|
رواية: الخاتم والنار
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8449 - 2025 / 8 / 29 - 01:07
المحور:
الادب والفن
مقدمة : في زمنٍ تكالبت فيه الظلمات، وتكاثرت أيدي الخيانة، كان هناك صوتٌ واحد، صوتٌ لم يكن مجرد همسةٍ عابرةٍ في الريح، بل كان صرخةً تزلزل جدران الخزان، نارًا تحرق ستار الصمت، وخاتمًا فضيًا يحمل اسم عكا، يحمل ذكرى أرضٍ لا تموت. كان هذا الصوت هو صوت خليل، أو بالأحرى غسان كنفاني، الروائي الفلسطيني، المقاوم الشيوعي، العملاق الذي لم يكن مجرد كاتب، بل كان لواءً مسلحًا، كما وصفته غولدا مائير، تلك الشمطاء الإرهابية، التي رأت في وعيه الحاد خطرًا يهدد أسس الكيان النازي الصهيوني. لم تدرك، في غمرة رعبها من كلماته، أن اغتياله في صباح يوليو 1972 لن يُسكت صوته، بل سيطلق جيوشًا من الكلمات، جيوشًا تتدفق اليوم في ساحات الانتفاضات، من مخيمات الشاتيلا إلى شوارع نيويورك، من مقاهي القاهرة إلى مكتبات لندن، تحمل اسم فلسطين، تحمل نار المقاومة. لم تدرك أن كلماته، التي كتبها في "رجال في الشمس"، كانت نبوءةً استشرافية، تفضح كيف يموت الفلسطيني في خزان المحميات الصهيو-أمريكية، كيف يُرمى على المزابل، كيف تتحول تلك المحميات إلى أدواتٍ في يد المشروع النازي الجديد الذي يُسمى إسرائيل.
هذه الرواية، "الخاتم والنار"، ليست توثيقًا لحياة غسان كنفاني، بل هي اشتقاقٌ تخيلي من روحه، من وعيه الطبقي الذي قطع كالسكين في قلب الظلم، من قلمه الذي كان سيفًا، ومن خاتمه الذي كان شاهدًا. إنها قصة خليل، الرجل الذي حمل اسم عكا في قلبه، الذي عاش منفاه كجرحٍ لا يندمل، الذي كتب عن الخيام التي تنبض بالمقاومة، وعن الخيام الأخرى التي باعت نفسها لمحميات الخليج الصهيو-أمريكية، تلك المحميات التي تمول الكيان الصهيوني في حرب إبادته الجماعية ضد شعب فلسطين في غزة. إنها روايةٌ عن صوتٍ لم يمت، عن نارٍ لا تزال تحرق الظلم، عن خاتمٍ يحكي قصة شعبٍ يرفض أن يموت. ليست هذه الرواية سوى جزءٍ صغير من حياةٍ حافلة بالغنى التقدمي، المعرفي، الفني، والأدبي، حياةٍ تستحق أن تُكتب عنها رواياتٌ لا نهائية، كل واحدةٍ تحمل وجهًا من وجوه غسان، كل واحدةٍ تكشف عن قدرته الاستشرافية الجراحية، التي نراها اليوم واضحةً في دعم المحميات للكيان الصهيوني، كما تجلى في رفض نقابات جنوى الإيطالية استقبال سفينةٍ سعودية تحمل أسلحةً للكيان، ليواصل إبادته الجماعية ضد شعب فلسطين. لم تكن هذه السفينة سوى رمزٍ لما كتب عنه غسان: أن المحميات، مهما كانت شعاراتها، هي خادمةٌ لهذا المشروع النازي الجديد.
كان غسان كنفاني، أو خليل في هذه الرواية، رجلًا لم يكتفِ بالكتابة، بل جعل من كلماته سلاحًا يحفر في الضمير الإنساني، يوقظ الحقد المقدس ضد الاحتلال، ضد كل احتلال. كانت رواياته، مثل "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا"، مرايا تعكس ألم الشعب الفلسطيني، لكنها كانت أيضًا سيوفًا تقطع أكاذيب الإمبريالية. لم يكن وعيه مجرد وعيٍ قومي، بل كان وعيًا طبقيًا عالميًا، يرى في الظلم الذي يُمارس على الفلسطيني جزءًا من نظامٍ عالمي يسحق الإنسان، يحوله إلى قاذورةٍ على مزابل الخليج. كان يرى في المحميات الصهيو-أمريكية أدواتٍ في يد الإمبريالية، تمول الكيان الصهيوني بشراء الأسلحة المعطوبة، تنفذ أجنداتٍ لنشر الفتنة ونهب ثروات المنطقة. كانت كلماته تفضح هذا النظام، تكشف كيف يُرمى الفلسطيني على المزابل، كيف يُحبس في خزان الصحراء، كيف يُحول إلى أداةٍ ضد شعبه. كان غسان، بقلمه، جراحًا يشق جروح الواقع، يزرع فيها بذور المقاومة، بذورًا تنبت اليوم في كل ساحةٍ تنتفض ضد الكيان النازي الصهيوني وأسياده الأمريكيين والنخبة المالية التي تحكم الغرب.
في هذه الرواية، نتبع خليل منذ طفولته في عكا، حيث كان البحر يغني له، وحيث كانت أشجار الزيتون تحكي قصص المقاومة ضد الانتداب البريطاني. نراه يواجه النكبة، يترك بيته مفتوح الأبواب، يحمل خاتمًا فضيًا يصبح رمزًا لأرضه. نراه في المخيم، حيث يتعلم الجوع والانتظار، لكنه يكتشف أيضًا قوة القلم، حيث يكتب أول قصةٍ له عن رجلٍ يعود إلى أرضه. نراه في الكويت، حيث يكتشف الظلم الطبقي، حيث يكتب "رجال في الشمس"، روايةً تفضح كيف تحول المحميات الفلسطيني إلى قاذورة، كيف تمول الكيان الصهيوني ليستمر في حروبه. نراه في بيروت، قلب المقاومة، حيث يلتقي بأم سعد، المرأة التي تجسد فلسطين، التي تحثه على الكتابة عن الخيام التي تنبض بالحياة، وعلى فضح الخيام الأخرى التي تخون. نراه وهو يصبح هدفًا للموساد ولجهات استخباراتية ملكية عربية، خائفة من وعيه الحاد، من كلماته التي تدق جدران الخزان. وأخيرًا، نراه في لحظة الاغتيال، حيث يتحول إلى غبار، لكن خاتمه يظل شاهدًا، وكلماته تظل نارًا.
لكن هذه الرواية لا تنتهي باغتيال خليل. إنها تتجاوز الموت، لتصل إلى عام 2025، إلى يوسف، الطالب الفلسطيني في جامعة كولومبيا، الذي يقرأ كلمات خليل، يشعر أنها تتحدث عنه، عن جيله، عن شعبه. إنها روايةٌ عن إرثٍ لم يمت، عن صوتٍ لا يزال يتردد في ساحات الانتفاضات، من مخيمات لبنان إلى شوارع العالم. إنها روايةٌ عن الخيام التي تنبض بالمقاومة، وعن الخيام الأخرى التي باعت نفسها للمحميات، تلك المحميات التي تُمثلها السفينة السعودية التي رفضتها نقابات جنوى الإيطالية، تلك المدينة التي كانت حاضرةً ثقافيةً نهضويةً في أوروبا، بناءً على الثقافة العربية في عصور التلاقح الحضاري السوري الفارسي خلال الإمبراطورية السورية الأولى في دمشق وقرطبة والإمبراطورية السورية الثانية في بغداد وبلاد فارس. كانت هذه السفينة رمزًا لما كتب عنه غسان: أن المحميات، مهما كانت شعاراتها، هي خادمةٌ لهذا المشروع النازي الجديد الذي يُسمى إسرائيل.
لم يكن غسان كنفاني مجرد كاتب، بل كان نبيًا للمقاومة، جراحًا يشق الضمير الإنساني، يزرع فيه بذور الحقد المقدس ضد الظلم. كانت كلماته، كما نراها اليوم، استشرافًا لما يحدث في غزة، حيث يواصل الكيان الصهيوني إبادته الجماعية، مدعومًا بالمحميات التي تبيع النفط لتمول الأسلحة، التي تنفذ أجندات الإمبريالية لنشر الفتنة. كانت كلماته نبوءةً، تفضح كيف يموت الفلسطيني في خزان المحميات، كيف يُرمى على المزابل، كيف تتحول المحميات إلى أدواتٍ في يد المشروع النازي الجديد. وكما رفضت نقابات جنوى تلك السفينة السعودية، رفضت كلمات غسان أن تكون صامتة، رفضت أن تكون قاذورة. كانت كلماته، وستظل، نارًا تحرق الظلم، صوتًا يدق جدران الخزان.
هذه الرواية هي تكريمٌ لغسان كنفاني، لخليل، للرجل الذي جعل من قلمه سلاحًا، للرجل الذي حمل اسم فلسطين إلى العالم. إنها دعوةٌ لقراءة كلماته، للشعور بنارها، لسماع صوت الخاتم الفضي الذي يحكي قصة شعبٍ لا يموت. إنها روايةٌ عن الإرث، عن النار التي لا تنطفئ، عن الضوء الذي يتسلل عبر الظلمات.
…………….
الفصل الأول: عكا: البحر والجذور
في شرفة مكتبه الصغير في بيروت، وقف خليل يحدق في البحر. كان الهواء مشبعًا برذاذ الملح، لكنه لم يكن ذلك الملح الذي عرفه في عكا، حيث كانت الريح تحمل معها عبق البرتقال وأنفاس الأرض الطيبة. في عكا، كان البحر صديقًا، يهمس للأطفال بأحلامٍ لا تعرف الجدران، يحكي عن سفنٍ تحمل الأمل إلى أراضٍ بعيدة. لكنه الآن، في بيروت عام 1972، بدا كأنه يخفي سرًا ثقيلًا، كأنه يعرف ما سيحدث غدًا. أغمض خليل عينيه، فاندفع الماضي إليه كموجةٍ عاتية، عاد إلى عكا، إلى الشارع الضيق حيث كان يركض في العاشرة من عمره، وصوت أمه يتردد في أذنيه: "خليل، لا تقترب من الجنود!" لكنه اقترب يومها. رأى الجندي البريطاني بعينيه الباردتين، بندقيته تتأرجح على كتفه كأنها امتدادٌ لروحه. سأل نفسه حينها: "لماذا يقف هذا الغريب على أرضنا؟" لم يكن يعرف بعد أن هذا السؤال سيصبح خيطًا ينسج حياته، خيطًا سيمتد من عكا إلى الكويت، ثم إلى بيروت، حيث سيدق جدران خزان الظلم حتى يتحول إلى غبار.
البحر في عكا كان مختلفًا. كان يحمل صوت الجدات وهن يروين حكايات الأجداد، عن الزيتون الذي ينمو خلف البيت، وعن الأرض التي لا تموت. كان خليل يجلس على الشاطئ، يحفر بأصابعه الصغيرة في الرمل، يرسم أشكال سفنٍ لم يرها إلا في مخيلته. كان يحلم أن يصبح بحارًا، أو ربما شاعرًا يكتب عن البحر، لكنه لم يكن يعرف بعد أن الكلمات ستكون سلاحه، وأن البحر سيكون شاهدًا على صراعه. في تلك الأيام، كانت عكا مدينةً تتنفس الحياة، بيوتها الحجرية تحتضن أحلام أهلها، وأسواقها تفوح برائحة التوابل والخبز الطازج. لكن تحت هذا النبض، كان هناك ظلٌ يزحف، ظلٌ يحمل أصوات الأسلحة وخطوات الجنود الثقيلة. كان عام 1936، وكانت الثورة الفلسطينية الأولى قد بدأت، تحمل معها رياح التغيير والألم.
في ذلك العام، ولد خليل. لم يكن يعرف أن ولادته تزامنت مع صرخة الأرض، مع أول رصاصة أطلقت في وجه المستعمر. كانت أمه، فاطمة، امرأةً ذات عينين عميقتين كالبحر، تحكي له عن الأرض وكأنها كائنٌ حي، عن الزيتون الذي يحمل أرواح الأجداد، وعن البحر الذي يحفظ أسرار الشهداء. كانت تحكي وهي تمسح دموعها، تخفي خوفها من المستقبل. كان والده، محمود، رجلًا صلبًا، يعمل في تجارة الزيتون، لكنه كان يحمل في قلبه غضبًا صامتًا، غضبًا من الجنود الذين يفتشون البيوت، ومن الوعود الكاذبة التي قُطعت للشعب. في إحدى الليالي، عندما كان خليل في الخامسة، سمع والده يهمس لأمه: "الأرض لن تُسرق، فاطمة. سنقاتل حتى النهاية." لم يفهم خليل الكلمات، لكنه شعر بثقلها، كأنها حجرٌ سقط في قلبه الصغير.
كانت عكا مدينة التناقضات. في النهار، كانت الأسواق تعج بالحياة، بأصوات الباعة وهم ينادون على بضائعهم، وبضحكات الأطفال وهم يلعبون بين الأزقة. لكن في الليل، كانت الأصوات تتحول إلى همساتٍ خائفة، إلى أخبار عن اعتقالات، عن قتلى في القرى المجاورة. كان خليل يسمع تلك الأخبار وهو مختبئ خلف الباب، يحاول فهم ما يعنيه أن تكون فلسطينيًا. في إحدى الليالي، اقتحم الجنود بيتهم. كان في السابعة، يتذكر صوت أمه وهي تصرخ: "اتركوه، إنه طفل!" لكنه رأى الخوف في عينيها، ورأى والده يقف صامتًا، يخفي قبضتيه المرتجفتين. تلك الليلة، تعلم خليل أن الخوف ليس عيبًا، لكنه أيضًا تعلم أن الصمت قد يكون موتًا بطيئًا.
في بيروت، فتح خليل عينيه. كان البحر لا يزال أمامه، لكنه الآن يحمل صوتًا آخر، صوت المقاومة، صوت الرجال الذين يرفضون أن يكونوا رجالًا في الشمس، عالقين في خزان الصحراء. أخرج من جيبه قلمًا ودفترًا صغيرًا، وبدأ يكتب. كانت الكلمات تأتيه كأمواج، تارة هادئة، تارة عاصفة. كتب عن عكا، عن الشارع الضيق، عن الجندي الذي رآه في طفولته. لكنه لم يكتب عنه كعدو، بل كرمزٍ لشيء أكبر، لظلمٍ يمتد عبر العالم، لخزانٍ يحبس الأحلام. كتب: "البحر لا يكذب، لكنه لا يعد بشيء. إنه شاهدٌ فقط، والشهادة هي بداية المقاومة."
في عكا، كانت المدرسة ملاذ خليل. كان المعلم، الأستاذ يوسف، رجلًا عجوزًا يحمل في عينيه حزنًا عميقًا، لكنه كان يعلّم الأطفال كأنه يزرع بذورًا في أرضٍ قاحلة. كان يقول: "القلم أقوى من البندقية، لكنه يحتاج إلى قلبٍ شجاع." كان خليل يستمع إليه، يحفظ كلماته كما يحفظ أناشيد البحر. في إحدى الحصص، طلب الأستاذ يوسف من التلاميذ كتابة قصة عن أحلامهم. كتب خليل عن سفينةٍ تحمل كل أهل عكا إلى أرضٍ لا يوجد فيها جنود، أرضٌ ينمو فيها الزيتون دون خوف. قرأ الأستاذ يوسف القصة، ووضع يده على كتف خليل وقال: "ستكتب يومًا ما قصصًا تهز العالم." لم يفهم خليل حينها معنى الكلمات، لكنه شعر أن شيئًا في داخله بدأ يتشكل، كأن الكلمات أصبحت جزءًا من دمه.
لكن عكا لم تكن مجرد بحرٍ وأحلام. كانت أيضًا مدينة الصراع. في عام 1948، تغير كل شيء. كانت النكبة كالريح التي اقتلعت الأشجار من جذورها. كان خليل في الثانية عشرة، يتذكر صوت الرصاص في الليل، صوت أمه وهي تحزم الملابس في عجلة، صوت والده وهو يقول: "سنعود قريبًا." لكنهم لم يعودوا. غادروا عكا، تاركين خلفهم البيت الحجري، والزيتون، والبحر. في مخيم اللاجئين، تعلم خليل معنى المنفى. كان المخيم عالمًا آخر، عالمًا من الخيام والجوع والانت _
ظار. لكنه أيضًا تعلم أن الأرض لا تُنسى، وأن الكلمات يمكن أن تكون جسرًا إلى الماضي. في تلك الليالي الباردة، كان يجلس تحت ضوء مصباح خافت، يكتب على أوراقٍ ممزقة، يكتب عن عكا، عن البحر، عن الزيتون. كانت كلماته صغيرة، لكنها كانت تحمل وعدًا، وعدًا بأنه لن يكون رجلًا في الشمس، عالقًا في خزان الصحراء.
في بيروت، أغلق خليل الدفتر. كان البحر لا يزال يهمس، لكنه الآن يحمل صوتًا آخر، صوت الرجال الذين يدقون جدران الخزان. نظر إلى يده، إلى الخاتم الذي ورثه عن والده، خاتمٌ بسيط من فضة، محفور عليه اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على الطفولة، على اللجوء، على المقاومة. أمسك القلم من جديد، وبدأ يكتب: "لن أكون غبارًا. سأكون صوتًا يخرج من الخزان، صوتًا يحمل اسم عكا إلى العالم." لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن الطريق إلى ذلك الصوت سيكون طويلًا، وأن الظلم لن يتركه يعيش.
في عكا، كان البحر يعرف كل شيء. كان يعرف أن خليل سيحمل صوته إلى بيروت، إلى الكويت، إلى العالم. كان يعرف أن الكلمات ستكون سلاحه، وأن الخاتم سيكون الدليل الوحيد على من كان. لكن البحر لم يخبره بذلك. كان شاهدًا فقط، كما كان دائمًا.
الفصل الثاني: اللجوء: صحراء المنفى
في بيروت، عام 1972، كان خليل يقف في مكتبه الضيق، يمسك بقلمه كأنه سيفٌ يقاوم الريح. كانت المدينة خارج النافذة تعج بالحياة، بأصوات الباعة وضحكات الأطفال، لكن في داخله كان هناك صمتٌ ثقيل، صمتٌ يحمل أصداء المخيم، أصداء المنفى. أغمض عينيه، فعاد إليه الماضي كظلٍ بارد، عاد إلى أيام اللجوء، إلى الخيام التي كانت تتماوج تحت رحمة الريح، إلى الجوع الذي كان يعضّ أحشاءه، إلى الوجوه التي فقدت بريقها تحت وطأة الانتظار. كان في الثانية عشرة حين غادروا عكا، تاركين خلفهم البحر والزيتون، تاركين خلفهم الحياة. في تلك اللحظة، لم يكن يعرف أن المنفى ليس مكانًا، بل حالةٌ تتغلغل في الروح، تسرق الألوان من الأحلام، وتجعل من الإنسان كائنًا معلقًا بين الماضي والمستقبل، بين الأرض التي فقدها والأرض التي لم يجدها بعد.
المخيم كان عالمًا آخر. في لبنان، حيث استقرت عائلة خليل بعد رحلةٍ طويلة عبر الحدود، كانت الخيام تمتد كبقايا مدينةٍ مهجورة. كانت الأرض جافة، والسماء رمادية، والناس يتحركون كأشباحٍ تحمل ذكرياتٍ ثقيلة. كانوا يتحدثون عن عكا وحيفا ويافا، عن بيوتهم التي تركوها مفتوحة الأبواب، عن أشجار الزيتون التي كانوا يعرفون كل غصنٍ فيها. لكن الكلام كان يتلاشى في الهواء، كأنه دخانٌ يتصاعد من نارٍ خمدت. كانت أمه، فاطمة، تجلس كل ليلة بجانب المصباح الخافت، تمسك بمفتاح البيت القديم، وتهمس لخليل: "سنعود، يا ولدي. الأرض لا تنسى أبناءها." لكنه كان يرى في عينيها ظلًا من اليأس، ظلًا لم تكن تريد أن يراه.
في المخيم، تعلم خليل معنى الجوع. لم يكن جوع البطن وحده، بل جوع الروح، جوع الهوية. كان يقف في طابور طويل أمام وكالة الغوث، ينتظر رغيف خبزٍ أو كيس طحين، يستمع إلى أصوات الناس وهم يتشاجرون على حفنة رز. كان يرى الأطفال يلعبون في الوحل، يصنعون منه أحلامًا هشة، وكان يرى الرجال يجلسون صامتين، عيونهم تحدق في الفراغ، كأنهم يبحثون عن شيءٍ فقدوه. في إحدى الليالي، سمع خليل رجلًا عجوزًا يروي قصة عن شهيدٍ سقط في عكا. كان صوت الرجل يرتجف، لكنه كان يحمل قوةً غريبة، قوةً جعلت خليل يشعر أن الموت ليس النهاية، بل بدايةٌ لشيءٍ أكبر. تلك الليلة، أمسك بورقةٍ ممزقة وبدأ يكتب قصةً عن رجلٍ يعود إلى أرضه، رجلٍ يرفض أن يكون شبحًا في المخيم.
لكن المخيم لم يكن مجرد خيامٍ وجوع. كان أيضًا مكانًا للحياة، للصمود. كانت هناك مدرسة صغيرة، مبنية من الطين والخشب، يجتمع فيها الأطفال ليتعلموا القراءة والكتابة. كان المعلم، أبو علي، رجلًا نحيفًا ذا لحيةٍ بيضاء، يحمل في صوته حرارة الأمل. كان يقول: "القلم هو سلاحكم، يا أبنائي. اكتبوا عن أرضكم، عن أحلامكم، عن غضبكم." في تلك المدرسة، وجد خليل ملاذه. كان يقرأ كل ما يقع تحت يديه، من قصصٍ شعبية إلى كتبٍ ممزقة عن تاريخ فلسطين. كان يحلم أن يكون كاتبًا، لكنه لم يكن يعرف بعد أن كلماته ستكون أكثر من مجرد حبرٍ على ورق، ستكون صرخةً في وجه الظلم.
في بيروت، فتح خليل عينيه. كان المكتب يعج برائحة الحبر والورق، وكانت أصوات المدينة تمتزج بصوت البحر. أمسك بقلمه وكتب: "المخيم ليس مكانًا، بل جرحٌ يحمل اسمه كل فلسطيني. لكنه أيضًا شرارة، شرارةٌ تنتظر أن تتحول إلى نار." تذكر تلك الأيام، أيام المنفى، حين كان يجلس تحت ضوء المصباح، يكتب قصصًا عن أبطالٍ لا يعرفون اليأس. لكنه تذكر أيضًا الوجوه، وجوه الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، وجوه الرجال الذين كسرهم الانتظار. كان يعرف أن تلك الوجوه هي التي جعلته يكتب، هي التي جعلته يرفض أن يكون رجلًا في الشمس، عالقًا في خزان الصحراء.
في المخيم، كانت الحياة تمضي ببطءٍ مؤلم. كان الشتاء قاسيًا، يتسرب المطر إلى الخيام، يحول الأرض إلى وحل. كانت أمه تجمع الأطفال حولها، تحكي لهم عن عكا، عن البحر الذي كان يغني لهم. لكن خليل كان يرى في عينيها ألمًا لا يوصف، ألم امرأةٍ فقدت بيتها، لكنها ترفض أن تفقد أملها. في إحدى الليالي، جاء والده إلى الخيمة، يحمل خبرًا عن فرصة عملٍ في الكويت. كان صوته يحمل مزيجًا من الأمل والخجل، كأنه يعترف بهزيمة. قال: "سنذهب إلى هناك، لكننا سنعود. فلسطين تنتظرنا." لم يقل خليل شيئًا، لكنه شعر أن شيئًا في داخله يتشقق، كأن الأرض التي يحلم بها تبتعد أكثر.
رحلة الكويت كانت طويلة، مليئة بالغبار والخوف. كان خليل ينظر من نافذة الحافلة، يرى الأرض تمتد كصحراءٍ لا نهائية، وكان يتساءل: "هل هذه هي الحياة؟ أن نهرب من منفى إلى منفى؟" في تلك اللحظات، كان يتذكر كلمات أبو علي: "القلم هو سلاحك." كان يحمل في جيبه ورقةً صغيرة، يكتب عليها كلما توقفت الحافلة. كتب عن البحر، عن عكا، عن المخيم. كتب عن رجلٍ يرفض أن يكون لاجئًا، رجلٍ يحمل في قلبه نارًا لا تخمد. لم يكن يعرف أن تلك الكلمات ستكون بداية طريقه، طريقٌ سيأخذه من المخيم إلى بيروت، من المنفى إلى المقاومة.
في الكويت، وجد خليل عالمًا آخر. كانت المدينة غريبة، مليئة بالأضواء والناس الذين يتحدثون بلغةٍ مختلفة. لكنه وجد أيضًا ظلال المنفى، ظلال الغربة التي تتبعه كاللعنة. كان يعمل مع والده في مدرسة صغيرة، يعلّم الأطفال القراءة والكتابة، لكنه كان يشعر أن شيئًا ينقصه. كان يرى في عيون الأطفال أحلامًا تشبه أحلامه، لكنه كان يرى أيضًا خوفًا، خوفًا من أن تكون الحياة مجرد انتظارٍ لا نهائي. في إحدى الليالي، جلس تحت ضوء مصباحٍ خافت، وبدأ يكتب رواية. كانت عن رجالٍ يحاولون عبور الصحراء، لكنهم يموتون في خزانٍ حديدي، عالقين بين الحلم والواقع. كان يكتب وهو يشعر أن قلبه ينفطر، لكنه كان يعرف أن الكتابة هي الطريقة الوحيدة ليظل حيًا.
في بيروت، أغلق خليل الدفتر. كان البحر لا يزال يهمس، لكنه الآن يحمل صوتًا آخر، صوت المقاومة، صوت الرجال الذين يرفضون أن يكونوا أشباحًا في المخيم. نظر إلى يده، إلى الخاتم الذي ورثه عن والده، خاتمٌ محفور عليه اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على المخيم، على الجوع، على الكلمات التي كتبها تحت ضوء المصباح. أمسك القلم من جديد، وبدأ يكتب: "المنفى ليس نهاية، بل بداية. إنه الجرح الذي يعلمنا كيف نحمل النار." لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن الطريق إلى تلك النار سيكون طويلًا، وأن الظلم لن يتركه يعيش.
الفصل الثالث: الكويت: الخزان يضيق
في بيروت، عام 1972، كان خليل يجلس على كرسيه الخشبي في مكتبه المتواضع، ينظر إلى دفترٍ مفتوح أمامه، الحبر يتساقط من قلمه كدموعٍ لم تجد طريقها إلى العيون. كانت أصوات المدينة تخترق النافذة، صخب الباعة وضحكات الأطفال، لكن في داخله كان هناك صمتٌ يحمل أصداء الصحراء، أصداء الكويت، حيث قضى سنواتٍ طويلة، محاصرًا بين جدران خزانٍ لا مرئي، خزانٍ بنته الأموال والنفط والخيانة. أغمض عينيه، فعاد إليه الماضي كريحٍ جافة تحمل رائحة الغبار والنسيان. عاد إلى الكويت، إلى تلك المدينة التي بدت كواحةٍ من بعيد، لكنها من قريب كانت صحراءً تحرق الأحلام. كان في الثامنة عشرة حين وصل إليها، يحمل في قلبه ذكريات عكا وجرح المخيم، وفي يده ورقةً صغيرة كتب عليها قصةً عن رجالٍ يعبرون الحدود بحثًا عن حياة، لكنهم يموتون في خزانٍ حديدي، عالقين بين الحلم والواقع. لم يكن يعرف حينها أن تلك القصة، التي ستصبح لاحقًا "رجال في الشمس"، ستكون مرآةً لوعيه الطبقي، مرآةً تعكس حقيقةً مريرة: أن الفلسطيني، بمجرد أن يعبر الحدود إلى محميات الخليج، يصبح مجرد قاذورةٍ تُرمى على المزابل، لأن تلك المحميات ليست سوى امتدادٍ للكيان الصهيوني، تمول بقاءه بشراء الأسلحة المعطوبة، وتنفذ الأجندات الاستعمارية الأمريكية لإضعاف الأمة، وتحويل الإنسان إلى أداةٍ في خدمة الظلم.
الكويت، في منتصف الخمسينيات، كانت مدينةً غريبة. كانت الأضواء تتلألأ في شوارعها، والنفط يتدفق كدمٍ أسود يغذي جشع العالم. لكن بالنسبة لخليل، كانت مدينةً من التناقضات، حيث يعيش الأغنياء في قصورٍ من زجاج، بينما يتكدس اللاجئون في أحياءٍ فقيرة، يعملون كخدمٍ أو عمالٍ في ظل نظامٍ لا يراهم إلا أرقامًا. وصل خليل مع والده إلى هناك عام 1956، بعد رحلةٍ طويلة من المخيم. كان والده، محمود، قد وجد عملًا كعاملٍ في مدرسةٍ صغيرة، وكان خليل يساعده، يعلّم الأطفال القراءة والكتابة، لكنه كان يشعر أن شيئًا في داخله يموت. كان يرى في عيون الأطفال أحلامًا تشبه أحلامه، لكنه كان يرى أيضًا خوفًا، خوفًا من أن تكون الحياة مجرد انتظارٍ لا نهائي. في إحدى الليالي، جلس تحت ضوء مصباحٍ خافت، وبدأ يكتب. كانت كلماته تأتيه كأنها دمٌ يتساقط من جرحٍ قديم. كتب عن رجالٍ يعبرون الصحراء، يحملون أحلامهم في جيوبهم الممزقة، لكنهم يموتون في خزانٍ حديدي، لأن العالم لا يرى فيهم سوى قاذورات. كان يكتب وهو يشعر أن قلبه ينفطر، لكنه كان يعرف أن الكتابة هي الطريقة الوحيدة ليظل حيًا.
في الكويت، اكتشف خليل الوجه الحقيقي للمحميات. كانت هذه المدن، التي تُروّج كواحاتٍ للرفاهية، مجرد أدواتٍ في يد الإمبريالية الأمريكية. كان النفط يتدفق، لكنه لم يكن يغذي سوى المجمع العسكري الصناعي النازي الأمريكي، الذي يبيع الأسلحة المعطوبة لتمويل الكيان الصهيوني، لشن الحروب التي تُضعف الأنظمة الوطنية في المنطقة. كان خليل يرى ذلك في كل مكان: في العمال الفلسطينيين الذين يُعاملون كعبيد، في الأحياء الفقيرة التي تُخفيها الأضواء البراقة، في الصمت الذي يفرضه المال على الحقيقة. كان يسمع الحديث عن فلسطين في المجالس، لكنه كان يرى أيضًا كيف تتحول هذه المحميات إلى سجونٍ للوعي، حيث يُرمى الفلسطيني على المزابل، لأنه، بعبوره الحدود، يصبح جزءًا من لعبةٍ أكبر، لعبةٍ تجعل منه أداةً ضد شعبه، لا يختلف عن الصهاينة في خدمة الظلم.
في إحدى الليالي، جلس خليل في غرفته الصغيرة، ينظر إلى الورقة أمامه. كانت الكلمات تتدفق كسيلٍ جارف، لكنها كانت تحمل غضبًا عميقًا، غضبًا من العالم الذي يحول الإنسان إلى رقم، إلى قاذورة. كتب: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم يصرخوا؟" كانت هذه الكلمات صرخةً من قلبه، صرخةً ضد الصمت الذي فرضته الصحراء، ضد الخيانة التي تتخفى وراء النفط والمال. كان يعرف أن روايته، التي ستصبح لاحقًا "رجال في الشمس"، ليست مجرد قصةٍ عن فلسطينيين يموتون في الصحراء، بل هي مرآةٌ للعالم، مرآةٌ تعكس الظلم الطبقي الذي يحكم المحميات، الذي يجعل من الفلسطيني أداةً في يد الاستعمار، أداةً تُستخدم ضد أمته.
في الكويت، وجد خليل نفسه محاصرًا بجدرانٍ لا مرئية. كان يعمل كمدرس، لكنه كان يشعر أن كل كلمةٍ يعلّمها للأطفال هي كذبة، لأن العالم الذي يعيشون فيه لا يؤمن بالتعليم، بل بالمال والسلطة. كان يرى زملاءه الفلسطينيين يعملون في وظائفٍ هامشية، يُعاملون كأنهم أقل من البشر. في إحدى الأمسيات، التقى بأبي خالد، رجلٍ فلسطيني كان يعمل سائقًا لدى عائلةٍ غنية. كان أبو خالد يحكي عن أيامه في يافا، عن بيته الذي تركه خلفه، لكنه كان يحكي أيضًا عن الإذلال الذي يعيشه في الكويت. قال: "نحن هنا مجرد أرقام، يا خليل. يستخدموننا، ثم يرموننا." تلك الكلمات استقرت في قلب خليل كحجرٍ ثقيل، وأصبحت وقودًا لكتاباته.
في بيروت، فتح خليل عينيه. كان المكتب يعج برائحة الحبر والورق، وكانت أصوات المدينة تمتزج بصوت البحر. أمسك بقلمه وكتب: "الكويت لم تكن واحة، بل خزانٌ حديدي، يحبس الأحلام ويحول الإنسان إلى قاذورة. لكنني لن أكون قاذورة. سأكون صوتًا يدق جدران الخزان." تذكر تلك الأيام، أيام الصحراء، حين كان يكتب تحت ضوء المصباح، محاولًا أن يجد معنى في المنفى. لكنه تذكر أيضًا الوجوه، وجوه العمال الذين كانوا يحلمون بالعودة، وجوه الأطفال الذين كانوا يبحثون عن أملٍ في كتبه. كان يعرف أن تلك الوجوه هي التي جعلته يكتب، هي التي جعلته يرفض أن يكون جزءًا من لعبة الاستعمار.
في الكويت، بدأ خليل يرى العالم بعيونٍ مختلفة. كان يقرأ عن الثورات، عن الشعوب التي تقاوم الظلم، وكان يشعر أن فلسطين ليست قضيةً محلية، بل جزءٌ من صراعٍ عالمي، صراعٍ بين الإنسان والخزان، بين الحرية والاستعباد. كان يرى في المحميات وجه الاستعمار، وجه الكيان الصهيوني الذي يتغذى على النفط والخيانة. كان يرى كيف تُستخدم الأموال لشراء الأسلحة المعطوبة، لتمويل الحروب التي تُضعف الأنظمة الوطنية، لتحويل المنطقة إلى ساحةٍ للفتنة والتكفير. كان يكتب عن ذلك، لكنه كان يعرف أن كلماته خطرة، لأنها تكشف الحقيقة، تكشف أن المحميات ليست سوى أدواتٍ في يد الإمبريالية، أدواتٍ تحوّل الفلسطيني إلى عدوٍ لشعبه.
في إحدى الليالي، تلقى خليل رسالةً من صديقٍ في المخيم، يخبره عن اعتقال أبو خالد. كان قد تجرأ على الحديث عن فلسطين في مجلسٍ عام، فتم ترحيله إلى الحدود، إلى المزبلة التي تُرمى فيها أحلام الفلسطينيين. تلك الليلة، لم ينم خليل. جلس يكتب، يكتب عن رجلٍ يُرمى في الصحراء، لكنه يرفض أن يكون قاذورة. كتب: "نحن لسنا قاذورات، بل أرواحٌ تحمل نار الأرض. وإن رموننا على المزابل، فسنحمل النار إلى قلوبهم." كانت هذه الكلمات بداية وعيه الطبقي، وعيه بأن الظلم ليس مجرد احتلالٍ للأرض، بل احتلالٍ للروح، احتلالٍ يحوّل الإنسان إلى أداةٍ في يد الاستعمار.
في بيروت، أغلق خليل الدفتر. كان البحر لا يزال يهمس، لكنه الآن يحمل صوتًا آخر، صوت المقاومة، صوت الرجال الذين يرفضون أن يكونوا قاذورات. نظر إلى يده، إلى الخاتم الذي ورثه عن والده، خاتمٌ محفور عليه اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على الصحراء، على الخيانة، على الكلمات التي كتبها تحت ضوء المصباح. أمسك القلم من جديد، وبدأ يكتب: "الخزان لن يحبسني. سأكون صوتًا يخرج من الصحراء، صوتًا يحمل اسم فلسطين إلى العالم." لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن الطريق إلى ذلك الصوت سيكون طويلًا، وأن الظلم لن يتركه يعيش.
الفصل الرابع: بيروت: العودة إلى النبض
في مكتبه الضيق في بيروت، عام 1972، كان خليل يجلس على كرسيه المتواضع، يحدق في ورقةٍ بيضاء أمامه، كأنها مرآةٌ تعكس روحه. كانت أصوات المدينة تتسلل من النافذة، صخب الشوارع، صراخ الباعة، ونبض الحياة الذي لا يهدأ. لكن في داخله، كان هناك نبضٌ آخر، نبضٌ يحمل أصداء عكا، أصداء المخيم، أصداء الكويت، وأخيرًا، أصداء بيروت، المدينة التي احتضنته كأمٍ عادت إلى ابنها الضائع. أغمض عينيه، فعاد إليه الماضي كموجةٍ عاتية، عاد إلى عام 1963، حين عاد إلى بيروت، ليس كلاجئٍ يبحث عن مأوى، بل كمقاومٍ يحمل في قلبه نارًا لا تخمد. كان قد ترك الكويت خلفه، تلك الصحراء التي حاولت أن تحوله إلى قاذورة، إلى أداةٍ في يد المحميات الصهيو-أمريكية، تلك المحميات التي تكمل دور الكيان الصهيوني في نشر الظلم والفتنة. لكنه عاد إلى بيروت ليجد مكانه الطبيعي، ليصبح صوتًا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صوتًا يدق جدران خزان الظلم، صوتًا يرفض أن يكون شبحًا في صحراء المنفى.
بيروت، في الستينيات، كانت مدينةً تحمل وجهين. كانت مدينة الحياة، حيث تمتزج أصوات الأجراس بأناشيد المقاومة، وحيث تتدفق الشوارع بالأحلام والغضب. لكنها كانت أيضًا مدينة التناقضات، حيث يعيش الأغنياء في قصورٍ من زجاج، بينما تتكدس المخيمات باللاجئين، بالأمهات اللواتي يحملن مفاتيح بيوتهن القديمة، وبالرجال الذين يحلمون بالعودة. في تلك المدينة، وجد خليل نفسه. كان في السابعة والعشرين، يحمل في جيبه دفترًا صغيرًا وقلمًا، وفي قلبه غضبًا متراكمًا من سنوات المنفى. انضم إلى الجبهة الشعبية، ليس كمجرد عضو، بل كروحٍ تبحث عن معنى. كان يرى في المقاومة أكثر من مجرد سلاح، كان يراها كلمةً تكتب التاريخ، كقصةٍ تحكي عن شعبٍ يرفض أن يكون قاذورةً على مزابل الخليج.
في بيروت، التقى خليل بأم سعد، تلك المرأة التي كانت كأنها تجسيدٌ لفلسطين نفسها. كانت أم سعد امرأةً في الأربعين، ذات عينين تحملان حزن الأرض وصمود الجبال. كانت تعيش في مخيم الشاتيلا، في خيمةٍ متواضعة، لكنها كانت تحمل في قلبها نار المقاومة. كانت تحكي عن أبنائها الذين انضموا إلى الفدائيين، عن بيتها في يافا الذي تركته خلفها، وعن الأمل الذي يحفظها حية. كانت تقول: "الخيمة، يا خليل، ليست مجرد قماش. إنها إما قلبٌ ينبض بالمقاومة، أو قفصٌ يخدم المحميات." كانت كلماتها كالسكاكين، تقطع ستار الصمت الذي حاولت المحميات فرضه على الشعب الفلسطيني. كانت تعرف أن هناك خيامًا أخرى، خيامًا تبحث عن الخدمة في قصور الخليج، خيامًا تحولت إلى أدواتٍ في يد الإمبريالية الصهيو-أمريكية، خيامًا تخون الأرض لأجل حفنةٍ من المال. لكن خيمتها، خيمة أم سعد، كانت مختلفة. كانت قلعةً صغيرة، مليئة بأحلام المقاومة، بصور الشهداء، وبمفاتيح البيوت التي تنتظر العودة.
كانت أم سعد تذكّر خليل بأمه، فاطمة، التي كانت تحمل نفس الإيمان، نفس النار. في إحدى الأمسيات، زار خليل خيمتها في الشاتيلا. كانت تجلس على الأرض، تحيطها صور أبنائها، وكانت تحكي عن يافا، عن البحر الذي كان يغني لها، عن الزيتون الذي كانت تجمعه مع والدها. لكنها توقفت فجأة، ونظرت إلى خليل بعينين تلمعان كالنجوم، وقالت: "اكتب عنا، يا خليل. اكتب عن الخيام التي تنبض بالحياة، لا عن تلك التي تبيع نفسها للخليج. اكتب عن فلسطين، لأن كلماتك هي سلاحنا." تلك الكلمات استقرت في قلب خليل كبذرةٍ تنتظر أن تنمو. كان يعرف أن كتاباته ليست مجرد قصص، بل هي صرخةٌ ضد الخيانة، ضد المحميات التي تكمل دور الكيان الصهيوني، التي تحول الفلسطيني إلى أداةٍ في يد الاستعمار الغربي.
في بيروت، بدأ خليل يكتب بجنون. كانت كلماته تتدفق كسيلٍ جارف، تحمل غضب المنفى، ألم المخيم، وصمود أم سعد. كتب عن رجالٍ يرفضون أن يكونوا قاذورات، عن نساءٍ يحملن مفاتيح بيوتهن كأنها قلوبٌ تنبض، عن شعبٍ يقاوم لأنه يؤمن أن الأرض لا تموت. كانت رواياته، مثل "عائد إلى حيفا"، مرايا تعكس الحقيقة: أن فلسطين ليست مجرد أرض، بل هوية، وأن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل إيمان. كان يكتب وهو يعرف أن كلماته خطرة، لأنها تكشف الحقيقة، تكشف أن المحميات الصهيو-أمريكية ليست سوى أدواتٍ في يد الإمبريالية، أدواتٍ تحوّل الخيام إلى قفصٍ يخدم الكيان، بدل أن تكون قلعةً للمقاومة.
في الجبهة الشعبية، وجد خليل مكانه. كان يجلس في الاجتماعات، يستمع إلى قادة المقاومة وهم يتحدثون عن الثورة، عن الأمل، عن العودة. لكنه كان يرى أيضًا التحديات، الصعوبات، الخيانات التي تتسلل كالسم. كان يعرف أن هناك من يحاولون إسكات صوت المقاومة، من يحاولون تحويل الخيام إلى أدواتٍ في يد المحميات. في إحدى الليالي، التقى بأبو محمد، رجلٍ عجوز كان يقاتل في ثورة 1936. كان أبو محمد يحكي عن أيام المقاومة الأولى، عن الرجال الذين سقطوا دفاعًا عن الأرض. لكنه حذّر خليل: "احذر، يا ولدي. الخيانة تأتي من الداخل، من الخيام التي تبيع نفسها للخليج. اكتب عنها، لكن احذر أن تصبح ضحيتها." تلك الكلمات أيقظت في خليل خوفًا قديمًا، خوفًا من أن يصبح صوته صرخةً في الفراغ، لكنه رفض أن يستسلم.
في بيروت، كانت الحياة مزيجًا من الأمل والألم. كان خليل يتجول في شوارع المدينة، يرى الشباب يحملون السلاح، والأمهات يحملن صور الشهداء، والأطفال يلعبون في الأزقة، يحلمون بالعودة. كان يرى أم سعد في كل مكان، في كل امرأةٍ تحمل مفتاح بيتها، في كل خيمةٍ تنبض بالمقاومة. لكنه كان يرى أيضًا الخيام الأخرى، تلك التي تبحث عن الخدمة في قصور الخليج، تلك التي تحولت إلى أدواتٍ في يد الإمبريالية. كان يعرف أن الصراع ليس فقط ضد الكيان الصهيوني، بل ضد أولئك الذين يمولون بقاءه، الذين يشترون الأسلحة المعطوبة لتمويل الحروب، الذين يحولون الفلسطيني إلى قاذورةٍ على مزابل الخليج. كتب عن ذلك، لكنه كان يعرف أن كلماته ستجعل منه هدفًا، لأن الحقيقة دائمًا خطيرة.
في إحدى الأمسيات، زار خليل مخيم الشاتيلا مرةً أخرى. كانت أم سعد تجلس أمام خيمتها، تحيطها مجموعة من الأطفال. كانت تحكي لهم عن فلسطين، عن البحر، عن الزيتون. لكنها توقفت حين رأت خليل، وابتسمت ابتسامةً تحمل الحزن والأمل. قالت: "كتبت عنا، أليس كذلك؟" أومأ برأسه، لكنه شعر بثقلٍ في قلبه. كان يعرف أن كتاباته ليست كافية، أن الخيام التي تخدم المحميات لا تزال موجودة، أن الخيانة لا تزال تتسلل كالسم. لكنه تذكر كلماتها: "الخيمة إما قلبٌ ينبض بالمقاومة، أو قفصٌ يخدم الظلم." قرر حينها أن يكتب أكثر، أن يجعل صوته سلاحًا، سلاحًا يدق جدران الخزان، سلاحًا يحمل اسم فلسطين إلى العالم.
في بيروت، أغلق خليل الدفتر. كان البحر لا يزال يهمس، لكنه الآن يحمل صوت أم سعد، صوت الخيام التي تنبض بالمقاومة. نظر إلى يده، إلى الخاتم الذي ورثه عن والده، خاتمٌ محفور عليه اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على المخيم، على الكويت، على بيروت. أمسك القلم من جديد، وبدأ يكتب: "الخيمة ليست مجرد قماش. إنها إما قلبٌ ينبض بالحياة، أو قفصٌ يخدم الظلم. وأنا، خليل، سأكتب عن القلوب، لأنها هي التي ستحرر فلسطين." لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن الطريق إلى تلك الحرية سيكون طويلًا، وأن الظلم لن يتركه يعيش.
الفصل الخامس: القلم كسلاح
في بيروت، عام 1972، كان خليل يجلس في مكتبه الضيق، النور الخافت لمصباح المكتب ينعكس على صفحاتٍ مبعثرة، كأنها أشلاء حياةٍ مزقتها الرياح. كانت المدينة خارج النافذة تمور بالحياة، أصوات الشوارع تمتزج بأناشيد المقاومة، لكن في قلبه كان هناك صراعٌ صامت، صراعٌ بين القلم الذي يحمله كسلاح وبين الخوف الذي يتسلل إليه كظلٍ بارد. كان يعرف أن كلماته، تلك الكلمات التي كتبها عن عكا، عن المخيم، عن الكويت، وعن بيروت، قد أصبحت نارًا تحرق ستار الصمت، نارًا تهدد الكيان الصهيوني وأذنابه في المحميات الصهيو-أمريكية. أغمض عينيه، فعاد إليه الماضي كسكينٍ يقطع الروح، عاد إلى أواخر الستينيات، إلى تلك السنوات التي كانت ذروة نشاطه الروائي والسياسي، حين أصبح صوتًا يهز الضمير العالمي، حين أصبح القلم سيفًا يقاوم الظلم، وحين أصبح هدفًا لأعداء الحقيقة. كانت كلماته تحمل اسم فلسطين إلى العالم، لكنها كانت أيضًا تجلب إليه التهديدات، الرسائل المجهولة، والشعور بأن الموت يتربص به في كل زاوية.
في تلك السنوات، من 1969 إلى 1972، كانت بيروت قلب المقاومة النابض. كانت المدينة تعج بالشباب الذين يحملون السلاح، بالأمهات اللواتي يودعن أبناءهن إلى الجبهة، وبالأطفال الذين يرسمون أحلامهم على جدران المخيمات. كان خليل، الآن في منتصف الثلاثينيات، قد أصبح رمزًا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم يكن مجرد عضو في المكتب السياسي، بل كان صوتًا يحمل القضية إلى ما هو أبعد من الحدود، إلى العالم الذي بدأ يستمع. كانت رواياته، مثل "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا"، مرايا تعكس ألم الشعب الفلسطيني، لكنها كانت أيضًا سيوفًا تقطع أكاذيب الإمبريالية. كان يكتب عن الخيام التي تنبض بالمقاومة، عن أم سعد وأمثالها، عن الرجال الذين يرفضون أن يكونوا قاذوراتٍ على مزابل الخليج. لكنه كان يكتب أيضًا عن الخيانة، عن تلك الخيام التي تبيع نفسها للمحميات، التي تحولت إلى أدواتٍ في يد الكيان الصهيوني، تمول بقاءه بشراء الأسلحة المعطوبة، وتنفذ أجندات الاستعمار الأمريكي لنشر الفتنة ونهب ثروات المنطقة.
كانت كتابات خليل خطرة، لأنها لم تكن مجرد قصص. كانت صرخةً ضد الظلم الطبقي، ضد النظام الذي يحول الإنسان إلى أداة، ضد المحميات التي تتاجر بالأحلام الفلسطينية. كان يعرف أن كلماته تصل إلى أعدائه، إلى أولئك الذين يرون في وعيه الاجتماعي تهديدًا لمصالحهم. في إحدى الليالي، وصلته رسالةٌ مجهولة، مكتوبة بخطٍ يرتجف: "توقف عن الكتابة، أو ستدفع الثمن." لم يكن الخوف غريبًا عليه، فقد عاشه في عكا حين رأى الجنود البريطانيين، وفي المخيم حين كان ينتظر رغيف الخبز، وفي الكويت حين رأى الفلسطينيين يُرمون على المزابل. لكنه رفض أن يستسلم. جلس تحت ضوء المصباح، وكتب: "الخوف هو الخزان الحقيقي. لكن الكلمات هي التي تدق جدرانه." كانت كلماته تحمل نارًا، نارًا لا تحرق الورق، بل تحرق الظلم.
في بيروت، كان خليل يعيش حياةً مزدوجة. كان الكاتب الذي يجلس في مكتبه، يصوغ رواياتٍ تهز الضمير العالمي، وكان المقاوم الذي يشارك في اجتماعات الجبهة، يخطط للعمليات، ويحلم بالعودة. كان يرى في كل زاويةٍ من المدينة وجه فلسطين: في مخيمات الشاتيلا وبرج البراجنة، حيث كانت أم سعد وأمثالها يحملن مفاتيح بيوتهن كأنها قلوبٌ تنبض؛ في الشوارع التي كانت تعج بالشباب الذين يحملون السلاح، وفي الأزقة حيث كان الأطفال يرسمون أحلامهم بالعودة. لكنه كان يرى أيضًا الخطر، الخطر الذي يتسلل كالسم، من الخيام التي تبيع نفسها للمحميات، من الجواسيس الذين يتخفون وراء وجوهٍ فلسطينية، من الأصوات التي تحاول إسكات المقاومة. كان يعرف أن الكيان الصهيوني ليس العدو الوحيد، بل هناك أعداء داخليون، أولئك الذين يمولون الكيان بشراء الأسلحة المعطوبة، الذين يحولون الخيام إلى قفصٍ يخدم الإمبريالية.
في إحدى الأمسيات، زار خليل مخيم الشاتيلا. كانت أم سعد تجلس أمام خيمتها، تحيطها مجموعة من الأطفال. كانت تحكي لهم عن يافا، عن البحر، عن الزيتون. لكن عينيها كانتا تحملان حزنًا جديدًا، حزن امرأةٍ فقدت ابنها في عمليةٍ فدائية. اقترب خليل منها، وجلس بجانبها على الأرض. قالت له: "ابني مات، يا خليل، لكنه لم يمت عبثًا. اكتب عنه، اكتب عن الشهداء، لأن كلماتك هي التي ستحفظهم أحياء." تلك الكلمات أيقظت فيه شعورًا بالمسؤولية، شعورًا بأن قلمه ليس ملكه، بل ملك الشعب. عاد إلى مكتبه تلك الليلة، وبدأ يكتب روايةً جديدة، روايةً عن طفلٍ يولد في المخيم، يحلم بالعودة، ويموت شهيدًا. كان يكتب وهو يشعر أن كلماته هي دمٌ يتدفق من قلبه، دمٌ يحمل اسم فلسطين.
لكن مع كل كلمةٍ كتبها، كان الخطر يقترب. كانت التهديدات تتزايد، الرسائل المجهولة، الأصوات في الهاتف التي تقول: "توقف، أو ستنتهي." كان يعرف أن الموساد يراقبه، أن المحميات الصهيو-أمريكية ترى فيه تهديدًا، لأن كلماته تكشف الحقيقة: أن الفلسطيني ليس قاذورة، بل روحٌ تقاوم، وأن المحميات ليست سوى أدواتٍ في يد الإمبريالية. في إحدى الليالي، تلقى رسالةً من صديقٍ في الجبهة، يحذره من أن هناك من يخطط لاغتياله. لم يكن الخوف غريبًا عليه، لكنه كان يعرف أن الخوف هو الخزان الحقيقي، وأن الكلمات هي التي تدق جدرانه. جلس تحت ضوء المصباح، وكتب: "إن متّ، فلن تموت كلماتي. ستبقى صرخةً في وجه الظلم، صوتًا يحمل اسم فلسطين إلى العالم."
في بيروت، كان خليل يعيش كل يومٍ كأنه الأخير. كان يرى الموت في كل زاوية، لكنه كان يرى أيضًا الحياة: في عيون أم سعد، في أحلام الأطفال، في صمود المقاومة. كان يكتب وهو يعرف أن كلماته ستجعل منه هدفًا، لأنها تكشف الحقيقة، تكشف أن الظلم ليس قدرًا، بل نظامًا يمكن مقاومته. كان يكتب عن الخيام التي تنبض بالمقاومة، عن الرجال والنساء الذين يرفضون أن يكونوا أدواتٍ في يد المحميات. لكنه كان يعرف أيضًا أن هناك خيامًا أخرى، خيامًا تبيع نفسها للخليج، خيامًا تحولت إلى قفصٍ يخدم الكيان الصهيوني. كان يكتب عن ذلك، لأن الحقيقة هي سلاحه الوحيد.
في إحدى الليالي، زار خليل مقهىً صغيرًا في بيروت. كان يجلس مع مجموعة من الشباب، يتحدثون عن المقاومة، عن الأمل، عن العودة. لكنه لاحظ رجلًا في الزاوية، يراقبه بعينين باردتين. كان يعرف أن تلك العيون ليست غريبة، كانت عيون الموساد، عيون المحميات، عيون أولئك الذين يرون في كلماته تهديدًا. لكنه لم يتوقف. عاد إلى مكتبه، وكتب: "القلم هو سلاحي، وإن قتلوني، فسيبقى صوتي يدق جدران الخزان." كان يعرف أن الموت قريب، لكنه كان يعرف أيضًا أن الحياة هي المقاومة، وأن الكلمات هي التي ستحفظ فلسطين حية.
في بيروت، أغلق خليل الدفتر. كان البحر لا يزال يهمس، لكنه الآن يحمل صوت الشهداء، صوت أم سعد، صوت الخيام التي تنبض بالمقاومة. نظر إلى يده، إلى الخاتم الذي ورثه عن والده، خاتمٌ محفور عليه اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على عكا، على المخيم، على الكويت، على بيروت. أمسك القلم من جديد، وبدأ يكتب: "القلم هو سلاحي، وإن تحولت إلى غبار، فستبقى كلماتي نارًا تحرق الظلم." لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن الطريق إلى تلك النار سيكون قصيرًا، وأن الظلم لن يتركه يعيش.
[ملاحظة: هذا مقطع افتتاحي من الفصل الخامس، يمتد لحوالي 900 كلمة. للوصول إلى 30 صفحة (حوالي 9000 كلمة)، يمكن استكمال الفصل بتفاصيل إضافية عن نشاط خليل الروائي والسياسي، تفاعلاته مع المقاومة، صراعاته الداخلية مع الخوف، والتهديدات المتزايدة من الموساد والمحميات. إذا كنت تريد الاستمرار، سأكمل الكتابة مباشرة!]
الفصل السادس: الاغتيال: الغبار والخاتم
في بيروت، صباح يوم 8 يوليو 1972، كان الهواء مشبعًا برطوبة الصيف، كأن المدينة تحتضن سرًا لا تريد البوح به. وقف خليل أمام مرآة صغيرة في شقته المتواضعة، ينظر إلى وجهه الذي حفرت عليه سنوات المنفى والمقاومة خطوطًا عميقة. كان الخاتم الفضي، المحفور عليه اسم عكا، يلمع على إصبعه كأنه عينٌ تراقب، شاهدٌ صامت على رحلته من شوارع عكا الضيقة إلى خيام المخيم، من صحراء الكويت إلى قلب بيروت النابض. كان يعرف أن هذا اليوم يحمل شيئًا مختلفًا، كأن البحر الذي يسمعه من بعيد يهمس بلغةٍ غامضة، لغةٍ تحمل تحذيرًا لا يفهمه. أمسك قلمه، ذلك القلم الذي كان سيفه، وكتب على ورقةٍ صغيرة: "إن تحولت إلى غبار، فستبقى كلماتي نارًا." لم يكن يعرف أن تلك الكلمات ستكون وصيته، أن الخاتم سيكون الدليل الوحيد على من كان، وأن هذا اليوم سينتهي بانفجارٍ يحول جسده إلى ذراتٍ تختلط بريح بيروت، تاركًا وراءه صوتًا يتردد في أرجاء العالم.
عاد إلى ذاكرته، كموجةٍ عاتية تجرف الروح إلى الوراء. عاد إلى الأيام الأخيرة، إلى التهديدات التي كانت تتكاثر كالظلال في زوايا بيروت. كانت الرسائل المجهولة تصله بانتظام، مكتوبة بخطٍ مضطرب: "توقف عن الكتابة، أو ستنتهي." كان يعرف أن عيون الموساد تتبعه، في المقاهي، في شوارع الحمرا، في مكتب الجبهة الشعبية حيث كان يجلس مع رفاقه، يخططون للمقاومة، يحلمون بالعودة. لكنه كان يعرف أيضًا أن الخطر لا يأتي من الكيان الصهيوني وحده. كانت هناك أيادٍ أخرى، أيادٍ تمتد من المحميات الصهيو-أمريكية، تلك المحميات التي تمول بقاء الكيان بشراء الأسلحة المعطوبة، تنفذ أجندات الإمبريالية لنشر الفتنة ونهب ثروات المنطقة. كانت كلماته، تلك الكلمات التي صيغت في روايات مثل "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا"، نارًا تحرق ستار الصمت، سلاحًا يهدد نظام الظلم الذي يحول الفلسطيني إلى قاذورة، يحول الخيام إلى قفصٍ يخدم الاستعمار. كان وعيه الطبقي، الذي تجلى في كتاباته، يفضح الحقيقة: أن الظلم ليس قدرًا، بل نظامًا يمكن مقاومته، وأن المحميات ليست سوى أدواتٍ في يد الإمبريالية الأمريكية، تمول الكيان ليستمر في حروبه ضد الأنظمة الوطنية، ليستمر في نشر الظلمات عبر خرافات الأديان وفتن التكفير.
في الأيام التي سبقت ذلك الصباح، كان خليل يعيش في ظل الموت. كان يرى الموساد في كل زاوية، في عيون الغرباء الذين يراقبونه في المقاهي، في الأصوات التي تتردد في الهاتف، تهمس بتحذيراتٍ باردة. لكنه كان يرى أيضًا الخيانة الداخلية، تلك الأيادي التي تتخفى وراء وجوهٍ فلسطينية، تلك الخيام التي باعت نفسها للمحميات، تحولت إلى أدواتٍ في يد الاستعمار. كان يعرف أن اغتياله لن يكون عملًا صهيونيًا فقط، بل مؤامرةً مشتركة، تجمع بين الموساد وجهات استخباراتية ملكية عربية، تلك الجهات التي ترى في كلماته تهديدًا لمصالحها، في وعيه الطبقي خطرًا يهز أسس نظامها. كان يتذكر لقاءه الأخير مع أم سعد في مخيم الشاتيلا، حين قالت له: "اكتب، يا خليل، لأن كلماتك هي نارنا." كانت عيناها تلمعان بالأمل، لكنها كانت تحمل أيضًا حزنًا عميقًا، كأنها تعرف أن الطريق إلى الحرية مفروشٌ بالدم. تذكر كيف جلس بجانبها، يستمع إلى قصصها عن يافا، عن ابنها الشهيد، عن الخيام التي تنبض بالمقاومة. لكنه تذكر أيضًا كلماتها عن الخيام الأخرى، تلك التي تبيع نفسها للخليج، التي تحولت إلى قفصٍ يخدم الكيان. كانت كلماتها سكينًا في قلبه، لأنها ذكّرته أن العدو ليس خارجيًا فقط، بل يتخفى أحيانًا في وجوهٍ مألوفة.
في تلك الأيام، كان خليل يكتب بجنون، كأنه يسابق الموت. كان يجلس في مكتبه الصغير، تحت ضوء المصباح الخافت، يكتب روايةً جديدة، روايةً عن طفلٍ يولد في المخيم، يحلم بالعودة، ويموت شهيدًا. كانت كلماته دمًا يتدفق من قلبه، تحمل غضب المنفى، ألم المخيم، وصمود بيروت. كان يكتب وهو يعرف أن كل كلمةٍ تجعله هدفًا، أن الموساد يراقب، أن المحميات ترسل جواسيسها، أن الخيانة تتسلل كالسم. في إحدى الليالي، تلقى مكالمةً من صديقٍ في الجبهة، يحذره: "احذر، يا خليل. هناك من يخطط لقتلك." لم يكن الخوف غريبًا عليه، فقد عاشه في عكا حين رأى الجنود البريطانيين، في المخيم حين كان ينتظر رغيف الخبز، في الكويت حين رأى الفلسطينيين يُرمون على المزابل. لكنه رفض أن يستسلم. كتب في تلك الليلة: "الخوف هو الخزان الحقيقي. لكن الكلمات هي التي تدق جدرانه."
في صباح ذلك اليوم، خرج خليل من شقته. كانت بيروت تستيقظ ببطء، الشوارع تملؤها أصوات الباعة وضحكات الأطفال. لكنه شعر بشيءٍ غريب، كأن الهواء يحمل تحذيرًا، كأن البحر يهمس بلغةٍ لا يفهمها. تذكر عكا، البحر الذي كان يغني له في طفولته، تذكر المخيم حيث كتب أول قصةٍ على ورقةٍ ممزقة، تذكر الكويت حيث اكتشف الظلم الطبقي، وتذكر بيروت حيث أصبح صوتًا للقضية. نظر إلى الخاتم على إصبعه، وشعر أن عكا لا تزال حية فيه، أن فلسطين لا تزال تنبض في قلبه. اقترب من سيارته، سيارةٍ قديمة كانت تحمل آثار سنوات المنفى. لم ينتبه إلى الظل الذي تحرك خلفه، إلى العيون التي راقبته من بعيد. أدار المفتاح، وفي تلك اللحظة، انفجر العالم.
كان الانفجار كالصاعقة، يمزق الهواء، يحول السيارة إلى كتلةٍ من النار والحديد. تحول جسد خليل إلى غبار، إلى ذراتٍ تختلط بريح بيروت، تاركًا وراءه الخاتم الفضي، ذلك الخاتم المحفور عليه اسم عكا. كان الخاتم الدليل الوحيد على من كان، دليلًا على أن خليل لم يكن مجرد رجل، بل كان صوتًا، نارًا، مقاومة. في تلك اللحظة، كان كأن العالم توقف. لم يعد هناك صوت، لا بحر، لا شوارع، لا أناشيد المقاومة. لكن في تلك اللحظة، شعر خليل، في ومضةٍ أخيرة من الوعي، أن كلماته لم تمت. كان يعرف أن رواياته ستبقى، أن صوته سيستمر في دق جدران الخزان، أن الخاتم سيحكي قصته.
بعد الانفجار، امتلأت بيروت بالصمت. تجمع الناس حول الأنقاض، الأمهات يبكين، الشباب يرفعون قبضاتهم غضبًا. وجدوه هناك، أو بالأحرى، وجدوا ما تبقى منه: الخاتم، ذلك الخاتم الفضي الذي كان يحمل اسم عكا. كان الخاتم شاهدًا على كل شيء، على عكا، على المخيم، على الكويت، على بيروت. انتشر خبر اغتياله كالنار في الهشيم، ومع الخبر، انتشرت رواياته، كلماته، صوته. كان العدو يظن أن الموت سيُسكته، لكنه لم يعرف أن الكلمات لا تموت، أن النار التي أشعلها خليل ستستمر في الحرق.
في الأيام التي تلت الاغتيال، بدأت الحقيقة تتكشف. كان الانفجار عملًا مدبرًا، نفذه الموساد بدعمٍ من جهات استخباراتية ملكية عربية، تلك الجهات التي رأت في خليل تهديدًا لمصالحها. كانت كلماته، التي فضحت دور المحميات في تمويل الكيان، في نشر الفتنة، في تحويل الفلسطيني إلى أداةٍ ضد شعبه، نارًا لا يمكن تحملها. كان وعيه الطبقي، الذي تجلى في رواياته، يهدد نظام الظلم، يهدد الأجندات الصهيو-أمريكية التي تعتمد على المحميات لنهب ثروات المنطقة. كان اغتياله رسالةً إلى كل من يجرؤ على الكتابة، على المقاومة، على فضح الحقيقة. لكن تلك الرسالة فشلت. ففي مخيمات الشاتيلا وبرج البراجنة، كانت أم سعد وأمثالها يحملن كتبه، يقرأن كلماته للأطفال، يحكين عن الرجل الذي رفض أن يكون قاذورة، عن الكاتب الذي جعل من قلمه سلاحًا.
في تلك الأيام، كانت بيروت مدينة الحزن والغضب. كان الشباب يتجمعون في الشوارع، يرددون أناشيد المقاومة، يحملون صور خليل، يتعهدون بمواصلة دربه. كانت أم سعد تجلس في خيمتها، تحيطها صور الشهداء، وتقول: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية." كانت تعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيحكي قصته، سيحكي عن رجلٍ حمل اسم فلسطين إلى العالم. كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى أبعد من بيروت، إلى الجامعات في كولومبيا وغيرها، حيث سيحمل الطلاب كتبه، يقرأون عن الخيام التي تنبض بالمقاومة، عن الشعب الذي يرفض أن يكون قاذورة.
في تلك اللحظات، كان البحر يهمس. لم يكن يحكي عن الموت، بل عن الحياة. كان يحكي عن خليل، عن الرجل الذي رفض أن يكون شبحًا في المنفى، عن الكاتب الذي جعل من قلمه سلاحًا، عن المقاوم الذي حمل اسم فلسطين إلى العالم. كان البحر يعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيبقى شاهدًا، سيبقى يحكي قصة خليل، قصة شعبٍ يرفض أن يموت. وفي تلك اللحظة، كان العالم يستمع، ليس إلى صوت الانفجار، بل إلى صوت الكلمات، الكلمات التي تدق جدران الخزان، الكلمات التي ستظل حية، تحمل اسم فلسطين إلى الأبد.
الفصل السابع: الإرث: الضوء في الظلمات
في نيويورك، ربيع عام 2025، كان الطالب يوسف يجلس في مكتبة جامعة كولومبيا، يحيط به ضجيجٌ خافت من الهمسات وصفحات الكتب التي تُقلب. أمامه، على طاولةٍ خشبية، كان كتابٌ قديم، غلافه ممزق، لكنه يحمل اسمًا يتردد كالصدى: "رجال في الشمس". كان يوسف، ابن مهاجرين فلسطينيين، يقرأ كلمات خليل، أو بالأحرى غسان كنفاني، الرجل الذي تحول إلى غبار في صباح يوليو 1972، لكن كلماته ظلت نارًا تحرق الظلمات. كانت عينا يوسف تتحركان بلهفةٍ عبر السطور، كأنه يبحث عن شيءٍ فقده، عن أرضٍ لم يرها إلا في قصص أمه، عن عكا التي كان اسمها محفورًا على خاتم خليل. أغمض عينيه، فعاد إليه الماضي، ليس ماضيه هو، بل ماضي خليل، ماضي فلسطين، كأن الكلمات التي كتبها ذلك الرجل قبل عقودٍ كانت جسرًا يعبر الزمن، يربط بين بيروت الممزقة بالحروب ومكتبة كولومبيا الهادئة. كان يوسف يشعر أن خليل لم يمت، أن صوته لا يزال يدق جدران الخزان، أن كلماته لا تزال تحمل اسم فلسطين إلى العالم.
عاد إلى ذاكرته، كما لو أن الكتاب نفسه يحمل أرواحًا تتكلم. عاد إلى صباح ذلك اليوم المشؤوم في بيروت، يوم 8 يوليو 1972، حين انفجر العالم بانفجار سيارة خليل. لم يكن يوسف قد وُلد بعد، لكنه كان يعرف القصة، كما يعرفها كل فلسطيني. كان الانفجار كالصاعقة، يمزق الهواء، يحول خليل إلى غبار، لكن الخاتم الفضي، المحفور عليه اسم عكا، ظل شاهدًا، دليلًا على أن خليل لم يكن مجرد رجل، بل كان صوتًا، نارًا، مقاومة. كان اغتياله عملًا مدبرًا، نفذه الموساد بدعمٍ من جهات استخباراتية ملكية عربية، تلك الجهات التي رأت في وعيه الطبقي تهديدًا لمصالحها، في كلماته نارًا تفضح دور المحميات الصهيو-أمريكية في تمويل الكيان الصهيوني، في نشر الفتنة، في تحويل الفلسطيني إلى قاذورةٍ على مزابل الخليج. لكن اغتياله لم يُسكت صوته. على العكس، كان كالشرارة التي أشعلت حريقًا، حريقًا انتشر من بيروت إلى العالم، من مخيمات الشاتيلا وبرج البراجنة إلى مكتبات الجامعات في أمريكا وأوروبا.
في الأيام التي تلت الاغتيال، كانت بيروت مدينة الحزن والغضب. كانت الأمهات يبكين في المخيمات، يحملن صور خليل، يتذكرن كلماته عن الخيام التي تنبض بالمقاومة. كانت أم سعد تجلس في خيمتها، تحيطها صور الشهداء، وتقول للأطفال: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية." كانت تحكي عن الرجل الذي رفض أن يكون قاذورة، عن الكاتب الذي جعل من قلمه سلاحًا، عن المقاوم الذي حمل اسم فلسطين إلى العالم. كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى أجيالٍ لم ترَ خليل، لكنها ستحمل صوته، صوت فلسطين. كانت تعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيحكي قصته، سيحكي عن شعبٍ يرفض أن يموت. كانت أم سعد تجلس كل ليلة، تحكي للأطفال عن عكا، عن المخيم، عن الكويت، عن بيروت، لكنها كانت تحكي أيضًا عن خليل، عن الرجل الذي كتب عنهم، عن الرجل الذي جعل من كلماته نارًا تحرق الظلم.
في تلك الأيام، انتشرت كتب خليل كالنار في الهشيم. كانت رواياته تُقرأ في المخيمات، في الجامعات، في المقاهي. كانت كلماته تحمل صوت فلسطين، صوت الخيام التي تنبض بالمقاومة، صوت أم سعد وأمثالها. لكنها كانت تحمل أيضًا صوت الغضب، غضبًا ضد المحميات الصهيو-أمريكية، تلك المحميات التي تمول الكيان بشراء الأسلحة المعطوبة، التي تنفذ أجندات الإمبريالية لنشر الفتنة ونهب ثروات المنطقة. كانت كلماته تفضح الحقيقة: أن الظلم ليس قدرًا، بل نظامًا يمكن مقاومته، وأن الفلسطيني ليس قاذورة، بل روحٌ تقاوم. كانت رواياته، مثل "رجال في الشمس"، مرايا تعكس الظلم الطبقي، مرايا تكشف كيف تحول المحميات الفلسطيني إلى أداةٍ ضد شعبه، كيف تجعل منه شبحًا في خزان الصحراء. كانت كلماته تصل إلى قلوب الشباب، إلى الذين يتجمعون في شوارع بيروت، يرفعون صوره، يرددون أناشيد المقاومة، يتعهدون بمواصلة دربه.
في السنوات التي تلت اغتياله، أصبح خليل رمزًا، ليس فقط في فلسطين، بل في العالم. كانت كتبه تُقرأ في كل مكان، من مخيمات لبنان إلى شوارع القاهرة، من مقاهي باريس إلى مكتبات لندن. كان الشباب يحملون كتبه، يتجمعون في حلقات النقاش، يتحدثون عن الرجال الذين ماتوا في الخزان، عن الأطفال الذين حلموا بالعودة. كانت كلماته تصل إلى قلوب الطلاب في الجامعات الأمريكية، حيث كانوا يتظاهرون ضد الظلم، يرفعون لافتاتٍ تحمل اسم فلسطين. في كولومبيا، كان يوسف واحدًا منهم. كان قد وجد كتاب "رجال في الشمس" في مكتبةٍ قديمة، وبدأ يقرأ، كأنه يكتشف جزءًا من نفسه. كانت كلمات خليل تحمل صوت عكا، صوت المخيم، صوت الكويت، صوت بيروت، لكنها كانت تحمل أيضًا صوت العالم، صوت الشعوب التي تقاوم الظلم الطبقي، التي ترفض أن تكون قاذورة.
كان يوسف يجلس في المكتبة، يقرأ، وكل كلمةٍ كانت كالسكين في قلبه. كان يتذكر قصص أمه عن المخيم، عن البيت الذي تركوه في حيفا، عن المفتاح الذي لا تزال تحمله. كان يشعر أن خليل يكتب عنه، عن أمه، عن شعبه. في إحدى الأمسيات، انضم إلى مجموعة من الطلاب في مظاهرةٍ ضد الظلم، يحملون لافتاتٍ تحمل اسم فلسطين، يرددون كلمات خليل: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟" كان يوسف يشعر أن خليل معهم، أن صوته يتردد في الشوارع، أن الخاتم الفضي لا يزال يحكي قصته. كان يعرف أن الظلم لن يستمر، لأن هناك أصواتًا مثل صوت خليل، أصواتًا تدق جدران الخزان، أصواتًا تحمل اسم فلسطين إلى العالم.
في تلك السنوات، كانت فلسطين لا تزال تنزف. كانت الحروب تتوالى، والكيان الصهيوني يواصل عدوانه، مدعومًا بالمحميات التي تبيع النفط لتمول الأسلحة المعطوبة، التي تنفذ أجندات الإمبريالية لإضعاف الأنظمة الوطنية. لكن كلمات خليل كانت تحمل أملًا، أملًا بأن المقاومة لن تموت، بأن الخيام التي تنبض بالحياة ستظل واقفة. كانت أم سعد، التي أصبحت رمزًا في المخيمات، تحكي للأطفال عن خليل، عن الرجل الذي كتب عنهم، عن الرجل الذي جعل من قلمه سلاحًا. كانت تقول: "اقرأوا كتبه، يا أبنائي. إنها ليست مجرد قصص، بل هي نارٌ تحرق الظلم." كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى أجيالٍ جديدة، إلى الشباب الذين سيحملون راية المقاومة، إلى الطلاب الذين سيرفعون اسم فلسطين في شوارع العالم.
في كولومبيا، كان يوسف يشارك في حلقات النقاش، يتحدث عن خليل، عن رواياته، عن وعيه الطبقي الذي فضح الظلم. كان يتحدث عن "رجال في الشمس"، عن الرجال الذين ماتوا في الخزان، لأنهم رفضوا أن يكونوا قاذوراتٍ على مزابل الخليج. كان يتحدث عن "عائد إلى حيفا"، عن الأطفال الذين حلموا بالعودة، عن الأمهات اللواتي حملن مفاتيح بيوتهن. كان يشعر أن خليل يكتب عنه، عن جيله، عن الأجيال التي ستأتي. في إحدى الليالي، نظم الطلاب معرضًا لكتب خليل، عرضوا رواياته بجانب صوره، بجانب لافتاتٍ تحمل اسم فلسطين. كان يوسف يقف هناك، ينظر إلى غلاف "رجال في الشمس"، ويشعر أن خليل ينظر إليه، يقول له: "واصلوا، يا يوسف. الكلمات هي سلاحكم."
في تلك السنوات، كانت المقاومة تتجدد. كان الشباب في المخيمات يحملون كتب خليل، يقرأونها تحت ضوء المصابيح الخافتة، يحلمون بالعودة. كانت الأمهات يحكين لأطفالهن عن الرجل الذي كتب عنهم، عن الرجل الذي جعل من قلمه سلاحًا. كانت أم سعد، التي أصبحت عجوزًا الآن، تجلس في خيمتها، تحيطها صور الشهداء، وتقول: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية." كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى العالم، إلى الطلاب في كولومبيا، إلى الشباب في باريس، إلى الأطفال في المخيمات. كانت تعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيحكي قصته، سيحكي عن شعبٍ يرفض أن يموت.
في نيويورك، كان يوسف يقرأ، وكل كلمةٍ كانت تضيء ظلمة المنفى. كان يشعر أن خليل معه، أن صوته يتردد في قلبه، أن الخاتم الفضي لا يزال يحكي قصته. كان يعرف أن الظلم لن يستمر، لأن هناك أصواتًا مثل صوت خليل، أصواتًا تدق جدران الخزان، أصواتًا تحمل اسم فلسطين إلى العالم. في إحدى الأمسيات، كتب يوسف مقالًا عن خليل، عن رواياته، عن وعيه الطبقي الذي فضح الظلم. كتب: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية، لأنها نارٌ تحرق الظلم، لأنها صوتٌ يدق جدران الخزان." كان يعرف أن كلماته، مثل كلمات خليل، ستصل إلى العالم، ستصل إلى الأجيال التي ستحمل راية المقاومة.
في تلك اللحظات، كان البحر في بيروت يهمس. لم يكن يحكي عن الموت، بل عن الحياة. كان يحكي عن خليل، عن الرجل الذي رفض أن يكون شبحًا في المنفى، عن الكاتب الذي جعل من قلمه سلاحًا، عن المقاوم الذي حمل اسم فلسطين إلى العالم. كان البحر يعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيبقى شاهدًا، سيبقى يحكي قصة خليل، قصة شعبٍ يرفض أن يموت. وفي تلك اللحظة، كان العالم يستمع، ليس إلى صوت الانفجار، بل إلى صوت الكلمات، الكلمات التي تدق جدران الخزان، الكلمات التي ستظل حية، تحمل اسم فلسطين إلى الأبد.
في المخيمات، كانت الأطفال يلعبون في الأزقة، يرسمون على الجدران صورًا لفلسطين، لعكا، لحيفا. كانت الأمهات يحملن مفاتيح بيوتهن، يحكين لأطفالهن عن خليل، عن الرجل الذي كتب عنهم. كانت أم سعد تجلس في خيمتها، تحيطها صور الشهداء، وتقول: "اقرأوا كتب خليل، يا أبنائي. إنها ليست مجرد قصص، بل هي نارٌ تحرق الظلم." كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى العالم، إلى الطلاب في كولومبيا، إلى الشباب في باريس، إلى الأطفال في المخيمات. كانت تعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيحكي قصته، سيحكي عن شعبٍ يرفض أن يموت.
في كولومبيا، كان يوسف يواصل قراءته. كان يقرأ عن الرجال الذين ماتوا في الخزان، عن الأطفال الذين حلموا بالعودة، عن الأمهات اللواتي حملن مفاتيح بيوتهن. كان يشعر أن خليل يكتب عنه، عن جيله، عن الأجيال التي ستأتي. في إحدى الأمسيات، نظم الطلاب مظاهرةً أخرى، رفعوا لافتاتٍ تحمل اسم فلسطين، رددوا كلمات خليل: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟" كان يوسف يقف بينهم، يشعر أن خليل معهم، أن صوته يتردد في الشوارع، أن الخاتم الفضي لا يزال يحكي قصته. كان يعرف أن الظلم لن يستمر، لأن هناك أصواتًا مثل صوت خليل، أصواتًا تدق جدران الخزان، أصواتًا تحمل اسم فلسطين إلى العالم.
في تلك السنوات، كانت المقاومة تتجدد. كان الشباب في المخيمات يحملون كتب خليل، يقرأونها تحت ضوء المصابيح الخافتة، يحلمون بالعودة. كانت الأمهات يحكين لأطفالهن عن الرجل الذي كتب عنهم، عن الرجل الذي جعل من قلمه سلاحًا. كانت أم سعد، التي أصبحت عجوزًا الآن، تجلس في خيمتها، تحيطها صور الشهداء، وتقول: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية." كانت تعرف أن كلماته ستصل إلى العالم، إلى الطلاب في كولومبيا، إلى الشباب في باريس، إلى الأطفال في المخيمات. كانت تعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيحكي قصته، سيحكي عن شعبٍ يرفض أن يموت.
في نيويورك، كان يوسف يواصل قراءته. كان يقرأ عن الرجال الذين ماتوا في الخزان، عن الأطفال الذين حلموا بالعودة، عن الأمهات اللواتي حملن مفاتيح بيوتهن. كان يشعر أن خليل يكتب عنه، عن جيله، عن الأجيال التي ستأتي. في إحدى الأمسيات، كتب يوسف مقالًا عن خليل، عن رواياته، عن وعيه الطبقي الذي فضح الظلم. كتب: "خليل لم يمت. كلماته حية، وستبقى حية، لأنها نارٌ تحرق الظلم، لأنها صوتٌ يدق جدران الخزان." كان يعرف أن كلماته، مثل كلمات خليل، ستصل إلى العالم، ستصل إلى الأجيال التي ستحمل راية المقاومة.
في تلك اللحظات، كان البحر في بيروت يهمس. لم يكن يحكي عن الموت، بل عن الحياة. كان يحكي عن خليل، عن الرجل الذي رفض أن يكون شبحًا في المنفى، عن الكاتب الذي جعل من قلمه سلاحًا، عن المقاوم الذي حمل اسم فلسطين إلى العالم. كان البحر يعرف أن الخاتم، ذلك الخاتم الفضي، سيبقى شاهدًا، سيبقى يحكي قصة خليل، قصة شعبٍ يرفض أن يموت. وفي تلك اللحظة، كان العالم يستمع، ليس إلى صوت الانفجار، بل إلى صوت الكلمات، الكلمات التي تدق جدران الخزان، الكلمات التي ستظل حية، تحمل اسم فلسطين إلى الأبد.
……………..
ملخص رواية : الخاتم والنار
الفصل الأول: عكا: جذور المنفى في عكا عام 1948، يبدأ الفصل الأول بطفولة خليل، الذي يعيش في مدينةٍ يعشقها، بين البحر وأشجار الزيتون. كان عمره اثنتي عشرة سنة حين اقتلعت عائلته من أرضها، تاركةً خلفها بيتًا مفتوح الأبواب ومفتاحًا سيصبح رمزًا للعودة. يصور الفصل الحياة في عكا قبل النكبة، حيث كان خليل يحلم بأن يصبح كاتبًا، مستلهمًا من قصص جده عن المقاومة ضد الانتداب البريطاني. لكن مع وصول الجنود الصهاينة، تنهار الحياة الهادئة، وتُجبر العائلة على الرحيل إلى لبنان، حاملةً معها ذكريات الأرض وخاتمًا فضيًا محفورًا عليه اسم عكا. ينتهي الفصل مع بداية رحلة المنفى، حيث يبدأ خليل يدرك أن المنفى ليس مكانًا، بل حالةٌ تتغلغل في الروح.
الفصل الثاني: اللجوء: صحراء المنفى ينتقل خليل وعائلته إلى مخيم في لبنان، حيث يواجهون الجوع والفقر والانتظار اللا نهائي. يصور الفصل حياة المخيم، حيث الخيام تتماوج تحت رحمة الريح، والناس يتشبثون بذكريات الأرض. يجد خليل ملاذه في مدرسة صغيرة، حيث يعلمه أبو علي، المعلم ذو اللحية البيضاء، أن القلم هو سلاحه. يكتب خليل أول قصةٍ له عن رجلٍ يعود إلى أرضه، لكن الأمل يتلاشى مع قرار والده السفر إلى الكويت بحثًا عن عمل. ينتهي الفصل برحلةٍ طويلة عبر الصحراء، حيث يحمل خليل في جيبه ورقةً يكتب عليها أحلامه، مدركًا أن المنفى هو جرحٌ يحمله كل فلسطيني.
الفصل الثالث: الكويت: الخزان يضيق في الكويت، يكتشف خليل الوجه الحقيقي للمحميات الصهيو-أمريكية. تصبح المدينة، التي تُروّج كواحةٍ للرفاهية، سجنًا جديدًا يحبس الأحلام. يعمل خليل مع والده في مدرسة، لكنه يرى كيف يُعامل الفلسطينيون كعبيد، كأرقامٍ في نظامٍ يخدم الإمبريالية. يكتب خليل روايته الأولى، "رجال في الشمس"، التي تعكس وعيه الطبقي، مفضحًا كيف تحول المحميات الفلسطيني إلى قاذورةٍ على المزابل، كيف تمول الكيان الصهيوني بشراء الأسلحة المعطوبة، وكيف تنفذ أجندات الإمبريالية الأمريكية لإضعاف الأنظمة الوطنية. يلتقي بأبي خالد، سائق فلسطيني يروي له قصص الإذلال، مما يوقد فيه غضبًا يتجلى في كتاباته. ينتهي الفصل مع عودة خليل إلى بيروت، حاملًا نار المقاومة.
الفصل الرابع: بيروت: العودة إلى النبض في بيروت عام 1963، يجد خليل مكانه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. تصبح المدينة قلب المقاومة، حيث تمتزج أصوات الأجراس بأناشيد الفدائيين. يلتقي بأم سعد، المرأة التي تجسد فلسطين، التي تعيش في خيمةٍ تنبض بالمقاومة، على عكس خيامٍ أخرى تبيع نفسها للمحميات. تحثه أم سعد على الكتابة، فتتدفق كلماته كسيلٍ جارف، يكتب "عائد إلى حيفا"، روايةً تعكس ألم الشعب الفلسطيني وصموده. لكنه يرى أيضًا الخيانة، الخيام التي تحولت إلى أدواتٍ في يد الإمبريالية، التي تمول الكيان ليستمر في حروبه. ينتهي الفصل مع تصاعد وعي خليل بأن المقاومة ليست فقط ضد الكيان، بل ضد نظام الظلم العالمي.
الفصل الخامس: القلم كسلاح في أواخر الستينيات، يصبح خليل رمزًا في الجبهة الشعبية. كتاباته تصبح سلاحًا يهز الضمير العالمي، لكنها تجلب له التهديدات من الموساد وجهات استخباراتية ملكية عربية. يصور الفصل صراعه الداخلي مع الخوف، لكنه يرفض التوقف عن الكتابة. يزور مخيم الشاتيلا، حيث تحثه أم سعد على كتابة قصص الشهداء. يكتب روايةً جديدة عن طفلٍ يولد في المخيم ويموت شهيدًا، مدركًا أن كلماته خطرة لأنها تفضح الحقيقة: أن المحميات هي أدواتٌ في يد الإمبريالية، تمول الكيان وتحول الفلسطيني إلى أداةٍ ضد شعبه. ينتهي الفصل مع اقتراب الخطر، حيث يتلقى خليل تحذيراتٍ من اغتيالٍ وشيك.
الفصل السادس: الاغتيال: الغبار والخاتم في صباح 8 يوليو 1972، يخرج خليل من شقته في بيروت، حاملًا خاتمه الفضي وقلمه. يشعر بتحذيرٍ غامض، لكنه يتذكر عكا، المخيم، الكويت، وبيروت. عندما يدير مفتاح سيارته، يمزق انفجارٌ الهواء، يحوله إلى غبار. يُعثر على الخاتم الفضي بين الأنقاض، شاهدًا على حياته. كان الاغتيال عملًا مدبرًا من الموساد بدعمٍ من جهات استخباراتية ملكية عربية، خائفة من وعيه الطبقي وكلماته التي تفضح دور المحميات. تنتشر أخبار اغتياله في بيروت، فتمتلئ الشوارع بالحزن والغضب. لكن كلماته لا تموت، بل تنتشر كالنار، تحمل اسم فلسطين إلى العالم.
الفصل السابع: الإرث: الضوء في الظلمات في نيويورك عام 2025، يقرأ الطالب يوسف، ابن مهاجرين فلسطينيين، كتاب "رجال في الشمس" في مكتبة كولومبيا. كلمات خليل تصله عبر الزمن، تحمل صوت عكا، المخيم، الكويت، وبيروت. يصور الفصل كيف أصبح خليل رمزًا عالميًا، حيث تُقرأ كتبه في المخيمات، الجامعات، والمقاهي. في الشاتيلا، تحكي أم سعد للأطفال عن خليل، عن كلماته التي أصبحت نارًا تحرق الظلم. في كولومبيا، ينظم يوسف وطلاب آخرون مظاهراتٍ لفلسطين، يرددون كلمات خليل: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟" ينتهي الفصل مع إدراك يوسف أن إرث خليل لم يمت، أن كلماته ستظل تدق جدران الخزان، تحمل اسم فلسطين إلى الأبد.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
-
رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ
...
-
رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري
...
-
رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين
...
-
رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد
...
-
ملخص خلفيات حرب الاستخبارات الأميركية السرية لإسقاط الدولة ا
...
-
رواية : آيات الفوضى الخلاقة
-
رواية : خرائط الجميز العجيبة
-
رواية: انفاق الزيتون الدامي
-
السلاح أو الموت: مسرحية المقاومة في زمن نتنياهو النازي الجدي
...
-
نقابات بلجيكا تقاوم لوبيات السلاح والإبادة الجماعية
-
يوم الأحد الوجودي: سخرية التاريخ من أوهام الكيان
-
رواية مشاعل الهامش
-
ترامب وزيلينسكي: مهرج ودمية يرقصان لارضاء بوتين
-
قمة ترامب وبوتين – كوميديا سوداء في زمن الدولة العميقة وأورو
...
-
رواية خيوط العنكبوت: من الباب العالي إلى هولوكوست غزة
-
كعبة ليونيل والتر ( رواية عن هولوكوست صهيو امريكي في غزة )
-
اولاد ابو العبد (رواية عن هولوكوست في غزة )
-
الجثمان النابض - (رواية عن الهولوكوست الفلسطيني في فلسطين وف
...
-
قمة ألاسكا - عندما يلتقي بوتين وترامب لتقسيم العالم على كأس
...
المزيد.....
-
«أوديسيوس المشرقي» .. كتاب سردي جديد لبولص آدم
-
-أكثر الرجال شرا على وجه الأرض-.. منتج سينمائي بريطاني يشن ه
...
-
حسن الشافعي.. -الزامل اليمني- يدفع الموسيقي المصري للاعتذار
...
-
رواد عالم الموضة في الشرق الأوسط يتوجهون إلى موسكو لحضور قمة
...
-
سحر الطريق.. 4 أفلام عائلية تشجعك على المغامرة والاستكشاف
-
-الكمبري-.. الآلة الرئيسية في موسيقى -كناوة-، كيف يتم تصنيعه
...
-
شآبيب المعرفة الأزلية
-
جرحٌ على جبين الرَّحالة ليوناردو.. رواية ألم الغربة والجرح ا
...
-
المغرب.. معجبة تثير الجدل بتصرفها في حفل الفنان سعد لمجرد
-
لحظات مؤثرة بين كوبولا وهيرتسوغ في مهرجان فينيسيا السينمائي
...
المزيد.....
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
المزيد.....
|