احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 18:26
المحور:
الادب والفن
مقدمة:
1.
في قلب الخربة، حيث تذرو الرياح الغبار وتنهار البيوت الطينية تحت وطأة الزمن، يقف الضريح، قبة خضراء متآكلة، كأنها كعبة صغيرة في صحراء النسيان. الناس يحجون إليه، يطوفون حوله، يتركون نذورهم، ويتمتمون بأدعية لم تُكتب في كتاب. لكنهم لا يعرفون أن هذا الضريح، الذي يعبدونه كمصدر للبركة، ليس سوى قبر كلب عجوز، دفنه أجنبي عابر، وصنعه رجال لا يعرفون الرحمة. هذا الضريح هو كعبة ليونيل، رمز لوعد زائف، كما كان وعد بلفور إلى ليونيل والتر روتشيلد، رسالة منذ أكثر من قرن، أعطت أرضًا ليست ملكًا لها، وزرعت بذور الاستغلال في تربة المنطقة.
2.
في تلك الرسالة، التي كتبت بحبر السياسة وختمت بطمع الإمبراطورية، كان النفط يختبئ في الخلفية، كالظل الذي يتبع كل خطوة استعمارية. لم تكن الخربة، بفقرها وجهلها، سوى مسرح صغير لهذا الطمع الكبير. الضريح، الذي ظهر فجأة في قلبها، لم يكن مجرد كذبة محلية، بل جزءًا من شبكة أوسع، شبكة نسجتها أيادٍ أجنبية وأموال خليجية، لتُلهي الناس عن حقيقة مواردهم المنهوبة. النفط، الذهب الأسود الذي يجري تحت أقدامهم، كان الجائزة الحقيقية، بينما الضريح كان مجرد ستار يخفي المسرحية.
3.
حميد، بطل هذه القصة، كان رجلًا بسيطًا، مثقلًا بالمرض والفقر والذنب. كان يبحث عن البركة في الضريح، كما يبحث الناس عن الأمل في وعود زائفة. لكنه، في رحلته، اكتشف الحقيقة: أن الضريح ليس سوى قبر كلب، وأن الخربة ليست سوى ضحية لوعد بلفور جديد، وعد يُعطى للناس أحلامًا بينما يُسلب منهم أرضهم ومواردهم. لكن هذه الحقيقة كانت ثقيلة جدًا، فقتلته قبل أن يستطيع إخبارها.
4.
"كعبة ليونيل والنفط" ليست قصة الخربة وحدها، بل قصة كل بلدة سُرقت مواردها تحت غطاء الدين أو الأمل. إنها قصة العقول التي هُجرت، والأراضي التي بيعت، والشعوب التي عاشت على كذبة. الضريح، بكل بساطته، هو رمز لكل وعد زائف، من رسالة بلفور إلى مشاريع النفط التي تُدار من مكاتب بعيدة. إنه كعبة مزيفة، يحج إليها الناس، لكنهم لا يعرفون أن ما يعبدونه ليس سوى سراب يخفي طمع ليونيل ومن خلفه.
5.
هذه الرواية ليست دعوة للكفر، بل دعوة للتفكير. إنها حكاية حميد، الذي مات تحت وطأة الحقيقة، وحكاية الخربة، التي استمرت في العيش على الوهم. إنها قصة النفط، الذي يُستخرج من تحت الأرض بينما الناس يدعون فوقها. وأخيرًا، إنها قصة كل واحد منا، عندما نختار الأمل الزائف على الحقيقة المؤلمة. مرحبًا بكم في الخربة، حيث الكعبة ليست سوى قبر، والنفط هو الإله الحقيقي.
الفصل الأول: الأسطورة المقدسة
1.
الخربة لم تكن بلدة بالمعنى الحقيقي، بل كانت أشبه بتجمع من بيوت طينية متداعية، تتخللها دروب ترابية ضيقة، تذروها الرياح كلما هبت. في وسطها، كما لو أن يدًا خفية وضعتها هناك بعناية، كان الضريح. قبة خضراء متآكلة، تحيط بها أعمدة رخامية مهترئة، لكنها كانت النقطة الوحيدة التي يتوقف عندها الزمن في الخربة. الناس، من الصباح حتى المغرب، يطوفون حول القبر، يتوسلون إلى الولي المجهول، يتركون نذورهم: قطع نقدية، خرق قماش، أحيانًا دجاجة مذبوحة. كان الضريح هو الرئة التي تتنفس منها البلدة، وكل ما عداه كان موتًا بطيئًا.
2.
حميد، رجل في أواخر الستينيات، كان يجلس على كرسي بلاستيكي مكسور أمام بيته الطيني. عيناه، المحاطتان بخطوط الزمن، كانتا تتابعان المارة وهم يتوجهون إلى الضريح. كان قد تقاعد من وظيفته ككاتب في دائرة البلدية منذ عشر سنوات، لكنه لم يجد في التقاعد راحة. كان يشعر أن الحياة تضيق عليه يومًا بعد يوم. الكوليسترول، الضغط، السكري، وهموم لا تُحصى تتراكم كالغبار على صدره. كان يدخن سيجارته بشراهة، وكلما نفث الدخان، كان يتذكر كلام فاروق، صديقه القديم، عن الضريح.
3.
"زُر الولي، يا حميد، وستتغير أحوالك." هكذا قال فاروق، بعيون متلألئة، وهو يروي كيف أن زيارتين للضريح جعلتا تجارته الصغيرة في بيع الأقمشة تزدهر فجأة. كان فاروق يتحدث بثقة المؤمن، كأن الضريح نفسه فتح له خزائن الرزق. لكن حميد لم يكن مقتنعًا. كان يشعر أن هناك شيئًا غامضًا في هذه القصص، شيئًا لا يستطيع تفسيره. لكنه، مع ذلك، قرر الذهاب. لم يكن لديه ما يخسره، فقد كان فقره يزداد، ومرضه يشتد، ووحدته تضيق عليه كحبل مشنقة.
4.
في صباح يوم مشمس، وقف حميد أمام الضريح. كان المكان يعج بالناس: نساء يرتدين عباءات سوداء، رجال يتمتمون بأدعية، أطفال يركضون حول الأعمدة. رائحة البخور تخترق الأنف، وصوت المؤذن من المسجد القريب يختلط بأصوات الزوار. اقترب حميد من القبر، مغطى بقماش أخضر مطرز بآيات ذهبية. لم يعرف ماذا يفعل. هل يدعو؟ يطوف؟ يترك نذرًا؟ وقف مشدوهًا، ينظر إلى الناس وهم يتحركون كأنهم في رقصة طقسية لا يفهمها.
5.
"إيش تنتظر، يا عم؟" قال صوت خلفه. كان فاضل، حارس الضريح، رجل نحيل في الأربعينيات، ذو لحية قصيرة ونظارة مكسورة. كان فاضل يرتدي جلبابًا أبيض، ويحمل في يده عصا يشير بها إلى الزوار كقائد أوركسترا. "ادعِ للولي، اطلب منه الرزق، الشفاء، أي شيء تريده!" تابع فاضل بحماس. سأل حميد، بحذر: "ومن هو هذا الولي؟" ابتسم فاضل، كأنه توقع السؤال. "هذا الشيخ الفضيل، عالم مندائي، بارك الله به وبقبره. جاء إلى الخربة، مات هنا، ومن يومها وهو يوزع البركات."
6.
لم يقتنع حميد بالإجابة، لكنه لم يرد الجدال. بدأ يتمتم بدعاء غامض، لا يعرف حتى إن كان يؤمن به. لكنه شعر بشيء يضغط على صدره، كأن عينًا خفية تراقبه. عاد إلى بيته ذلك اليوم، لكنه لم يشعر بأي تغيير. لا رزق، لا شفاء، لا حتى راحة نفسية. بدأ يتساءل: هل رفض الولي مساعدته؟ هل هناك ذنب ارتكبه منعه من البركة؟ بدأت هذه الأفكار تدور في رأسه كدوامة.
7.
في الأيام التالية، كان حميد يراقب الضريح من بعيد. كان يرى الناس يأتون بحماس، يتركون نذورهم، ويعودون بابتسامات. لكنه لاحظ أيضًا أن الخربة لم تتغير. الشوارع لا تزال موحلة، البيوت تتداعى، والشباب يهاجرون إلى المدن أو الخارج بحثًا عن عمل. كان الضريح هو الشيء الوحيد الذي يبدو مزدهرًا. حتى المسجد القريب بدا مهجورًا مقارنة به. بدأ حميد يشعر أن هناك تناقضًا، لكنه لم يجرؤ على قوله بصوت عالٍ.
8.
في إحدى الليالي، زاره فاروق. كان فاروق يرتدي ثوبًا جديدًا، ويبدو أكثر ثراءً من المعتاد. "شفت، يا حميد؟ الولي ما يخيب!" قال وهو يضحك. روى له كيف أن صفقة تجارية كبيرة أُبرمت بعد زيارته الأخيرة. لكن حميد لم يشاركه الحماس. "وما الذي فعلته بالضبط؟" سأل حميد. رد فاروق: "دعيت، وأعطيت نذرًا، وصدقني، البركة جاءت!" بدأ حميد يشعر بالغيرة، لكنه شعر أيضًا بالخزي. هل كان إيمانه ضعيفًا؟ هل فعل شيئًا أغضب الولي؟
9.
عاد حميد إلى الضريح في اليوم التالي. هذه المرة، جلب معه قطعة نقدية صغيرة، وضعها على القبر وهو يتمتم بأدعية لم يفهمها حتى هو. لكنه شعر بنفس الضغط على صدره. كان فاضل هناك، يراقبه بعينين ضيقتين. "ما تقلق، يا عم حميد، البركة تأتي لمن يصبر." قال فاضل، لكن حميد شعر أن هناك شيئًا مخفيًا في نبرته. كان فاضل يبدو كرجل يعرف أكثر مما يقول، لكنه لم يجرؤ على السؤال أكثر.
10.
بدأ حميد يتذكر حياته السابقة. لم يكن مجرمًا، لم يسرق، لم يكذب، لم يؤذِ أحدًا. لكنه بدأ يبحث في ذكرياته عن أي شيء يمكن أن يكون ذنبًا. ربما نقاشاته السياسية القديمة مع أصدقائه في المقهى؟ ربما رفضه لبعض التقاليد التي اعتبرها متخلفة؟ بدأ يشعر أن كل فعل صغير في حياته قد يكون السبب في شقائه. كان هذا الشعور يعذبه، يجعله يستيقظ ليلًا، يدخن بشراهة، ويتساءل إن كان قد أغضب الله أو الولي.
11.
في إحدى زياراته للضريح، التقى حميد بامرأة عجوز تُدعى أم سالم. كانت تجلس على الأرض، تتوسل إلى الولي أن يشفي ابنها المريض. سألها حميد عن الولي، فأخبرته أنها رأته في منامها، رجل طويل بثوب أبيض، يعد بالرزق والشفاء. "لكنه لم يشفِ ابني بعد،" قالت بحزن، "ربما لأن إيماني ضعيف." شعر حميد أن كلماتها تعكس خوفه. هل كان إيمانه هو المشكلة؟ أم أن هناك شيئًا آخر يحدث؟
12.
في تلك الليلة، لم ينم حميد. كان يجلس على كرسيه، يحدق في الظلام. بدأ يتذكر أيام شبابه، عندما كان يحلم بتغيير العالم. كان يقرأ كتبًا عن السياسة، يناقش أصدقاءه عن الاستعمار والظلم. لكنه تخلى عن تلك الأحلام عندما أدرك أن لا شيء يتغير. الخربة ظلت كما هي، والناس ظلوا يعيشون في فقر. لكن الضريح، بطريقة ما، أعطى الناس أملًا. هل كان هذا الأمل حقيقيًا؟ أم أنه مجرد وهم؟
13.
في اليوم التالي، عاد إلى فاضل وسأله عن الضريح. "كيف ظهر هذا القبر؟" سأل حميد بحذر. أخبره فاضل قصة غريبة: "استيقظنا يومًا ووجدناه هنا. كأن الولي اختار الخربة ليموت فيها ويباركها." لم يقتنع حميد. كيف يظهر قبر فجأة؟ لكنه لاحظ أن فاضل يعيش حياة أفضل من بقية سكان الخربة. كان بيته أنظف، ملابسه أجمل، حتى أطفاله يذهبون إلى مدرسة خاصة في المدينة. بدأ حميد يشك أن هناك شيئًا أكبر وراء الضريح.
14.
في إحدى الليالي، زار حميد المقهى القديم في الخربة. كان المكان شبه مهجور، لكنه لا يزال يجذب بعض كبار السن. هناك، سمع قصصًا أخرى عن الضريح. رجل عجوز قال إن الولي كان نبيًا خضرًا، بينما آخر ادعى أنه شيخ حجازي جاء للحج ومات هنا. كل قصة كانت تختلف عن الأخرى، لكن الجميع كانوا متفقين على شيء واحد: الضريح يجلب البركة. شعر حميد بالارتباك. كيف يمكن أن يكون هذا الولي كل هذه الأشياء في آن واحد؟
15.
بدأ حميد يلاحظ أنماطًا في الخربة. الشباب يهاجرون، المصانع الصغيرة تغلق، والأراضي الزراعية تُباع لشركات أجنبية. لكنه لاحظ أيضًا أن الناس لا يتحدثون عن هذا. كانوا يتحدثون فقط عن الضريح، عن البركة، عن الرزق الذي سيأتي إذا دعوا بصدق. بدأ يشعر أن هناك شيئًا خاطئًا، لكنه لم يستطع تحديده. كان خوفه من أن يكون قد أغضب الولي يسيطر عليه، يجعله يشك في نفسه أكثر من شكه في الضريح.
16.
في إحدى زياراته الأخيرة للضريح، لاحظ حميد رجلًا غريبًا يقف بعيدًا. كان أجنبيًا، يرتدي بدلة رسمية، ويحمل كاميرا. سأل فاضل عنه، فقال: "هذا خواجة، يعمل في مشروع النفط القريب. يأتي أحيانًا ليصور الضريح." شعر حميد بعدم ارتياح. لماذا يهتم أجنبي بالضريح؟ لكنه طرد الفكرة من رأسه. كان وسواسه بالذنب يسيطر عليه، يجعله يرى كل شيء كجزء من عقابه.
17.
في تلك الليلة، حلم حميد بالولي. لم يكن رجلًا طويلًا بثوب أبيض كما وصفته أم سالم. كان ظلًا غامضًا، يقف فوق قبره، ينظر إليه بعيون لا ترى. استيقظ حميد مفزوعًا، يشعر أن الولي يرفضه. بدأ يتساءل إن كان قد ارتكب ذنبًا لا يغتفر. لم يكن يتذكر شيئًا محددًا، لكنه بدأ يشعر أن حياته كلها كانت خطأ. كان هذا الشعور يأكله من الداخل، يجعله يدخن أكثر، يأكل أقل، وينام بالكاد.
18.
في اليوم التالي، عاد إلى الضريح. هذه المرة، لم يدعُ. وقف فقط، ينظر إلى القبر، يحاول فهم ما يحدث. كان فاضل هناك، يوزع النذور على الفقراء، لكنه بدا مشغولًا أكثر من المعتاد. اقترب حميد وسأله: "هل فعلت شيئًا يغضب الولي؟" ضحك فاضل وقال: "لا تقلق، يا عم. الولي يسامح الجميع، لكن عليك أن تؤمن." لكن حميد لم يشعر بالراحة. كان يشعر أن هناك سرًا يخفيه فاضل، سرًا يتعلق بالضريح نفسه.
19.
في طريق عودته إلى البيت، التقى حميد بتاجر يُدعى أبو خالد، كان يبيع أقمشة النذور قرب الضريح. سأله حميد عن الولي، فقال أبو خالد: "ما أعرف عنه شيئًا، لكن منذ ظهر الضريح، وتجارتي تزدهر." شعر حميد أن هناك شيئًا غريبًا في هذا الازدهار. لماذا يزدهر البعض بينما يتدهور حال الخربة؟ بدأ يشك أن الضريح ليس مجرد مكان للبركة، بل جزء من شيء أكبر، شيء لا يستطيع فهمه بعد.
20.
في نهاية الأسبوع، كان حميد قد زار الضريح خمس مرات. لم يتغير شيء في حياته. لا رزق، لا شفاء، لا أمل. بدأ يشعر أن الضريح يرفضه، أو أن الله نفسه قد تخلى عنه. كان هذا الشعور يعذبه، يجعله يتساءل عن كل خطوة في حياته. لكنه، في قرارة نفسه، بدأ يشعر أن المشكلة ليست فيه، بل في الضريح نفسه. كان هذا الشك صغيرًا، لكنه بدأ ينمو، كبذرة صغيرة في تربة قاحلة. لم يكن يعرف بعد أن هذا الشك سيغير كل شيء.
الفصل الثاني: أساطير الخربة
1.
حميد استيقظ في الصباح وهو يشعر بثقل في صدره، كأن الضريح نفسه قد استقر فوقه أثناء نومه. كان قد قضى أيامًا يفكر في زياراته الفاشلة للضريح، محاولًا فهم لماذا لم ينل البركة التي يتحدث عنها الجميع. الخربة كانت هادئة في تلك الساعة المبكرة، لكن الدروب الترابية بدأت تمتلئ بالزوار المتجهين إلى القبر المقدس. قرر حميد أن يعرف المزيد عن هذا الولي الغامض. لم يكن يثق تمامًا بكلام فاضل، حارس الضريح، الذي بدا وكأنه يروي قصة مختلفة في كل مرة يُسأل فيها.
2.
توجه حميد إلى الضريح مبكرًا، قبل أن يزدحم بالزوار. كان فاضل هناك، يكنس الأرض حول القبر بعصاه الطويلة. "يا عم فاضل،" بدأ حميد بحذر، "قلت لي إن الولي عالم مندائي، لكن سمعت من أبو خالد إنه شيخ حجازي. فمن هو بالضبط؟" توقف فاضل عن الكسح، ونظر إلى حميد بعينين ضيقتين. "يا عم حميد، الولي عظيم، وكل واحد يراه على طريقته. المهم البركة، مو القصة." لم يقتنع حميد، لكنه أدرك أن فاضل لن يعطيه إجابة واضحة. قرر أن يبحث بنفسه.
3.
في طريقه إلى السوق الصغير، التقى حميد بأم سالم، العجوز التي سبق أن تحدث معها. كانت تجلس على حصيرة بالقرب من الضريح، تبيع خرزات ملونة للزوار. سألها حميد عن الولي، فأخبرته بقصة جديدة. "هو النبي الخضر، يا ولدي. رأيته في المنام، طويل، بثوب أخضر، قال لي إنه جاء ليبارك الخربة." استغرب حميد. كيف يمكن أن يكون الولي مندائيًا وحجازيًا ونبيًا خضرًا في الوقت ذاته؟ بدأ يشعر أن هذه القصص ليست مجرد خرافات، بل شيء أكبر، شيء مُدبر.
4.
في السوق، اقترب حميد من دكان أبو خالد، التاجر الذي يبيع أقمشة النذور. كان أبو خالد رجلًا بدينًا، يرتدي جلبابًا نظيفًا، ويبدو أكثر رخاءً من بقية سكان الخربة. "يا أبو خالد،" سأل حميد، "كيف ظهر الضريح هذا؟" ضحك أبو خالد وقال: "ما أدري بالضبط، لكن من يوم ظهر، وتجارتي صارت زي الذهب. الناس يجون، يشترون، يتبركون، والحمد لله." لاحظ حميد أن أبو خالد لا يهتم بأصل الضريح، بل فقط بما يجلبه من ربح. شعر حميد بقلق متزايد.
5.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته الصغير، يدخن سيجارته وهو يفكر. كان يتذكر أيام شبابه، عندما كان يقرأ عن التاريخ والسياسة. كان يعرف أن الخربة لم تكن دائمًا بهذا الفقر. كانت هناك أيام كانت فيها الأراضي خصبة، والناس يعملون في مزارعهم. لكن الآن، الأراضي تُباع لشركات أجنبية، والشباب يهاجرون. بدأ يتساءل إن كان الضريح جزءًا من هذا التغيير، لكنه طرد الفكرة من رأسه. كان الخوف من مواجهة المجتمع يثقله.
6.
في اليوم التالي، ذهب حميد إلى المسجد القديم في الخربة، على أمل أن يجد إجابات من الشيخ عبد الكريم، إمام المسجد. كان المسجد شبه مهجور، مقارنة بازدحام الضريح. وجد الشيخ عبد الكريم جالسًا يقرأ القرآن. "يا شيخ،" بدأ حميد، "ما قصة هذا الضريح؟ هل هو حقًا مبارك؟" نظر الشيخ إليه بحزن وقال: "يا حميد، الناس يحبون الأمل، حتى لو كان وهمًا. أنا لا أعرف من هو الولي، لكن الناس تركوا المسجد وذهبوا إلى القبر." شعر حميد بخيبة أمل. حتى الشيخ لا يعرف.
7.
عاد حميد إلى الضريح، هذه المرة لمراقبة الناس. لاحظ أن الزوار ليسوا فقط من الخربة. كان هناك أناس من قرى مجاورة، بل حتى من المدينة. كانوا يأتون بسياراتهم، يتركون نذورًا كبيرة، ويعودون. لاحظ أيضًا أن فاضل يدير العملية ببراعة. كان يوزع النذور على الفقراء، لكنه يحتفظ بجزء منها. بدأ حميد يشك أن فاضل ليس مجرد حارس، بل ربما يكون جزءًا من شيء أكبر.
8.
في إحدى الليالي، التقى حميد بفاروق في المقهى. كان فاروق يتحدث بحماس عن الضريح، كأنه أصبح داعية له. "يا حميد، لو تزور الضريح بقلب صادق، سترى البركة!" قال فاروق. لكن حميد لم يشاركه الحماس. سأله: "وما الذي يجعل هذا الضريح مختلفًا؟ لماذا لا ندعو الله مباشرة؟" توقف فاروق لحظة، ثم قال: "الولي أقرب إلى الله، يا حميد. هو اللي يشفع لنا." لم يقتنع حميد، لكنه شعر أن فاروق لن يفهم شكوكه.
9.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يسأل أشخاصًا آخرين في الخربة. ذهب إلى الحاج محمود، رجل عجوز كان يعمل في الزراعة قبل أن تُباع أرضه. "يا حاج،" سأل حميد، "متى ظهر هذا الضريح؟" أجاب الحاج محمود: "من عشر سنين تقريبًا. كنا نزرع الأرض، وفجأة ظهر القبر. قالوا إنه ولي، ومن يومها الناس بدأت تروح له." استغرب حميد. عشر سنوات فقط؟ كيف لم يسمع به من قبل؟ بدأ يشعر أن هناك شيئًا غريبًا في هذا التوقيت.
10.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد رجلًا غريبًا مرة أخرى. كان الخواجة، المستشار الأجنبي الذي رآه سابقًا. كان يتحدث إلى فاضل، ويبدو أنهما يعرفان بعضهما جيدًا. اقترب حميد وسمع الخواجة يقول: "الناس هنا يحبون القصص. استمر في عملك، يا فاضل." شعر حميد بقشعريرة. ماذا يعني هذا؟ هل الخواجة متورط في شيء يتعلق بالضريح؟ لكنه لم يجرؤ على السؤال.
11.
في تلك الليلة، لم ينم حميد. كان يفكر في كل القصص التي سمعها. الولي مندائي، حجازي، نبي خضر. كل قصة كانت تتناقض مع الأخرى، لكن الناس كانوا يصدقونها جميعًا. بدأ يتذكر أيام دراسته، عندما قرأ عن الاستعمار وكيف كان يستخدم الدين أحيانًا للسيطرة على الناس. هل يمكن أن يكون الضريح جزءًا من هذا؟ لكنه طرد الفكرة. كان الخوف من أن يكون ملحدًا أو كافرًا يسيطر عليه.
12.
في اليوم التالي، ذهب حميد إلى مكتبة البلدية القديمة، على أمل أن يجد شيئًا عن تاريخ الخربة. المكتبة كانت مغبرة، ولم يكن هناك سوى كتب دينية قديمة وبعض الوثائق المهترئة. لكنه وجد دفترًا قديمًا يتحدث عن الأراضي التي بيعت قبل عشر سنوات. كانت الأراضي تُباع لشركات نفط أجنبية، في نفس الوقت الذي ظهر فيه الضريح. بدأ حميد يربط الأمور، لكنه لم يكن متأكدًا.
13.
عاد إلى الضريح، هذه المرة لمراقبة فاضل عن قرب. لاحظ أن فاضل يتلقى تبرعات كبيرة من زوار من خارج الخربة. كان هناك رجل يرتدي ثوبًا خليجيًا، يتحدث إلى فاضل بهدوء. سمع حميد كلمات مثل "تمويل" و"مشروع". شعر أن هناك شيئًا يحدث وراء الكواليس، لكنه لم يستطع فهمه. قرر أن يسأل فاضل مباشرة، لكنه تردد. كان يخاف أن يُتهم بالكفر إذا شكك في الضريح.
14.
في إحدى الليالي، جلس حميد مع أبو خالد في المقهى. كان أبو خالد يتحدث بحماس عن ازدهار تجارته. "يا حميد، الضريح هذا نعمة. لو ما ظهر، كنت لسه أبيع أقمشة رخيصة في السوق." سأل حميد: "بس ليش الناس كلها فقيرة إلا أنت وفاضل؟" توقف أبو خالد، ثم ضحك وقال: "هذي مشيئة الله." شعر حميد أن هذه الإجابة ليست كافية. كان هناك شيء غامض يربط الضريح بالتغيرات في الخربة.
15.
في اليوم التالي، التقى حميد بامرأة شابة تُدعى نجاة، كانت تبيع الشاي قرب الضريح. سألها عن الولي، فقالت: "ما أعرف عنه شيء، بس أبوي قال إنه ظهر بعد ما بدأوا يحفرون الأرض للنفط." استغرب حميد. حفر الأرض؟ النفط؟ بدأ يتذكر الخواجة ومشروع النفط القريب. هل هناك علاقة بين الضريح والشركات الأجنبية؟ لكنه لم يجرؤ على التفكير أكثر. كان الخوف من التشكيك في الضريح يجعله يشعر بالذنب.
16.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد أن فاضل يحتفظ بدفتر صغير يكتب فيه أسماء الزوار وتفاصيل نذورهم. اقترب وسأله: "ليش تكتب هذا؟" أجاب فاضل: "عشان نعرف مين يتبرك ومين لا." شعر حميد أن هذا الجواب غريب. لماذا يهتم فاضل بتسجيل الزوار؟ بدأ يشك أن الضريح ليس مجرد مكان ديني، بل جزء من نظام أكبر.
17.
في تلك الليلة، حلم حميد بالولي مرة أخرى. هذه المرة، كان الولي يقف في حقل نفطي، محاطًا بآلات حفر ضخمة. استيقظ حميد مفزوعًا. كان الحلم غريبًا، لكنه شعر أنه يحمل معنى. بدأ يفكر في الشركات الأجنبية التي اشترت الأراضي، وفي الخواجة الذي يظهر دائمًا قرب الضريح. لكنه لم يستطع ربط الأمور. كان الخوف من أن يكون شكه كفرًا يسيطر عليه.
18.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى شخص آخر. ذهب إلى أبو زيد، رجل عجوز كان يعمل في البلدية قبل تقاعده. سأله عن الضريح، فقال أبو زيد: "ما أعرف إلا إنه ظهر بعد ما بدأت الشركات الأجنبية تجي. كانوا يحفرون قرب الخربة، وفجأة ظهر القبر. قالوا إنه ولي، ومن يومها الناس نسيت مشاكلها وصارت تروح له." شعر حميد أن هناك نمطًا يتكرر. الضريح، النفط، الشركات الأجنبية.
19.
في زيارته الأخيرة للضريح في ذلك الأسبوع، رأى حميد الخواجة مرة أخرى. كان يتحدث إلى رجل آخر، يرتدي بدلة رسمية، ويبدو أنه من المدينة. سمع حميد كلمات مثل "استثمار" و"سياحة دينية". شعر أن الضريح ليس مجرد مكان للبركة، بل مشروع يدر أرباحًا. لكنه لم يجرؤ على مواجهة فاضل أو الخواجة. كان الخوف من اتهامه بالكفر يجعله يصمت.
20.
في نهاية الأسبوع، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته الأخيرة. كان قد سمع قصصًا كثيرة عن الضريح، لكن لم يجد إجابة واضحة. كل قصة كانت تثير شكوكه أكثر، لكنه لم يكن مستعدًا لمواجهة الحقيقة. كان يشعر أن الضريح ليس مجرد قبر، بل رمز لشيء أكبر، شيء يتحكم في الخربة وأهلها. لكنه، في الوقت ذاته، كان يخاف أن يكون شكه هو الذنب الذي يمنعه من البركة. كان عالقًا بين الإيمان والشك، بين الأمل واليأس، وهو لا يعرف إلى أين يتجه.
الفصل الثالث: الذنب المزعوم
1.
حميد لم يعد يرى الخربة كما كان يراها من قبل. كانت البلدة، ببيوتها الطينية وشوارعها المغبرة، تبدو كأنها سجن كبير يحاصره. الضريح، الذي كان يومًا مركز أمل، تحول في ذهنه إلى لغز يؤرقه. لكنه، في الوقت ذاته، بدأ يشعر أن المشكلة ليست في الضريح، بل فيه هو. كان الشعور بالذنب ينمو في صدره كعشب ضار، يخنقه كلما حاول أن يتنفس. كان يتساءل: هل رفض الولي مساعدته لأنه ارتكب ذنبًا لا يغتفر؟
2.
في صباح يوم كئيب، جلس حميد على كرسيه البلاستيكي أمام بيته. الدخان يتصاعد من سيجارته، وهو يحدق في الزوار الذين يتوجهون إلى الضريح. كان يرى في عيونهم أملًا لم يعد يفهمه. بدأ يتذكر كلام فاروق: "البركة تأتي لمن يؤمن." لكن حميد لم يشعر بأي بركة. كان فقره يزداد، ومرضه يشتد، ووحدته تتحول إلى عبء لا يطاق. بدأ يفكر أن السبب هو هو نفسه، أن هناك شيئًا فعله في الماضي أغضب الله أو الولي.
3.
عاد حميد إلى الضريح، لكنه هذه المرة لم يدعُ. وقف بعيدًا، يراقب الناس وهم يطوفون حول القبر. كان فاضل هناك، يوزع النذور ويوجه الزوار بحماس. اقترب حميد وسأله: "يا فاضل، إذا كنت فعلت شيئًا غلط في حياتي، هل يمكن أن الولي ما يقبلني؟" ابتسم فاضل وقال: "يا عم حميد، الولي يغفر للجميع. بس لازم تصدق وتتوب." لكن كلمات فاضل لم تريح حميد. كان يشعر أن هناك شيئًا يخفيه فاضل، شيئًا يتعلق بالضريح نفسه.
4.
في تلك الليلة، لم ينم حميد. كان يجلس في غرفته الصغيرة، يتذكر حياته. لم يكن لصًا، ولم يؤذِ أحدًا. لكنه بدأ يبحث في ذكرياته عن أي شيء يمكن أن يكون ذنبًا. تذكر نقاشاته السياسية في المقهى، عندما كان يتحدث عن الظلم والاستعمار. تذكر رفضه لبعض التقاليد، مثل زواج ابنته من رجل لم تحبه. بدأ يشعر أن هذه الأفعال، التي كان يراها عادية، ربما كانت السبب في شقائه. كان الشعور بالذنب يأكله من الداخل.
5.
في اليوم التالي، التقى حميد بأم سالم مرة أخرى قرب الضريح. كانت تجلس على حصيرتها، تبيع خرزاتها. سألها: "يا أم سالم، هل حسيتِ يوم إن الولي زعلان منك؟" أجابت بحزن: "أيوه، يا ولدي. ابني لسه مريض، وأنا أحس إني ما دعيت بقلب صادق. ربما أنا الغلطانة." شعر حميد أن كلماتها تعكس خوفه. كان يشعر أن إيمانه ضعيف، أو أن ذنوبه تمنعه من البركة. لكنه، في قرارة نفسه، بدأ يشك في هذا التفكير.
6.
في طريقه إلى البيت، التقى حميد بامرأة لم يرها منذ سنوات. كانت زينب، المعلمة التي كانت تدير مدرسة صغيرة في الخربة قبل أن تُطرد. كانت زينب في الأربعينيات، ذات وجه هادئ لكنه يحمل آثار الحزن. "يا معلمة زينب،" قال حميد، "وينك مختفية؟" أجابت زينب بمرارة: "طردوني من الخربة، يا حميد. قالوا إني أفسد عقول النساء لأني علّمتهم القراءة والكتابة." استغرب حميد. كيف يمكن أن يكون التعليم فسادًا؟
7.
جلس حميد مع زينب في مقهى صغير بعيد عن الضريح. أخبرته زينب قصتها. كانت تحلم بتغيير الخربة، بتعليم النساء والأطفال، لكنها واجهت مقاومة من بعض الرجال الذين اتهموها بالإلحاد. "كانوا يقولون إني أعارض إرادة الله،" قالت زينب. "لكن أنا كنت أحاول أساعد الناس. لما حاولت أعترض، جاء رجال من خارج الخربة، قالوا إني خطرة، وطردوني." شعر حميد أن هناك شيئًا غريبًا في قصتها. من هم هؤلاء الرجال؟
8.
تابعت زينب: "بعد ما طردوني، سمعت إنهم بدأوا يروجون للضريح أكثر. كأنهم يبون الناس تنسى مشاكلها وتروح تدعي هناك." بدأ حميد يربط الأمور. الضريح ظهر في نفس الوقت الذي بدأت فيه مشاكل الخربة تزداد. لكنه لم يجرؤ على قول ذلك بصوت عالٍ. كان الشعور بالذنب لا يزال يسيطر عليه. ربما كان هو الذي أخطأ عندما لم يدعم زينب في ذلك الوقت؟ بدأ يشعر أن كل قرار في حياته كان خطأ.
9.
في تلك الليلة، حلم حميد بالضريح مرة أخرى. لكنه هذه المرة رأى زينب تقف أمام القبر، تحاول أن تتكلم، لكن الناس كانوا يرمونها بالحجارة. استيقظ مفزوعًا، وهو يشعر بالخزي. كان يتذكر كيف وقف صامتًا عندما طُردت زينب. لم يدافع عنها، خوفًا من أن يُتهم هو أيضًا. بدأ يشعر أن هذا الذنب هو الذي يمنعه من البركة. لكنه، في الوقت ذاته، بدأ يشك في هذا الشعور.
10.
في اليوم التالي، عاد حميد إلى الضريح. كان يريد أن يرى إن كان بإمكانه أن يشعر بشيء مختلف. لكنه، بدلاً من الدعاء، وقف يراقب الناس. كانوا يطوفون، يتمتمون، يتركون نذورهم. لاحظ أن معظمهم فقراء، يرتدون ملابس مهترئة، لكنهم يبدون آملين. شعر حميد بالحزن. كيف يمكن أن يعيش الناس على أمل زائف؟ لكنه لم يستطع أن يقول ذلك. كان يخاف أن يكون شكه هو الذنب الأكبر.
11.
في طريقه إلى البيت، رأى حميد الخواجة مرة أخرى. كان يقف قرب الضريح، يتحدث إلى رجل آخر يرتدي ثوبًا خليجيًا. كانا يضحكان، وكأنهما يتشاركان نكتة. اقترب حميد قليلاً، وسمع الخواجة يقول: "هذا المكان ذهب. الناس يصدقون أي شيء." شعر حميد بقشعريرة. ماذا يعني هذا؟ هل الضريح مجرد خدعة؟ لكنه طرد الفكرة من رأسه. كان الخوف من الكفر يجعله يشك في نفسه أكثر من شكه في الضريح.
12.
في تلك الليلة، جلس حميد مع نفسه، يدخن سيجارته. بدأ يتذكر ابنه، المهندس الذي هاجر إلى الخارج. كان ابنه يحلم بتغيير الخربة، لكنه غادر بعد أن أغلقت الشركات الأجنبية مشروعه النفطي. تذكر حميد كيف كان ابنه يتحدث عن الاستعمار، عن كيف تتحكم الشركات الأجنبية في الموارد. بدأ يشعر أن هناك صلة بين هجرة ابنه والضريح. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يدعم ابنه أكثر. ربما كان هذا ذنبه؟
13.
في اليوم التالي، ذهب حميد إلى المقهى القديم. كان يريد أن يتحدث إلى أي شخص قد يعرف شيئًا عن الضريح. التقى بأبو زيد، الذي كان يعمل في البلدية. سأله عن زينب، فقال أبو زيد: "كانت امرأة طيبة، بس الناس ما تحب اللي يفكرون. قالوا إنها ملحدة، وطردوها." سأل حميد: "ومين طردها؟" أجاب أبو زيد: "رجال جاؤوا من برا، معاهم فلوس كثيرة. قالوا إنهم يبون يحمونا من الفساد." شعر حميد أن هناك شيئًا غريبًا في هذه القصة.
14.
عاد حميد إلى بيته، وهو يشعر بالارتباك. كان الشعور بالذنب يخنقه. بدأ يتذكر كل لحظة في حياته حاول فيها أن يفكر بشكل مختلف. تذكر كيف كان يناقش أصدقاءه عن السياسة، عن الظلم، عن الاستعمار. بدأ يشعر أن هذه النقاشات هي التي أغضبت الله. لكنه، في الوقت ذاته، بدأ يتساءل: لماذا يُتهم كل من يفكر بالكفر؟ لماذا يُطرد كل من يحاول تغيير الخربة؟
15.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد أن فاضل يبدو أكثر ثراءً. كان يرتدي نظارة جديدة، وثوبه نظيف كأنه جديد. سأله حميد: "يا فاضل، كيف صرت تعيش أحسن منا؟" ضحك فاضل وقال: "الضريح نعمة، يا عم. الناس تتبرع، وأنا أخدمهم." لكن حميد لم يقتنع. كان يشعر أن فاضل يعرف أكثر مما يقول. بدأ يتساءل إن كان الضريح نفسه هو السبب في فقر الخربة.
16.
في تلك الليلة، حلم حميد بزينب مرة أخرى. كانت تقف في وسط الخربة، تحمل كتابًا، لكن الناس كانوا يحرقون كتبها. استيقظ مفزوعًا، وهو يشعر بالخزي. كان يتذكر كيف لم يدافع عنها، كيف سكت عندما طُردت. بدأ يشعر أن هذا الذنب هو الذي يمنعه من البركة. لكنه بدأ أيضًا يشك في هذا الشعور. هل الذنب حقيقي، أم أنه مفروض عليه؟
17.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى فاروق. التقاه في المقهى، وسأله: "يا فاروق، ليش الناس كلها فقيرة إلا اللي يشتغلون بالضريح؟" توقف فاروق، ثم قال: "هذي مشيئة الله. اللي يؤمن ينال البركة." لكن حميد لم يقتنع. كان يشعر أن هناك شيئًا خاطئًا في هذا التفكير. بدأ يتساءل إن كان الضريح يُستخدم لتشتيت الناس عن مشاكلهم الحقيقية.
18.
في زيارته الأخيرة للضريح في ذلك الأسبوع، رأى حميد الخواجة مرة أخرى. كان يصور الضريح بكاميرته، ويبدو أنه يكتب ملاحظات. اقترب حميد وسمع الخواجة يقول لشخص بجانبه: "هذا المكان مثالي. الناس يصدقون كل شيء." شعر حميد بغضب، لكنه لم يجرؤ على المواجهة. كان الخوف من أن يكون شكه كفرًا يسيطر عليه. عاد إلى بيته، وهو يشعر بالعجز.
19.
في تلك الليلة، جلس حميد وحيدًا، يدخن سيجارته الأخيرة. كان الشعور بالذنب يخنقه، لكنه بدأ يتساءل: لماذا يشعر بالذنب؟ لماذا يُتهم كل من يفكر بالكفر؟ بدأ يشعر أن هذا الشعور مفروض عليه، كأنه جزء من خطة لإبقائه ساكتًا. لكنه لم يكن مستعدًا لمواجهة هذه الفكرة. كان الخوف من أن يكون ملحدًا يجعله يتشبث بالضريح، حتى لو كان يشك فيه.
20.
في نهاية الأسبوع، كان حميد قد أصبح شبحًا. كان يشعر أن الضريح يرفضه، أن الله يرفضه، أن الخربة نفسها ترفضه. لكنه، في قرارة نفسه، بدأ يشعر أن المشكلة ليست فيه. كان هناك شيء خاطئ في الضريح، في الخربة، في الطريقة التي يفكر بها الناس. لكنه لم يكن مستعدًا لمواجهة هذا الشك. كان عالقًا بين الذنب والشك، بين الإيمان والحقيقة، وهو لا يعرف كيف يهرب.
الفصل الرابع: الموارد المنهوبة
1.
حميد لم يعد يرى الخربة كما كان يراها في السابق. كانت البلدة، ببيوتها الطينية المتداعية وشوارعها المغبرة، تبدو كمسرحية كبيرة، والضريح هو بطلها الوحيد. لكنه لم يعد يرى في الضريح أملًا، بل لغزًا يحيط به الغموض. كان الشعور بالذنب لا يزال يطارده، لكنه بدأ يتساءل: هل الذنب حقيقي، أم أنه مفروض عليه ليبقى صامتًا؟ قرر أن يبحث عن الحقيقة، ولو كلفته حياته.
2.
في صباح يوم مشمس، تجول حميد في مشارف الخربة، بعيدًا عن الضريح. كان يلاحظ شاحنات ضخمة تمر على الطرق الترابية، محملة بآلات حفر ومعدات نفطية. كانت تحمل شعارات شركات أجنبية، وفي بعض الأحيان، كان يرى الخواجة، ذلك الأجنبي الذي يظهر دائمًا قرب الضريح، يتحدث إلى العمال. بدأ حميد يربط الأمور. هل كان الضريح جزءًا من خطة أكبر تتعلق بالنفط؟
3.
في طريقه إلى السوق، التقى حميد بأبو خالد، تاجر الأقمشة. كان أبو خالد يرتدي ثوبًا جديدًا، ويبدو أكثر رخاءً من بقية أهل الخربة. سأله حميد: "يا أبو خالد، ليش الخربة صارت بهذا الحال؟ كانت عندنا أراضي ومصانع، والحين ما في شيء." ضحك أبو خالد وقال: "يا حميد، هذي مشيئة الله. بس الضريح جاب لنا البركة." لم يقتنع حميد. كيف يمكن أن يكون الضريح بركة بينما البلدة تنهار؟
4.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته. كان يتذكر ابنه ياسر، مهندس النفط الذي هاجر إلى الخارج. كان ياسر يحلم ببناء مصنع في الخربة، لكنه أخبر حميد قبل رحيله أن الشركات الأجنبية أغلقت مشروعه. "ما بدهم ننجح، يا أبويا," قال ياسر. بدأ حميد يشعر أن الضريح ليس مجرد مكان للدعاء، بل وسيلة لتشتيت الناس عن نهب مواردهم. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يدعم ابنه أكثر.
5.
في اليوم التالي، قرر حميد زيارة أحد الحقول القديمة التي كانت ملكًا لعائلته. وجدها محاطة بأسلاك شائكة، وعليها لافتة تحمل اسم شركة أجنبية. رأى عمالًا يرتدون خوذات صفراء، يتحدثون بلغة لا يفهمها. اقترب من أحدهم وسأل: "إيش بتعملوا هنا؟" أجاب العامل: "نحفر بترول." شعر حميد بغضب يتصاعد في صدره. كيف يمكن أن يُستخرج النفط من أرضهم بينما هم يعيشون في فقر؟
6.
في طريق عودته، التقى حميد بشاب يُدعى سالم، كان مهندسًا شابًا عمل مع ياسر في المشروع النفطي. كان سالم يبدو منهكًا، وجهه يحمل آثار الإحباط. سأله حميد: "يا سالم، إيش صار بمشروع النفط؟" أجاب سالم بمرارة: "دمروه، يا عم. الشركات الأجنبية ما بدهم ننجح. جابوا ناس من برا، قالوا إني أنا وياسر ننشر أفكار ملحدة، وطردونا." شعر حميد بصدمة. كيف يمكن أن يُتهم مهندسون بالإلحاد لأنهم يحاولون العمل؟
7.
جلس حميد مع سالم في مقهى صغير. أخبره سالم المزيد: "الشركات الأجنبية بتتحكم بكل شيء هنا. بياخدوا النفط، ويسيبولنا الفقر. والناس بدل ما تقاوم، بتروح للضريح تدعي." بدأ حميد يربط الأمور. الضريح، الشركات، الفقر، هجرة الشباب، كلها كانت مترابطة. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يفعل شيئًا عندما طُرد سالم. كان يشعر أن سكوته جزء من المشكلة.
8.
في تلك الليلة، حلم حميد بالحقل القديم. كان يرى النفط يتدفق من الأرض، لكن الخواجة كان يقف فوقه، يضحك. استيقظ حميد مفزوعًا، وهو يشعر بضيق في صدره. كان يعرف أن النفط هو السبب الحقيقي وراء خراب الخربة، لكنه لم يستطع فهم كيف يرتبط بالضريح. قرر أن يعود إلى الضريح ليراقب أكثر، ليفهم اللغز.
9.
في اليوم التالي، وقف حميد بعيدًا عن الضريح، يراقب الناس وهم يطوفون حول القبر. كان فاضل هناك، يوزع النذور ويوجه الزوار بحماس. لاحظ حميد أن الزوار لم يكونوا فقط من الخربة. كان هناك أناس من قرى مجاورة، بل وحتى من المدينة. كانوا يأتون بسياراتهم، يتركون تبرعات كبيرة، ويعودون. بدأ حميد يشعر أن الضريح ليس مجرد مكان ديني، بل مشروع تجاري.
10.
في إحدى الليالي، جلس حميد مع أبو زيد في المقهى القديم. سأله عن الشركات الأجنبية. أجاب أبو زيد: "هذول الناس بياخدوا النفط ويسيبولنا الفقر. بس الناس مشغولين بالضريح، ما يشوفوا الحقيقة." أضاف: "سمعت إن الضريح ظهر بنفس الوقت اللي بدأوا فيه يحفروا النفط. غريب، مش كذه؟" شعر حميد أن هناك صلة واضحة بين الضريح ونهب الموارد. لكنه شعر بالذنب لأنه لم ينتبه لهذا من قبل.
11.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد الخواجة يتحدث إلى رجل يرتدي ثوبًا خليجيًا. كانا يضحكان، وكأنهما يتشاركان نكتة. اقترب حميد وسمع الخواجة يقول: "هذا المكان ذهب. الناس يدفعون عشان يؤمنوا." شعر حميد بقشعريرة. ماذا يعني هذا؟ هل كان الضريح جزءًا من خطة لتشتيت الناس عن النفط؟ لكنه لم يجرؤ على المواجهة. كان الخوف من اتهامه بالكفر يسيطر عليه.
12.
في تلك الليلة، حلم حميد بابنه ياسر. كان يقف في حقل نفطي، يحاول إصلاح آلة، لكن الخواجة كان يقف فوقه، يضحك. استيقظ حميد، وهو يشعر بضيق في صدره. كان يعرف أن هجرة ياسر لم تكن مجرد خيار، بل كانت نتيجة خطة. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يحاول إيقافه. كان يفكر: ربما لو دعمته، لكان بقي هنا، ولكان غير شيئًا.
13.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى نجاة، الفتاة التي تبيع الشاي قرب الضريح. سألها: "يا نجاة، سمعتِ شيء عن النفط؟" أجابت نجاة بحذر: "أبوي قال إن الشركات الأجنبية بتاخد النفط، وإن الضريح ظهر عشان يلهينا عنهم." شعر حميد بصدمة. حتى أبو نجاة، رجل بسيط، كان يعرف شيئًا عن الحقيقة. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يسأل من قبل.
14.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد أن فاضل يحتفظ بدفتر صغير يكتب فيه أسماء الزوار وتفاصيل نذورهم. سأله حميد: "ليش تكتب هذا؟" أجاب فاضل: "عشان نعرف مين يتبرك ومين لا." شعر حميد أن هذا الجواب غريب. لماذا يهتم فاضل بتسجيل الزوار؟ بدأ يشك أن الضريح ليس مجرد مكان ديني، بل جزء من نظام أكبر.
15.
في تلك الليلة, جلس حميد في بيته, يدخن سيجارته. كان يفكر في كل شيء: النفط, الشركات الأجنبية, الضريح, هجرة الشباب. كلها كانت مترابطة. بدأ يشعر أن الضريح ليس مجرد قبر, بل رمز للاستغلال. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يفعل شيئًا لوقف هذا. كان سكوته يؤرقه, يجعله يشعر أنه جزء من المشكلة.
16.
في اليوم التالي, قرر حميد أن يتحدث إلى أبو زيد مرة أخرى. سأله: "يا أبو زيد, سمعت إن الضريح ظهر بنفس الوقت اللي بدأوا فيه يحفروا النفط. إيش رأيك؟" أجاب أبو زيد: "أنا أشك إن هذا مو صدفة. الشركات الأجنبية بدهم الناس تظل مشغولة, عشان ما يشوفوا الحقيقة." شعر حميد أن هذا التفسير منطقي, لكنه شعر أيضًا بالعجز. كيف يمكن مواجهة هذه القوى؟
17.
في زيارة أخرى للضريح, رأى حميد الخواجة مرة أخرى. كان يتحدث إلى رجل ببدلة رسمية, يبدو أنه من المدينة. سمع حميد كلمات مثل "استثمار" و"سياحة دينية". بدأ يفهم أن الضريح ليس مجرد مكان للبركة, بل مشروع يدر أرباحًا. لكنه لم يجرؤ على المواجهة. كان يشعر أن جسده لا يتحمل المزيد.
18.
في تلك الليلة, حلم حميد بالحقل النفطي مرة أخرى. كان النفط يتدفق, لكن الناس كانوا يطوفون حول الضريح, غير مبالين. استيقظ حميد, وهو يشعر بألم في صدره. كان يعرف أن الحقيقة تقتله, لكنه لم يستطع السكوت. قرر أن يحاول إخبار الناس, حتى لو كلفه ذلك حياته.
19.
في اليوم التالي, ذهب حميد إلى المقهى وحاول التحدث إلى الناس. "الضريح مو بركة," قال. "النفط هو اللي بيدمرنا." لكن الناس هاجموه, اتهموه بالكفر. "الضريح مبارك!" قالوا. شعر حميد باليأس. كان الناس يفضلون الكذبة على الحقيقة. عاد إلى بيته, وهو يشعر أن جسده يستسلم.
20.
في نهاية الأسبوع, كان حميد قد أصبح ظلًا لنفسه. كان يعرف أن النفط يُنهب, وأن الضريح هو ستار لتشتيت الناس. لكنه لم يستطع تغيير شيء. كان الشعور بالذنب يخنقه, لكنه بدأ يشعر أن المشكلة ليست فيه, بل في الخربة نفسها. كان يشعر أن موته قريب, لكنه, في قرارة نفسه, كان يأمل أن تظل الحقيقة حية بعده, تنتظر من يكتشفها.
الفصل الخامس: العقول المهجّرة
1.
حميد استيقظ وهو يشعر بثقل أكبر من المعتاد، كأن الخربة نفسها قد استقرت فوق صدره. الضريح، الذي كان يومًا رمزًا للأمل، أصبح الآن شبحًا يطارده. كان يفكر في سالم، المهندس الشاب الذي طُرد بتهمة الإلحاد، وفي ابنه ياسر الذي هاجر، وفي زينب التي اختفت بعد أن حاولت تغيير الخربة. بدأ يرى نمطًا: كل من يفكر، كل من يحلم بغد أفضل، يُطرد أو يُجبر على الرحيل. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يفعل شيئًا لمنعهم. كان يخاف أن يكون سكوته هو الذنب الأكبر.
2.
في صباح يوم مشمس، قرر حميد أن يزور المقهى القديم، على أمل أن يجد أحدًا يعرف المزيد عن زينب أو سالم. المقهى كان شبه مهجور، لكن أبو زيد، الرجل العجوز الذي عمل في البلدية، كان هناك، يحتسي الشاي. سأله حميد: "يا أبو زيد، إيش صار بزينب؟ وسالم؟ ليش كل اللي يحاولوا يغيروا شيء يروحوا؟" تنهد أبو زيد وقال: "يا حميد، الناس هنا ما تحب اللي يسألوا. زينب كانت تعلم النساء، وسالم كان يحلم بمشاريع. قالوا عليهم ملحدين، وطردوهم." شعر حميد بغصة في حلقه.
3.
تابع أبو زيد: "كان في ناس من برا، جاؤوا مع فلوس كثيرة. قالوا إنهم يبون يحمونا من الأفكار الضالة. بس أنا أشك إنهم هم اللي دبروا كل شيء." استغرب حميد. ناس من برا؟ هل كانوا مرتبطين بالخواجة؟ بالضريح؟ بدأ يشعر أن هناك شبكة خفية تحيط بالخربة، لكنه لم يستطع فهمها. كان الشعور بالذنب لا يزال يخنقه. ربما لو تحدث في السابق، لما طُردت زينب أو سالم.
4.
في طريقه إلى البيت، مر حميد بالمدرسة القديمة التي كانت تديرها زينب. كانت الجدران متصدعة، والنوافذ مكسورة. تذكر كيف كانت زينب تجمع النساء والأطفال، تعلمهم القراءة والكتابة. كانت تحلم بمستقبل أفضل للخربة، لكن الناس اتهموها بالإلحاد. تذكر حميد كيف وقف صامتًا عندما جاء رجال بثياب بيضاء، يحملون أموالًا ويوزعون وعودًا بالبركة، وطالبوا بإغلاق المدرسة. شعر بالخزي لأنه لم يدافع عنها.
5.
في تلك الليلة، لم ينم حميد. كان يدخن سيجارته، وهو يتذكر ابنه ياسر. كان ياسر شابًا طموحًا، درس الهندسة، وحلم ببناء مصنع في الخربة. لكنه أخبر حميد قبل هجرته أن الشركات الأجنبية أغلقت مشروعه. "ما بدهم ننجح، يا أبويا," قال ياسر. تذكر حميد كيف لم يستطع مساعدته. كان مشغولًا بحياته اليومية، بمرضه، بفقره. بدأ يشعر أن هجرة ياسر كانت ذنبًا آخر يحمله على كتفيه.
6.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يبحث عن أي أثر لزينب. ذهب إلى بيتها القديم، لكنه وجده مهجورًا. الجيران أخبروه أنها رحلت إلى المدينة بعد طردها، ولم يسمعوا عنها منذ ذلك الحين. أحدهم قال: "كانت امرأة مشاكسة، كانت تبي تغير الخربة، بس الناس ما تقبل." شعر حميد بحزن عميق. زينب كانت تحاول مساعدة الناس، لكنها دفعن ثمن أفكارها. بدأ يتساءل: لماذا يُعاقب كل من يحاول التغيير؟
7.
في طريقه إلى الضريح، التقى حميد بشاب آخر، كان يُدعى خالد، طالب دراسات اجتماعية هاجر إلى الخارج بعد أن اتهمه أهل الخربة بالتفكير "الغربي". أخبره خالد، الذي كان يزور الخربة ليوم واحد: "يا عم حميد، هنا ما في مكان للي يفكرون. كل ما تحاول تسأل، يقولوا عليك كافر." شعر حميد أن هناك نمطًا يتكرر. زينب، سالم، ياسر، خالد، كلهم طُردوا أو هُجروا. بدأ يشعر أن هناك قوة تريد إبقاء الخربة في الظلام.
8.
في تلك الليلة، حلم حميد بزينب مرة أخرى. كانت تقف في وسط الخربة، تحمل كتابًا، لكن الناس كانوا يحيطون بها، يصرخون: "ملحدة!" استيقظ حميد مفزوعًا، وهو يشعر بالخزي. كان يتذكر كيف لم يدافع عنها، كيف سكت خوفًا من أن يُتهم هو أيضًا. بدأ يشعر أن هذا الذنب هو الذي يمنعه من البركة. لكنه بدأ أيضًا يشك في هذا الشعور. هل كان الذنب حقيقيًا، أم أنه مفروض عليه ليبقى صامتًا؟
9.
في اليوم التالي، ذهب حميد إلى الضريح، ليس ليدعو، بل ليراقب. كان الناس يطوفون كالعادة، يتركون نذورهم، يتمتمون بأدعية. لكنه لاحظ شيئًا جديدًا: رجال بثياب بيضاء، يبدون وكأنهم من خارج الخربة، كانوا يتحدثون إلى فاضل. سمع حميد كلمات مثل "تمويل" و"توسيع". بدأ يتساءل: هل الضريح جزء من خطة لإبقاء الناس مشغولين؟ هل هو وسيلة لتشتيتهم عن هجرة أبنائهم وفقرهم؟
10.
في طريقه إلى البيت، التقى حميد بنجاة، الفتاة التي تبيع الشاي قرب الضريح. سألها: "يا نجاة، سمعتِ عن زينب؟" أجابت نجاة بحذر: "أيوه، كانت تعلمني القراءة. بس بعدين قالوا إنها ملحدة، وطردوها. أبوي قال إن ناس من برا جاؤوا ودفعوا فلوس عشان يسكتوا اللي زيها." شعر حميد بصدمة. ناس من برا؟ فلوس؟ بدأ يربط الأمور بالخواجة، بالشركات النفطية، بالضريح.
11.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته. كان يفكر في كل العقول التي فقدتها الخربة. زينب، سالم، ياسر، خالد، وغيرهم. كلهم كانوا يحلمون بتغيير البلدة، لكنهم طُردوا أو هاجروا. بدأ يشعر أن هذا ليس مجرد صدفة. كان هناك من يريد إبقاء الخربة في الجهل. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يفعل شيئًا لمساعدتهم. كان سكوته يؤرقه، يجعله يشعر أنه جزء من المشكلة.
12.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى أبو خالد، تاجر الأقمشة. سأله: "يا أبو خالد، ليش كل اللي يحاولوا يغيروا شيء يروحوا؟" أجاب أبو خالد: "يا حميد، هذي مشيئة الله. اللي يتحدى التقاليد يستاهل اللي يجيه." لم يقتنع حميد. كان يشعر أن هذا التفكير هو الذي يدمر الخربة. بدأ يتساءل إن كان الضريح نفسه هو الذي يغذي هذا التفكير، يجعل الناس يقبلون بالظلم بدلاً من مقاْمته.
13.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد أن فاضل يبدو أكثر انشغالًا. كان يتحدث إلى رجل يرتدي بدلة رسمية، يبدو أنه من المدينة. سمع حميد كلمات مثل "سياحة دينية" و"استثمار". بدأ يشعر أن الضريح ليس مجرد مكان للدعاء، بل مشروع تجاري. لكنه لم يجرؤ على مواجهة فاضل. كان الخوف من أن يُتهم بالكفر يسيطر عليه. عاد إلى بيته، وهو يشعر بالعجز.
14.
في تلك الليلة، حلم حميد بابنه ياسر. كان يقف في حقل نفطي، يحاول إصلاح آلة، لكن الخواجة كان يقف فوقه، يضحك. استيقظ حميد مفزوعًا. بدأ يشعر أن هجرة ياسر لم تكن مجرد خيار، بل كانت نتيجة خطة. لكنه شعر بالذنب لأنه لم يحاول إيقافه. كان يفكر: ربما لو دعمته، لكان بقي هنا، ولكان غير شيئًا.
15.
في اليوم التالي، ذهب حميد إلى المقهى، حيث التقى بأبو زيد مرة أخرى. سأله عن الشركات الأجنبية. أجاب أبو زيد: "هذول الناس بياخدوا النفط ويسيبولنا الفقر. بس الناس مشغولين بالضريح، ما يشوفوا الحقيقة." شعر حميد أن هناك صلة بين الضريح وهجرة العقول. كان الضريح يُلهي الناس، يجعلهم يركزون على البركة بدلاً من مواجهة الظلم.
16.
في زيارته الأخيرة للضريح في ذلك الأسبوع، رأى حميد الخواجة مرة أخرى. كان يتحدث إلى فاضل، ويبدو أنهما يتفقان على شيء. سمع حميد الخواجة يقول: "استمر في عملك، يا فاضل. الناس بحاجة إلى شيء يؤمنون به." شعر حميد بغضب، لكنه لم يجرؤ على المواجهة. كان يشعر أن الضريح جزء من خطة لإبقاء الخربة في الفقر، لكن الخوف من الكفر كان يمنعه من التفكير أكثر.
17.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته الأخيرة. كان يفكر في كل العقول التي فقدتها الخربة. كان يتذكر كيف كانت زينب تحلم بمدرسة، وكيف كان سالم يحلم بمصنع، وكيف كان ياسر يحلم بمستقبل. كلهم رحلوا، وهو لم يفعل شيئًا. بدأ يشعر أن سكوته هو الذنب الحقيقي. لكنه بدأ أيضًا يتساءل: هل هذا الذنب مفروض عليه ليبقى ساكتًا؟
18.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى نجاة مرة أخرى. سألها: "يا نجاة، سمعتِ عن ناس من برا جاؤوا ودفعوا فلوس عشان يسكتوا اللي زي زينب؟" أجابت نجاة: "أيوه، أبوي قال إنهم جاؤوا من الخليج، معاهم فلوس كثيرة. قالوا إنهم يبون يحمونا من الأفكار الضالة." شعر حميد أن هناك شبكة أكبر من الخربة. الخواجة، الأموال الخليجية، الضريح، كلها كانت مترابطة.
19.
في زيارة أخرى للضريح، لاحظ حميد أن فاضل يبدو أكثر ثراءً. كان يرتدي ساعة جديدة، وثوبه نظيف كأنه من حرير. سأله حميد: "يا فاضل، من وين جايب هالفلوس؟" ضحك فاضل وقال: "الضريح نعمة، يا عم. الناس تتبرع، وأنا أخدمهم." لكن حميد لم يقتنع. كان يشعر أن فاضل جزء من هذه الشبكة. بدأ يتساءل إن كان الضريح نفسه هو الذي يُهجر العقول ويُبقي الخربة في الفقر.
20.
في نهاية الأسبوع، كان حميد قد أصبح أكثر قلقًا. كان يشعر أن الخربة تفقد أملها مع كل عقل يهاجر. زينب، سالم، ياسر، خالد، كلهم كانوا يمثلون مستقبلًا لم يتحقق. لكنه شعر أيضًا أن الضريح هو الذي يُبقي الناس في الظلام، يجعلهم يؤمنون بالبركة بدلاً من مواجهة الحقيقة. كان عالقًا بين الشك والذنب، بين الرغبة في التغيير والخوف من العواقب. لكنه، في قرارة نفسه، بدأ يشعر أن الحقيقة قريبة، وأنها ستكون أصعب مما توقع.
الفصل السادس: حقيقة الضريح
1.
حميد لم يعد يرى الخربة كما كان يراها في السابق. كانت البلدة، ببيوتها الطينية المتداعية وشوارعها المغبرة، تبدو كمسرحية كبيرة، والضريح هو بطلها الوحيد. لكنه لم يعد يرى في الضريح أملًا، بل لغزًا يحيط به الغموض والشك. كان الشعور بالذنب لا يزال يطارده، لكنه بدأ يتساءل: هل الذنب حقيقي، أم أنه مفروض عليه ليبقى صامتًا؟ قرر أن يواجه الضريح مرة أخيرة، ليعرف الحقيقة، مهما كانت.
2.
في صباح يوم مشمس، توجه حميد إلى الضريح. كان المكان مزدحمًا كالعادة، بالزوار الذين يطوفون حول القبر، يتركون نذورهم ويتمتمون بأدعية. لاحظ حميد أن فاضل، حارس الضريح، يبدو أكثر ثراءً من أي وقت مضى. كان يرتدي ثوبًا جديدًا، وساعته اللامعة تلمع تحت أشعة الشمس. اقترب حميد وسأله: "يا فاضل، كيف صرت تعيش أحسن من كل أهل الخربة؟" ضحك فاضل وقال: "الضريح نعمة، يا عم. الناس تتبرع، وأنا أخدمهم." لكن حميد لم يقتنع. كان يشعر أن هناك سرًا يخفيه فاضل.
3.
في تلك اللحظة، رأى حميد الخواجة، المستشار الأجنبي، يقف بعيدًا. كان يتحدث إلى رجل يرتدي بدلة رسمية، ويبدو أنه من المدينة. اقترب حميد قليلًا، وسمع الخواجة يقول: "هذا المكان مثالي. الناس هنا يصدقون أي شيء." شعر حميد بقشعريرة. ماذا يعني هذا؟ هل الضريح مجرد خدعة؟ لكنه لم يجرؤ على المواجهة مباشرة. قرر أن يراقب أكثر، ليفهم ما يحدث.
4.
في اليوم التالي، عاد حميد إلى الضريح مبكرًا. كان فاضل هناك، ينظف القبر بعناية. اقترب حميد وسأله: "يا فاضل، قول لي الحقيقة. من هو هذا الولي؟" توقف فاضل لحظة، ثم قال: "يا عم حميد، ليش تسأل كثير؟ الولي مبارك، وهذا اللي يهم." لكن حميد أصر: "ما أبي قصص، أبي الحقيقة. كيف ظهر هذا القبر؟" بدا فاضل متوترًا، لكنه قال: "استيقظنا يوم ووجدناه هنا. هذا كل شيء." شعر حميد أن فاضل يكذب.
5.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته. كان يفكر في كل القصص التي سمعها عن الضريح: الولي المندائي، النبي الخضر، الشيخ الحجازي. كل قصة كانت تتناقض مع الأخرى، لكن الناس كانوا يصدقونها جميعًا. بدأ يتذكر كلام سالم عن الشركات الأجنبية، وكلام زينب عن الرجال الذين طردوها. بدأ يشعر أن الضريح ليس مجرد قبر، بل جزء من خطة أكبر. لكنه شعر بالذنب لتفكيره بهذه الطريقة. كان يخاف أن يكون شكه كفرًا.
6.
في اليوم التالي، رأى حميد الخواجة مرة أخرى قرب الضريح. كان يتحدث إلى فاضل، ويبدو أنهما يتشاركان نكتة. اقترب حميد وسمع الخواجة يقول: "استمر في عملك، يا فاضل. هذا المكان يدر ذهبًا." شعر حميد بغضب يتصاعد في صدره. قرر أن يواجه الخواجة. اقترب وقال: "يا خواجة، إيش قصدك بهذا المكان يدر ذهبًا؟" توقف الخواجة، نظر إلى حميد بابتسامة باردة، وقال: "أنت بس زائر، صح؟ خليك تدعي وما تشغل بالك."
7.
لكن حميد لم يتراجع. "أبي أعرف الحقيقة عن هذا الضريح," قال بنبرة حادة. ضحك الخواجة وقال: "حقيقة؟ طيب، بسألك: إيش الفرق إذا كان الضريح حقيقي أو لا؟ الناس مبسوطين، وفاضل مبسوط، وأنا مبسوط." ثم أشار إلى القبر وقال: "هذا القبر، يا عم، أنا اللي حفرته. كان عندي كلب عجوز، مات وأنا مار من الخربة. دفنته هنا على عجل، وفجأة الناس بدأت تتبرك فيه." شعر حميد وكأن الأرض تميد تحته.
8.
وقف حميد مشدوهًا، غير قادر على الكلام. قبر كلب؟ كل هذه البركات، النذور، الأدعية، كلها لقبر كلب؟ التفت إلى فاضل وسأله: "كنت تعرف؟" بدا فاضل متوترًا، لكنه أومأ برأسه. "أيوه، يا عم. بس الناس محتاجة شيء يؤمنون فيه. وأنا محتاج أطعم عيالي." شعر حميد بخليط من الغضب والحزن. كيف يمكن أن يكون الضريح، الذي يعيش من أجله أهل الخربة، مجرد كذبة؟
9.
عاد حميد إلى بيته، وهو يشعر أن العالم انهار حوله. كان يتذكر كل الزيارات التي قام بها، كل الأدعية التي تمتم بها، كل النذور التي تركها. كل شيء كان وهمًا. لكنه بدأ يفكر: لماذا صدق الناس بهذا الوهم؟ لماذا يستمر فاضل في الكذب؟ ولماذا يبدو الخواجة متورطًا؟ بدأ يربط الأمور. الضريح ظهر في نفس الوقت الذي بدأت فيه الشركات الأجنبية تحفر النفط. هل كان هذا متعمدًا؟
10.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يتحدث إلى أبو زيد. وجده في المقهى القديم، يحتسي الشاي. أخبره بما قاله الخواجة. استغرب أبو زيد وقال: "قبر كلب؟ يا إلهي، هذا أكبر منا." ثم أضاف: "لكن فكر، يا حميد. الناس هنا فقراء، محبطين، محتاجين شيء يعطيهم أمل. الضريح أعطاهم هذا الأمل، حتى لو كان كذبة." شعر حميد بالحزن. كان أبو زيد محقًا، لكنه لم يستطع قبول هذه الحقيقة.
11.
في تلك الليلة، حلم حميد بالضريح. كان القبر مفتوحًا، وداخله كلب عجوز، ينظر إليه بعيون حزينة. استيقظ حميد مفزوعًا، وهو يشعر بالغضب. كيف يمكن أن يعيش الناس على كذبة؟ لكنه بدأ يفكر: ربما الكذبة هي الوحيدة التي تبقيهم على قيد الحياة. بدأ يشعر أن الخربة نفسها مبنية على أكاذيب، من الضريح إلى الشركات النفطية إلى الأموال الخليجية التي تدعم كل شيء.
12.
في اليوم التالي، قرر حميد أن يواجه فاضل. ذهب إلى الضريح وجده يوزع النذور كالعادة. "يا فاضل," قال حميد بنبرة حادة، "ليش كذبت على الناس؟ قبر كلب وتقول ولي؟" بدا فاضل متوترًا، لكنه أجاب: "يا عم حميد، الناس محتاجة أمل. لو قلت لهم الحقيقة، بيفقدوا كل شيء. وأنا، زي ما قلت لك، أطعم عيالي." شعر حميد بخيبة أمل. كان فاضل يعرف الحقيقة، لكنه اختار الكذب من أجل الرزق.
13.
عاد حميد إلى الخربة، وهو يشعر بالعجز. حاول أن يتحدث إلى بعض الزوار، ليخبرهم بالحقيقة. اقترب من أم سالم وقال: "يا أم سالم، الضريح مو حقيقي. هذا قبر كلب." نظرت إليه أم سالم بذهول، ثم قالت: "يا حميد، لا تكفر. الضريح أعطاني أمل إن ابني بيتشافى." شعر حميد بالحزن. كان الناس يفضلون الكذبة على الحقيقة، لأن الكذبة أعطتهم شيئًا يتشبثون به.
14.
في تلك الليلة، جلس حميد في بيته، يدخن سيجارته الأخيرة. كان يشعر أن جسده ينهار. الكوليسترول، الضغط، السكري، كلها كانت تأكله من الداخل. لكنه شعر أن الحقيقة هي التي تدمره أكثر. كان يفكر في زينب، سالم، ياسر، كلهم طُردوا لأنهم حاولوا التغيير. والآن، هو نفسه يشعر أنه لا يستطيع التغيير. الضريح، بكل كذبته، كان أقوى منه.
15.
في اليوم التالي، رأى حميد الخواجة مرة أخرى قرب الضريح. كان يتحدث إلى رجل يرتدي ثوبًا خليجيًا. سمع حميد كلمات مثل "تمويل" و"سياحة دينية". بدأ يفهم أن الضريح ليس مجرد كذبة محلية، بل جزء من خطة أكبر. الشركات الأجنبية، الأموال الخليجية، كلها كانت تعمل معًا لإبقاء الخربة في الظلام. لكنه لم يجرؤ على المواجهة. كان يشعر أن جسده لا يتحمل المزيد.
16.
في زيارته الأخيرة للضريح، وقف حميد بعيدًا، يراقب الناس. كانوا يطوفون، يدعون، يتركون نذورهم. لاحظ أن معظمهم فقراء، يرتدون ملابس مهترئة، لكنهم يبدون آملين. شعر حميد بالحزن. كان يعرف الحقيقة، لكنه لم يستطع مشاركتها. كان الناس يحتاجون إلى الضريح، حتى لو كان قبر كلب. بدأ يشعر أن الحقيقة ثقيلة جدًا على الخربة.
17.
في تلك الليلة، حلم حميد بالكلب مرة أخرى. كان يقف فوق القبر، ينظر إليه بعيون حزينة. لكن هذه المرة، كان هناك رجال ببدلات رسمية يقفون حوله، يضحكون. استيقظ حميد، وهو يشعر بضيق في صدره. كان يعرف أن الحقيقة ستقتله. لكنه بدأ يشعر أن السكوت عنها هو الذي يقتله أكثر. كان يريد أن يصرخ، أن يخبر الناس، لكنه كان يعرف أنهم لن يصدقوه.
18.
في اليوم التالي، حاول حميد أن يتحدث إلى فاروق. التقاه في المقهى وسأله: "يا فاروق، لو كان الضريح كذبة، بتصدقني؟" ضحك فاروق وقال: "يا حميد، لا تكفر. الضريح أعطاني رزقي." شعر حميد باليأس. كان الناس يفضلون الكذبة لأنها أسهل. بدأ يشعر أن الخربة محكوم عليها بالعيش في الوهم، بينما مواردها تُنهب وعقولها تُهجر.
19.
في تلك الليلة، شعر حميد بألم حاد في صدره. كان يعرف أن صحته تتدهور، لكنه شعر أن الحقيقة هي التي تؤلمه أكثر. كان يفكر في كل شيء: الضريح، الخواجة، الأموال الخليجية، هجرة العقول، نهب الموارد. كل شيء كان مترابطًا، لكنه لم يستطع فعل شيء. كان يشعر أن جسده يستسلم، وأن روحه ترفض الاستسلام. لكنه لم يكن يعرف كيف يقاوم.
20.
في نهاية الأسبوع، كان حميد قد أصبح ظلًا لنفسه. كان يجلس على كرسيه، يدخن سيجارته الأخيرة، وهو ينظر إلى الضريح من بعيد. كان يعرف الحقيقة، لكنه لم يستطع تغيير شيء. الخربة كانت تعيش على كذبة، والناس كانوا راضين بها. شعر حميد أن الحقيقة أثقل من أن يحملها، لكنه، في قرارة نفسه, بدأ يشعر أن موته سيكون الطريقة الوحيدة للهروب من هذا العبء. لكنه لم يكن يعرف أن الحقيقة ستعيش بعده، تنتظر من يكتشفها.
الفصل السابع: إرث الخربة
1.
حميد لم يعد موجودًا. في صباح يوم هادئ، استسلم جسده أخيرًا للكوليسترول والضغط والسكري، ولكن أكثر من ذلك، للحقيقة التي أثقلت روحه. كان قد قضى أيامه الأخيرة وهو يحمل سر الضريح، سر قبر الكلب الذي تحول إلى رمز مقدس. لم يستطع إخبار أحد، ليس لأنه لم يرد، بل لأن الناس لم يكونوا مستعدين لسماع الحقيقة. الخربة، ببيوتها الطينية وشوارعها المغبرة، استمرت كما هي، والضريح ظل مركزها النابض.
2.
في يوم جنازة حميد، تجمع أهل الخربة حول بيته. كانوا يتحدثون عنه بحزن، لكنهم لم يعرفوا ما كان يعذبه. أم سالم، التي كانت تتوسل إلى الضريح لشفاء ابنها، قالت: "حميد كان طيب، بس يمكن ما دعا بقلب صادق." فاروق، الذي ازدهرت تجارته بفضل إيمانه بالضريح، أضاف: "الله يرحمه، بس لو زار الضريح أكثر، كان ممكن ينال البركة." لم يعرفوا أن حميد مات لأنه عرف الحقيقة، ولم يستطع تحملها.
3.
فاضل، حارس الضريح، لم يحضر الجنازة. كان مشغولًا بإدارة الزوار، الذين أصبحوا يأتون من مدن بعيدة، بل وحتى من دول خليجية. الضريح كان قد تحول إلى وجهة سياحية دينية، بفضل تمويل غامض بدأ يتدفق منذ سنوات. كان فاضل يرتدي ثيابًا فاخرة، وأطفاله يدرسون في مدارس خاصة في المدينة. لكنه، في قرارة نفسه، كان يعرف الحقيقة. كان يعرف أن الضريح قبر كلب، لكنه اختار أن يستمر في الكذبة، لأنها أصبحت مصدر رزقه.
4.
في الأيام التي تلت موت حميد، بدأت الخربة تشهد تغيرات. شاحنات النفط الأجنبية أصبحت أكثر تواترًا، تحمل الموارد بعيدًا بينما أهل الخربة يعيشون في فقر. الضريح، مع ذلك، كان يزدهر. تم بناء سياج جديد حوله، وأضيفت مظلات للزوار، وتم تعبيد الطريق المؤدي إليه. كان هناك حديث عن تحويل الضريح إلى مركز ديني كبير، بتمويل من رجال أعمال خليجيين. لكن أحدًا لم يسأل عن مصدر هذه الأموال.
5.
في إحدى الليالي، جلس أبو زيد في المقهى القديم، يتحدث إلى مجموعة صغيرة من كبار السن. كان يحكي عن حميد، عن شكوكه في الضريح. "كان يقول إنه قبر كلب," قال أبو زيد بحزن. ضحك أحدهم وقال: "حميد كان مريض، الله يرحمه. كيف قبر كلب؟ هذا الولي مبارك!" لم يحاول أبو زيد الجدال. كان يعرف أن الناس يفضلون الوهم على الحقيقة. كان الضريح قد أصبح أكبر من الخربة نفسها.
6.
سالم، المهندس الشاب الذي طُرد من الخربة، كان الآن في الخارج، يعمل في شركة صغيرة. كتب مقالًا عن الخربة، نشره في موقع إلكتروني، يتحدث فيه عن نهب الموارد وتشتيت الناس بالخرافات. لكنه لم يتلق أي رد من أهل الخربة. كانوا مشغولين بالضريح، بالنذور، بالأمل الزائف. سالم، في رسالة إلى صديق قديم، كتب: "الخربة ماتت من زمان، بس الناس لسه يدفنونها كل يوم." لكنه لم يعد إلى الخربة. كان يعرف أنه لن يجد مكانًا له هناك.
7.
زينب، المعلمة التي طُردت، اختفت تمامًا. بعضهم قال إنها انتقلت إلى مدينة أخرى، تعمل في تدريس الأطفال سرًا. آخرون قالوا إنها هاجرت إلى الخارج. لكن مصيرها ظل مجهولًا، كأن الخربة ابتلعتها ومحت أثرها. كانت زينب رمزًا للأمل الضائع، للعقول التي هُجرت لأنها حاولت التغيير. في إحدى الليالي، حلم أبو زيد بها، وهي تقف في وسط الخربة، تحمل كتابًا، لكن الناس كانوا يرمونها بالحجارة.
8.
الضريح، في هذه الأثناء، كان ينمو. تم بناء غرفة صغيرة بجانبه لاستقبال الزوار المهمين، وتم تعيين حراس إضافيين. فاضل أصبح مديرًا غير رسمي للمكان، يتفاوض مع رجال أعمال وممولين من الخليج. كان يتلقى تبرعات ضخمة، جزء منها يذهب إلى عائلته، وجزء آخر يُرسل إلى جهات مجهولة. لم يسأل أحد عن هذه الجهات. كان الجميع راضين بالبركة، حتى لو كانت مبنية على كذبة.
9.
في إحدى الليالي، زار الخواجة الضريح مرة أخرى. كان يتحدث إلى فاضل، ويبدو أنهما يتفقان على صفقة جديدة. سمع أحد الزوار الخواجة يقول: "هذا المكان عبقري. الناس يدفعون عشان يؤمنوا بشيء، ونحنا نأخذ كل شيء." لم يفهم الزائر ما يعنيه، لكنه لم يهتم. كان مشغولًا بالدعاء، يطلب الرزق والشفاء. الخواجة، في تلك اللحظة، كان يمثل القوة الخفية التي تتحكم بالخربة، لكن أحدًا لم ينتبه.
10.
في الخربة، بدأت الحياة تتغير بشكل أكبر. الأراضي الزراعية القديمة تحولت إلى مواقع حفر نفطي، والبيوت الطينية بدأت تنهار واحدًا تلو الآخر. الشباب استمروا في الهجرة، بحثًا عن عمل في المدن أو الخارج. لكن الضريح ظل ثابتًا، كأنه الشيء الوحيد الذي لا يتغير. كان الناس يأتون إليه من كل مكان، يتركون نذورهم، ويعودون إلى حياتهم الفقيرة، مؤمنين أن البركة ستأتي يومًا ما.
11.
في إحدى الليالي، جلس أبو خالد، تاجر الأقمشة، في المقهى، يتحدث عن ازدهار تجارته. "الضريح نعمة," قال بحماس. "من يوم ظهر، وأنا أبيع أقمشة أكثر من أي وقت مضى." لكنه لم يذكر أن معظم زبائنه كانوا زوارًا من خارج الخربة، يأتون بدعوة من رجال أعمال خليجيين يروجون للضريح. كان أبو خالد، مثل فاضل، جزءًا من هذه الشبكة، لكنه لم يكن يعرف مداها الحقيقي.
12.
في الخربة، بدأت تظهر لافتات جديدة، تعلن عن مشاريع سياحية حول الضريح. كان هناك حديث عن بناء فندق صغير، ومطعم، وحتى مركز ثقافي. لكن أحدًا لم يسأل من يمول هذه المشاريع. كان الناس مشغولين بالدعاء، بالنذور، بالأمل الزائف. في إحدى الليالي، سمع أبو زيد حديثًا عن أن الأموال تأتي من جهات خليجية، لكنه لم يستطع تأكيد ذلك. كان يشعر أن الخربة تتحول إلى سلعة.
13.
سالم، من الخارج، حاول مرة أخرى أن يكتب عن الخربة. نشر مقالًا آخر، يتحدث فيه عن كيف تستخدم الخرافات لتشتيت الناس عن نهب مواردهم. لكنه تلقى رسالة من صديق قديم: "يا سالم، خلّي عنك هالكلام. الناس هنا مبسوطين بالضريح." شعر سالم باليأس. كان يعرف أن الحقيقة لن تصل إلى الخربة. كان الناس يفضلون الكذبة، لأنها أسهل.
14.
في الخربة، بدأت تظهر علامات التمرد، لكنها كانت ضعيفة. شاب يُدعى حسام، كان يعمل في السوق، بدأ يسأل عن الضريح. "ليش كل الفلوس تروح لفاضل؟" سأل في إحدى الليالي. لكن الناس هاجموه، اتهموه بالكفر. "الضريح مبارك!" قالوا. حسام، مثل زينب وسالم قبله، قرر أن يغادر الخربة. كان يعرف أنه لا مكان له هناك. الخربة كانت تطرد كل من يفكر.
15.
فاضل، في هذه الأثناء، كان يعيش حياة مرفهة. اشترى سيارة جديدة، وبنى بيتًا جديدًا في مشارف الخربة. لكنه كان يعرف، في قرارة نفسه، أن كل هذا مبني على كذبة. في إحدى الليالي، حلم بالكلب العجوز، يقف فوق القبر، ينظر إليه بعيون حزينة. استيقظ فاضل مفزوعًا، لكنه طرد الحلم من رأسه. كان يعرف أن الكذبة هي التي تطعم عائلته.
16.
الخواجة ظل يظهر بين الحين والآخر، يتحدث إلى فاضل وإلى رجال الأعمال الخليجيين. كان يبدو راضيًا عن الضريح، كأنه مشروع ناجح. في إحدى الجلسات، سمع أحد الزوار الخواجة يقول: "هذا المكان أحسن استثمار. الناس يدفعون عشان يؤمنوا، ونحنا نأخذ الموارد." لم يفهم الزائر ما يعنيه، لكنه لم يهتم. كان مشغولًا بالدعاء، يطلب الرزق.
17.
في الخربة، بدأت الأمور تتدهور أكثر. الحقول القديمة تحولت إلى مواقع حفر، والناس فقدوا مصادر رزقهم. لكن الضريح ظل مزدهرًا، يجذب المزيد من الزوار. في إحدى الليالي, جاء وفد من الخليج, يحملون تبرعات ضخمة. كانوا يتحدثون عن "نشر البركة", لكن أحدًا لم يسأل عن مصدر هذه الأموال. كان الناس راضين بالضريح, بالأمل الزائف.
18.
أبو زيد, في المقهى, حاول أن يتحدث عن حميد مرة أخرى. "كان يعرف الحقيقة," قال بحزن. لكن الناس لم يهتموا. كانوا مشغولين بالحديث عن الضريح, عن البركة, عن النذور. في تلك اللحظة, شعر أبو زيد أن الخربة قد فقدت روحها. كانت تعيش على كذبة, وكل من حاول كشفها طُرد أو مات.
19.
سالم, من الخارج, كتب رسالة أخيرة إلى صديق في الخربة. "الضريح هو السجن الحقيقي," كتب. "هو اللي يبقي الناس في الظلام." لكن الرسالة لم تصل إلى أحد. كان الناس مشغولين بالدعاء, بالنذور, بالأمل الزائف. سالم قرر أن يتوقف عن الكتابة. كان يعرف أن الخربة لن تتغير.
20.
في الخربة, بدأت تظهر علامات جديدة للاستغلال. شركات أجنبية بدأت تشتري المزيد من الأراضي, وشاحنات النفط أصبحت تمر يوميًا. لكن الناس لم ينتبهوا. كانوا مشغولين بالضريح, يطوفون حوله, يدعون, يتركون نذورهم. في إحدى الليالي, سمع أبو خالد حديثًا عن أن الشركات الأجنبية تخطط لبناء مصنع كبير قرب الخربة, لكن أحدًا لم يسأل عن تأثيره على الناس.
21.
فاضل, في هذه الأثناء, أصبح شخصية بارزة في الخربة. كان يُعامل كرجل دين, رغم أنه لم يكن يعرف الكثير عن الدين. كان يعتمد على الضريح, على الكذبة التي بناها. في إحدى الليالي, التقى بالخواجة, الذي أخبره: "استمر في عملك, يا فاضل. هذا المكان بيصير أكبر." شعر فاضل بالفخر, لكنه شعر أيضًا بالخوف. كان يعرف أن الكذبة لن تدوم إلى الأبد.
22.
في الخربة, بدأت تظهر شائعات عن حميد. قال البعض إنه مات لأنه كفر بالضريح. قال آخرون إنه كان مريضًا, ولم يدعُ بقلب صادق. لكن أبو زيد, في المقهى, كان يعرف الحقيقة. كان يعرف أن حميد مات لأنه حمل الحقيقة وحده. لكنه لم يجرؤ على قول ذلك. كان يخاف أن يُتهم هو أيضًا بالكفر.
23.
الضريح, في هذه الأثناء, أصبح أكثر فخامة. تم طلاء القبة باللون الأخضر اللامع, وأضيفت أضواء كاشفة حولها. كان يبدو كجوهرة في وسط الخراب. الناس كانوا يأتون من كل مكان, يدفعون أموالًا للدعاء, للنذور, للأمل. لكن الخربة نفسها كانت تموت. البيوت كانت تنهار, والشباب كانوا يهاجرون, والموارد كانت تُنهب.
24.
في إحدى الليالي, جاء وفد آخر من الخليج, يحملون تبرعات جديدة. كانوا يتحدثون عن "نشر البركة", لكن أحدًا لم يسأل عن مصدر الأموال. كان الناس راضين بالضريح, بالأمل الزائف. في تلك الليلة, حلم أبو زيد بالكلب العجوز, يقف فوق القبر, ينظر إليه بعيون حزينة. استيقظ مفزوعًا, وهو يشعر أن الخربة محكوم عليها بالعيش في الوهم.
25.
سالم, من الخارج, حاول مرة أخيرة أن يكتب عن الخربة. نشر مقالًا جديدًا, يتحدث فيه عن كيف تستخدم الخرافات للسيطرة على الناس. لكنه تلقى رسالة من صديق: "يا سالم, خلّي عنك هالكلام. الناس هنا ما بدهم يسمعوا." شعر سالم باليأس. كان يعرف أن الحقيقة لن تصل إلى الخربة. قرر أن يتوقف عن الكتابة, وأن يترك الخربة لمصيرها.
26.
في الخربة, بدأت تظهر علامات جديدة للاستغلال. الشركات الأجنبية بدأت تبني مصنعًا كبيرًا قرب الخربة, لكن الناس لم يحصلوا على وظائف. كانوا مشغولين بالضريح, يدعون, يتركون نذورهم. في إحدى الليالي, سمع أبو خالد حديثًا عن أن الأموال الخليجية التي تمول الضريح تأتي من جهات مرتبطة بالشركات الأجنبية. لكنه لم يهتم. كان راضيًا بتجارته.
27.
فاضل, في هذه الأثناء, بدأ يشعر بالقلق. كان يعرف أن الكذبة قد تنكشف يومًا ما. لكنه كان يعتمد على الضريح, على الأموال, على الزوار. في إحدى الليالي, التقى بالخواجة, الذي أخبره: "لا تقلق, يا فاضل. الناس هنا بيظلوا يؤمنوا مهما صار." شعر فاضل بالراحة, لكنه شعر أيضًا بالخوف. كان يعرف أن الكذبة لن تدوم إلى الأبد.
28.
في الخربة, بدأت الحياة تتحول إلى روتين. الناس يذهبون إلى الضريح, يدعون, يتركون نذورهم, ثم يعودون إلى حياتهم الفقيرة. الشباب يهاجرون, والأراضي تُباع, والموارد تُنهب. لكن الضريح ظل ثابتًا, كأنه الشيء الوحيد الذي لا يتغير. في إحدى الليالي, جلس أبو زيد في المقهى, يفكر في حميد. كان يعرف أن حميد مات لأنه حمل الحقيقة وحده. لكنه لم يجرؤ على قول ذلك.
29.
في صباح يوم مشمس, جاء صبي صغير إلى الضريح. كان يحمل قطعة قماش صغيرة, نذرًا للولي. وقف أمام القبر, يتمتم بدعاء لم يفهمه. كان يشبه حميد في شبابه, مليئًا بالأمل, لكنه لم يكن يعرف الحقيقة. نظر فاضل إليه من بعيد, وابتسم. كان يعرف أن الدورة ستستمر, أن الخربة ستبقى محاصرة بالكذبة. لكنه لم يهتم. كان مشغولًا بإدارة الضريح, بجمع النذور, بحياته الجديدة.
30.
الخربة, في نهاية المطاف, أصبحت رمزًا للوهم. الضريح, قبر الكلب, كان يمثل كل شيء: الفقر, الهجرة, نهب الموارد, تشتيت العقول. لكن الناس كانوا راضين. كانوا يفضلون الأمل الزائف على الحقيقة المؤلمة. حميد مات, وزينب اختفت, وسالم هاجر, لكن الضريح ظل قائمًا, يلمع تحت أشعة الشمس, كأنه الشيء الوحيد الذي لا يموت. والصبي الصغير, الذي وقف أمام القبر, كان يمثل جيلًا جديدًا, جيلًا سيحمل الكذبة, وسيستمر في الدعاء, دون أن يعرف أن الحقيقة مدفونة تحت أقدامه.
ملاحظة الرواية قد تخضع للتنقيح والتطوير ويمكن إعادة نشرها تحت الاسم نفسه
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟