|
اولاد ابو العبد (رواية عن هولوكوست في غزة )
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 23:03
المحور:
الادب والفن
مقدمة الرواية: أنقاض احلام الطفولة في هذه الرواية، تتداخل الأسماء الوهمية مع الحقيقية في نسيج سردي يعكس مرارة الواقع وقسوته. قد يكون "باراك" هو موفاز، أو نتنياهو، أو بن غفير، أو سموتريتش، أو أي وجه من وجوه الفاشية في كيان الاحتلال الصهيوني، ذلك الكيان الذي يقترف الإبادة الجماعية باسم "الأمن" و"البقاء". هذا الخلط مقصود، ليرسم في الوعي خريطة قاتمة: لا فرق بين يمين ويسار في كيان الأبارتيد، فكلهم جزء من آلة واحدة، حاملة طائرات الناتو التي تُبحر في بحر من دماء الفلسطينيين، وكل من عليها لحم لمدافع الحرب الإمبريالية.التكرار في السرد ليس عبثًا، بل هو إعادة رسم متعمد للواقع، لتثبيت معالمه القاسية في الذاكرة. كل رصاصة قناص، كل بيت مدمر، كل طفل يتضور جوعًا، هو جزء من هولوكوست غزة، حيث التجويع سلاح والأمل مقاومة. في هذه الرواية، غزة ليست مجرد مكان، بل رمز للصمود، وأبو العبد ليس مجرد رجل، بل تجسيد لإرادة شعب يرفض الموت. هنا، الأسماء ليست سوى أقنعة، لكن الحقيقة واحدة: المقاومة هي الحياة، والاحتلال هو الموت.
القسم الأول: الأحلام المكسورة
في زاوية من مخيم جباليا، حيث تتكدس البيوت كأنها صناديق كرتونية مهترئة، كان أبو العبد يجلس على كرسي بلاستيكي مكسور. البيت الصغير، الذي لا يتجاوز غرفتين ومطبخًا يتسع بالكاد لقدر الأرز، كان مملوءًا بأنفاس أطفاله الأربعة. يراع، ابن الست سنوات، يتمدد على أريكة مهترئة، يحلم ربما بأن يصبح طيارًا يحلّق فوق غزة دون خوف من القنابل. سعيد، الأربع سنوات، يتشبث بقطعة قماش بالية كأنها درع ضد صوت الطائرات. محمد، الرضيع ذو الثلاثة أشهر، يغط في نوم عميق بين ذراعي أريكة أخرى، بينما مهند، ابن الثمانية عشر شهرًا، يتمايل في حلمه كأنه يكتشف العالم بخطواته الأولى.
أبو العبد، رجل في الأربعين، ذو وجه محفور بالتجاعيد كخريطة فلسطين الممزقة، كان يرمق أطفاله بحسرة. كل ليلة، ينتظر لحظة سكون القصف الصهيوني ليتنفس. لكنه يعلم أن السكون في غزة كذبة، مثل "السلام" الذي يتشدق به السياسيون في مؤتمرات لندن ونيويورك. كان يسمع همهمات أطفاله في نومهم، ضحكاتهم المكتومة وهم يحلمون بأشياء لا يعرفها إلا الله. "يا رب، احفظهم"، همس بصوت خافت، وكأن السماء قد تسمع صوته وسط هدير الطائرات.
خارج البيت، كان المخيم يعيش تحت وطأة الحصار. أنظمة الخليج، التي يسميها أبو العبد "خليج الخنازير النفطيين"، كانت تمول بصمت الأسلحة الأمريكية التي تقصف غزة. السخرية المرة ترتسم على وجهه وهو يفكر: "يبيعون نفطنا ليشتروا موتنا، ثم يتبرعون ببطانيات للاجئين ويسمونها كرمًا". كان يتذكر قصص والده عن الطيرة، القرية التي لم تسقط أبدًا أمام عصابات الهاغاناه والإرغون. "كنا نقاتل ببنادق صدئة، وهم كانوا يملكون طائرات بريطانية. لكن الطيرة صمدت"، كان والده يقول، وعيناه تلمعان بفخر.
لكن أبو العبد لم يرث الفخر وحده. ورث أيضًا الخيانة. منذ أيام الانتداب البريطاني، كان العرب والترك يبيعون فلسطين بثمن بخس. السادات ، آل سعود، و"محميات الخليج"، أردوغان كلهم جزء من مسرحية كبيرة. "إنهم مقاولو الاحتلال"، فكر أبو العبد، وهو يتذكر معبر رفح، ذلك السيرك المصري الذي يديره "ريموت كونترول" صهيوني. كل خطوة فيه كانت إذلالًا، كأن الفلسطيني ليس إنسانًا، بل رقمًا في سجل المحتل.
في تلك الليلة، كان الهواء ثقيلًا برائحة البارود. أبو العبد حاول النوم، لكنه كان يسمع همهمات مهند وهو يحلم. "هذا الولد سيصبح شيئًا عظيمًا"، فكر، وابتسم للحظة. لكن الابتسامة سرعان ما تلاشت حين سمع صوت طائرة بدون طيار. "الزنانة"، كما يسميها أهل غزة، كانت تحوم فوق المخيم مثل شبح يتربص. أطفاله استيقظوا مذعورين. يراع، الأكبر، حاول تهدئة إخوته، لكنه كان مرعوبًا مثلهم. "بابا، هيروحوا متى؟"، سأل سعيد بصوت مرتجف. أبو العبد لم يجد إجابة سوى: "قريب، يا ولدي".
كان القصف يتوقف أحيانًا، لكنه يعود أقوى. أبو العبد يعرف أن هذا جزء من لعبة الاحتلال: يعطيك أملًا، ثم يسحقه. "إنهم لا يكتفون بقتلنا، يريدون قتل أحلامنا"، فكر وهو ينظر إلى محمد، الرضيع الذي كان يبتسم في نومه. كان يتخيل أن محمد يحلم بحديقة مليئة بالزهور، بعيدًا عن الرصاص والقنابل. لكن هذه الأحلام كانت رفاهية لا يستطيع تحملها في جباليا.
فجأة، سمع صوت طلقات. لم تكن قنابل هذه المرة، بل شيء أكثر دقة وخبثًا. طلقات قناصة. أبو العبد شعر بقلبه يتجمد. هرع إلى غرفة الأطفال، حيث كانوا ينامون مكدسين على الأرائك. الظلام كان يلف الغرفة، لكن ضوء القمر كشف المشهد. يراع، سعيد، محمد، ومهند، كلهم جثث هامدة. رصاصات القناصة المتفجرة اخترقت جباههم بدقة متناهية، كأنها رسالة مكتوبة بدم: "لا أمان لكم، حتى في أحلامكم".
للحظة، رفض أبو العبد تصديق عينيه. "لا، هذا خطأ!"، صرخ وهو يركض إلى يراع. تحسس جسده، لكنه كان باردًا كالثلج. انتقل إلى سعيد، ثم محمد، ثم مهند. الدم كان يتدفق من جباههم، لكنهم بدوا هادئين، كأن الرصاص لم يقتل أحلامهم. وجوههم كانت كالملائكة، غير آبهة بجبن المحتل. "كيف يقتلون أطفالًا؟"، تساءل أبو العبد، وصوته يختنق بالدموع. لكنه عرف الإجابة: هذا هو الاحتلال، يقتل الأطفال ليقتل المستقبل.
جلس أبو العبد بجانب أطفاله، يحدق في وجوههم الهادئة. كان يتذكر كيف كان مهند يتمايل بين الأثاث الفقير، كأنه يمتلك الدنيا. كان يتذكر ضحكة سعيد وهو يقلد أصوات الطيور، وكيف كان يراع يحكي له عن أحلامه بأن يصبح مهندسًا يبني بيوتًا لا تسقط تحت القنابل. حتى محمد، الرضيع، كان يبدو وكأنه يحلم بعالم لا يعرف فيه القصف. لكن الآن، كلهم ذهبوا، تاركين أبو العبد وحيدًا مع أشباحهم.
في تلك اللحظة، شعر أبو العبد أن العالم كله متآمر ضده. الأنظمة العربية، التي تبيع النفط لتمول أسلحة القناصة. الإمبريالية الغربية، التي تصنع هذه الأسلحة في مصانعها العملاقة. وحتى الشعوب العربية ، التي تقف عاجزة أمام هذا الظلم. "كلهم خذلونا"، فكر، وهو يتذكر قصص والده عن الطيرة. "لكننا لم نستسلم، وأنا لن أستسلم".
خرج أبو العبد إلى الشارع، حاملًا جثة أحد أطفاله في قلبه. المخيم كان صامتًا، كأن الجميع يعرفون ما حدث. لكنه لم يجد تعاطفًا حقيقيًا، فقط نظرات الخوف والحسرة. كان يعلم أن الاحتلال يريد تحويل غزة إلى مقبرة، لكن أبو العبد قرر أن يحولها إلى ساحة مقاومة. "لن أدعهم يقتلون أحلامكم"، همس وهو ينظر إلى السماء.
في تلك اللحظة، مرت سيارة إعلامية تحمل شعار قناة فضائية. مراسل صهيوني، بلكنة عبرية متعجرفة، اقترب منه وسأله: "ما الذي حدث هنا؟". أبو العبد، الذي عمل يومًا في حقول عسقلان تحت إدارة المحتل، رد بلكنة عبرية رديئة: "إنها أسلحة قنص متفجرة، يا باراك!". كان يعرف أن باراك، وزير الدفاع الصهيوني، هو من أمر بهذه الجريمة. المراسل بدا مرتبكًا، لكنه سرعان ما أدار ظهره وعاد إلى سيارته.
أبو العبد لم ينتظر رد المراسل. كان يعلم أن الإعلام جزء من اللعبة. يتذكر كيف كان باراك يتباهى باغتيال دلال المغربي، وكيف قتل شاعرًا فلسطينيًا مسيحيًا متنكرًا بزي امرأة. "هؤلاء ليسوا رجالًا، بل جبناء"، فكر. لكنه لم يستطع أن يمنع دموعه وهو يتذكر وجوه أطفاله. "كيف ينامون بهدوء وهم ميتون؟"، تساءل، وكأن أرواحهم رفضت أن تخضع للمحتل حتى في الموت.
عاد أبو العبد إلى البيت، حاملًا معه ذكريات أطفاله. كان يتذكر كيف كان يراع يرسم طائرة على ورقة ممزقة، وكيف كان سعيد يغني أغنية عن البحر. حتى مهند، الذي بدأ لتوه المشي، كان يبدو كأنه يتحدى العالم بضحكته. ومحمد، الرضيع، كان يمثل الأمل الذي حلم به أبو العبد وزوجته الراحلة. لكن الآن، كل هذا تحول إلى بركة دماء.
في تلك الليلة، لم ينم أبو العبد. جلس يحدق في الأرائك الفارغة، وكأن أطفاله ما زالوا هناك. كان يسمع أصواتهم في رأسه، ضحكاتهم، وبكاءهم حين كان القصف يقترب. "لماذا أنتم، يا أولادي؟"، سأل نفسه. لكنه عرف الإجابة: الاحتلال لا يفرق بين طفل ومقاتل، لأن هدفه هو قتل الأمل. لكن أبو العبد قرر أن الأمل لن يموت.
في الصباح، بدأ أبو العبد يفكر في المستقبل. كان يعلم أن دفن أطفاله لن يكون سهلًا تحت الحصار. لكنه قرر أن يحول مأساته إلى قوة. تذكر قصص والده عن المقاومة في حيفا، وكيف كانوا يقاتلون بأسلحة بدائية ضد جيش مدعوم بطائرات بريطانية. "إذا صمدوا، فأنا سأصمد"، فكر.
لكن الخيانة كانت تثقل قلبه. كان يشعر أن العالم كله متورط في موت أطفاله. من بنوك روتشيلد التي تمول الاحتلال، إلى الأنظمة العربية التي تبيع النفط لتشتري صمتها وسلاحا لتل أبيب الى أردوغان الذي يوصل نفط علييف وكل ما يحتاجه الاحتلال من ملابس و فاكهة وخضار و فولاذ . حتى الشعوب العربية ، التي تقف عاجزة، كانت جزءًا من هذا البحر من الخيانة. "لكننا لسنا وحدنا"، فكر، وهو يتذكر بساطة أهل غزة وحبهم للفقراء مثله.
قرر أبو العبد أن يبدأ رحلة جديدة. لن يدع أطفاله يموتون عبثًا. سيحمل إرثهم، كما حمل والده إرث الطيرة. "سأقاتل، ليس من أجلي، بل من أجل أحلامكم"، همس وهو ينظر إلى صورة قديمة لزوجته. كانت غزاوية، اختارها لروحها القوية، وانتقل إلى غزة رغم كل الصعوبات. الآن، سيواصل طريقها.
في تلك اللحظة، سمع أبو العبد صوت قصف بعيد. لكنه لم يعد يخاف. كان يشعر أن أطفاله ما زالوا معه، في كل نبضة من قلبه. "أنتم ملائكة الآن"، فكر، وهو يتخيل وجوههم الهادئة في عالم آخر، بعيدًا عن القناصة والقنابل. لكنه عرف أن مهمته لم تنته. سيحمل بندقية والده، وسيواجه المحتل، ليس انتقامًا، بل إيمانًا بأن الأحلام لا تموت. ينتهي المشهد الاول بأبو العبد واقفًا أمام بيته المدمر، ينظر إلى السماء. الزنانة لا تزال تحوم، لكنه لم يعد يراها. كل ما يراه هو وجوه أطفاله، وكل ما يسمعه هو أحلامهم. "سأحملكم معي"، همس، وخطوته الأولى كانت نحو المقاومة. في غزة، لا يموت الأمل، حتى لو قتل الاحتلال كل شيء.
القسم الثاني: أنقاض الأمل
1 تحت سماء غزة الملبدة بدخان القنابل، وقف أبو العبد في قلب مخيم جباليا، محاطًا بأنقاض بيته الذي تحول إلى قبر لأحلامه. الريح تحمل رائحة البارود والدم، لكن عينيه الغائرتين، المثقلتين بحزن لا يُوصف، كانتا تحدقان في صورة ممزقة لأطفاله الأربعة: يراع، سعيد، محمد، ومهند. كل واحد منهم كان نجمًا في سماء قلبه، لكن رصاصات القناص الصهيوني، المتفجرة بدقة شيطانية، أطفأت بريقهم. "لماذا؟"، همس، وكأن السؤال موجه إلى السماء نفسها، لكن الجواب كان في الأنقاض: هولوكوست غزة، حيث التجويع والقتل أسلحة المحتل.
2 كان المخيم يئن تحت وطأة الحصار. التجويع، ذلك السلاح الصامت، كان أقسى من القنابل. الأطفال، بعيونهم الغائرة كمرايا الموت، كانوا يبحثون عن فتات خبز في القمامة. الأمهات، اللواتي جفت دموعهن، كن يصرخن من أجل قطرة ماء أو حبة دواء. لكن وسط هذا الجحيم، كان هناك شيء آخر: إرادة لا تنكسر. أبو العبد رأى ذلك في عيون شاب يرسم على جدار مدمر عبارة: "سنقاوم حتى النهاية". كانت هذه الكلمات تعيد إليه ذكريات جده، الذي قاتل في حيفا عام 1948، حاملًا بندقية بريطانية قديمة ضد عصابات الإرغون.
3 "كنا نقاتل من أجل الأرض، وليس من أجل الموت"، كان جده يقول، وهو يروي قصص المقاومة الأولى. في تلك الأيام، كانت فلسطين تنزف تحت وعد بلفور، ذلك الخنجر البريطاني الذي طعن قلب الأمة. أبو العبد تذكر كيف كان جده يصف معركة مع عز الدين القسام ضد الصهاينة ، حيث قاتل الفلسطينيون بأسلحة بدائية ضد مدافع الهاون. "كنا قليلين، لكن إيماننا كان جبلًا"، قال جده. الآن، في جباليا، كان أبو العبد يرى نفس الإيمان في عيون الشباب الذين يصنعون صواريخ من أنابيب صدئة، وفي أطفال يرمون الحجارة على دبابات المركافا.
4 السخرية المرة كانت في أن المحتل، الذي يملك أسلحة متطورة ودعمًا من بنوك روتشيلد وواشنطن، كان يرتجف أمام هذه الإرادة. أبو العبد تذكر قصة دلال المغربي، تلك الفتاة التي هزت أركان الاحتلال في عملية طريق الساحل عام 1978. "كانت فتاة، لكنها كانت جيشًا"، كان والده يقول. الآن، في غزة، كان كل طفل يحمل حجرًا هو جيش بحد ذاته. "إنهم يقتلون أطفالنا، لكنهم لا يستطيعون قتل أحلامهم"، فكر أبو العبد، وهو يتذكر كيف كان يراع يرسم بيوتًا لا تسقط، وسعيد يغني عن البحر.
5 في تلك اللحظة، سمع أبو العبد صوت طفل يبكي بين الأنقاض. اقترب ليجد فتاة صغيرة، لا تتجاوز الخامسة، عيناها غائرتان من الجوع، تمسك بلعبة ممزقة كأنها كنز. "أين أمي؟"، سألت، وصوتها يرتجف. أبو العبد شعر بقلبه يتمزق. كانت هذه الفتاة مرآة لأطفاله، مرآة لكل طفل في غزة. أعطاها قطعة خبز من جيبه وسط مجاعة صنعها العدو الصهيوني واسياده الفاشيين في وول ستريت وسيتي لندن وبرلين ، كانت آخر ما يملكه، لكنه عرف أن الخبز لن يعيد أمها، ولن يعيد أطفاله. "هذا هو هولوكوست غزة"، فكر، "لكنه لن يكسرنا".
6 عاد إلى ذكرياته، إلى أيام النكبة التي رواها جده. "كانوا يطردوننا من بيوتنا، لكننا لم نترك الأمل"، قال جده. في تلك الأيام، كان الفلسطينيون يقاتلون بعصي وحجارة، لكنهم زرعوا بذرة المقاومة التي نبتت في الانتفاضة الأولى عام 1987، حين تحولت الحجارة إلى رمز للتحدي. أبو العبد تذكر كيف كان والده يحكي عن شاب في نابلس، رمى حجرًا على جيب عسكري فأشعل ثورة. "الحجر ليس سلاحًا، بل إرادة"، كان يقول. الآن، في جباليا، كان أبو العبد يرى نفس الإرادة في عيون الأطفال.
7 في تل أبيب، كان باراك، وزير الحرب الصهيوني، يجلس في مكتبه، محاطًا بصور "انتصاراته" المزيفة. لكنه لم يكن يرى النصر، بل أشباح الأطفال الذين قتلهم. وجوه يراع وسعيد ومحمد ومهند كانت تطارده، عيونهم الهادئة تتحول إلى اتهامات صامتة. "لماذا؟"، كأنهم يسألون. لكنه لم يجد إجابة سوى كذبة "الأمن القومي". كان يعلم أن التجويع والقنص ليسا دفاعًا، بل جريمة حرب، لكنه لم يستطع التوقف. "إنهم تهديد"، كان يردد، محاولًا إقناع نفسه، لكن صوت الملائكة كان يعصف بقلبه.
8 السخرية كانت في تناقضه. باراك، الذي يدعي أنه يحمي "شعب الله المختار"، كان يعيش في جحيم من صنعه. كل طفل يقتله يزرع بذرة مقاومة جديدة. كان يتذكر هروبه من جنوب لبنان عام 2000، حين كانت المقاومة اللبنانية تصطاد جنوده كالفئران. "كنا نهرب، وهم يقاتلون"، فكر، وهو يشعر بالعار. الآن، في غزة، كان يرى نفس المقاومة في صواريخ بدائية تخترق "القبة الحديدية"، وفي أطفال يتحدون دباباته بحجارة. "إنهم لا يستسلمون"، همس، وشعر بالخوف يتسلل إلى عظامه.
9 أبو العبد، في جباليا، كان يسير بين الأنقاض، ممسكًا بصورة أطفاله. كان يتذكر كيف كان يراع يرسم طائرة ورقية، وكيف كان سعيد يحلم بالبحر. حتى محمد ومهند، رغم صغرهما، كانا يمثلان الأمل. "إنهم يقتلون أطفالنا ليقتلوا المستقبل"، فكر، لكنه قرر أن المستقبل لن يموت. سيحمل بندقية من صناعة غزة اليوم ، وسيواجه المحتل، ليس من أجل الانتقام، بل من أجل الحياة. "سأبني لكم بيتًا لا يسقط، يا يراع"، همس، وهو يشعر بروحه تعود إليه.
10 في تلك الليلة، جلس أبو العبد في زاوية بيته المدمر. أخرج صورة زوجته، تلك المرأة التي كانت تحلم بعالم بلا قصف. كانت الصورة ممزقة، لكن وجهها كان واضحًا كالقمر في سماء غزة. "أنتم ملائكة الآن"، همس، وهو يتخيل أطفاله في عالم آخر، بعيد عن القناصة والتجويع. لكنه عرف أن مهمته لم تنته. سيحمل إرث المقاومة، من حيفا إلى جباليا، وسيواجه المحتل بإيمان جده وأحلام أطفاله.
11 في تل أبيب، كان باراك يقرأ تقريرًا عن عملية في جباليا. "أربعة أطفال، رصاصات قنص متفجرة"، كتب في التقرير. لكنه لم يشعر بالنصر. كان يعرف أن كل طفل يقتله يصنع مقاومًا جديدًا. كان يتذكر عملية الكرامة عام 1968، حين هزت المقاومة الفلسطينية أركان الاحتلال. "كانوا قليلين، لكنهم كانوا جبلًا"، فكر، وهو يشعر بالهزيمة تتسلل إليه. كان يعلم أن غزة لن تستسلم، لأن المقاومة ليست مجرد سلاح، بل إيمان.
12 أبو العبد، في جباليا، كان يرى ذلك في كل زاوية. الأطفال، رغم الجوع، كانوا يضحكون. الشباب، رغم القصف، كانوا يصنعون الأمل من الأنقاض. "هذا هو الفرق بيننا وبينهم"، فكر. الاحتلال يقتل بالجوع والرصاص، لكن غزة تقاوم باثخان العدو واغتيال أحلامه الخرافية المريضة . كان يتذكر كيف كان والده يحكي عن انتفاضات فلسطين التي لا تهدأ، حين تحولت شوارع فلسطين إلى ساحات معركة. "كان الحجر و البنادق البسيطة سلاحنا والأمل درعنا"، قال والده. الآن، في غزة، كان الحجر لا يزال سلاحًا، والأمل لا يزال درعًا.
13 في تلك اللحظة، سمع أبو العبد صوت قصف بعيد. لكنه لم يعد يخاف. كان يشعر أن أطفاله معه، في كل نبضة من قلبه. "سأحملكم معي"، همس، وهو يتذكر وجوههم الهادئة. كان يعلم أن الاحتلال سيستمر في القتل، لكنه عرف أيضًا أن المقاومة ستستمر. "غزة لن تموت"، فكر، وهو يمسك بصورتهم، مستعدًا ليوم جديد.
14 في تل أبيب، كان باراك يحاول الهروب من أشباحه. كان يتذكر كيف كان يتباهى بقتل شاعر فلسطيني متنكر بزي امرأة. "كنت بطلًا"، فكر، لكن الصوت في رأسه كان يقول: "كنت جبانًا". كان يعرف أن قتل الأطفال ليس بطولة، بل جريمة. لكنه لم يستطع التوقف. "إنهم تهديد"، كان يردد، لكن أشباح الأطفال كانت ترفض أن تتركه.
15 أبو العبد، في جباليا، كان يستعد للمعركة. لم يكن يبحث عن الموت، بل عن الحياة. كان يعلم أن المقاومة هي الطريق الوحيد لكسر الاحتلال. "إنهم يظنون أن التجويع سيكسرنا، لكنه يصنعنا"، فكر، وهو يتذكر وجوه أطفاله. كان يرى يراع يرسم بيته، وسعيد يغني عن البحر، ومحمد ومهند يبتسمان. "سأحمل أحلامكم"، همس، وهو يمسك ببندقية كتب عليها صنع في غزة فلسطين .
16 في تل أبيب، كان باراك يشعر بالهزيمة. كان يعلم أن الاحتلال يعيش على كذبة، وأن هذه الكذبة ستنهار يومًا ما. كل صاروخ من غزة، كل حجر يرميه طفل، كان يذكره بهشاشة الاحتلال. "إنهم لا يقاتلون من أجل الموت، بل من أجل الحياة"، فكر، وهو يتذكر هروبه من جنوب لبنان. كان يعلم أن المقاومة ستستمر، حتى يسقط الاحتلال تحت وطأة إرادة غزة.
17 أبو العبد، في جباليا، كان يرى ذلك في كل زاوية. الأطفال يلعبون، الأمهات يقاومن، والشباب يصنعون الأمل من الأنقاض. "هذا هو هولوكوست غزة"، فكر، "لكنه لن يهزمنا". كان يعلم أن المقاومة هي الحياة، وأن إرث حيفا والنكبة والانتفاضة سيستمر في غزة. "سنقاوم حتى النهاية"، فكر، وهو يتذكر كيف كان جده يقول: "الأرض لا تموت، والمقاومة لا تنكسر".
18
ينتهي المشهد الثاني بصورة درامية: أبو العبد واقفٌ في أنقاض جباليا، ممسكًا بصورة أطفاله، عيناه تحدقان في الأفق، لكن قلبه يرى وجوههم. إرث المقاومة، من حيفا إلى جباليا، ينبض في دمه. في تل أبيب، باراك يعيش في جحيم أشباحه، يعلم أن المقاومة ستستمر حتى تنهار كذبة الاحتلال بافظع مما انهارت في جنوب لبنان المقاوم . "غزة لن تموت"، يهمس أبو العبد، وهو يستعد ليوم جديد، حاملاً أحلام أطفاله وإرث المقاومة.
القسم الثالث: باراك وأشباحه
1 في مكتب فخم في تل أبيب، يجلس باراك، وزير الحرب الصهيوني، خلف مكتب من خشب الماهوغاني المصقول. الجدران مزينة بصور "انتصاراته" المزعومة: صورة له وهو يصافح جنرالاً أمريكياً، وأخرى وهو يتفقد دبابة مركافا. لكن عينيه، الغائرتين كبئر بلا قاع، تخفيان شيئاً آخر. باراك، الرجل الذي أمر باغتيال أطفال أبو العبد، لم يكن ينام جيداً. في الليل، كانت أشباح الأطفال الأربعة – يراع، سعيد، محمد، ومهند – تطارده، وجوههم الهادئة كالملائكة تتسلل إلى كوابيسه.
2 باراك كان يعرف كيف يبرر جرائمه. "الأمن القومي"، كان يردد، كأنه تعويذة سحرية. لكن في أعماقه، كان يعلم أن قتل الأطفال ليس دفاعاً عن الأمن، بل جزءاً من هولوكوست جديد يُنفذ في غزة. السخرية المرة كانت في أن الاحتلال، الذي يدعي أنه يحمي "شعب الله المختار"، يستخدم نفس أساليب النازية التي يزعم أنها اضطهدته. التجويع كسلاح، القصف العشوائي، وقتل الأطفال بدقة قناصة – كلها صفحات من كتاب لم يكتب بعد، لكن عنوانه واضح: "هولوكوست غزة".
3 في مكتبه، كان باراك يقرأ تقريراً عن آخر عملية في جباليا. "أربعة أطفال، رصاصات قنص متفجرة، دقة متناهية"، كتب في التقرير. ابتسم ببرود، كأنه يقرأ تقريراً عن مبيعات شركة. "هذا ما أريده"، قال لمساعده، وهو يشير إلى التقرير. لكنه لم يستطع أن ينظر إلى عيني مساعده. كان يعرف أن التجويع، الذي يمنع الطعام والدواء عن غزة، هو سلاح أخطر من الرصاص. "دعهم يموتون جوعاً، إنه أنظف"، قال ذات مرة في اجتماع سري، وهو يضحك بسخرية.
4 لكن السخرية لم تكن في كلماته وحدها. كانت في تناقضه. باراك، الذي يتباهى بـ"حضارة" إسرائيل، كان يعلم أن التجويع جريمة حرب، محرمة بموجب اتفاقيات جنيف. لكنه لم يهتم. "جنيف؟ إنها مجرد ورق"، قال ذات مرة لضابط أمريكي، وهما يناقشان "استراتيجية" الحصار. السخرية كانت في أن الاحتلال يستخدم القانون الدولي كغطاء عندما يناسبه، ويتجاهله عندما يتعارض مع مصالحه. "نحن نصنع القانون"، كان يردد، وهو يفكر في بنوك روتشيلد ودعم واشنطن.
5 في غزة، كان التجويع يقتل ببطء. أبو العبد، الذي فقد أطفاله، كان يرى ذلك في كل زاوية من المخيم. الأطفال يبحثون عن فتات الخبز في القمامة، والأمهات يصرخن من أجل حليب لرضعهن. "هذا ليس حصاراً، إنه إبادة"، فكر أبو العبد، وهو يتذكر كيف كان محمد، رضيعه، يبكي من الجوع قبل أن تقتله رصاصة القناص. التجويع لم يكن مجرد قطع الطعام، بل قطع الأمل. كان الاحتلال يريد تحويل غزة إلى مقبرة حية، حيث الموتى يمشون على الأرض.
6 باراك، في مكتبه، كان يعرف ذلك جيداً. كان يقرأ تقارير عن نسبة سوء التغذية في غزة، وكيف أن 60% من الأطفال يعانون من فقر الدم. لكنه لم يرَ في ذلك إحصائية، بل نصراً. "دعهم يضعفون، فالضعفاء لا يقاتلون"، قال في اجتماع مع قادة الجيش. لكن في الليل، كانت أشباح الأطفال الأربعة تعود إليه. يراع، بعيونه البريئة، يسأله: "لماذا قتلتني؟". سعيد يغني أغنية عن البحر، لكن صوته يتحول إلى صراخ. محمد ومهند يبتسمان، لكن ابتسامتهما تتحول إلى دم.
7 السخرية كانت في أن باراك، الذي يدعي أنه يحمي شعبه، كان يعيش في خوف دائم. كان يتذكر هروبه من جنوب لبنان، حين أثخنته المقاومة اللبنانية. "كنا نهرب كالفئران"، فكر، وهو يتذكر كيف كان يختبئ خلف جنوده. لكنه الآن يتباهى بقتل الأطفال، لأنهم لا يقاومون. "الأطفال أسهل"، قال ذات مرة لضابط قناص، وهو يضحك. لكن الضحكة كانت جوفاء، كأنها تحاول إخفاء جبنه.
8 في غزة، كان أبو العبد يرى الهولوكوست يتكرر. التجويع، القصف، وقتل الأطفال – كلها كانت جزءاً من خطة ممنهجة. "إنهم لا يكتفون بقتلنا، يريدون محو وجودنا"، فكر، وهو يتذكر قصص أجداده عن النكبة. في 1948، كان الاحتلال يطرد الفلسطينيين من قراهم. الآن، يحاصرهم في غزة ويقتلهم ببطء. "نفس الخرافة، نفس المقاولين"، فكر، وهو يتذكر هيرتزل وروتشيلد، الذين حولوا فلسطين إلى مشروع استعماري.
9 باراك، في تل أبيب، كان يعرف أن التاريخ يكرر نفسه. لكنه لم يهتم. كان يرى نفسه كجزء من "حضارة" الغرب، التي تصنع الأسلحة وتبيع الأوهام. "نحن نصنع التاريخ"، قال ذات مرة في مؤتمر في واشنطن. لكن السخرية كانت في أن التاريخ الذي يصنعه كان مكتوباً بدماء الأطفال. كان يتذكر كيف اغتال دلال المغربي، وكيف قتل شاعراً فلسطينياً مسيحياً متنكراً بزي امرأة. "كنت بطلاً"، فكر، لكنه عرف أن البطولة كانت كذبة.
10 في غزة، كان أبو العبد يرى النتائج. التجويع لم يكن مجرد قطع الطعام، بل قطع الأمل. كان يرى الأطفال في المخيم يضعفون يوماً بعد يوم، عيونهم غائرة كأنها مرايا تعكس الموت. لكنه لم يرَ الاستسلام. "غزة لا تستسلم"، فكر، وهو يتذكر كيف كان جيرانه يتشاركون آخر رغيف خبز. كان التجويع جريمة حرب، لكن الاحتلال لم يهتم. "إنهم يريدوننا جثثاً، لكننا سنبقى أحياء"، فكر أبو العبد.
11 باراك، في مكتبه، كان يقرأ تقريراً آخر. "ارتفاع حالات الوفاة بسبب سوء التغذية"، كتب في التقرير. لكنه لم يرَ في ذلك جريمة، بل إنجازاً. "كل طفل يموت جوعاً هو تهديد أقل"، قال لنفسه. لكن في الليل، كانت أشباح الأطفال تعود. كان يرى وجوه يراع وسعيد ومحمد ومهند، يحدقون فيه بصمت. لم يكن الصمت بريئاً، بل كان اتهاماً. "لماذا؟"، كأنهم يسألون. لكنه لم يجد إجابة.
12 السخرية كانت في أن باراك، الذي يدعي أنه يحمي شعبه، كان يعيش في خوف دائم. كان يعرف أن المقاومة في غزة لا تموت، حتى تحت التجويع والقصف. كان يتذكر هروبه من جنوب لبنان، حين كانت المقاومة تصطاد جنوده كالفئران. "لكنهم الآن أطفال"، فكر، محاولاً طمأنة نفسه. لكن الأطفال كانوا أخطر. لأن أحلامهم لا تموت، حتى لو ماتت أجسادهم.
13 في غزة، كان أبو العبد يرى ذلك في كل زاوية. الأطفال، رغم الجوع، كانوا يلعبون في الشوارع. كانوا يرسمون طائرات ويغنون أغاني عن البحر. "هذا هو هولوكوست غزة"، فكر، "لكنه لن يهزمنا". كان يتذكر كيف كان يراع يرسم بيوتاً لا تسقط، وكيف كان سعيد يحلم بالبحر. حتى محمد ومهند، رغم صغرهما، كانا يمثلان الأمل. "إنهم يقتلون أطفالنا، لكنهم لن يقتلوا أحلامهم"، فكر.
14 باراك، في تل أبيب، كان يعرف ذلك. كان يعرف أن التجويع لن يهزم غزة. لكنه كان يراهن على الوقت. "الجوع سيفعل ما لا تستطيع القنابل فعله"، قال في اجتماع مع قادة الموساد. لكن السخرية كانت في أن الجوع لم يهزم غزة، بل جعلها أقوى. كان يرى ذلك في تقارير المخابرات: شباب يصنعون صواريخ من أنابيب صدئة، وأطفال يرمون الحجارة على الدبابات. "إنهم لا يستسلمون"، فكر، وشعر بالخوف.
15 في غزة، كان أبو العبد يرى النتيجة. التجويع جعل الناس أضعف، لكنه جعل إرادتهم أقوى. كان يرى الأمهات يتشاركن آخر حبات الأرز، والأطفال يضحكون رغم الجوع. "هذا هو الفرق بيننا وبينهم"، فكر. الاحتلال يقتل بالجوع والرصاص، لكن غزة تقاوم بالأمل. "إنهم يظنون أن الجوع سيكسرنا، لكنه يصنعنا"، فكر، وهو يتذكر كيف كان يراع يقول: "بابا، سأبني بيتاً لا يسقط".
16 باراك، في مكتبه، كان يحاول الهروب من أشباحه. كان يتذكر كيف كان يتباهى بقتل دلال المغربي، وكيف قتل شاعراً فلسطينياً متنكراً بزي امرأة. "كنت بطلاً"، فكر، لكن الصوت في رأسه كان يقول: "كنت جباناً". كان يعرف أن قتل الأطفال ليس بطولة، بل جريمة. لكنه لم يستطع التوقف. "إنهم تهديد"، كان يردد، وهو يحاول إقناع نفسه. لكن أشباح الأطفال كانت ترفض أن تتركه.
17 في غزة، كان أبو العبد يستعد لدفن أطفاله. لكنه لم يجد تابوتاً، ولا حتى قماشاً يكفي لتغطيتهم. التجويع لم يترك شيئاً. "حتى الموت أصبح رفاهية"، فكر بسخرية. لكنه قرر أن يدفنهم بكرامة. حمل جثثهم الصغيرة إلى مقبرة جباليا، وهو يهمس: "أنتم ملائكة الآن". كان يعلم أن الاحتلال يريد تحويله إلى جثة أخرى، لكنه قرر أن يكون مقاوماً.
18 باراك، في تل أبيب، كان يقرأ تقريراً آخر. "عملية ناجحة في جباليا"، كتب في التقرير. لكنه لم يشعر بالنصر. كان يعرف أن كل طفل يقتله يصنع مقاوماً جديداً. كان يرى ذلك في عيون أبو العبد، الذي صرخ في وجه المراسل: "إنها أسلحة قنص متفجرة، يا باراك!". تلك الصرخة كانت تتردد في رأسه، كأنها اتهام من التاريخ نفسه.
19 في غزة، كان أبو العبد يقف أمام قبور أطفاله. لم يكن لديه دموع بعد الآن. لكنه كان لديه قرار. "سأقاتل من أجلكم"، همس، وهو يتذكر أحلامهم. يراع، الذي أراد أن يبني بيوتاً. سعيد، الذي أراد أن يرى البحر. محمد ومهند، اللذان لم يعيشا ليحلما. "إنهم يظنون أن التجويع سيكسرنا، لكنه سيصنعنا"، فكر، وهو يتذكر كيف كان والده يقاتل في الطيرة.
20 ينتهي المشهد الثالث بصورة متضاربة: باراك في مكتبه، محاطاً بأشباح الأطفال التي تطارده، وأبو العبد في مقبرة جباليا، محاطاً بقبور أطفاله لكنه يحمل أملاً لا يموت. الهولوكوست في غزة مستمر، بالتجويع والقناصة، لكن غزة تقاوم. السخرية المرة تتجلى في تناقض باراك، الذي يدعي الحضارة بينما يرتكب جرائم حرب، وفي صمود أبو العبد، الذي يرفض أن يكون ضحية. في غزة، الأمل هو السلاح الحقيقي.
القسم الرابع: بحر الخيانة
1 في مقبرة جباليا، وقف أبو العبد أمام قبور أطفاله الأربعة. الأرض كانت جافة، متشققة كوجهه الذي حفرته السنون والمآسي. لم يكن لديه أكفان لائقة ليراع وسعيد ومحمد ومهند، فقط قطع قماش بالية جمعها من بيته المدمر. التجويع الذي فرضه الاحتلال لم يترك حتى كرامة الموت. "حتى القبور باتت رفاهية"، فكر بسخرية مرة، وهو يضع حجراً صغيراً على قبر يراع، كأنه يحاول أن يرسم له بيتاً كما كان يحلم. لكنه عرف أن هذه القبور ليست النهاية، بل بداية لشيء أكبر.
2 الريح كانت تحمل رائحة البارود والدم. جباليا، المخيم الذي كان يوماً مليئاً بضحكات الأطفال، تحول إلى مدينة أشباح. أبو العبد، وهو يمشي بين الأنقاض، كان يرى عيون الناس: مزيج من الخوف والغضب والعجز. التجويع كان يقتل ببطء، لكن الخيانة كانت أقسى. "خليج الخنازير النفطيين"، كما يسميهم، كانوا يمولون أسلحة القناصة بنفطهم، بينما يتبرعون ببطانيات بالية ليظهروا كـ"أبطال الإنسانية". "إنهم يبيعون دمنا ويشترون صمتنا"، فكر، وهو يتذكر صورة أمير خليجي يبتسم في مؤتمر دولي.
3 الخيانة لم تكن جديدة. كان أبو العبد يتذكر قصص جده عن الاحتلال البريطاني، حين كان بعض الشيوخ يبيعون الأرض مقابل حفنة من الجنيهات. "كانوا يسمونها تجارة، لكنها كانت خيانة"، كان جده يقول. الآن، تتكرر القصة. من أردوغان إلى آل سعود إلى محميات الخليج، كلهم جزء من مسرحية كبرى. "إنهم مقاولو الاحتلال"، فكر أبو العبد، وهو يتخيل هيرتزل وروتشيلد وهم يوقعون عقوداً في غرفة مغلقة في لندن، بينما العرب يلعبون دور "الكومبارس".
4 السخرية كانت في أن هذه الخيانة تُغلف بـ"القداسة". الاحتلال يروج لفلسطين كـ"أرض الميعاد"، لكن أبو العبد كان يرى الحقيقة: إنها أرض النهب. روتشيلد لم يكن يهتم بالدين، بل بالسيطرة على المنطقة من كازاخستان إلى شمال الكونغو. "إنهم يرسمون خريطة لاحتكار العالم"، فكر، وهو يتذكر كيف كان يعمل في حقول عسقلان، يزرع الأرض بينما المحتل يسرق المحصول. "نزرع، وهم يحصدون. هذه هي القداسة التي يتحدثون عنها".
5 عاد أبو العبد إلى ذكرياته. تذكر كيف انتقل إلى غزة بعد زواجه من غزاوية. كانت امرأة قوية، تحلم بأن يعيش أطفالهم في عالم لا يعرف القصف. لكنها ماتت في قصف سابق، تاركة أبو العبد وحيداً مع أطفاله. "لماذا اخترت غزة؟"، سأل نفسه مرة أخرى. الإجابة كانت في بساطة أهلها. في غزة، الفقراء يتشاركون الفقر، والمقاومون يتشاركون الأمل. لكن الآن، حتى هذا الأمل كان تحت تهديد التجويع والقناصة.
6 معبر رفح كان رمزاً لهذه الخيانة. أبو العبد تذكر رحلته المعقدة للوصول إلى غزة. شرطة المعبر، التي تتحكم بها "ريموت كونترول" صهيوني، كانت تذل كل من يحاول العبور. "كأننا لسنا بشراً"، فكر، وهو يتذكر كيف اضطر لدفع رشاوى وانتظار ساعات طويلة. "إنه سيرك مصري بإدارة صهيونية"، فكر بسخرية، وهو يتخيل ضابطاً مصرياً يتلقى أوامره من تل أبيب بينما يبتسم للكاميرات.
7 لكن الخيانة لم تكن فقط في الأنظمة. كان أبو العبد يشعر بها في صمت الشعوب. "أين هم؟"، تساءل، وهو يفكر في ملايين العرب الذين يرون غزة تموت ولا يتحركون. كان يتذكر كيف كان والده يقول: "الشعوب مشلولة، لأن الحكام أغلال". لكن في غزة، كان الشلل يتحول إلى غضب. كان يرى ذلك في عيون الشباب الذين يرمون الحجارة على الدبابات، وفي صوت الأمهات اللواتي يصرخن من أجل أطفالهن.
8 في تلك اللحظة، سمع أبو العبد صوت طفل يبكي في الشارع. اقترب ليجد طفلاً لا يتجاوز الخامسة، يبحث في القمامة عن شيء يأكله. التجويع كان يقتل ببطء، لكن الاحتلال كان يراهن على أن الجوع سيحطم الإرادة. "لن يفوزوا"، فكر أبو العبد، وهو يعطي الطفل قطعة خبز من جيبه. كان يعلم أن هذه القطعة هي آخر ما يملكه، لكنه لم يستطع أن يرى طفلاً آخر يموت جوعاً.
9 عاد إلى البيت، حاملاً ذكريات أطفاله. كان يتذكر كيف كان يراع يرسم بيوتاً لا تسقط، وكيف كان سعيد يغني عن البحر. حتى محمد ومهند، رغم صغرهما، كانا يمثلان الأمل. "إنهم يقتلون أطفالنا ليقتلوا المستقبل"، فكر. لكنه قرر أن المستقبل لن يموت. سيحمل أحلامهم، وسيواجه المحتل، ليس من أجل الانتقام، بل من أجل الحياة.
10 في تلك الليلة، جلس أبو العبد في زاوية البيت. أخرج صورة قديمة لزوجته وأطفاله. كانت الصورة ممزقة، لكن وجوههم كانت واضحة. "أنتم ملائكة الآن"، همس، وهو يتخيل أطفاله في عالم آخر، بعيد عن القناصة والتجويع. لكنه عرف أن مهمته لم تنته. سيحمل بندقية والده، وسيواجه الاحتلال، ليس لأنه يريد القتل، بل لأنه يريد الحياة.
11 في الصباح، خرج أبو العبد إلى شوارع المخيم. الدمار كان في كل مكان، لكن الأمل كان موجوداً أيضاً. كان يرى ذلك في عيون الشباب الذين يصنعون صواريخ من أنابيب صدئة، وفي ضحكات الأطفال الذين يلعبون بين الأنقاض. "هذا هو الفرق بيننا وبينهم"، فكر. الاحتلال يقتل بالجوع والرصاص، لكن غزة تقاوم بالأمل.
12 لكن الخيانة كانت لا تزال تثقل قلبه. كان يشعر أن العالم كله متورط في موت أطفاله. بنوك روتشيلد، التي تمول الاحتلال منذ قرن. بريطانيا، التي رسمت حدود الخرافة بوعد بلفور. أمريكا، التي تصنع أسلحة القناصة المتفجرة. وحتى الأنظمة العربية، التي تبيع النفط وتشتري الصمت. "كلهم شركاء في دم أطفالي"، فكر، وهو يتذكر وجوه يراع وسعيد ومحمد ومهند.
13 في تلك اللحظة، مرت سيارة تحمل شعار منظمة غزة الإنسانية . التي وزعت الموت الامريكي على اكثر من الف فلسطيني مجوع ينتظر مساعدتهم خلال أقل من شهرين ، هكذا كتب على جانبها. لكن أبو العبد ضحك بسخرية. "إغاثة؟ إنهم يعطوننا بطانيات ويأخذون كرامتنا"، فكر. كان يعرف أن الولابات المتحدة جزء من اللعبة. يرسلون المساعدات ليبرروا صمتهم و يقتلوا المزيد ، بينما الأسلحة الأمريكية تستمر في القتل. "كلهم شركاء في الخرافة"، فكر، وهو يتذكر كيف كان باراك يتباهى بقتل الأطفال.
14 لكن السخرية لم تخفف من ألمه. كلما تذكر وجوه أطفاله، شعر أن قلبه يتمزق. يراع، الذي كان يرسم طائرات على ورق ممزق. سعيد، الذي كان يغني عن البحر. محمد، الذي لم يعش سوى ثلاثة أشهر. ومهند، الذي كان يخطو خطواته الأولى. كلهم ذهبوا، لكن وجوههم بقيت محفورة في روحه. "كيف ينامون بهدوء وهم ميتون؟"، تساءل مرة أخرى، وكأن أرواحهم رفضت أن تخضع للمحتل حتى في الموت.
15 قرر أبو العبد أن يتحرك. لن يبقى في البيت يبكي. كان يعلم أن الاحتلال يريد تحويله إلى جثة أخرى، لكنه قرر أن يكون شوكة في حلقهم. تذكر كيف كان والده يحمل بندقية قديمة، وكيف كان يقول: "البندقية ليست للقتل، بل للحياة". أبو العبد قرر أن يبحث عن تلك البندقية. ربما تكون مخبأة في مكان ما، تحت الأنقاض أو في ذكريات الأجداد.
16 خرج إلى شوارع المخيم. الدمار كان في كل مكان. بيوت مدمرة، أطفال يبكون، وأمهات يصرخن. لكنه لاحظ شيئاً آخر: عيون الشباب كانت مليئة بالغضب. "غزة لن تموت"، فكر، وهو يرى شاباً يحمل عبوة صنعت في غزة في مواجهة دبابة. كان يعلم أن العبوة وحدها لن تهزم الدبابة، لكنه كان يرمز إلى شيء أكبر: الإرادة. "هذه هي فلسطين"، فكر، " صاروخ عبوة في وجه دبابة، وأمل في وجه قناص".
17 في تلك اللحظة، سمع أبو العبد صوت قصف بعيد. لكنه لم يعد يخاف. كان يشعر أن أطفاله ما زالوا معه، في كل نبضة من قلبه. "سأحملكم معي"، همس، وهو يتذكر وجوههم الهادئة. كان يعلم أن الاحتلال سيستمر في قتله، لكنه عرف أيضاً أن الأمل سيستمر في المقاومة. "غزة لن تموت"، فكر، وهو يستعد ليوم جديد.
18 في تلك الليلة، جلس أبو العبد في زاوية البيت. أخرج صورة قديمة لزوجته وأطفاله. كانت الصورة ممزقة، لكن وجوههم كانت واضحة. "أنتم ملائكة الآن"، همس، وهو يتخيل أطفاله في عالم آخر، بعيد عن القناصة والتجويع. لكنه عرف أن مهمته لم تنته. سيحمل بندقية والده، وسيواجه الاحتلال، ليس لأنه يريد القتل، بل لأنه يريد الحياة.
19 قبل أن يغلق عينيه، سمع صوت قصف بعيد. لكنه لم يعد يخاف. كان يشعر أن أطفاله ما زالوا معه، في كل نبضة من قلبه. "سأحملكم معي"، همس، وهو يتذكر وجوههم الهادئة. كان يعلم أن الاحتلال سيستمر في قتله، لكنه عرف أيضاً أن الأمل سيستمر في المقاومة. "غزة لن تموت"، فكر، وهو يستعد ليوم جديد.
20 ينتهي المشهد الرابع بأبو العبد واقفاً أمام بيته المدمر. الزنانة لا تزال تحوم، لكنه لم يعد يراها. كل ما يراه هو وجوه أطفاله، وكل ما يسمعه هو أحلامهم. قرر أن يبحث عن بندقية والده، ليبدأ رحلة جديدة. لن يكون ضحية، بل مقاتلاً يحمل إرث الطيرة وأحلام أطفاله. في غزة، الأمل لا يموت، حتى لو قتل الاحتلال كل شيء.
القسم الخامس: ملائكة الأنقاض
1 تحت سماء غزة المغبرة، وقف أبو العبد في قلب أنقاض جباليا، ممسكًا ببندقية جده الصدئة، ثقيلة كأنها تحمل أوزار التاريخ. لم تكن البندقية مجرد سلاح، بل رمزًا لإرث المقاومة الذي حمله أسلافه في الطيرة وحيفا. عيناه، اللتين جفت دموعهما، كانتا تحدقان في الأفق الممزق بالقنابل، لكن قلبه كان يرى وجوه أطفاله الأربعة: يراع وسعيد ومحمد ومهند. لم يكن يبحث عن انتقام، بل عن حياة تستحق أن تُعاش، حياة يستعيد فيها كرامة الأرض التي نهبها المحتل.
2 غزة كانت تنزف. التجويع، ذلك السلاح الصامت، كان يقتل ببطء أشد قسوة من الرصاص. أبو العبد رأى الأطفال في المخيم يبحثون عن فتات الخبز في كل مكان ، وأمهات يصرخن من أجل قطرة حليب. لكنه رأى أيضًا شيئًا آخر: إرادة لا تنكسر. شباب يصنعون صواريخ من أنابيب صدئة، وأطفال في عيونهم غضب مكتوم ضد دبابات المركافا. "هذه هي غزة"، فكر، "حجر في وجه دبابة، وأمل في وجه قناص". كان يعلم أن المقاومة المسلحة ليست مجرد سلاح، بل روح تنبض في كل زاوية من هذه الأرض.
3 في تل أبيب، كان باراك، وزير الدفاع الصهيوني، يجلس في مكتبه الفخم، محاطًا بصور "انتصاراته" المزيفة. لكنه لم يكن يرى النصر، بل كوابيس الأطفال الذين قتلهم. وجوه يراع وسعيد ومحمد ومهند كانت تطارده، عيونهم الهادئة كالملائكة تتحول إلى اتهامات صامتة. "لماذا؟"، كأنهم يسألون. لكنه لم يجد إجابة سوى كذبة "الأمن القومي" التي يرددها كالببغاء. كان يعلم أن التجويع والقنص ليسا دفاعًا، بل جزءًا من هولوكوست غزة، لكنه لم يستطع التوقف. "إنهم تهديد"، كان يقول، محاولًا إقناع نفسه، لكن صوت الملائكة كان أقوى.
4 السخرية المرة كانت في تناقضه. باراك، الذي يدعي أنه يحمي "شعب الله المختار"، كان يعيش في مأزق وجودي. كل طفل يقتله يصنع مقاومًا جديدًا. كل بيت يدمره يزرع بذرة ثورة. "إنهم لا يستسلمون"، فكر، وهو يقرأ تقارير المخابرات عن صواريخ غزة البدائية التي تخترق دروع "القبة الحديدية". كان يعرف أن المقاومة المسلحة ليست مجرد أسلحة، بل إرادة لا تُهزم. "إنهم يقاتلون من أجل الحياة، بينما نحن نقتل من أجل السيطرة"، همس لنفسه في لحظة نادرة من الصدق.
5 في غزة، كان أبو العبد يسير بين الأنقاض، ممسكًا ببندقيته كأنها عصا موسى. كان يتذكر كيف كان والده يحكي عن المقاومة في حيفا، حين كانوا يقاتلون ببنادق صدئة ضد عصابات الإرغون والهاغاناه. "كنا نقاتل من أجل الأرض، وليس من أجل الموت"، كان يقول. أبو العبد عرف أن هذا الإرث هو ما يحمله الآن. لم يكن يريد أن يقتل، بل أن يعيش. لكنه كان يعلم أن الحياة في ظل الاحتلال تتطلب مقاومة، مقاومة مسلحة تجعل المحتل يعيش في خوف دائم.
6 السخرية كانت في أن الاحتلال، الذي يملك أسلحة متطورة ودعمًا من بنوك روتشيلد وواشنطن، كان يرتجف أمام شباب يحملون أسلحة وصواريخ بدائية. "إنهم يظنون أن التجويع سيكسرنا، لكنه يصنعنا"، فكر أبو العبد، وهو يرى شابًا يرسم على جدار مدمر عبارة: "سنعود". كان يعلم أن هذه الكلمات ليست مجرد شعارات، بل وعدًا سيُنفذ يومًا ما. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، همس، وهو يتخيل يومًا ينهار فيه الاحتلال تحت وطأة المقاومة.بعد أن كسرت قامته الوجودية شجاعة الف شاب
7 في تل أبيب، كان باراك يقرأ تقريرًا عن عملية في جباليا. "أربعة أطفال، رصاصات قنص متفجرة"، كتب في التقرير. لكنه لم يشعر بالنصر. كان يعرف أن كل طفل يقتله يزرع بذرة مقاومة جديدة. كان يتذكر 7 أكتوبر، ذلك اليوم الذي هز كيانهم، حين اخترقت المقاومة جدران "الأمن القومي" وأظهرت هشاشة الاحتلال. "سيأتي 7 أكتوبر آخر" وربما أكثر من سبعة اكتوبر من أين ربما من كل بلاد الطوق وربما حتى من مظاهرات الاحرار في العالم لتغير ليس معادلات غزة بل معادلات السلطة في العالم ، فكر، وشعر برعشة خوف. كان يعلم أن المقاومة المسلحة لن تتوقف، لأنها ليست مجرد سلاح، بل هدف أسمى .
8 أبو العبد، في غزة، كان يرى ذلك في عيون الناس. رغم التجويع والقصف، كان الأمل ينبض في كل زاوية. كان يرى ذلك في الأطفال الذين يلعبون بين الأنقاض، وفي الأمهات اللواتي يتشاركن آخر حبات الأرز. "هذا هو هولوكوست غزة"، فكر، "لكنه لن يهزمنا". كان يتذكر كيف كان يراع يرسم بيوتًا لا تسقط، وكيف كان سعيد يغني عن البحر. حتى محمد ومهند، رغم صغرهما، كانا يمثلان الأمل. "إنهم يقتلون أطفالنا، لكنهم لن يقتلوا أحلامهم"، فكر.
9 في تلك الليلة، جلس أبو العبد في زاوية بيته المدمر. أخرج صورة قديمة لزوجته وأطفاله. كانت الصورة ممزقة، لكن وجوههم كانت واضحة كالنجوم في سماء غزة. "أنتم ملائكة الآن"، همس، وهو يتخيل أطفاله في عالم آخر، بعيد عن القناصة والتجويع. لكنه عرف أن مهمته لم تنته. سيحمل بندقيته، وسيواجه المحتل، ليس لأنه يريد القتل، بل لأنه يريد الحياة. "سأبني لكم بيتًا لا يسقط، يا يراع"، فكر، وهو يشعر بروحه تعود إليه.
10 في تل أبيب، كان باراك يعيش في مأزق وجودي. كان يعلم أن الاحتلال يعيش على كذبة "الأرض الموعودة"، لكنه كان يعرف أيضًا أن هذه الكذبة ستنهار يومًا ما. كل صاروخ من غزة، كل حجر يرميه طفل، كل صرخة أم، كانت تضع المحتل في مأزق أعمق. "إنهم لا يقاتلون من أجل الموت، بل من أجل الحياة"، فكر، وهو يتذكر هروبه من جنوب لبنان. كان يعلم أن المقاومة المسلحة ستجعل الاحتلال يعيش في خوف دائم، حتى يسقط.
11 أبو العبد، في غزة، كان يرى ذلك في كل زاوية. الأطفال، رغم الجوع، كانوا يضحكون. الشباب، رغم القصف، كانوا يصنعون الأمل من الأنقاض. "هذا هو الفرق بيننا وبينهم"، فكر. الاحتلال يقتل بالجوع والرصاص، لكن غزة تقاوم بالإيمان. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، فكر، وهو يتذكر كيف هزت المقاومة أركان الاحتلال في ذلك اليوم. كان يعلم أن الانتقام ليس في القتل، بل في الحياة، في المقاومة التي تجعل المحتل يعيش في جحيم من صنعه.
12 السخرية كانت في أن الاحتلال، الذي يملك أسلحة متطورة ودعمًا دوليًا، كان يرتجف أمام شباب غزة. كان باراك يقرأ تقارير عن صواريخ بدائية تخترق "القبة الحديدية"، وعن أنفاق تتحدى الحصار. "إنهم لا يملكون شيئًا، لكنهم يملكون كل شيء"، فكر، وهو يشعر بالعجز. كان يعلم أن المقاومة المسلحة ليست مجرد سلاح، بل إرادة لا تُهزم. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، همس، وشعر بالخوف يتسلل إلى قلبه.
13 في غزة، كان أبو العبد يستعد ليوم جديد. لم يعد يخاف من صوت القصف أو طنين الزنانات. كان يشعر أن أطفاله معه، في كل نبضة من قلبه. "سأحملكم معي"، همس، وهو يتذكر وجوههم الهادئة. كان يعلم أن الاحتلال سيستمر في القتل، لكنه عرف أيضًا أن المقاومة ستستمر. "غزة لن تموت"، فكر، وهو يمسك ببندقيته، مستعدًا لمواجهة المحتل.
14 في تل أبيب، كان باراك يحاول الهروب من أشباحه. كان يتذكر كيف كان يتباهى بقتل دلال المغربي، وكيف قتل شاعرًا فلسطينيًا متنكرًا بزي امرأة. "كنت بطلًا"، فكر، لكن الصوت في رأسه كان يقول: "كنت جبانًا". كان يعرف أن قتل الأطفال ليس بطولة، بل جريمة. لكنه لم يستطع التوقف. "إنهم تهديد"، كان يردد، لكن أشباح الأطفال كانت ترفض أن تتركه.
15 أبو العبد، في غزة، كان يرى النتيجة. التجويع جعل الناس أضعف، لكنه جعل إرادتهم أقوى. كان يرى الأمهات يتشاركن آخر حبات الأرز، والأطفال يضحكون رغم الجوع. "هذا هو الفرق بيننا وبينهم"، فكر. الاحتلال يقتل بالجوع والرصاص، لكن غزة تقاوم بالأمل. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، فكر، وهو يتذكر كيف كان يراع يقول: "بابا، سأبني بيتًا لا يسقط".
16 في تل أبيب، كان باراك يعيش في جحيم من صنعه. كل صاروخ من غزة، كل حجر يرميه طفل، كان يذكره بهشاشة الاحتلال. "إنهم لا يملكون شيئًا، لكنهم يملكون كل شيء"، فكر، وهو يقرأ تقريرًا عن أنفاق غزة. كان يعلم أن المقاومة المسلحة ستجعل الاحتلال يعيش في مأزق وجودي، حتى يسقط. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، همس، وشعر بالخوف يعتصر قلبه.
17 أبو العبد، في غزة، كان يستعد للمعركة. لم يكن يبحث عن الموت، بل عن الحياة. كان يعلم أن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد لكسر الاحتلال. "إنهم يظنون أن التجويع سيكسرنا، لكنه يصنعنا"، فكر، وهو يتذكر وجوه أطفاله. كان يرى يراع يرسم بيته، وسعيد يغني عن البحر، ومحمد ومهند يبتسمان. "سأحمل أحلامكم"، همس، وهو يمسك ببندقيته.
18 في تل أبيب، كان باراك يشعر بالهزيمة. كان يعلم أن الاحتلال يعيش على كذبة، وأن هذه الكذبة ستنهار يومًا ما. كل صاروخ، كل حجر، كل صرخة، كانت تضع الاحتلال في مأزق أعمق. "إنهم لا يقاتلون من أجل الموت، بل من أجل الحياة"، فكر، وهو يتذكر 7 أكتوبر. كان يعلم أن المقاومة المسلحة ستستمر، حتى يسقط الاحتلال تحت وطأة إرادة غزة.
19 أبو العبد، في غزة، كان يرى ذلك في كل زاوية. الأطفال يلعبون، الأمهات يقاومن، والشباب يصنعون الأمل من الأنقاض. "هذا هو هولوكوست غزة"، فكر، "لكنه لن يهزمنا". كان يعلم أن المقاومة المسلحة ستجعل المحتل يعيش في جحيم من صنعه. "سيأتي 7 أكتوبر آخر"، فكر، وهو يتذكر كيف هزت المقاومة أركان الاحتلال. كان يعلم أن الانتقام ليس في القتل، بل في الحياة، في المقاومة التي تجعل المحتل يعيش في خوف دائم.
20 ينتهي المشهد الخامس بصورة درامية: أبو العبد واقفٌ في أنقاض جباليا، ممسكًا ببندقيته الغول، عيناه تحدقان في الأفق، وحوله اولاد كثر صنعوا المعجزات حتى بات رئيس أركان العدو الصهيوني يقول إن جيشه ينهار في غزة لكن قلب ابو العبد يرى وجوه أطفاله. في تل أبيب، باراك يعيش في جحيم أشباحه، يعلم أن المقاومة المسلحة جعلت الاحتلال يعيش في مأزق وجودي اخير حتى يسقط. "سيكون كل يوم الاحتلال في غزة 7 أكتوبر آخر"، يهمس أبو العبد، وهو يستعد ليوم جديد، مع جيش من المقاومين ،حاملاً أحلام أطفاله وإرث المقاومة. في غزة، الأمل لا يموت، والمقاومة هي الحياة.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجثمان النابض - (رواية عن الهولوكوست الفلسطيني في فلسطين وف
...
-
قمة ألاسكا - عندما يلتقي بوتين وترامب لتقسيم العالم على كأس
...
-
الرداء المرصع بالنجوم..رواية عن الهولوكوست في غزة
-
مملكة الظلمات: بين التطبيل للقضية الفلسطينية وتمويل مذابحها
-
المركب السكران في بحر الثقافة العربية: رحلة أحمد صالح سلوم ب
...
-
تاريخ عريق بالجعجعة و القتل على الهوية..
-
الخازوق الروسي وغباء بروكسل... واشنطن تنتحر بابتسامة
-
هولوكوست الصحفيين الفلسطينيين في زمن التيك توك (إسرائيل تتفو
...
-
إسرائيل تتفوق على النازيين بستة أضعاف والبيت الأبيض يصفق ..ا
...
-
آل سعود وثاني: حراس الإبداع أم قوادو التخلف؟ رحلة في تدمير ا
...
-
أغنية -مربى الدلال- لزياد الرحباني: وعي طبقي ساخر، وإبداع مو
...
-
آل سعود وثاني واردوغان.. مهندسو إفقار العرب و ابادتهم من الع
...
-
ألاسكا: حيث يوقّع ترامب استسلام الناتو وبوتين يحتسي فودكا ال
...
-
هولندا وأبقارها المعجزة: مسرحية الغرب الهزلية لتدمير أحلام ا
...
-
سنغافورة الاوهام: من السودان إلى سوريا، رحلة التدمير بضمانة
...
-
نتنياهو ومسرحية الفتح الهزلي: غزة تكتب النهاية بسخرية التاري
...
-
مسرحية -ائتلاف أريزونا-: كوميديا فاشية بنكهة بلجيكية مضحكة ح
...
-
مسرحية الخيانة اللبنانية: نواف سلام، جعجع، والكتائب في دور ا
...
-
أفيون إعلام أكاذيب الوحدة 8200
-
ما بين جون ميرشايمر وسمير امين :أسرار الإبادة الجماعية الأمر
...
المزيد.....
-
-شاعر البيت الأبيض-.. عندما يفتخر جو بايدن بأصوله الأيرلندية
...
-
مطابخ فرنسا تحت المجهر.. عنصرية واعتداءات جنسية في قلب -عالم
...
-
الحرب في السودان تدمر البنية الثقافية والعلمية وتلتهم عشرات
...
-
إفران -جوهرة- الأطلس وبوابة السياحة الجبلية بالمغرب
-
يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
-
هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني
...
-
فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
-
وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل
...
-
رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم
...
-
ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب
...
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|