة، تجمع المعلومات، تراقب تحركات العدو، وتنقلها إلى خالد عبر جهاز اتصال بدائي. كانت ليلى قد فقدت أخاها في هجوم سابق، لكنها حولت ألمها إلى قوة. "إنهم يتقدمون من الجهة الغربية," قالت في الميكروفون، صوتها هادئ كأنها تتحدث عن الطقس. "لكنهم لا يعرفون أننا جاهزون." ابتسم خالد، وهو ينظر إلى رفاقه. "ليلى هي سلاحنا السري," قال، وأعطى الأوامر لتفعيل كمين آخر.

في القدس، بدأت التقارير تتدفق إلى مكتب بن صهيون، كل تقرير أسوأ من الذي قبله. خسارة دبابة أخرى، فرقة مشاة محاصرة، وطائرة استطلاع أُسقطت بصاروخ بدائي. "ماذا يحدث؟" صرخ بن صهيون، وجهه يتحول إلى اللون القرمزي. "كيف يمكن لحفنة من الإرهابيين أن تفعل هذا؟" لكن يوسف السانشو، الذي كان يقف في الزاوية، تجرأ أخيراً على الكلام. "سيدي، ربما لأنهم ليسوا إرهابيين. ربما لأنهم يدافعون عن أرضهم." كانت كلماته كالسكين، لكن بن صهيون لم يرد. بدلاً من ذلك، أمر بقصف جوي شامل، غير مبالٍ بأن جنوده لا يزالون عالقين في الحي.

في حي الزيتون، كانت القنابل تنهمر كالمطر، تحول المنازل إلى أنقاض، والشوارع إلى حفر. لكن المقاومة لم تتراجع. كان خالد يتحرك بين الأنقاض، يسحب جريحاً إلى مأوى، يصرخ بالأوامر للحفاظ على الروح المعنوية. "لا تخافوا!" كان يقول، وهو يرى الخوف في عيون بعض رفاقه. "كل قنبلة يلقونها تجعلنا أقوى!" لكنه في قلبه كان يعرف الثمن. رأى طفلاً مدفوناً تحت الأنقاض، وامرأة تبكي بجانب منزلها المدمر. كان الألم يعتصر قلبه، لكنه رفض أن يظهر ضعفه. "إذا استسلمنا،" قال لنفسه، "فإن كل هذا سيكون عبثاً."

في القدس، كان بن صهيون يتلقى تقريراً جديداً: قواته محاصرة في زقاق ضيق، والمقاومة تتقدم. "محاصرة؟" همس، وكأن الكلمة لا تصدق. ثم، في لحظة جنون، أمر بقصف المنطقة بالكامل، حتى لو كان ذلك يعني قتل جنوده. "إذا لم يستطيعوا النصر، فليمتوا!" صرخ، وكأن الجنون قد استولى عليه. يوسف السانشو، الذي كان يراقب بصمت، شعر بالرعب. "سيدي، هؤلاء جنودنا!" لكن بن صهيون لم يستمع. كان يرى في كل جندي يموت تضحية من أجل حلمه الكبير.

في حي الزيتون، كانت المروحيات الصهيونية تحلق منخفضة، تلقي قنابلها على الأهداف. لكن المقاومة كانت قد أعدت مفاجأة. من خلف مبنى مدمر، أطلق أحد المقاتلين صاروخاً مضاداً للطائرات، أصاب إحدى المروحيات، فتحولت إلى كرة نارية تسقط في السماء. صرخ المقاتلون فرحاً، لكن خالد أمرهم بالهدوء. "هذه مجرد البداية," قال. "المعركة لم تنته بعد."

في تلك اللحظة، تلقى بن صهيون الخبر: خسارة مروحية، وخسائر أخرى في القوات. كان وجهه شاحباً، لكنه رفض الاعتراف بالهزيمة. "أرسلوا الطائرات الحربية!" أمر، وهو يضرب المكتب بقبضته. "سأحرق حي الزيتون بأكمله إن لزم الأمر!" لكن يوسف، الذي بدأ يرى الحقيقة بوضوح، اقترب منه وقال بنبرة هادئة: "سيدي، أخشى أننا لا نحارب طواحين هواء. نحن نحارب شعباً لا يعرف الاستسلام."

كانت الشمس قد بدأت تغيب، والمعركة في حي الزيتون لم تنته. كان خالد يقود رفاقه في كمين آخر، بينما كانت القنابل تنهمر من السماء. كان يعرف أن الثمن باهظ، لكنه كان يعرف أيضاً أن كل لحظة صمود هي انتصار بحد ذاته. في القدس، كان بن صهيون يحدق في الشاشة، يرى النيران تلتهم حلمه، لكنه رفض الاعتراف. "غداً،" قال لنفسه، "غداً سأنتصر." لكنه في أعماقه كان يسمع صوتاً، صوت الحقيقة التي حاول جاهداً تجاهلها: حي الزيتون لن يسقط، وأحلامه قد بدأت تنهار.


الفصل الثالث: سقوط الأوهام

الليل في حي الزيتون كان ثقيلاً، مشبعاً برائحة الموت والدمار. كانت السماء مضاءة بنيران القذائف التي لا تتوقف، والأرض ترتج تحت وطأة الانفجارات. في قلب هذا الجحيم، كان خالد الزيتوني يتحرك كشبح بين الأنقاض، عيناه تلمعان بمزيج من التصميم والألم. كان قد أمضى ساعات الليل يعيد ترتيب خططه، يوزع رفاقه في نقاط استراتيجية، يتأكد من أن كل كمين جاهز، كل صاروخ في مكانه. كان يعلم أن بنيامين بن صهيون، ذلك الفارس المزعوم في القدس المحتلة، لن يتوقف حتى يرى الحي مدمراً، لكنه كان يعلم أيضاً أن إرادة شعبه أقوى من أي سلاح. في غرفة صغيرة تحت الأرض، مضاءة بشمعة وحيدة، وقف خالد أمام رفاقه، وجهه متعب لكنه يحمل عزيمة لا تكسر. "إنهم يظنون أننا سننهار," قال، صوته هادئ كالريح قبل العاصفة. "لكنهم لا يعرفون أننا نستمد قوتنا من هذه الأرض، من دماء إخوتنا، من أحلام أطفالنا." نظر إلى وجوه المقاتلين، رأى فيها الخوف والأمل يتصارعان، لكنه رأى أيضاً إيماناً لا يتزعزع. "اليوم،" أضاف، "سنظهر لهم أن حي الزيتون ليس مجرد مكان، بل هو قلب ينبض بالحرية."

في القدس، كان بن صهيون يجلس في مكتبه، محاطاً بشاشات تعرض صوراً مباشرة من ساحة المعركة. كان وجهه شاحباً، عيناه محمرتين من قلة النوم، لكنه كان لا يزال يتشبث بوهمه. كانت التقارير تتدفق كالسيل: خسارة دبابة أخرى، فرقة مشاة محاصرة، ومروحية أُسقطت بصاروخ بدائي. كل تقرير كان يطعن كبرياءه، لكنه رفض الاعتراف بالهزيمة. "هؤلاء مجرد عصابات!" صرخ، وهو يضرب الطاولة بقبضته. "سأسحقهم، وسأبني إمبراطوريتي على أنقاضهم!" لكن في أعماقه، كان صوت صغير يهمس، صوت الحقيقة التي حاول جاهداً تجاهلها: إن جيشه ينزف، وإن حلمه يتلاشى كدخان في الريح.

يوسف السانشو، مستشاره المخلص، كان يقف في زاوية الغرفة، يراقب سيده بعينين مليئتين بالقلق. كان يوسف رجلاً يعرف الحقيقة، لكنه اختار أن يظل في ظل بن صهيون، مقتنعاً بأن ولاءه سيمنحه مكاناً في التاريخ. لكنه الآن بدأ يرى الجنون في عيني سيده، البارانويا التي تجعله يرى في كل تقرير مؤامرة، في كل هزيمة خيانة. "سيدي," قال يوسف بنبرة مترددة، "ربما حان الوقت لإعادة النظر في استراتيجيتنا. الجيش يتآكل، والعالم يراقب." لكن بن صهيون التفت إليه بنظرة نارية، كأنما الكلمات جرحت كبرياءه. "الخيانة!" صرخ. "أنت تتحدث كعدو! إن لم تكن معي، فأنت ضدی!" تراجع يوسف، قلبه يعتصر ألماً، لكنه لم يجرؤ على الكلام مجدداً.

في حي الزيتون، كانت المعركة تتصاعد. كانت الدبابات الصهيونية تحاول اختراق الحي من الجهة الشمالية، لكن المقاومة كانت جاهزة. كان خالد قد أعد كميناً عبقرياً في أحد الأزقة الضيقة، حيث حُفرت الأرض مسبقاً ووُضعت عبوات ناسفة بدقة. عندما تقدمت الدبابة الرائدة، انفجرت الأرض تحتها، فتحولت إلى كتلة من الحديد المحترق. صرخات الجنود ملأت الهواء، ومن خلف الأنقاض، ظهر المقاومون، يطلقون النار بدقة قاتلة، ثم يختفون كأشباح في الظلام. كانت ليلى، عين المقاومة، تراقب من مبنى مدمر، تنقل المعلومات إلى خالد عبر جهاز اتصال بدائي. "إنهم في الفخ," قالت، صوتها هادئ كأنها تتحدث عن أمر عادي. "لكن المزيد قادم من الغرب." أومأ خالد، وأعطى الأوامر لتفعيل كمين آخر.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى التقارير، كل واحدة أسوأ من سابقتها. كانت الشاشات تعرض صوراً لدبابات محترقة، وجنود يفرون في حالة ذعر. "مستحيل!" صرخ، وهو يقفز من مقعده. "كيف يمكن لحفنة من الإرهابيين أن تفعل هذا؟" لكنه في تلك اللحظة اتخذ قراراً أظهر عمق جنونه. "أرسلوا الطائرات الحربية!" أمر، وهو يحدق في الخريطة، عيناه تلمعان بنظرة لم تعد تنتمي إلى العقل. "قصفوا الحي بأكمله! لا أريد أي مقاوم حياً!" لم يبالِ بأن جنوده لا يزالون عالقين في الأزقة، محاصرين بين الكمائن والأنقاض.

في حي الزيتون، كانت الطائرات الحربية تحلق منخفضة، تلقي قنابلها على المنازل والشوارع. كانت الأرض ترتج، والنيران تلتهم كل شيء. لكن المقاومة لم تتراجع. كان خالد قد أعد مفاجأة أخرى: صواريخ مضادة للطائرات، بدائية لكنها فعالة. من خلف مبنى مدمر، أطلق أحد المقاتلين صاروخاً أصاب إحدى الطائرات، فتحولت إلى كرة نارية تسقط في السماء. صرخ المقاتلون فرحاً، لكن خالد أمرهم بالهدوء. "هذه ليست النهاية," قال. "إنهم سيردون بقوة أكبر." وكان محقاً. ما إن سقطت الطائرة حتى بدأت القنابل تنهمر كالمطر، تدمر منازل، تمزق أجساداً، وتترك خلفها صرخات الألم.

في تلك اللحظة، رأى خالد امرأة عجوز تحاول سحب طفل من تحت الأنقاض. ركض إليها، غير مبالٍ بالقنابل التي تنفجر حوله. كان الطفل ميتاً، وعينا العجوز مليئتان بالدموع. "لماذا؟" همست، وهي تمسك بيد الطفل الصغيرة. لم يجد خالد كلمات للرد، لكنه ساعدها على الوقوف وسحبها إلى مأوى. في تلك اللحظة، شعر بثقل المسؤولية على كتفيه. كان يقاتل من أجل الحرية، لكنه كان يعلم أن الثمن باهظ، أباهظ مما يستطيع قلبه تحمله.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى خبر سقوط الطائرة. كان وجهه شاحباً، عيناه تحملان نظرة الرجل الذي بدأ يرى شبح الهزيمة. "كيف؟" همس، وهو يحدق في الشاشة. ثم، في لحظة يأس، أمر باستخدام أسلحة محرمة دولياً. "إذا لم يستسلموا، فليمتوا جميعاً!" صرخ، وكأن الجنون قد استولى عليه بالكامل. يوسف السانشو، الذي كان يراقب بصمت، شعر بالرعب. "سيدي، هذا سيدفع العالم ضدنا!" لكن بن صهيون لم يستمع. كان يرى في كل مقاوم شبحاً من الماضي، من أولئك الذين تحدوه ولم يستطع كسرهم.

في الخارج، بدأ العالم يتحرك. في نيويورك، نشر صحفي يهودي مقالاً في صحيفة مرموقة، ينتقد بن صهيون بشدة. "إن جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها بن صهيون تدفع الكيان إلى الانهيار الأخلاقي," كتب. "إنه يدمر سمعة إسرائيل، ويجعلها منبوذة في العالم." كان المقال بمثابة طعنة أخرى في قلب بن صهيون، لكنه رفض قراءته. "مؤامرة!" صرخ، وهو يمزق التقرير الذي قدمه يوسف. "الجميع ضدي، لكنني سأنتصر!"

في حي الزيتون، كان خالد يقود رفاقه في كمين آخر. كانت القنابل لا تزال تنهمر، لكن المقاومة كانت تتحرك بسرعة، تستغل الأنقاض كدروع، والأزقة كفخاخ. كان خالد يعلم أن المعركة ليست مجرد قتال بالأسلحة، بل صراع إرادات. في تلك اللحظة، تلقى خبراً من ليلى: "إنهم يستخدمون أسلحة محرمة. الدخان يملأ الحي." شعر خالد بالغضب يشتعل في صدره، لكنه أبقى رباطة جأشه. "إذا كانوا يظنون أن هذا سيوقفنا، فهم لا يعرفوننا," قال لرفاقه. "سنقاتل حتى آخر نفس."

في القدس، كان بن صهيون يراقب الشاشات، يرى النيران تلتهم الحي. كان يعتقد أن النصر قريب، لكنه لم يرَ أن كل قنبلة كانت تزيد من عزلته. في حي الزيتون، كان خالد يقود رفاقه، عيناه تلمعان بالأمل رغم الألم. كانت المعركة بعيدة عن النهاية، لكن في تلك اللحظة، بدأت أحلام بن صهيون تنهار، بينما كان قلب حي الزيتون ينبض أقوى من أي وقت مضى.


الفصل الرابع: مرايا الفساد

في ظلال القدس المحتلة، حيث تتداخل أضواء القصور مع ظلمة الأحلام المغتصبة، كان بنيامين بن صهيون يجلس وحيداً في مكتبه، عيناه مثبتتان على صورة قديمة معلقة على الحائط. الصورة، بإطار ذهبي متآكل، كانت تظهره في شبابه، يرتدي زياً عسكرياً، مبتسماً ابتسامة رجل يؤمن بأنه مختار لقيادة أمة. لكنه الآن، في أواخر الستينيات من عمره، لم يعد ذلك الشاب الطموح. كان وجهه مشدوداً، عيناه غائرتين، كأنما الأوهام التي يحملها قد استنزفت روحه. كان يعلم، في أعماقه، أن حي الزيتون، ذلك الحي العنيد في غزة، قد أصبح شبحاً يطارده، لكنه رفض الاستسلام له. كان يرى في كل هزيمة تحدياً جديداً، وفي كل مقاوم عدواً يجب سحقه. لكنه، أكثر من أي شيء، كان يهرب من شيء آخر: مرايا فساده التي بدأت تعكس صورته الحقيقية.

في تلك الليلة، بينما كانت القدس تغرق في صمتها المزيف، كان بن صهيون يتذكر بداياته. لم يكن يوماً بطلاً، كما يحب أن يروي لنفسه. كان سياسياً انتهازياً، رجلاً تعلم كيف يتسلق سلم السلطة باستغلال الأساطير الصهيونية. في شبابه، كان قد وقف في غرف مشابهة لهذه، لكن ليست في القدس، بل في عواصم الغرب، حيث التقى برجال الأعمال والمصرفيين الذين يحكمون العالم من خلف الستار. كانوا هم من صنعوه، من أعطوه الدعم المالي، من فتحوا له الأبواب. كانوا يرون فيه أداة مثالية: رجل يحلم بأمجاد أسطورية، لكنه يخدم مصالحهم دون أن يدرك. صفقات الرشاوى، العقود المشبوهة، الحسابات السرية في بنوك أوروبية – كلها كانت جزءاً من صعوده. لكنه الآن، وهو يواجه هزائم متتالية في حي الزيتون، بدأ يشعر بأن تلك المرايا التي كانت تعكس مجده قد بدأت تعكس شيئاً آخر: رجلاً فاسداً، هارباً من محاكمته، يحتمي بحرب لا يستطيع الفوز بها.

في حي الزيتون، كان الواقع مختلفاً. كانت الشوارع لا تزال تحمل آثار القصف، لكن الأمل كان ينبض في قلوب أهلها. خالد الزيتوني، القائد الشاب الذي تحول من مهندس إلى رمز للمقاومة، كان يقف وسط مجموعة من المقاتلين في ملجأ تحت الأرض. كان وجهه متعباً، عيناه تحملان أثراً من الألم بعد رؤية الدمار، لكنه كان لا يزال يحمل تلك الشرارة التي تجعل الرجال يتبعونه دون تردد. "إنهم يظنون أن قنابلهم ستكسرنا," قال، وهو ينظر إلى خريطة مرسومة يدوياً. "لكنهم لا يعرفون أن كل قنبلة تجعلنا أقوى." كانت كلماته بسيطة، لكنها كانت تحمل وزناً عظيماً. حوله، كان المقاتلون يستمعون، بعضهم يمسح الغبار عن أسلحتهم، وآخرون يتبادلون النظرات، يجدون في عيون بعضهم القوة للاستمرار.

ليلى، المرأة التي أصبحت عين المقاومة، كانت تجلس في زاوية الغرفة، تتفقد جهاز الاتصال الذي تستخدمه لنقل المعلومات. كانت في الخامسة والعشرين، ذات شعر أسود طويل مضفر بعناية، وعينين تحملان حكايات لم تُروَ بعد. كانت قد فقدت أخاها في هجوم سابق، لكنها حولت حزنها إلى قوة، إلى إرادة لا تلين. "إنهم يحاولون اقتحام الجهة الشرقية الآن," قالت، صوتها هادئ لكنه حاسم. "لكننا جاهزون." أومأ خالد، وأعطى الأوامر لتفعيل كمين جديد. كان يعلم أن المعركة ليست مجرد قتال بالأسلحة، بل صراع بين إرادة شعب يدافع عن أرضه وطموح رجل يحلم بإمبراطورية وهمية.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى تقريراً جديداً: خسارة فرقة أخرى في حي الزيتون، وصاروخ آخر أصاب مروحية. كان وجهه شاحباً، لكنه رفض الاعتراف بالهزيمة. "هؤلاء ليسوا بشر!" صرخ، وهو يضرب الطاولة. "إنهم شياطين!" لكن يوسف السانشو، الذي كان يقف في الزاوية، تجرأ على الكلام. "سيدي," قال بنبرة مترددة، "ربما لأنهم يقاتلون من أجل أرضهم، بينما نحن..." توقف، خوفاً من رد فعل سيده. لكن بن صهيون لم يرد. كان يحدق في الخريطة، عيناه تلمعان بنظرة لم تعد تنتمي إلى العقل. "سأرسل المزيد من القوات," قال أخيراً. "سأحرق الحي بأكمله إن لزم الأمر."

لكن في تلك اللحظة، دخل أحد الضباط، حاملاً تقريراً جديداً. "سيدي," قال، صوته مرتجف، "الرأي العام العالمي يتحول ضدنا. هناك احتجاجات في أوروبا وأمريكا، وصحفي في نيويورك يتهمكم بارتكاب جرائم إبادة جماعية." كان التقرير كالصاعقة. بن صهيون، الذي كان يرى نفسه بطلاً، شعر بالعالم يضيق حوله. "مؤامرة!" صرخ، وهو يمزق التقرير. "الجميع ضدي، لكنني سأنتصر!" لكنه في أعماقه كان يعلم أن العالم بدأ يرى الحقيقة: أن بنيامين بن صهيون ليس سوى رجل يهرب من فساده بحرب لا يستطيع الفوز بها.

في حي الزيتون، كانت المعركة تستمر. كانت الدبابات الصهيونية تحاول اختراق الحي من جديد، لكن المقاومة كانت جاهزة. كان خالد قد أعد كميناً جديداً في أحد الأزقة، حيث وُضعت عبوات ناسفة بدقة متناهية. عندما تقدمت الدبابة الرائدة، انفجرت الأرض تحتها، فتحولت إلى كتلة من النار. صرخات الجنود ملأت الهواء، ومن خلف الأنقاض، ظهر المقاومون، يطلقون النار بدقة، ثم يختفون في الظلال. كانت ليلى تراقب من بعيد، تنقل المعلومات إلى خالد. "إنهم في حالة ذعر," قالت، وابتسامة خفيفة تعلو وجهها. "لكنهم سيرسلون المزيد." أومأ خالد، وأعطى الأوامر للاستعداد للموجة التالية.

في تلك اللحظة، رأى خالد امرأة عجوز تقف وسط الشارع، تحمل سلة طعام كانت تنوي توزيعها على المقاتلين. كانت تدعى أم محمود، وكانت رمزاً لصمود نساء غزة. "يا خالد," قالت، صوتها يحمل حكمة السنين، "لا تخاف. الله معنا، وهذه الأرض معنا." كانت كلماتها كالنور في ظلمة الحرب، تذكّر خالداً بأن المعركة ليست فقط من أجل البقاء، بل من أجل الحياة. شكرها، وعاد إلى رفاقه، قلبه ينبض بالأمل رغم الدمار.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى أخباراً أخرى: احتجاجات في عواصم الغرب، دعوات لمقاطعة الكيان، وصوت متزايد يطالب بمحاكمته. كان العالم يرى الآن ما كان يحاول إخفاءه: أن حربه ليست دفاعاً عن أمة، بل هروباً من فساده. لكنه رفض الاستسلام. "سأرسل المزيد من الطائرات!" صرخ، وهو يحدق في الخريطة. "سأجعل حي الزيتون درساً للجميع!" لكن يوسف السانشو، الذي بدأ يرى الحقيقة بوضوح، اقترب منه وقال بنبرة هادئة: "سيدي، أخشى أننا لا نحارب شعباً، بل نحارب فكرة. والأفكار لا تموت بالقنابل."

في حي الزيتون، كان خالد يقود رفاقه في كمين آخر. كانت القنابل تنهمر، لكن المقاومة كانت تتحرك بسرعة، تستغل الأنقاض كدروع، والأزقة كفخاخ. كان خالد يعلم أن المعركة لن تنتهي اليوم، لكنه كان يعلم أيضاً أن كل لحظة صمود هي انتصار بحد ذاته. في تلك اللحظة، تلقى خبراً من ليلى: "إنهم يستعدون لهجوم كبير غداً." نظر خالد إلى رفاقه، ورأى في عيونهم نفس العزيمة التي يحملها. "فلنستعد إذن," قال. "لنظهر لهم أن حي الزيتون لن يسقط."

في القدس، كان بن صهيون يحدق في الخريطة، يرى فيها حلمه يتلاشى. كان يعلم، في أعماقه، أن فساده هو الذي قاده إلى هذه اللحظة، لكنه رفض الاعتراف. "غداً," قال لنفسه، "غداً سأنتصر." لكنه في تلك اللحظة سمع صوتاً، صوت مرايا الفساد التي بدأت تعكس الحقيقة: أن بنيامين بن صهيون ليس سوى رجل يحارب طواحين هواء، بينما شعب حي الزيتون يحارب من أجل الحياة.

الفصل الخامس: معركة الأرواح

السماء فوق حي الزيتون كانت سوداء، مشبعة بدخان القذائف وأنفاس الموت. كانت القنابل تنهمر كالمطر الحديدي، تفتت الأرض، تمزق المنازل، وتترك خلفها صرخات الألم التي تمتزج مع هدير الطائرات. لكن وسط هذا الجحيم، كان هناك نور ينبض، نور إرادة لا تلين. خالد الزيتوني، القائد الشاب الذي أصبح رمزاً للمقاومة، كان يتحرك بين الأنقاض كشبح لا يعرف الخوف. كان وجهه مغطى بالغبار، عيناه تحملان أثراً من التعب الذي لا يُقهر، لكنه كان لا يزال يحمل تلك الشرارة التي تجعل الرجال يتبعونه إلى الموت دون تردد. في غرفة تحت الأرض، مضاءة بمصباح كيروسين خافت، وقف خالد أمام رفاقه، يرسم خطة جديدة على خريطة مرتجلة من ورق قديم. "إنهم يظنون أن قوتهم ستكسرنا," قال، صوته هادئ لكنه يحمل قوة الجبال. "لكنهم لا يعرفون أننا لا نقاتل بالسلاح وحده، بل بالإيمان، بالأمل، بالحق." نظر إلى وجوه رفاقه، رأى فيها الإرهاق، لكنه رأى أيضاً عزيمة لا تكسر. "اليوم," أضاف، "سنكتب فصلاً جديداً في تاريخ هذه الأرض."

في القدس المحتلة، كان بنيامين بن صهيون يجلس في مكتبه، محاطاً بشاشات تعرض صوراً مباشرة من حي الزيتون. كان وجهه شاحباً، عيناه محمرتين من قلة النوم، لكنه كان لا يزال يتشبث بوهمه. كانت التقارير تتدفق كالسيل: خسارة دبابة أخرى، فرقة مشاة محاصرة، وصاروخ آخر أصاب مروحية. كل تقرير كان يطعن كبرياءه، لكنه رفض الاعتراف بالهزيمة. "هؤلاء ليسوا بشر!" صرخ، وهو يضرب الطاولة بقبضته. "إنهم شياطين!" لكن في أعماقه، كان صوت الحقيقة يهمس، صوت يحاول جاهداً تجاهله: إن جيشه ينزف، وإن حلمه بإسرائيل الكبرى يتلاشى كدخان في الريح. يوسف السانشو، مستشاره المخلص، كان يقف في زاوية الغرفة، يراقب سيده بعينين مليئتين بالقلق. كان يوسف يعرف أن بن صهيون قد تجاوز حدود العقل، لكنه كان لا يزال يخشى مواجهته. "سيدي," قال بنبرة مترددة، "الجيش يتآكل، والعالم يراقب. ربما حان الوقت لإعادة النظر..." لكن بن صهيون قاطعه بنظرة نارية. "الخيانة!" صرخ. "أنت تتحدث كعدو! إن لم تكن معي، فأنت ضدی!" تراجع يوسف، قلبه يعتصر ألماً، لكنه لم يجرؤ على الكلام مجدداً.

في حي الزيتون، كانت المعركة تصل إلى ذروتها. كانت الدبابات الصهيونية تحاول اختراق الحي من الجهة الجنوبية، لكن خالد كان قد أعد كميناً عبقرياً. كان قد درس كل زقاق، كل ركن، كل مبنى مدمر، وحول الشوارع الضيقة إلى متاهة من الموت. في أحد الأزقة، كانت الأرض قد حُفرت مسبقاً، ووُضعت عبوات ناسفة بدقة متناهية. عندما تقدمت الدبابة الرائدة، انفجرت الأرض تحتها، فتحولت إلى كتلة من الحديد المحترق. صرخات الجنود ملأت الهواء، ومن خلف الأنقاض، ظهر المقاومون، يطلقون النار بدقة قاتلة، ثم يختفون كأشباح في الظلام. كانت ليلى، المرأة التي أصبحت عين المقاومة، تراقب من مبنى مدمر، تنقل المعلومات إلى خالد عبر جهاز اتصال بدائي. "إنهم في الفخ," قالت، صوتها هادئ كأنها تتحدث عن أمر عادي. "لكن المزيد قادم من الشرق." أومأ خالد، وأعطى الأوامر لتفعيل كمين آخر.

في تلك اللحظة، كانت القنابل تنهمر من السماء، تدمر المنازل، تمزق الأجساد، وتترك خلفها صرخات الألم. لكن المقاومة لم تتراجع. كان خالد يتحرك بين الأنقاض، يسحب جريحاً إلى مأوى، يصرخ بالأوامر للحفاظ على الروح المعنوية. "لا تخافوا!" كان يقول، وهو يرى الخوف في عيون بعض رفاقه. "كل قنبلة يلقونها تجعلنا أقوى!" لكنه في قلبه كان يعرف الثمن. رأى طفلاً مدفوناً تحت الأنقاض، وامرأة تبكي بجانب منزلها المدمر. كان الألم يعتصر قلبه، لكنه رفض أن يظهر ضعفه. "إذا استسلمنا," قال لنفسه، "فإن كل هذا سيكون عبثاً."

في القدس، كان بن صهيون يتلقى تقريراً جديداً: خسارة فرقة أخرى، وصاروخ آخر أصاب مروحية. كان وجهه شاحباً، عيناه تحملان نظرة الرجل الذي بدأ يرى شبح الهزيمة. "مستحيل!" صرخ، وهو يقفز من مقعده. "كيف يمكن لحفنة من الإرهابيين أن تفعل هذا؟" لكنه في تلك اللحظة اتخذ قراراً أظهر عمق جنونه. "استخدموا الأسلحة المحرمة!" أمر، وهو يحدق في الخريطة، عيناه تلمعان بنظرة لم تعد تنتمي إلى العقل. "قصفوا الحي بأكمله! لا أريد أي مقاوم حياً!" لم يبالِ بأن جنوده لا يزالون عالقين في الأزقة، محاصرين بين الكمائن والأنقاض. يوسف السانشو، الذي كان يراقب بصمت، شعر بالرعب. "سيدي, هذا سيدفع العالم ضدنا!" لكن بن صهيون لم يستمع. كان يرى في كل مقاوم شبحاً من الماضي, من أولئك الذين تحدوه ولم يستطع كسرهم.

في حي الزيتون, كانت الطائرات الحربية تحلق منخفضة, تلقي قنابلها على المنازل والشوارع. كانت الأرض ترتج, والنيران تلتهم كل شيء. لكن المقاومة كانت جاهزة. كان خالد قد أعد مفاجأة أخرى: صواريخ مضادة للطائرات, بدائية لكنها فعالة. من خلف مبنى مدمر, أطلق أحد المقاتلين صاروخاً أصاب إحدى الطائرات, فتحولت إلى كرة نارية تسقط في السماء. صرخ المقاتلون فرحاً, لكن خالد أمرهم بالهدوء. "هذه ليست النهاية," قال. "إنهم سيردون بقوة أكبر." وكان محقاً. ما إن سقطت الطائرة حتى بدأت القنابل تنهمر كالمطر, تدمر منازل, تمزق أجساداً, وتترك خلفها صرخات الألم.

في تلك اللحظة, رأى خالد طفلاً يركض في الشارع, يحاول الفرار من القصف. كان الطفل, لا يتجاوز العاشرة, يصرخ بحثاً عن أمه. ركض خالد نحوه, غير مبالٍ بالقنابل التي تنفجر حوله. لكنه ما إن وصل إليه حتى انفجرت قنبلة قريبة, فغطى خالد الطفل بجسده لحمايته. عندما تبدد الغبار, كان الطفل حياً, لكن خالد أصيب بشظية في كتفه. "لا بأس," قال للطفل, وهو يحاول إخفاء ألمه. "سنخرج من هنا." سحب الطفل إلى مأوى, حيث كانت أم محمود, العجوز التي أصبحت رمزاً لصمود نساء غزة, تنتظر. "يا خالد," قالت, وهي تضمد جرحه, "أنت قلب هذا الحي." لكن خالد هز رأسه. "القلب هو أنتم," قال. "أنتم من يجعلني أستمر."

في القدس, كان بن صهيون يتلقى خبر سقوط الطائرة. كان وجهه شاحباً, عيناه تحملان نظرة الرجل الذي بدأ يرى شبح الهزيمة. "كيف؟" همس, وهو يحدق في الشاشة. ثم, في لحظة يأس, أمر بقصف شامل, حتى لو كان ذلك يعني قتل جنوده. "إذا لم يستطيعوا النصر, فليمتوا!" صرخ, وكأن الجنون قد استولى عليه. يوسف السانشو, الذي كان يراقب بصمت, شعر بالرعب. "سيدي, هؤلاء جنودنا!" لكن بن صهيون لم يستمع. كان يرى في كل جندي يموت تضحية من أجل حلمه الكبير.

في حي الزيتون, كانت المقاومة تواصل القتال, رغم الخسائر. كانت ليلى تراقب من بعيد, تنقل المعلومات إلى خالد. "إنهم يستخدمون أسلحة محرمة," قالت, صوتها يحمل غضباً مكتوماً. "الدخان يملأ الحي." شعر خالد بالغضب يشتعل في صدره, لكنه أبقى رباطة جأشه. "إذا كانوا يظنون أن هذا سيوقفنا, فهم لا يعرفوننا," قال لرفاقه. "سنقاتل حتى آخر نفس." وفي تلك اللحظة, أعد خالد كميناً أسطورياً, استهدف فرقة مشاة حاولت اقتحام أحد المباني. كانت الأرض قد حُفرت مسبقاً, وما إن دخل الجنود حتى انفجرت الأرض تحتهم, تاركةً وراءها فوضى من الدم والصراخ. "الآن!" صرخ خالد, ومن خلف الجدران, أطلق رفاقه النار, مستهدفين الناجين الذين حاولوا الفرار.

في القدس, كان بن صهيون يراقب الشاشات, يرى النيران تلتهم حلمه. كان يعتقد أن النصر قريب, لكنه لم يرَ أن كل قنبلة كانت تزيد من عزلته. في حي الزيتون, كان خالد يقود رفاقه, عيناه تلمعان بالأمل رغم الألم. كانت المعركة بعيدة عن النهاية, لكن في تلك اللحظة, بدأت أحلام بن صهيون تنهار, بينما كان قلب حي الزيتون ينبض أقوى من أي وقت مضى.



الفصل السادس: انهيار الفارس

الليل في حي الزيتون كان ثقيلاً، مشبعاً برائحة الدمار وأنفاس المقاومة التي لا تهدأ. كانت السماء سوداء، ملطخة بدخان القذائف، وصوت الانفجارات يتردد كأنما الأرض نفسها تصرخ ألماً. لكن وسط هذا الجحيم، كان هناك نور ينبض، نور إرادة شعب لا يعرف الاستسلام. خالد الزيتوني، القائد الشاب الذي أصبح رمزاً للصمود، كان يتحرك بين الأنقاض، كتفه ينزف من إصابة سابقة، لكنه رفض أن يتوقف. كان وجهه مغطى بالغبار، عيناه تحملان أثراً من التعب، لكن فيهما شرارة الأمل التي لا تنطفئ. في ملجأ تحت الأرض، مضاء بمصباح خافت، وقف خالد أمام رفاقه، يرسم خطة جديدة على خريطة مرتجلة. "إنهم يظنون أن قنابلهم ستقضي علينا," قال، صوته هادئ لكنه يحمل قوة الجبال. "لكنهم لا يعرفون أننا لا نقاتل من أجل البقاء، بل من أجل الحياة." نظر إلى وجوه رفاقه، رأى فيها الإرهاق، لكنه رأى أيضاً إيماناً لا يتزعزع. "اليوم," أضاف، "سنظهر لهم أن حي الزيتون لن يسقط، مهما فعلوا."

في القدس المحتلة، كان بنيامين بن صهيون يجلس في مكتبه، محاطاً بشاشات تعرض صوراً مباشرة من ساحة المعركة. كان وجهه شاحباً، عيناه غائرتين، كأنما الأوهام التي حملها طوال حياته قد بدأت تبتلعه. كانت التقارير تتدفق كالسيل: خسارة فرقة أخرى، دبابة محترقة، وصاروخ آخر أصاب مروحية. كل تقرير كان يطعن كبرياءه، لكنه رفض الاعتراف بالهزيمة. "هؤلاء ليسوا بشر!" صرخ، وهو يضرب الطاولة بقبضته. "إنهم شياطين!" لكن في أعماقه، كان صوت الحقيقة يزداد وضوحاً، صوت يهمس بأن جيشه يحتضر، وأن حلمه بإسرائيل الكبرى لم يكن سوى سراب. يوسف السانشو، مستشاره المخلص، كان يقف في زاوية الغرفة، يراقب سيده بعينين مليئتين بالقلق. كان يوسف قد بدأ يرى الجنون في عيني بن صهيون، البارانويا التي تجعله يرى في كل هزيمة مؤامرة، في كل تقرير خيانة. "سيدي," قال يوسف بنبرة مترددة، "الجيش ينزف، والعالم يتحرك ضدنا. ربما حان الوقت لإعادة النظر..." لكن بن صهيون قاطعه بنظرة نارية. "الخيانة!" صرخ. "أنت تتحدث كعدو!" تراجع يوسف، لكنه في تلك اللحظة اتخذ قراراً خطيراً: لقد حان الوقت للتحرك ضد سيده.

في حي الزيتون، كانت المعركة تصل إلى ذروتها. كانت الدبابات الصهيونية تحاول اختراق الحي من الجهة الغربية، لكن خالد كان قد أعد كميناً عبقرياً. كان قد حول أحد الأزقة إلى فخ مميت، حيث وُضعت عبوات ناسفة بدقة متناهية. عندما تقدمت الدبابة الرائدة، انفجرت الأرض تحتها، فتحولت إلى كتلة من الحديد المحترق. صرخات الجنود ملأت الهواء، ومن خلف الأنقاض، ظهر المقاومون، يطلقون النار بدقة قاتلة، ثم يختفون كأشباح في الظلام. كانت ليلى، عين المقاومة، تراقب من مبنى مدمر، تنقل المعلومات إلى خالد عبر جهاز اتصال بدائي. "إنهم في الفخ," قالت، صوتها هادئ لكنه يحمل غضباً مكتوماً. "لكن المزيد قادم من الشمال." أومأ خالد، وأعطى الأوامر لتفعيل كمين آخر.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى تقريراً جديداً: خسارة فرقة أخرى، وصاروخ آخر أصاب طائرة. كان وجهه شاحباً، عيناه تحملان نظرة الرجل الذي بدأ يرى شبح الهزيمة. "مستحيل!" صرخ، وهو يقفز من مقعده. "كيف يمكن لحفنة من الإرهابيين أن تفعل هذا؟" لكنه في تلك اللحظة تلقى زيارة غير متوقعة. دخل رئيس الأركان، رجل طويل القامة ذو وجه متجهم، ووقف أمام بن صهيون دون أن ينحني. "سيدي," قال بنبرة حاسمة، "الجيش يحتضر في غزة. لا يمكننا الاستمرار هكذا." كانت الكلمات كالصاعقة. بن صهيون، الذي كان يرى نفسه بطلاً، شعر بالعالم يضيق حوله. "أنت تخونني!" صرخ، لكن رئيس الأركان لم يتراجع. "أنا أحاول إنقاذ ما تبقى," قال، ثم خرج تاركاً بن صهيون وحيداً مع أوهامه.

في تلك اللحظة، اتخذ يوسف السانشو قراراً جريئاً. في السر، بدأ يتواصل مع معارضين داخل الكيان، أشخاص بدأوا يرون أن بن صهيون لم يعد قائداً، بل عبئاً. كان يوسف يعلم أن هذا الفعل قد يكلفه حياته، لكنه لم يعد يستطيع تحمل رؤية سيده يقود الكيان إلى الهاوية. "لقد حان الوقت," همس لنفسه، وهو يرسل رسالة مشفرة إلى أحد المعارضين. "إذا لم نتوقف الآن، فسنخسر كل شيء."

في حي الزيتون، كانت القنابل تنهمر كالمطر، تدمر المنازل، تمزق الأجساد، وتترك خلفها صرخات الألم. لكن المقاومة لم تتراجع. كان خالد يتحرك بين الأنقاض، يسحب جريحاً إلى مأوى، يصرخ بالأوامر للحفاظ على الروح المعنوية. لكنه في تلك اللحظة أصيب بشظية أخرى، هذه المرة في ساقه. ترنح، لكنه رفض السقوط. "لا توقفوا!" صرخ لرفاقه، وهو يضمد جرحه بنفسه. "إذا توقفنا، فإن كل هذا سيكون عبثاً!" كانت كلماته كالنار، تشعل الروح في قلوب المقاتلين.

في تلك اللحظة، كانت ليلى تراقب من بعيد، تنقل المعلومات إلى خالد. "إنهم يستعدون لهجوم كبير," قالت، صوتها يحمل قلقاً لم تستطع إخفاءه. "لكنهم في حالة فوضى." ابتسم خالد، رغم الألم. "إذن، سنستغل فوضاهم," قال. وأعد كميناً جديداً، استهدف فرقة مشاة حاولت اقتحام أحد المباني. كانت الأرض قد حُفرت مسبقاً، وما إن دخل الجنود حتى انفجرت الأرض تحتهم، تاركةً وراءها فوضى من الدم والصراخ. "الآن!" صرخ خالد، ومن خلف الجدران، أطلق رفاقه النار، مستهدفين الناجين الذين حاولوا الفرار.

في القدس، كان بن صهيون يستعد لإلقاء خطاب متلفز. كان يعلم أن العالم يراقبه، أن الاحتجاجات في أوروبا وأمريكا تزداد، أن أصوات المطالبة بمحاكمته ترتفع. لكنه رفض الاستسلام. وقف أمام الكاميرات، وجهه شاحب لكنه يحمل قناع الثقة. "شعب إسرائيل العظيم," قال، صوته يرتجف رغماً عنه، "نحن على أعتاب النصر النهائي. حي الزيتون سيسقط، وإسرائيل الكبرى سترى النور!" لكنه بينما كان يتحدث، كان يرى في عيني نفسه رجلاً آخر، رجلاً يتحدث إلى نفسه، رجلاً يعلم أن حلمه قد بدأ ينهار.

في حي الزيتون، كان خالد يواصل القتال، رغم إصابته. كان يعلم أن المعركة ليست مجرد قتال بالأسلحة، بل صراع إرادات. في تلك اللحظة، رأى أم محمود، العجوز التي أصبحت رمزاً لصمود نساء غزة، تقف وسط الشارع، تحمل سلة طعام للمقاتلين. "يا خالد," قالت، صوتها يحمل حكمة السنين، "لا تخف. الله معنا، وهذه الأرض معنا." كانت كلماتها كالنور في ظلمة الحرب، تذكّر خالداً بأن المعركة ليست فقط من أجل البقاء، بل من أجل الحياة.

في القدس، كان بن صهيون يتلقى خبراً جديداً: العالم يتحرك ضده، والاحتكارات المالية التي دعمته بدأت تتخلى عنه. كانوا يرونه الآن عبئاً، رجلاً أصبح خطراً على مصالحهم. في تلك اللحظة، بدأ بن صهيون يرى أشباحاً: أشباح الضحايا في غزة، أشباح جنوده الذين قتلهم بأوامره العشوائية. كان يحاول الهروب من هذه الأشباح، لكنه لم يستطع. "أنا الفارس!" صرخ لنفسه، لكن صوته كان يرتجف، كأنما يحاول إقناع نفسه أكثر من العالم.

في حي الزيتون، كان خالد يقود رفاقه في كمين آخر. كانت القنابل تنهمر، لكن المقاومة كانت تتحرك بسرعة، تستغل الأنقاض كدروع، والأزقة كفخاخ. كان خالد يعلم أن المعركة لن تنتهي اليوم، لكنه كان يعلم أيضاً أن كل لحظة صمود هي انتصار بحد ذاته. في تلك اللحظة، تلقى خبراً من ليلى: "إنهم يتراجعون!" قالت، صوتها يحمل فرحاً لم تستطع إخفاءه. نظر خالد إلى رفاقه، ورأى في عيونهم نفس الأمل الذي يحمله. "لقد بدأوا ينهارون," قال. "لكننا لن نتوقف."

في القدس، كان بن صهيون يجلس وحيداً في مكتبه، يحدق في الخريطة التي كانت تحمل حلمه. لكنه الآن رأى فيها شيئاً آخر: خريطة هزيمته. كان يعلم أن محاكمته باتت وشيكة، أن العالم لم يعد يرى فيه بطلاً، بل مجرماً. في تلك اللحظة، بدأت أحلامه تنهار، بينما كان قلب حي الزيتون ينبض أقوى من أي وقت مضى.




الفصل السابع: أمل الزيتون

الفجر في حي الزيتون لم يكن كأي فجر آخر. كانت السماء، التي لطختها النيران والدخان لأسابيع، تحمل اليوم وميضًا خافتًا من الأمل، كأنها تعلم أن الزمن قد بدأ يميل لصالح الحق. الأرض، رغم ندوبها من القصف، كانت تنبض بحياة لا تُكسر، وفي قلب هذا الحي العنيد، وقف خالد الزيتوني، القائد الذي صار رمزًا للصمود، على تل من الأنقاض. كتفه وساقه مضمدان بضمادات متسخة، لكنه كان صلبًا كشجرة زيتون تتحدى العواصف. عيناه، رغم الإرهاق، كانتا تلمعان بعزيمة لا تهتز، وقلبه، رغم الألم، كان ينبض بالأمل. أمضى الليل مع رفاقه يعيدون ترتيب خططهم، يوزعون الذخيرة القليلة المتبقية، ويتبادلون قصصًا عن أحبائهم الذين فقدوهم، كأنما يستمدون القوة من ذكراهم. في ملجأ تحت الأرض، مضاء بشمعة وحيدة، وقف خالد أمام رفاقه، صوته هادئ كالريح قبل العاصفة. "إنهم يظنون أننا انتهينا," قال، وهو ينظر إلى وجوههم المتعبة، "لكنهم لا يعرفون أننا نقاتل من أجل أرضنا، من أجل أطفالنا، من أجل الحياة." كانت كلماته كالنور في ظلمة الحرب، تشعل الروح في قلوب المقاتلين. "اليوم," أضاف، وهو يرسم خطة جديدة على خريطة مرتجلة، "سنظهر لهم أن حي الزيتون هو قلب لا يتوقف عن النبض."

في القدس المحتلة، كان بنيامين بن صهيون غارقًا في صمت مكتبه، حيث الجدران البيضاء تعكس ظلال هزائمه. الشاشات التي كانت تعرض صور المعارك قد أُغلقت، تاركةً الغرفة في ظلام خافت يشبه ظلام روحه. وجهه كان شاحبًا، عيناه غائرتان، كأنما الأوهام التي بنى عليها حياته قد بدأت تبتلعه. التقارير التي كانت تتدفق كالسيل قد توقفت، لكن الأخبار التي وصلته كانت كالخناجر: الجيش ينسحب من حي الزيتون، الخسائر فادحة، والعالم يتحرك ضده بقوة لم يتوقعها. رئيس الأركان، رجل ذو وجه متجهم، كان قد واجهه علنًا، معلنًا أن الجيش "يحتضر" في غزة، وأن استمرار الحرب هو انتحار. يوسف السانشو، الذي كان مستشاره المخلص، تخلى عنه وبدأ يتفاوض سرًا مع المعارضين داخل الكيان، مدركًا أن بن صهيون لم يعد قائدًا بل عبئًا. كان بن صهيون وحيدًا الآن، محاصرًا بمرايا فساده التي بدأت تعكس صورته الحقيقية: رجل ليس بطلًا، بل هارب من محاكمته، يحتمي بحرب خاسرة.

في حي الزيتون، كانت المقاومة تواصل القتال، رغم الخسائر الباهظة. خالد، رغم إصابته، أعد كمينًا أخيرًا في زقاق ضيق، حيث حُفرت الأرض مسبقًا ووُضعت عبوات ناسفة بدقة متناهية. عندما تقدمت فرقة مشاة صهيونية، انفجرت الأرض تحتهم، فتحولت إلى فوضى من الدم والصراخ. "الآن!" صرخ خالد، ومن خلف الأنقاض، أطلق رفاقه النار بدقة قاتلة، ثم اختفوا كأشباح في الظلام. ليلى، المرأة التي أصبحت عين المقاومة، كانت تراقب من مبنى مدمر، تنقل المعلومات عبر جهاز اتصال بدائي. "إنهم يتراجعون!" قالت، الصوت يحمل فرحًا لم تستطع إخفاءه. "لقد كسرناهم!" ابتسم خالد، رغم الألم الذي يعتصر جسده. "ليس بعد," قال، عيناه تلمعان بالعزيمة. "لكنهم يعرفون الآن أن حي الزيتون لن يسقط." كانت كلماته كالنار، تشعل الأمل في قلوب رفاقه، الذين رأوا فيه ليس فقط قائدًا، بل رمزًا لصمود شعب.

في القدس، تلقى بن صهيون الخبر الأخير: الجيش ينسحب بالكامل من حي الزيتون. كان وجهه شاحبًا، عيناه تحملان نظرة الرجل الذي رأى حلمه يتحطم. "مستحيل!" همس، وهو يحدق في الخريطة التي كانت تحمل أوهامه من النيل إلى الفرات. لكنه في تلك اللحظة تلقى زيارة لم يتوقعها. دخل ضابط أمن، حاملًا أمرًا قضائيًا. "سيدي," قال بنبرة رسمية، "أنت مطلوب للمحاكمة بتهم الفساد وجرائم الحرب." كانت الكلمات كالصاعقة، تقطع أنفاسه. بن صهيون، الذي كان يرى نفسه فارسًا، شعر بالعالم يضيق حوله. "مؤامرة!" صرخ، لكنه لم يجد من يستمع. يوسف السانشو كان قد اختفى، والمعارضون داخل الكيان بدأوا يتحركون ضده بقوة لم يتخيلها. في تلك اللحظة، بدأ يرى أشباحًا: أشباح الضحايا في غزة، أطفال تحت الأنقاض، وجنود قتلهم بأوامره العشوائية. حاول الهروب من هذه الأشباح، لكنه لم يستطع. "أنا الفارس!" صرخ لنفسه، لكن صوته كان يرتجف، كأنما يحاول إقناع نفسه أكثر من العالم.

في حي الزيتون، كان خالد يتعافى من إصابته، محاطًا برفاقه وأهل الحي. كانت أم محمود، العجوز التي أصبحت رمزًا لصمود نساء غزة، تقف بجانبه، تحمل سلة طعام للمقاتلين. "يا خالد," قالت، صوتها يحمل حكمة السنين، "أنت قلب هذا الحي." لكن خالد هز رأسه، وابتسم ابتسامة متعبة. "القلب هو أنتم," قال. "أنتم من يجعلني أستمر." كانت كلماته تعكس حقيقة المقاومة: ليست قوة السلاح، بل إرادة الشعب. في تلك اللحظة، تلقى خالد خبرًا من ليلى: "إنهم انسحبوا بالكامل!" قالت، صوتها يحمل فرحًا ممزوجًا بالألم. نظر خالد إلى رفاقه، ورأى في عيونهم نفس الأمل الذي يحمله. "لقد بدأوا ينهارون," قال. "لكننا لن نتوقف."

في القدس، كان بن صهيون يجلس وحيدًا في مكتبه، يحدق في الخريطة التي كانت تحمل حلمه. لكنه الآن رأى فيها شيئًا آخر: خريطة هزيمته. كان يعلم أن محاكمته باتت وشيكة، أن العالم لم يعد يرى فيه بطلًا، بل مجرمًا. في تلك اللحظة، دخل ضباط الأمن، واقتادوه إلى زنزانة باردة. كان يصرخ، "أنا الفارس!" لكن صوته كان يتلاشى في جدران السجن، كأنما العالم قد أدار ظهره له. كانت مرايا فساده قد كشفت الحقيقة: أن بنيامين بن صهيون لم يكن سوى رجل يحارب طواحين هواء، بينما شعب حي الزيتون كان يحارب من أجل الحياة.

في حي الزيتون، كان الهدوء يعم الشوارع للمرة الأولى منذ أسابيع. كانت المنازل مدمرة، والأرض محروقة، لكن في قلب الحي، وسط الأنقاض، كانت شجرة زيتون صغيرة تنبت، خضراء، صلبة، كأنما تحمل وعدًا بالحياة. وقف خالد بجانبها، محاطًا برفاقه، أم محمود، وليلى، وأطفال الحي الذين بدأوا يعودون إلى الشوارع. "هذه الأرض لنا," قال خالد، وهو ينظر إلى الشجرة. "ومهما فعلوا، ستبقى لنا." كانت كلماته تعكس حقيقة المقاومة: أن الصمود هو النصر الحقيقي. وفي تلك اللحظة، بينما كانت الشمس ترسل أشعتها الأولى، بدا حي الزيتون كقلب ينبض بالحياة، رمزًا لأمل لا يموت.





ملخص رواية: "فارس النيل والفرات"


الفصل الأول: أحلام بن صهيون
في مكتب فخم بالقدس المحتلة، يجلس بنيامين بن صهيون، رجل في أواخر الستينيات، يحدق في خريطة تمتد من النيل إلى الفرات، يحلم بإسرائيل الكبرى. يرى نفسه فارسًا أسطوريًا، لكنه سياسي فاسد يهرب من تهم الرشاوى بحرب يظنها ستنقذه. مستشاره، يوسف السانشو، يحذره من أن الجيش يتآكل في غزة، لكنه يرفض الاستماع، متهمًا إياه بالجبن. يقرر بن صهيون شن هجوم شامل على حي الزيتون، مقتنعًا بأن النصر سيجعله بطلًا. في غزة، يظهر خالد الزيتوني، مهندس تحول إلى قائد مقاومة، يستعد مع رفاقه لمواجهة الهجوم، مستغلًا معرفتهم بالشوارع الضيقة. ينتهي الفصل بتوتر متصاعد، حيث يستعد الطرفان لمعركة حاسمة.

الفصل الثاني: طواحين حي الزيتون
يبدأ الهجوم الصهيوني على حي الزيتون بدبابات وطائرات، لكن خالد يحول الشوارع إلى فخاخ مميتة. كمائن المقاومة تُوقع خسائر فادحة، حيث تنفجر الدبابات وتُسقط مروحيات بصواريخ بدائية. بن صهيون، في مكتبه، يتلقى تقارير متضاربة، ويرفض تصديق أن قواته محاصرة. في لحظة جنون، يأمر بقصف عشوائي، فيقتل جنوده أنفسهم. يوسف السانشو يبدأ بالتشكيك في قرارات سيده، لكنه يبقى مخلصًا. في الحي، تظهر ليلى، شابة تجمع المعلومات وتنقلها إلى خالد، لتصبح عين المقاومة. تنتهي المعركة بصمود الحي، بينما يزداد غضب بن صهيون.

الفصل الثالث: سقوط الأوهام
تتصاعد المعارك في حي الزيتون، حيث تُظهر المقاومة براعة تكتيكية، تسقط مروحيات وتُوقع خسائر بالجيش الصهيوني. بن صهيون، في القدس، يغرق في البارانويا، يرى كل انتقاد مؤامرة. يأمر باستخدام أسلحة محرمة، مما يزيد من عزلته الدولية. يوسف يحذره دون جدوى. في غزة، يقود خالد المقاومة رغم الدمار، بمساعدة ليلى وأم محمود، رمز صمود نساء الحي. تظهر مشاهد إنسانية مؤثرة، مثل طفل يُقتل في القصف، مما يثير غضبًا عالميًا. ينتهي الفصل ببن صهيون محاصرًا بأوهامه، بينما ينبض الحي بالأمل.

الفصل الرابع: مرايا الفساد
يعود السرد إلى ماضي بن صهيون، يكشف عن صعوده كسياسي انتهازي مدعوم من احتكارات الغرب المالية. فضائح الرشاوى والصفقات المشبوهة تطارده، فيهرب بحرب يظنها ستنقذه. في حي الزيتون، يواصل خالد قيادة المقاومة، مستغلًا الأنقاض كدروع. ليلى وأم محمود يدعمان المقاتلين، بينما تتصاعد الاحتجاجات العالمية ضد بن صهيون. يوسف يبدأ بالتفكير في التمرد، مدركًا أن سيده يقود الكيان إلى الهاوية. ينتهي الفصل بتصاعد التوتر، حيث يواجه بن صهيون عزلة متزايدة.

الفصل الخامس: معركة الأرواح
تصل المعركة في حي الزيتون إلى ذروتها. خالد يقود كمينًا أسطوريًا، يُوقع خسائر فادحة بالجيش الصهيوني، مستخدمًا صواريخ مضادة للطائرات. بن صهيون، في اليأس، يأمر بقصف شامل، حتى لو أدى إلى قتل جنوده. يوسف يحاول التدخل دون جدوى. في الحي، يُصاب خالد لكنه يواصل القتال، مدعومًا بليلى وأم محمود. صورة طفل يُقتل في القصف تنتشر عالميًا، تزيد من عزلة بن صهيون. ينتهي الفصل بصمود المقاومة، بينما يبدأ حلم بن صهيون بالانهيار.

الفصل السادس: انهيار الفارس
يبدأ انهيار بن صهيون. رئيس الأركان يواجهه، مؤكدًا أن الجيش يحتضر. يوسف يتخلى عنه ويتفاوض مع المعارضين. بن صهيون يلقي خطابًا متلفزًا يدعو فيه إلى "النصر النهائي"، لكنه يبدو كمجنون يتحدث إلى نفسه. في حي الزيتون، يواصل خالد القتال رغم إصابته، مدعومًا بليلى وأم محمود. العالم يتحرك ضد بن صهيون، والاحتكارات المالية تتخلى عنه. يبدأ يرى أشباح ضحاياه، بينما يظل الحي صامدًا. ينتهي الفصل بهزيمة بن صهيون النفسية، وصمود المقاومة.

الفصل السابع: أمل الزيتون
ينسحب الجيش الصهيوني من حي الزيتون بعد خسائر فادحة. بن صهيون يُسجن بتهم الفساد وجرائم الحرب، محاصرًا بأشباح ضحاياه. في غزة، يتعافى خالد من إصابته ويواصل قيادة المقاومة. الحي، رغم الدمار، يصبح رمزًا للصمود. تنبت شجرة زيتون صغيرة وسط الأنقاض، رمزًا للأمل. ينتهي الفصل بمشهد رمزي: خالد، محاطًا بليلى وأم محمود وأهل الحي، ينظر إلى الشجرة، مؤمنًا بأن الأرض ستبقى حرة.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية :سلاسل العقل، أغلال القلب
- مسرحية العدو الأمريكي والصهيوني الكوميدية
- رواية لحن من الظلال..مع مقدمة نقدية تاريخية
- رواية: الخاتم والنار
- كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
- رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ ...
- رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري ...
- رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين ...
- رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد ...
- ملخص خلفيات حرب الاستخبارات الأميركية السرية لإسقاط الدولة ا ...
- رواية : آيات الفوضى الخلاقة
- رواية : خرائط الجميز العجيبة
- رواية: انفاق الزيتون الدامي
- السلاح أو الموت: مسرحية المقاومة في زمن نتنياهو النازي الجدي ...
- نقابات بلجيكا تقاوم لوبيات السلاح والإبادة الجماعية
- يوم الأحد الوجودي: سخرية التاريخ من أوهام الكيان
- رواية مشاعل الهامش
- ترامب وزيلينسكي: مهرج ودمية يرقصان لارضاء بوتين
- قمة ترامب وبوتين – كوميديا سوداء في زمن الدولة العميقة وأورو ...
- رواية خيوط العنكبوت: من الباب العالي إلى هولوكوست غزة


المزيد.....




- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...
- إبراهيم زولي يقدّم -ما وراء الأغلفة-: ثلاثون عملاً خالداً يع ...
- النسخة الروسية من رواية -الشوك والقرنفل- تصف السنوار بـ-جنرا ...
- حين استمعت إلى همهمات الصخور
- تكريم انتشال التميمي بمنحه جائزة - لاهاي- للسينما


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية : دون كيشوت الفرات والنيل