|
رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين بغزة )
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 07:46
المحور:
الادب والفن
مقدمة عن الرواية :
تتميز "تحت الركام" بقدرتها على المزج بين الواقعية والخيال، مما يجعلها نصًا يعكس تجربة الاحتلال النازي الإسرائيلي في غزة التي تفوق بمعدل قتل النازيين، بخمسة إلى عشر أضعاف، حسب مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية ، لكنه يتجاوز الحدث التاريخي ليقدم تأملًا فلسفيًا عالميًا. شخصية سارة، التي قد تكون مستوحاة من جنود حقيقيين، تُقدم كرمزٍ للإنسان الممزق بين الضمير والأيديولوجيا. لحظة إنقاذها للطفل الفلسطيني من تحت الركام تمثل نقطة تحولٍ دراماتيكية، تجمع بين الواقعية (الدمار في غزة) والخيال (الرمزية العميقة للطفل كممثل للبراءة والحياة). هذا المزيج يعكس تأثير غسان كنفاني، الذي استخدم الأرض كرمزٍ للهوية في أعمال مثل "رجال في الشمس".النخيل، كعنصرٍ واقعي-متخيل، يبرز كرمزٍ قوي في الفصل الخامس. في الواقع، النخيل موجود في فلسطين، لكنه في الرواية يصبح رمزًا للصمود والأمل، يظهر كشجرةٍ تقاوم الدمار وتعلن استمرار الحياة. هذا الاستخدام الرمزي يعزز البعد الفلسفي للرواية، حيث يصبح النخيل شاهدًا على مقاومة الشعب الفلسطيني، وفي الوقت نفسه، مرآةً لتحول سارة الداخلي من جنديةٍ إلى إنسانةٍ تبحث عن الخلاص. هذه الواقعية المتخيلة تجعل الرواية نصًا متعدد الطبقات، يتحدث إلى القارئ على مستوياتٍ مختلفة: التاريخي، الإنساني، والرمزي. النقد الاجتماعي والسياسي: تفكيك الأيديولوجيا
تقدم الرواية نقدًا لاذعًا للأيديولوجيا الصهيونية وللآلة العسكرية التي تحوّل الإنسان إلى أداةٍ للقمع خدمة لبنوك روتشيلد ، والاحتكارات المالية، التي صنعت الكيان النازي الصهيوني . من خلال رحلة سارة، تكشف الرواية عن عملية غسل الأدمغة التي يخضع لها الجنود، حيث يُزرع فيهم أن الفلسطيني "عدو" بلا إنسانية. هذا النقد يتماشى ، مع التركيز على الصراع الفلسطيني كصراعٍ إنساني، لكنه يتجاوز السياق المحلي ليقدم نقدًا عالميًا للأنظمة التي تُلغي الفردية والضمير. في الفصل الأول، نرى كيف تُزرع هذه الأيديولوجيا في سارة من خلال التدريب العسكري، حيث تُقدم الأوامر كحقائق مطلقة. لكن مع تقدم السرد، خاصة في الفصل الثالث، تنهار هذه الأيديولوجيا عندما تواجه سارة الواقع الإنساني للفلسطينيين.الرواية تنتقد أيضًا المجتمع النازي الإسرائيلي البليد ، الذي يظهر في الفصل الخامس كمجتمعٍ يعيش في فقاعةٍ من اللامبالاة. تل أبيب، بمقاهيها وأسواقها، تُقدم كمدينةٍ منفصلة عن أهوال غزة، مما يعكس سخرية في تصوير التناقضات الاجتماعية. هذا النقد السياسي يجعل الرواية صوتًا قويًا في مواجهة الظلم، حيث تكشف عن الآلية التي تحوّل الأفراد إلى أدواتٍ في خدمة أهدافٍ استعمارية أمريكية بريطانية المانية. النخيل، كرمزٍ للأرض الفلسطينية، يعزز هذا النقد، حيث يظهر كشاهدٍ على مقاومة شعبٍ يرفض الاستسلام. الرؤية الإنسانية: الخلاص في زمن الوحشية
"تحت الركام" ليست مجرد رواية عن الصراع الفلسطيني، بل هي تأملٌ عميق في الإنسانية في مواجهة الوحشية. من خلال سارة، تقدم الرواية صورةً للإنسان الذي يكتشف ضميره في خضم الفوضى، ومن خلال النخيل، تقدم صورةً لأرضٍ ترفض أن تموت. الرواية، بمزيجها من الواقعية والخيال، وبأسلوبها السردي الغني، تذكّرنا بأن الإنسانية، رغم كل شيء، تبقى ممكنة. لحظة إنقاذ سارة للطفل تمثل انتصارًا للضمير على الأيديولوجيا، وشجرة النخيل في الفصل الخامس تمثل أملًا يتجاوز الدمار. هذه الرؤية تجعل الرواية نصًا خالدًا، يتحدث إلى كل من يبحث عن معنى في عالمٍ ممزق.
خاتمة "تحت الركام" هي روايةٌ تجمع بين العمق النفسي، النقد الاجتماعي، والرمزية الغنية، مقدمةً رؤيةً إنسانية في سياقٍ سياسي معقد. من خلال سارة، تكشف الرواية عن تناقضات الإنسان في مواجهة الأيديولوجيا، ومن خلال النخيل، تؤكد على صمود الأرض وشعبها. رغم بعض التحديات الأسلوبية، يبقى النص صوتًا قويًا يدعو إلى التأمل في الإنسانية، مما يجعله إضافةً مميزة إلى الأدب العربي والعالمي. …………….
الرواية :
الفصل الأول: الأوامر العمياء
السماء فوق فلسطين تلبدت بغيوم رمادية، كأنها تحمل في طياتها أنفاس الأرض الموجوعة. سارة، الشابة البريطانية ذات الخامسة والثلاثين، وقفت على أطراف المعسكر العسكري في صحراء النقب، ترتدي زيًا عسكريًا جديدًا يثقل كتفيها. كانت عيناها الزرقاوان، الموروثتان من أمها الإنجليزية، تحدقان في الأفق حيث تتلاشى الرمال في ضباب الحر. لم تكن هذه الأرض التي تخيلتها في طفولتها، حين كانت تجلس في غرفة المعيشة بلندن، تسمع قصص جدتها عن "أرض الميعاد"، أرضٌ وعدت بها الأساطير والكتب المقدسة. كانت تلك القصص تُروى بلغةٍ مشبعة بالحماس، كأن الأرض تنتظرها لتكمل ملحمة شعبٍ مختار. لكن الآن، وهي تقف تحت شمسٍ لا ترحم، شعرت بشيءٍ غامضٍ يعتصر قلبها، كأن الأرض تنبض تحت قدميها بنبضٍ مختلف، نبضٍ يحمل ألمًا لم تتوقعه.
في المعسكر، كان الهواء مشبعًا برائحة المعدن المسخن والغبار. الضباط يصرخون بأوامر حادة، والجنود الشباب يتحركون كالآلات، يحملون بنادقهم كما لو كانت امتدادًا لأجسادهم. سارة، التي التحقت بالجيش الإسرائيلي بعد سنوات من التردد، كانت لا تزال تشعر بغربةٍ خفية. لم تكن مثل الجنود الآخرين، أولئك الذين ولدوا هنا، في هذه الأرض، ونشأوا على قصص الحرب والنصر. كانت بريطانية، ابنة مدينةٍ رمادية، حيث كان الصراع مجرد أخبار في الصحف. لكنها اختارت أن تأتي، بدافعٍ لم تفهمه تمامًا، ربما كان إيمانًا بالقضية التي زُرعت في قلبها، أو رغبةً في إثبات شيءٍ لنفسها أو بتأثير امبراطوريات الكذب الإعلامي الاستعماري ، مثل البي بي سي التي صنعت خرافة الشعب المختار ، برومانسية ، على مقاس مصالح الاحتكارات المالية لبنوك روتشيلد و سيتي لندن ،وليبتلي الشعب الفلسطيني، بهذه الآلات البشرية ،المبرمجة ،وفق اله الربح إلروتشيلدي كحاملة طائرات للناتو الأمريكي .
"الفلسطيني عدو!" هكذا بدأت المحاضرة الأولى في المعسكر. الضابط، رجلٌ ذو وجهٍ محفور بالتجاعيد كخريطة حروبٍ قديمة، وقف أمام الجنود، صوته يهز الجدران الإسمنتية. "لا إنسانية لهم، لا حقوق. هم الذين يهددون وجودنا. إذا ترددتم، ستكونون أنتم الضحايا." كانت الكلمات ترن في أذني سارة كنشيدٍ عسكري، لكنها شعرت بانقباضٍ في صدرها. حاولت أن تتجاهله، أن تُقنع نفسها أن هذه الكلمات هي الحقيقة، الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تؤمن بها. لكن شيئًا ما، عميقًا في داخلها، كان يهمس بصوتٍ خافت: "هل هذا صحيح؟"
المهمة الأولى جاءت سريعًا. اقتحامٌ في مدينة الخليل، حيث كان عليهم تفتيش بيوتٍ مشتبه بها. سارة سارت مع وحدتها، بندقيتها مشدودة إلى كتفها، قلبها يخفق بقوة. الشوارع الضيقة كانت مليئة بالحياة، رغم التوتر الذي يعم الجو. أطفال يلعبون بكرةٍ بالية، نساء يحملن سلال الخضروات، رجال يتكئون على الجدران يدخنون سجائرهم بهدوءٍ يخفي الخوف. عندما وصلت الوحدة إلى البيت المستهدف، دُفع الباب بعنف، واندفع الجنود إلى الداخل. سارة كانت في المؤخرة، تحاول أن تبدو واثقة، لكن يديها ترتجفان.
في غرفة المعيشة الصغيرة، وقفت امرأة عجوز، شعرها الأبيض ملفوف بعناية تحت حجابٍ أسود. كانت تمسك بمسبحتها، أصابعها النحيلة تتحرك بسرعة، تهمس بآياتٍ لم تفهمها سارة. عينا العجوز التقتا بعينيها، وكأن نظرتها تخترقها، ترى ما وراء الزي العسكري، ما وراء القناع الذي ارتدته. "اخرجوا من بيتي!" قالت العجوز بصوتٍ هادئ لكنه حاد كشفرة. الجنود تجاهلوها، قلبوا الأثاث، كسروا إطار صورةٍ قديمة كان يزين الحائط. سارة وقفت متجمدة، تشعر وكأنها دخيلة، كأنها اقتحمت حياةً لا تعرفها.
"تحركي، سارة!" صرخ الرقيب، وهو يدفعها نحو غرفةٍ أخرى. في الغرفة، وجدت سريرًا صغيرًا، عليه دميةٌ مهترئة. كانت الدمية تذكرها بشيءٍ من طفولتها، دمية مشابهة كانت تضعها على سريرها في لندن. للحظة، تخيلت طفلةً تنام هنا، تحلم أحلامًا صغيرة، قبل أن يقتحم الجنود عالمها. خرجت من الغرفة مسرعة، تحاول أن تهزأ من نفسها: "هذه مجرد مشاعر سخيفة. أنتِ هنا لمهمة."
لكن المشاعر لم تتركها. في تلك الليلة، عادت إلى المعسكر، استلقت على سريرها الحديدي، وحاولت النوم. لكن عيون العجوز ظلت تطاردها. كانت تلك العيون تحمل شيئًا لم تستطع فهمه، شيئًا بين التحدي والحزن. حاولت أن تتذكر كلمات الضابط: "الفلسطيني عدو." لكن الكلمات بدت جوفاء الآن، كأنها لا تستطيع أن تملأ الفراغ الذي بدأ يتشكل في قلبها.
في الأيام التالية، تكررت المهمات. اقتحامات، تفتيشات، صراخ. في كل مرة، كانت سارة ترى وجوهاً جديدة: أم تحمي طفلها، رجلٌ عجوز يرفض أن يترك بيته، شاب ينظر إليها بغضبٍ مكتوم. كانت تحاول أن تُقنع نفسها أنها على صواب، أنها تدافع عن شعبها، عن الأرض التي وُعدت بها. لكن في كل مرة، كان صوتٌ داخلي يهمس: "هل هذه الأرض حقًا لك؟"
في إحدى الليالي، أثناء دورية في غزة، توقفت وحدتها أمام منزلٍ مدمر جزئيًا. كان الهواء يحمل رائحة البارود والغبار. الجنود كانوا يضحكون، يتبادلون النكات عن "العرب" و"إرهابييهم". سارة وقفت على الجانب، تحدق في شجرة زيتونٍ كانت لا تزال تقاوم وسط الركام. فجأة، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه بكاء طفل. اقتربت، لكن الرقيب أمرها بالعودة. "لا وقت لهذه الهراءات!" صرخ. لكن الصوت ظل يرن في أذنيها، كأنه دعوةٌ من مكانٍ بعيد.
في تلك اللحظة، شعرت سارة بشيءٍ يتغير في داخلها. لم تكن تعرف ما هو، لكنها شعرت أن الأرض التي تقف عليها ليست مجرد أرض، بل قلبٌ ينبض بحكاياتٍ لم تُروَ بعد. شجرة الزيتون، بأوراقها الخضراء المغبرة، بدت وكأنها تتحدث إليها، تهمس بلغةٍ لا تفهمها، لكنها تشعر بها. كانت الأرض تناديها، ليس كفاتحة، بل كشاهدةٍ على ما يحدث.
عادت إلى المعسكر تلك الليلة، لكن النوم لم يأتِ. استلقت على سريرها، تحدق في السقف الإسمنتي، وتتساءل: "من أنا هنا؟ جندية؟ غريبة؟ أم شيءٌ آخر؟" كانت الكلمات التي تلقنتها في المعسكر تتلاشى، كأنها حبرٌ يذوب تحت المطر. لكنها لم تكن مستعدة بعد لمواجهة الحقيقة. كانت لا تزال جندية، تحمل بندقية، وتتبع أوامر. لكن في أعماقها، بدأت تشعر أن هذه الأوامر عمياء، وأن عينيها بدأتا تريان ما لم يُطلب منها أن تراه.
الأيام مرت، وكل اقتحامٍ جديد كان يضيف ثقلًا إلى قلبها. في إحدى المهمات، رأت صبيًا يجري في الشارع، يحمل كتابًا مدرسيًا. عندما أوقفه الجنود، نظر إليها بنظرةٍ لم تستطع تفسيرها: مزيجٌ من الخوف والتحدي. "تحرك، يا صغير!" صرخ أحد الجنود، لكن الصبي ظل واقفًا، يحدق في سارة. في تلك اللحظة، شعرت وكأنها هي المستهدفة، كأن نظرته تخترقها، تتهمها. عادت إلى المعسكر تلك الليلة، وفي يدها صورةٌ عقلية لم تستطع محوها: وجه الصبي، عيناه، والكتاب الذي كان يحمله، كأنه درعٌ ضد العالم.
كانت سارة على أعتاب شيءٍ لم تفهمه بعد. كانت لا تزال تؤمن، أو تحاول أن تؤمن، بالقضية التي جاءت من أجلها. لكن الأرض، الوجوه، الأصوات، كلها بدأت تتحدث إليها بلغةٍ جديدة. كانت الأوامر التي تلقتها تبدو كالسلاسل، تحد من حركتها، لكنها لم تستطع بعد أن تكسرها. كانت لا تزال جندية، لكن في قلبها بدأت تنمو بذرةٌ صغيرة، بذرةٌ من شك، من إنسانية، من شيءٍ قد يغير كل شيء.
الفصل الثاني: الوجوه المقنعة
تحت سماء غزة الملبدة بدخان الانفجارات، كانت سارة تمشي خلف وحدتها، خطواتها ثقيلة كأنها تحمل جبلًا على كتفيها. الزي العسكري، الذي بدا في البداية رمزًا للقوة، صار الآن عبئًا يضغط على جسدها النحيل. كانت البندقية في يدها باردة، معدنية، كأنها امتداد لإرادة ليست إرادتها. الشوارع الضيقة، المغطاة بالركام، كانت تحكي قصصًا لم تُروَ بعد: جدرانٌ متشققة، نوافذ محطمة، وأصوات أطفالٍ تختلط بالريح. كل خطوة كانت تضيف إلى قلبها سؤالًا جديدًا، سؤالًا لم تجرؤ على نطقه بصوتٍ عالٍ: "ما الذي أفعله هنا؟"
المهمة كانت واضحة، كما كانت كل المهمات. اقتحام حيّ في شمال غزة، تفتيش بيوت مشتبه بها، و"تأمين المنطقة"، كما يحب الضباط أن يقولوا. لكن الكلمات التي كانت تبدو منطقية في غرفة العمليات، وسط خرائط وأوامر مكتوبة بدقة، كانت تفقد معناها هنا، وسط الركام والوجوه. الجنود حولها كانوا يتحركون بثقةٍ آلية، يصرخون بالعبرية، يدفعون الأبواب، يقلبون الأثاث. سارة، التي كانت لا تزال تُعتبر "البريطانية الجديدة"، كانت تحاول أن تكون مثلهم، أن تُخفي ترددها وراء قناعٍ من الصلابة. لكن القناع كان يتشقق، يومًا بعد يوم.
في أحد البيوت، وقفت أمام مرآةٍ مكسورة معلقة على جدارٍ متصدع. رأت انعكاسها: وجهٌ شاحب، عينان زرقاوان تحملان ظلال التعب، وخوذةٌ تضغط على شعرها الأشقر. للحظة، شعرت أنها تنظر إلى شخصٍ آخر، شخصٍ لا تعرفه. "من أنتِ؟" همست في داخلها، لكن صوت الرقيب قطع أفكارها: "سارة، تحركي! لا وقت للحلم!" اندفعت إلى الغرفة التالية، حيث كان الجنود يفتشون خزانة مليئة بملابس الأطفال. قميصٌ صغير، أزرق باهت، سقط على الأرض. التقطته سارة دون تفكير، ثم أعادته إلى مكانه بسرعة، كأنها تخشى أن يراها أحد.
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا من الخارج. طفلٌ يبكي. اقتربت من النافذة المحطمة، ورأت صبيًا لا يتجاوز العاشرة يقف في الشارع، يحمل كرةً بلاستيكية مهترئة. كان ينظر إلى الجنود، عيناه مملوءتان بالخوف، لكنه لم يهرب. لسببٍ ما، ابتسمت سارة له، ابتسامةً تلقائية، كأنها تحاول أن تقول: "أنا لست مثلهم." لكن زميلها، يوسف، صرخ في الصبي: "ابتعد، يا حيوان!" الكلمة ضربت سارة كالصفعة. التفتت إلى يوسف، لكنها لم تقل شيئًا. كيف تستطيع؟ كانت جزءًا من هذا النظام، من هذه الآلة التي لا تتوقف.
في المساء، عادت الوحدة إلى المعسكر. كان الجنود يضحكون، يتبادلون القصص عن "العملية الناجحة". لكن سارة جلست على سريرها الحديدي، تحدق في يديها. كانت لا تزال تشعر بملمس القميص الأزرق، نعومته، كأنه يحمل ذكرى طفلٍ لم ترَ وجهه. حاولت أن تتذكر كلمات الضابط في التدريب: "الفلسطيني عدو. لا مكان للرحمة." لكن الكلمات بدت كأنها تنتمي إلى عالمٍ آخر، عالمٍ لا تستطيع أن تكون جزءًا منه بعد الآن.
الأيام التالية كانت أشبه بسلسلة من الكوابيس المتكررة. اقتحامات، صراخ، وجوهٌ تحمل الحزن والغضب. في إحدى المهمات، أُمرت سارة بمرافقة ضابطٍ كبير إلى مكتبٍ ميداني لتسليم تقارير. كان المكتب عبارة عن غرفةٍ إسمنتية باردة، مليئة بالأوراق والخرائط. الضابط، رجلٌ ذو شاربٍ كثيف وعينين لا تعرفان الرحمة، كان يوقّع على الأوامر بسرعة، كأنه يوقّع على قوائم طعام. "كم بيتًا دمرنا اليوم؟" سأل بلا مبالاة. "ثلاثة، سيدي," أجاب الجندي بجانبه. "جيد. نريد عشرة غدًا." ضحك الضابط، ضحكةً خشنة كصوت المحركات. سارة وقفت في الزاوية، تشعر وكأنها غريبة في هذا المشهد. كانت الأوامر تُكتب بحبرٍ أسود، لكنها رأت فيها دمًا.
في تلك الليلة، حاولت أن تكتب رسالة إلى والدتها في لندن. أمسكت بالقلم، لكن الكلمات لم تأتِ. ماذا يمكن أن تقول؟ "أمي، أنا هنا، أدافع عن قضيةٍ لا أفهمها؟" أو "أمي، رأيت وجوهًا تجعلني أشك في كل شيء؟" رمَت القلم، واستلقت على سريرها، تحدق في السقف. كانت تشعر أنها ترتدي قناعًا ثقيلًا، قناع جندية، قناع امرأةٍ لا تعرف نفسها. في الخارج، كان الجنود يضحكون، يتبادلون النكات عن "العرب" و"إرهابييهم". كانت النكات قاسية، كأنها سكاكين تُغرز في الهواء. سارة أغلقت أذنيها، لكن الأصوات اخترقتها.
في إحدى الدوريات، توقفت وحدتها عند نقطة تفتيش. كان الجو باردًا، والريح تحمل رائحة الغبار. اقتربت امرأة فلسطينية، تحمل طفلًا رضيعًا ملفوفًا ببطانيةٍ بالية. كانت عيناها مملوءتين بالإرهاق، لكنها رفعت رأسها بكبرياءٍ وهي تُظهر أوراقها. "تفتيش!" صرخ الجندي بجانب سارة. بدأ يفتش حقيبتها بعنف، كأنه يبحث عن كنزٍ مخفي. المرأة وقفت صامتة، لكن عينيها التقتا بعيني سارة. كانت النظرة تحمل اتهامًا، لكنها تحمل أيضًا شيئًا آخر: إنسانيةً عارية، كأنها تقول: "أنا مثلكِ، لماذا تفعلين هذا؟" سارة أدارت وجهها، تشعر بالخجل. لكن الصورة بقيت محفورة في ذهنها: المرأة، الطفل، والبطانية التي بدت كأنها الدرع الوحيد في عالمٍ قاسٍ.
في المعسكر، كانت الحياة تتحرك كالآلة. الجنود يتدربون، يأكلون، يضحكون، ثم يخرجون إلى المهمات. لكن سارة بدأت تشعر أنها خارج هذا الإيقاع. كانت تجلس في غرفة الطعام، تسمع الضحكات، لكنها لا تستطيع الانضمام إليها. في إحدى الليالي، اقتربت منها زميلتها، ليلى، وهي جندية إسرائيلية شابة ذات ابتسامةٍ مشرقة. "ما بكِ، سارة؟ تبدين كأنكِ في عالمٍ آخر," قالت ليلى. حاولت سارة أن تبتسم، لكن ابتسامتها كانت باهتة. "أنا فقط... متعبة," قالت. لكن الحقيقة كانت أعمق. كانت تشعر أنها تائهة، بين عالمين: عالم الأوامر والقناع الذي ترتديه، وعالمٍ آخر بدأت تراه في عيون الناس الذين تقتحم بيوتهم.
في إحدى المهمات الأخيرة لهذا الفصل من حياتها، كانت سارة تقف عند مدخل حيّ مدمر في غزة. كان الهواء ثقيلًا برائحة البارود. الجنود كانوا يفتشون بيتًا صغيرًا، وكانت الأصوات تملأ المكان: صراخ الأوامر، بكاء طفلٍ في مكانٍ ما، وصوت الريح التي تحمل الغبار. سارة وقفت عند الباب، تحدق في شجرة زيتونٍ نصف محترقة تقاوم الوقوف وسط الركام. فجأة، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه أنين. اقتربت، لكن الرقيب أمسك ذراعها. "لا تذهبي إلى هناك!" قال بحدة. لكن الصوت ظل يرن في أذنيها، كأنه دعوةٌ من مكانٍ بعيد.
تلك الليلة، عادت إلى المعسكر، لكن شيئًا في داخلها كان قد تغير. كانت تشعر أن القناع الذي ترتديه أصبح ثقيلًا جدًا، كأنه سيطحنها. جلست على سريرها، تحدق في بندقيتها. كانت البندقية رمزًا لكل ما آمنت به، أو حاولت أن تؤمن به. لكن الآن، بدت كجسمٍ غريب، كشيءٍ لا ينتمي إليها. أغلقت عينيها، وحاولت أن تتذكر وجه الصبي بالكرة، وجه المرأة بالطفل، عيون العجوز في الخليل. كانت تلك الوجوه تطاردها، كأنها أرواحٌ تطالبها بالحقيقة.
"هل هذه أنا؟" سألت نفسها في صمت. لم يكن هناك جواب. لكن في تلك اللحظة، شعرت أن شيئًا بداخلها بدأ يتشقق، كأن قناعها الذي طالما ارتدته بدأ يسقط. كانت لا تزال جندية، لا تزال تحمل الأوامر، لكن في قلبها بدأت تنمو بذرةٌ جديدة، بذرةٌ من شك، من إنسانية، من شيءٍ قد يغير كل شيء.
الفصل الثالث: تحت الركام
الليل في غزة لم يكن ليلًا، بل جرحًا مفتوحًا ينزف دخانًا وصمتًا. كانت السماء ملبدة بغيومٍ سوداء، كأنها ستائرُ مسرحٍ ترتفع عن مأساةٍ لا تنتهي. سارة، التي كانت لا تزال تحمل بندقيتها كامتدادٍ لجسدها، تقدمت مع وحدتها وسط شوارعٍ مدمرة، حيث كان الركام يغطي الأرض كأنه جلدٌ متشقق. كانت الانفجارات قد توقفت مؤقتًا، لكن الهواء كان مشبعًا برائحة البارود والموت. الجنود حولها كانوا يتحركون كالظلال، وجوههم مخفية خلف خوذاتهم، أصواتهم خشنة بالأوامر والنكات القاسية. لكن سارة، التي بدأت تشعر بثقل القناع الذي ترتديه، كانت تسير كمن يمشي في حلمٍ لا ينتمي إليه. قلبها كان يخفق بقوة، ليس خوفًا من العدو المزعوم، بل من شيءٍ أعمق، شيءٍ بدأ يتشكل في أعماقها كسؤالٍ لا يمكن تجاهله: "هل أنا على الجانب الصحيح من التاريخ؟"
المهمة كانت اقتحام حيٍّ في شمال غزة، حيث كان المبنى المستهدف عبارة عن أنقاضٍ نصف منهارة. الضابط، رجلٌ ذو عينين باردتين كالصلب، أعطى الأوامر بصوتٍ لا يعرف التردد: "لا نترك شيئًا خلفنا. افحصوا كل زاوية." سارة، التي كانت تقف في مؤخرة الوحدة، شعرت بثقل الكلمات. "لا نترك شيئًا"، كرر الضابط، وكأن الحياة نفسها هي العدو. تقدمت مع الجنود، خطواتها مترددة، عيناها تجوبان الركام بحثًا عن شيءٍ لم تفهمه بعد. كانت الأرض تحت قدميها تنبض، كأنها تحمل أنفاسًا محبوسة، أرواحًا لم تُدفن بعد.
في وسط المبنى المهدم، توقفت سارة فجأة. سمعت صوتًا خافتًا، أنينًا يشبه بكاء طفل. كان الصوت يأتي من تحت كومة من الحجارة والإسمنت المتصدع. "اسمعوا!" قالت، لكن صوتها غرق وسط ضجيج الجنود. اقتربت، قلبها يدق بعنف، وكأن شيئًا في داخلها يدفعها إلى الأمام. بدأت تزيل الحجارة بيديها، غبار الركام يغطي وجهها، يدخل رئتيها. الجنود نظروا إليها باستغراب، لكنها لم تتوقف. كانت تعمل كمن تملكه قوةٌ غريبة، قوةٌ لا تفهم مصدرها. تحت الركام، ظهرت يدٌ صغيرة، ثم وجه طفلٍ لا يتجاوز الثالثة. كان وجهه مغطى بالغبار، عيناه مفتوحتان، تحملان رعبًا وحياةً في آنٍ واحد. بجانبه، كانت أمٌ شابة، جسدها باردٌ، ذراعاها ملفوفتان حول الطفل كأنها درعٌ أخير. كانت ميتة، لكن يديها لا تزالان تحميان.
سارة توقفت للحظة، أنفاسها متقطعة. نظرت إلى الأم، إلى عينيها المغلقتين، إلى وجهها الذي بدا هادئًا رغم الموت. ثم نظرت إلى الطفل، الذي مد يده الصغيرة نحوها، كأنه يطلب الحياة. في تلك اللحظة، نسيت سارة كل شيء: الأوامر، الضابط، البندقية. كل ما رأته هو طفلٌ يتشبث بالحياة. أمسكت بيده، وسحبته بحذر من تحت الركام. كان جسده يرتجف، لكنه لم يبكِ. كأن عينيه، المليئتين بالغبار والدموع، تقولان: "أنتِ آخر أملي."
"ماذا تفعلين؟" صرخ الرقيب، وهو يندفع نحوها. كان وجهه مشتعلًا بالغضب، عيناه تلمعان كالنار. "إنه عدو! سيصبح قاتلًا يومًا ما!" سارة التفتت إليه، ولم تتعرف على صوتها وهي تصرخ: "إنه طفل!" كانت الكلمات تنفجر منها كالرصاص، كأنها تطلق النار على كل ما آمنت به يومًا. الجنود حولها وقفوا متجمدين، ينظرون إليها كأنها خائنة. لكن سارة لم تهتم. كانت تحمل الطفل بين ذراعيها، تشعر بدفء جسده الصغير، بدقات قلبه الضعيفة. كان الطفل ينظر إليها، عيناه مفتوحتان، كأنه يرى فيها شيئًا لم ترَه هي في نفسها.
فجأة، ظهرت امرأةٌ من بين الركام. كانت فلسطينية، وجهها مغطى بالغبار، عيناها مليئتان بالدموع. كانت تحمل بطانيةً مهترئة، وتقدمت نحو سارة بخطواتٍ مترددة. لم تتكلم، لكن عينيها كانتا تحملان لغةً لا تحتاج إلى كلمات. كانت تبكي، لكن سارة لم تفهم ما إذا كانت دموعها للطفل، أو للأم الميتة، أو ربما كانت دموع غضبٍ لها، الجندية التي تقف أمامها. مدّت المرأة يديها، وأخذت الطفل من سارة. في اللحظة التي انتقل فيها الطفل إلى ذراعيها، توقف عن الارتجاف. كأن المرأة كانت ملاذًا، حصنًا من الدفء في عالمٍ بارد. بدأت المرأة تبكي بصوتٍ عالٍ، صوتٍ يحمل كل ألم الأرض. سارة وقفت متجمدة، تشعر أن قلبها يتمزق. لم تكن تعرف إن كانت المرأة تبكي على الطفل، أو على الأم، أو على شيءٍ أكبر، شيءٍ يتجاوز اللحظة.
"سارة!" صوت الرقيب قطع الهواء كالسوط. "ابتعدي الآن!" أمسك ذراعها بعنف، وسحبها بعيدًا عن المرأة والطفل. لكن سارة لم تقاوم. كانت عيناها مثبتتين على المرأة، التي كانت لا تزال تبكي، تحتضن الطفل كأنه ابنها. الجنود حولها بدأوا يتحركون، يصرخون بالأوامر، لكن سارة كانت في عالمٍ آخر. كانت تشعر أن شيئًا في داخلها قد انكسر، أو ربما تحرر. لكن قبل أن تفهم ما حدث، شعرت بيدٍ قوية تسحبها إلى الخلف. "أنتِ خائنة!" صرخ جنديٌ آخر، وجهه مشوه بالغضب. "كيف تجرئين؟"
لم تُجب سارة. كانت لا تزال ترى وجه الطفل، يد الأم الباردة، عيون المرأة الفلسطينية. كانت تلك الصور تحفر نفسها في ذهنها، كأنها وشمٌ لا يمكن محوه. الجنود سحبوها إلى العربة العسكرية، ودفعوها إلى الداخل بعنف. أحد الجنود بصق على الأرض أمامها، وآخر تمتم بكلمة "خائنة" بصوتٍ منخفض، لكنه كان حادًا كالسكين. سارة جلست في زاوية العربة، تحدق في يديها، وكأنها تبحث عن آثار الطفل، عن دليلٍ على أن ما فعلته كان حقيقيًا.
في القاعدة العسكرية، تم تجريدها من زيها العسكري. كان الجنود ينظرون إليها بازدراء، كأنها لم تكن واحدة منهم يومًا. أُدخلت إلى غرفة استجوابٍ صغيرة، جدرانها إسمنتية باردة، وسقفها مضاء بضوءٍ أصفر يطن كالذباب. المحقق، رجلٌ ذو وجهٍ كالحجر، وقف أمامها، يضرب الطاولة بقبضته. "لماذا أنقذتيه؟" صرخ. "أنتِ تعرفين الأوامر! لا نترك شيئًا خلفنا على قيد الحياة!" سارة نظرت إليه، عيناها خاليتان من الخوف. "كان طفلًا," قالت بهدوء. "لا أستطيع أن أترك طفلًا يموت." ضحك المحقق، ضحكةً ساخرة. "طفل؟ سيصبح إرهابيًا! أنتِ تواطأتِ مع العدو!"
كانت الكلمات تتساقط عليها كالمطر الحامض، لكن سارة لم تشعر بالألم. كانت تفكر في الطفل، في يده الصغيرة التي أمسكت بها، في عيني المرأة التي حملته. كانت تشعر أنها، لأول مرة، فعلت شيئًا صحيحًا، شيئًا يتجاوز الأوامر والقوانين. لكن الجنود لم يتركوها. أُدخلت إلى زنزانةٍ ضيقة، كأنها صندوقٌ حديدي، مضاءة بضوءٍ أصفر يطن باستمرار. كانت الجدران تضيق عليها، كأنها تحاول سحقها. في تلك الزنزانة، بدأت سارة تسمع صوتًا داخليًا، صوتًا لم تسمعه من قبل. كان يسألها: "هل أنتِ خائنة؟ أم أنكِ إنسانة؟"
في الليالي التالية، كان الجنود يقتحمون زنزانتها، يسخرون منها، يقهقهون بصوتٍ عالٍ كأنهم يحتفلون بسقوطها. بعضهم كانوا من أصدقائها، أو هكذا ظنت. كانت ترى في عيونهم اتهامًا: "خنتِنا. خنتِ القضية." لكن سارة لم تكن تشعر بالخيانة. كانت تشعر أنها، لأول مرة، صادقة مع نفسها. كانت ترى وجه الطفل في كل زاوية من الزنزانة، تسمع أنينه، تشعر بدفء يده. كان ذلك الطفل هو الحقيقة الوحيدة التي تملكها الآن.
في إحدى الليالي، جاءت إحدى المجندات، صديقةٌ قديمة تدعى ميرا. وقفت أمام الزنزانة، تنظر إلى سارة بعينين مليئتين بالحزن والغضب. "لماذا فعلتِ هذا؟" سألت. "كنتِ واحدة منا." سارة نظرت إليها، وابتسمت ابتسامةً باهتة. "لا أعرف إن كنتِ واحدة منا يومًا," قالت. "لكنني أعرف الآن أنني لا أستطيع أن أكون مثلكم." ميرا التفتت وغادرت، تاركة سارة وحيدة مع الضوء الأصفر والصمت.
في تلك الزنزانة، بدأت سارة تتساءل عن كل شيء. عن الأوامر التي تلقتها، عن القضية التي آمنت بها، عن نفسها. كانت تشعر أنها تقف على حافة هاوية، هاويةٍ بين الإنسانية والوحشية. كل ما تعلمته في المعسكر، كل الكلمات عن "العدو" و"الواجب"، بدت الآن كأنها أكاذيب. لكن الحقيقة كانت أصعب. كانت الحقيقة في يد الطفل الصغيرة، في عيون الأم الميتة، في دموع المرأة التي حملته. كانت الحقيقة في الأرض التي تنبض تحت الركام، ترفض أن تموت.
سارة أغلقت عينيها، وحاولت أن تتذكر وجه الطفل. كان وجهه هو الشيء الوحيد الذي يمنحها القوة في تلك الزنزانة. كانت تعرف أنها ستدفع ثمنًا باهظًا، لكنها كانت تعرف أيضًا أنها، لأول مرة، اختارت الحياة على الموت. وفي تلك اللحظة، شعرت أنها لم تعد جندية، بل إنسانة، إنسانةٌ تقف تحت الركام، تحمل قلبًا بدأ ينبض من جديد.
### الفصل الرابع: تيار الضمير
في الزنزانة الضيقة، حيث كان الضوء الأصفر يطن كحشرةٍ محتضرة، كانت سارة جالسة على الأرض، ظهرها متكئ على الجدار الإسمنتي البارد. الجدران، التي بدت كأنها تضيق عليها مع كل نفس، كانت تحمل صدى الأصوات التي سمعتها في الأيام الماضية: صراخ الجنود، ضحكاتهم الساخرة، اتهاماتهم التي تقطّر حقدًا. "خائنة!" كانت الكلمة تتردد في ذهنها، لكنها لم تعد تؤلمها. كانت تشعر أنها، رغم الظلام الذي يحيط بها، قد بدأت ترى نورًا داخليًا، نورًا ولد من يد طفلٍ صغيرة أمسكت بها تحت الركام. كانت الزنزانة، بضيقها وبرودتها، مسرحًا لصراعٍ داخلي، حيث كانت أفكارها تتدفق كالنهر، تحمل ذكرياتٍ وأسئلةً وشكوكًا لم تعد قادرة على كبتها.
كانت الأصوات في رأسها تختلط. صوت والدتها في لندن، وهي تقرأ لها قصصًا عن "أرض الميعاد"، عن شعبٍ مختار يحارب من أجل بقائه. كانت تلك القصص، في غرفة المعيشة الدافئة المطلة على شوارع لندن الممطرة، تبدو كحلمٍ جميل، كملحمةٍ بطولية. لكن الآن، في هذه الزنزانة، بدت تلك القصص كأنها أكاذيب، كلماتٌ مكتوبة بحبرٍ زائف. كانت تتذكر يديها وهي تمسكان بالقلم في مدرستها الثانوية، تكتب مقالات عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". كانت تتذكر التصفيق الحار من معلميها، الابتسامات الفخورة من والديها. لكن الآن، كل ذلك بدا بعيدًا، كأنه ينتمي إلى حياةٍ أخرى، حياةٍ عاشتها امرأةٌ لم تعد تعرفها.
الضوء الأصفر في السقف كان يومض، كأنه يحاكي نبض قلبها. كانت تتذكر وجه الطفل، عينيه المملوءتين بالرعب والأمل، يده الصغيرة التي تشبثت بها. كانت تلك اليد، رغم ضعفها، قوية بما يكفي لتهز أسس إيمانها. "لماذا أنقذته؟" كان صوت المحقق يتردد في ذهنها. كان قد ضرب الطاولة بقبضته، وجهه مشوه بالغضب، وهو يصرخ: "أنتِ تعرفين الأوامر! لا نترك شيئًا على قيد الحياة!" كانت إجابتها بسيطة، مقتضبة، كأنها تنطق بحقيقةٍ لا تحتاج إلى تفسير: "كان طفلًا." لكن المحقق لم يقبل الإجابة. "طفل؟ سيصبح إرهابيًا! أنتِ تواطأتِ مع العدو!" كانت الكلمات تقطر حقدًا، لكن سارة لم تشعر بالخوف. كانت تشعر، لأول مرة، أنها تقف على أرضٍ صلبة، أرضٍ بنتها من قرارها.
الأفكار كانت تتدفق الآن، كأنها نهرٌ لا يتوقف. تذكرت طفولتها في لندن، الشوارع الرطبة، رائحة القهوة في المطبخ، صوت والدها وهو يتحدث عن "اليهود المضطهدين" الذين وجدوا أخيرًا وطنًا. كانت تتذكر الليالي التي قضتها في غرفتها، تقرأ كتبًا عن الهولوكوست، عن معاناة شعبٍ جعلها تشعر أنها جزءٌ من قضيةٍ عظيمة. لكن الآن، في هذه الزنزانة، كانت ترى وجهًا آخر للقضية. كانت ترى وجه الأم الميتة تحت الركام، ذراعيها ملفوفتين حول طفلها كأنها تحميه من العالم. كانت ترى عيون المرأة الفلسطينية، التي أخذت الطفل منها، عيونٍ مليئة بالحزن والغضب. "هل كانت تبكي عليه؟ أم كانت تلعنني؟" سألت سارة نفسها، لكن الإجابة كانت تهرب منها.
الجنود كانوا يقتحمون زنزانتها بين الحين والآخر. كانوا يسخرون، يقهقهون بصوتٍ عالٍ كأنهم يحتفلون بسقوطها. "خائنة!" قال أحدهم، وبصق على الأرض أمامها. "كيف تجرئين على إنقاذ عدو؟" قال آخر. لكن الأصعب كان عندما جاءت ميرا، صديقتها القديمة. وقفت ميرا أمام الزنزانة، عيناها مليئتان بالحزن والخيبة. "لماذا، سارة؟" سألت، صوتها يرتجف. "كنتِ واحدة منا. كيف تخليتِ عنا؟" سارة نظرت إليها، وحاولت أن تجد الكلمات. "لم أتخلَّ عنكم," قالت أخيرًا. "لكنني لم أعد أستطيع أن أكون مثلكم." ميرا هزت رأسها، كأنها تحاول أن تفهم، لكنها لم تستطع. غادرت، تاركة سارة وحيدة مع الضوء الأصفر والصمت.
في تلك اللحظات، كانت أفكار سارة تتدفق كسيلٍ لا يمكن إيقافه. كانت تتذكر لحظاتٍ صغيرة من حياتها: يوم اشترت دراجتها الأولى في لندن، يوم وقفت أمام المرآة في المعسكر لأول مرة مرتدية الزي العسكري، يوم رأت شجرة الزيتون المحترقة في غزة. كانت تلك الذكريات تختلط مع صورٍ أخرى: وجه الصبي بالكرة، عيون العجوز في الخليل، صوت الأنين تحت الركام. كانت تشعر أنها عالقة بين عالمين، عالم الأوامر والقناع الذي ارتدته، وعالمٍ آخر، عالمٍ بدأت تراه في عيون الناس الذين تقتحم بيوتهم.
في إحدى الليالي، بينما كانت جالسة في الزنزانة، سمعت صوت خطواتٍ تقترب. كان المحقق يعود، وجهه أكثر قسوة هذه المرة. "تكلمي!" صرخ، وهو يضرب الطاولة. "هل أعطيتِ معلومات للمقاومة؟ هل تواطأتِ معهم؟" سارة نظرت إليه، عيناها خاليتان من الخوف. "لم أتواطأ مع أحد," قالت بصوتٍ هادئ. "أنقذت طفلًا. هذا كل شيء." ضحك المحقق، ضحكةً خشنة كصوت المحركات. "طفل؟ أنتِ لا تفهمين شيئًا. هؤلاء ليسوا بشرًا. هم أعداء، منذ ولادتهم إلى موتهم." سارة لم تجب. كانت تشعر أن الكلمات لا فائدة منها. كانت ترى في عيني المحقق نفس الفراغ الذي رأته في عيون الضابط الذي أمر بتدمير البيوت. كان فراغًا مخيفًا، فراغًا يجعل الإنسان آلةً بلا قلب.
في تلك الزنزانة، بدأت سارة تتساءل عن معنى كل شيء. عن الإيمان الذي جاءت من أجله، عن الأوامر التي أطاعتها، عن نفسها. كانت تشعر أنها تقف أمام مرآةٍ مكسورة، ترى فيها انعكاساتٍ متعددة: الجندية التي أرادت أن تكونها، المرأة التي بدأت ترى الحقيقة، والإنسانة التي أنقذت طفلًا. كل انعكاسٍ كان يحمل جزءًا منها، لكن أيٌّ منها كانت هي؟
الذكريات كانت تتدفق الآن، كأنها فيضانٌ يجرفها. تذكرت يومًا في لندن، عندما كانت تمشي في الشارع مع والدتها، ورأت امرأةً متشردة تحمل طفلًا صغيرًا. كانت قد أعطتها قطعة نقود، وشعرت حينها بفرحةٍ غامضة، كأنها فعلت شيئًا صحيحًا. لكن الآن، في هذه الزنزانة، كانت تتساءل: "هل كنتُ أحاول إنقاذ ذلك الطفل، أم كنتُ أحاول إنقاذ نفسي؟" كانت الأسئلة تتكاثر، كل سؤالٍ يولد سؤالًا آخر، حتى شعرت أنها تائهة في متاهةٍ من الأفكار.
في إحدى اللحظات، سمعت صوتًا خافتًا، كأنه بكاء. كانت تعتقد أنه خيالها، لكن الصوت استمر. كان يأتي من داخلها، من مكانٍ عميقٍ لم تصل إليه من قبل. كانت تتذكر صوت الطفل تحت الركام، أنينه الضعيف الذي اخترق قلبها. كانت تتذكر يد الأم الباردة، التي كانت لا تزال تحمي طفلها حتى في الموت. كانت تتذكر عيون المرأة الفلسطينية، التي أخذت الطفل منها، عيونٍ كانت تحمل كل ألم العالم. "هل كنتُ أنقذه، أم كنتُ أحاول أن أثبت شيئًا؟" سألت نفسها. لكن الإجابة لم تأتِ. كل ما كانت تعرفه هو أنها، في تلك اللحظة تحت الركام، شعرت أنها إنسانة، لأول مرة.
الجنود عادوا مرةً أخرى، هذه المرة مع المزيد من السخرية. كانوا يرمون الكلمات كالسهام: "خائنة!"، "عدوة!"، "ستدفعين الثمن!" لكن سارة لم تعد تهتم. كانت تشعر أنها، رغم الظلام الذي يحيط بها، قد وجدت شيئًا يستحق. كانت ترى وجه الطفل في كل زاوية من الزنزانة، تسمع صوته، تشعر بدفء يده. كان ذلك الطفل هو الحقيقة الوحيدة التي تملكها الآن. في تلك الزنزانة، بدأت سارة تفهم أن العقوبة التي تتلقاها ليست لأنها أنقذت طفلًا، بل لأنها كسرت قانونًا غير مكتوب: قانونًا يقول إن الفلسطيني لا يستحق الحياة. لكنها لم تكن نادمة. كانت تشعر أنها، لأول مرة، حرة.
الضوء الأصفر ظل يطن، كأنه يحاكي أفكارها المتدفقة. كانت تتذكر لحظاتٍ صغيرة من حياتها: رائحة القهوة في مطبخ والدتها، صوت المطر على نوافذ لندن، ضحكاتها مع أصدقائها في المدرسة. لكن تلك الذكريات كانت تتلاشى أمام صورةٍ واحدة: يد الطفل، عينا الأم، دموع المرأة. كانت تلك الصورة هي الحقيقة التي تحملها الآن، الحقيقة التي جعلتها تشعر أنها، رغم كل شيء، لا تزال إنسانة.
في تلك الزنزانة، بدأت سارة تسمع صوتًا داخليًا، صوتًا لم تسمعه من قبل. كان يقول لها: "لقد اخترتِ الحياة." وفي تلك اللحظة، شعرت أن الزنزانة، رغم ضيقها، لم تعد سجنًا. كانت مسرحًا لولادةٍ جديدة، ولادة امرأةٍ بدأت ترى العالم بعيونٍ مختلفة.
### الفصل الخامس: الخلاص المكسور
الزنزانة، بجدرانها الإسمنتية الباردة وضوئها الأصفر الطنّان، كانت آخر ملاذٍ لسارة، أو ربما أول محطةٍ في رحلةٍ لم تتوقعها. كانت جالسة على الأرض، ركبتاها مطويتان إلى صدرها، عيناها مثبتتان على الضوء الذي يومض كقلبٍ مريض. لم تعد تشعر بالخوف، ولا بالغضب. كانت تشعر بشيءٍ آخر، شيءٍ لم تجد له اسمًا بعد: خليطٌ من الحرية والحزن، من اليقين والضياع. كانت تعرف أنها كسرت شيئًا لا يمكن إصلاحه، ليس فقط في عيون زملائها الجنود، بل في داخلها أيضًا. كانت الجندية التي جاءت إلى فلسطين المحتلة، تحمل أحلام "أرض الميعاد"، قد ماتت في تلك اللحظة التي أمسكت فيها بيد الطفل تحت الركام. لكن امرأةً أخرى كانت تولد، امرأةٌ لا تعرف بعد من تكون، لكنها تعرف أنها لن تعود إلى ما كانت عليه.
في صباحٍ بارد، اقتحم ضابطٌ الزنزانة. كان رجلًا طويلًا، وجهه محفورٌ بالتجاعيد، عيناه خاليتان من أي تعبير. وقف أمامها، يحمل أوراقًا في يده، وتحدث بصوتٍ جافٍ كالصحراء: "جنسيتك البريطانية أنقذتك. لو كنتِ إسرائيلية، لما خرجتِ من هنا حية." لم تتحرك سارة، لم ترفع عينيها. كانت الكلمات تتساقط عليها كقطرات ماءٍ على حجر، دون أن تترك أثرًا. "ستُطلقين سراحك اليوم," أضاف الضابط، وهو يرمي الأوراق على الأرض أمامها. "لكن لا تعتقدي أنكِ حرة. لقد خسرتِ كل شيء." غادر الضابط، تاركًا الباب مفتوحًا. كان الباب المفتوح، للمرة الأولى منذ أيام، يبدو كدعوةٍ وتهديدٍ في آنٍ واحد.
خرجت سارة من الزنزانة، خطواتها متثاقلة، كأنها تحمل وزن الأيام التي قضتها في العزلة. كانت الشمس تشرق فوق القاعدة العسكرية، لكن الضوء بدا باهتًا، كأنه مغطى بطبقةٍ من الغبار. الجنود الذين مرت بهم لم ينظروا إليها. كانوا يتحاشون عينيها، كأنها شبحٌ أو وصمة عار. ارتدت ملابسها المدنية، قميصًا أبيض وقطنيًا وجينزًا قديمًا، لكنها شعرت أنها لا تنتمي إلى هذه الملابس بعد الآن. كانت تشعر أنها عارية، ليس من الملابس، بل من القناع الذي ارتدته طوال تلك السنوات. في العربة التي أقلتها إلى تل أبيب، جلست في الخلف، تحدق من النافذة في المناظر التي تمر بها: حقولٌ خضراء، طرقٌ مزدحمة، مدنٌ تبدو وكأنها لم تسمع أبدًا بغزة.
في تل أبيب، كانت المدينة تعيش حياتها كأن الحرب بعيدة، كأن الركام والدموع ليست سوى أخبارٍ في نشرات المساء. الناس يتجولون في الأسواق، يضحكون في المقاهي، يرقصون تحت أضواء النوادي. لكن سارة، التي كانت تمشي في شوارع المدينة، شعرت أنها غريبة. كانت ترى ظلال غزة في كل زاوية: في عيون بائعة الزهور التي تذكرها بالمرأة الفلسطينية، في ضحكة طفلٍ يركض وراء بالون، في رائحة الغبار التي بدت وكأنها تطاردها. جلست في مقهى صغير، طلبت قهوة، لكن الرائحة أعادتها إلى ذكريات المعسكر، إلى الليالي التي كانت تشرب فيها القهوة مع زملائها، تضحك معهم، تؤمن بما يؤمنون به. لكن الآن، كانت القهوة مرة، كأنها تحمل طعم الحقيقة.
في تلك الليلة، استأجرت غرفةً صغيرة في فندقٍ متواضع. جلست على السرير، تحدق في حقيبتها التي تحمل بضع ملابس وبعض الأوراق. كانت تشعر أنها لا تملك شيئًا، ومع ذلك تملك كل شيء. كانت تملك ذكرى الطفل، يده الصغيرة التي تشبثت بها، عيون الأم الميتة التي بدت وكأنها تحميه حتى في الموت. كانت تملك دموع المرأة الفلسطينية، تلك الدموع التي كانت تحمل ألم الأرض بأكملها. قررت أن تكتب رسالة إلى والدتها في لندن، رسالةً لم تكن تعرف كيف ستبدأها أو تنهيها. أمسكت بالقلم، وكتبت:
"أمي، لقد جئتُ إلى هنا لأكون جزءًا من شيءٍ عظيم، لكنني وجدتُ شيئًا آخر. وجدتُ وجوهًا تحمل الحياة والموت، وجدتُ طفلًا أنقذته، لكنني خسرتُ نفسي. لستُ نادمة، لكنني لستُ متأكدة من شيء. أعرف الآن أن الحقيقة ليست في الأوامر، ولا في القصص التي سمعتها في طفولتي. الحقيقة في يدٍ صغيرة تشبثت بي، في دموع امرأةٍ لم أعرف اسمها. أمي، أنا لا أعرف من أكون الآن، لكنني أعرف أنني لن أعود."
لم ترسل الرسالة. طوت الورقة، ووضعتها في جيبها، كأنها سرٌ لا تريد مشاركته بعد. في اليوم التالي، قررت أن تغادر تل أبيب. أرادت أن ترى شيئًا آخر، شيئًا يعيد إليها إحساسًا بالأرض التي وقفت عليها. سافرت إلى الجليل، حيث كانت التلال الخضراء تمتد كأنها بحرٌ من الأمل. هناك، وسط حقول الزيتون، توقفت أمام شجرةٍ عتيقة، جذورها عميقة في الأرض، أغصانها ممتدة إلى السماء. كانت الشجرة تحمل ندوبًا، كأنها شهدت حروبًا وصمدت. سارة مدّت يدها، لمست ورقةً خضراء، وشعرت بدفءٍ غريب يسري في أصابعها. كأن الشجرة كانت تتحدث إليها، تهمس بلغةٍ لا تحتاج إلى كلمات.
في تلك اللحظة، تذكرت المرأة الفلسطينية التي أخذت الطفل منها. تذكرت دموعها، صوت بكائها الذي كان يحمل ألمًا وأملًا في آنٍ واحد. تذكرت يد الطفل، دقات قلبه الضعيفة التي شعرت بها عندما حملته. كانت تعرف الآن أن الفلسطينيين ليسوا أعداء، بل بشرًا يحبون، يعانون، يموتون. كانت تعرف أن الجيش الذي انضمت إليه، الذي بنته أيادٍ مالية عتيقة، لم يكن سوى آلةٍ للدمار، آلةٍ تُحوّل الإنسان إلى أداةٍ بلا قلب. لكنها، في تلك اللحظة تحت الركام، اختارت أن تكون إنسانة.
وقفت أمام الشجرة لوقتٍ طويل، تحدق في أوراقها الخضراء، في جذورها التي تتشبث بالأرض. كانت تشعر أن الشجرة تشبهها: متجذرة، لكنها تحمل ندوبًا. "الحياة تستحق," همست، وكأنها تتحدث إلى الشجرة، إلى الطفل، إلى نفسها. كانت تعرف أنها لن تعود إلى لندن، لن تعود إلى حياتها القديمة. كانت تعرف أنها ستحمل هذه اللحظة، لحظة إنقاذ الطفل، كميداليةٍ خفية في قلبها.
في تلك الليلة، عادت إلى غرفتها في الفندق، وكتبت رسالةً أخرى، هذه المرة إلى نفسها: "سارة، لقد اخترتِ الحياة. مهما كان الثمن، كنتِ على حق." طوت الورقة، ووضعتها بجانب الرسالة الأولى. كانت تشعر أنها، رغم كل شيء، قد وجدت شيئًا يستحق. كانت تشعر أنها، في تلك اللحظة تحت الركام، قد أصبحت جزءًا من أرضٍ لم تكن تعرفها، لكنها الآن جزءٌ منها. وفي تلك الليلة، نامت سارة لأول مرة منذ أيام، وهي تحلم بشجرة زيتون، ويدٍ صغيرة، وعيونٍ تبكي، لكنها تحمل أملًا لا يموت.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملخص خلفيات حرب الاستخبارات الأميركية السرية لإسقاط الدولة ا
...
-
رواية : آيات الفوضى الخلاقة
-
رواية : خرائط الجميز العجيبة
-
رواية: انفاق الزيتون الدامي
-
السلاح أو الموت: مسرحية المقاومة في زمن نتنياهو النازي الجدي
...
-
نقابات بلجيكا تقاوم لوبيات السلاح والإبادة الجماعية
-
يوم الأحد الوجودي: سخرية التاريخ من أوهام الكيان
-
رواية مشاعل الهامش
-
ترامب وزيلينسكي: مهرج ودمية يرقصان لارضاء بوتين
-
قمة ترامب وبوتين – كوميديا سوداء في زمن الدولة العميقة وأورو
...
-
رواية خيوط العنكبوت: من الباب العالي إلى هولوكوست غزة
-
كعبة ليونيل والتر ( رواية عن هولوكوست صهيو امريكي في غزة )
-
اولاد ابو العبد (رواية عن هولوكوست في غزة )
-
الجثمان النابض - (رواية عن الهولوكوست الفلسطيني في فلسطين وف
...
-
قمة ألاسكا - عندما يلتقي بوتين وترامب لتقسيم العالم على كأس
...
-
الرداء المرصع بالنجوم..رواية عن الهولوكوست في غزة
-
مملكة الظلمات: بين التطبيل للقضية الفلسطينية وتمويل مذابحها
-
المركب السكران في بحر الثقافة العربية: رحلة أحمد صالح سلوم ب
...
-
تاريخ عريق بالجعجعة و القتل على الهوية..
-
الخازوق الروسي وغباء بروكسل... واشنطن تنتحر بابتسامة
المزيد.....
-
الموسيقى الكونغولية.. من نبض الأرض إلى التراث الإنساني
-
مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت
...
-
فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا
...
-
شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز
...
-
ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
-
جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
-
مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه
...
-
بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا
...
-
الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
-
تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان
...
المزيد.....
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
المزيد.....
|