|
رواية: سنغافورة السراب
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:57
المحور:
الادب والفن
ملخص الرواية :
رواية "سنغافورة السراب" هي عملٌ روائيٌ يتناول قصص خمسة أبطال من خلفياتٍ مختلفة في خمس مدنٍ عربية، يواجهون الوعود الكاذبة بالتنمية والازدهار التي تُروج لها القوى الغربية والخليجية تحت شعار "سنغافورة الجديدة". من خلال أسلوب الفلاش باك، تتتبع الرواية رحلة كل بطل من أحلامه الشخصية إلى إدراكه للحقيقة: أن سنغافورة ليست سوى فخٍ رأسماليٍ يخدم مصالح المراكز الاحتكارية الغربية، وأن النموذج الصيني، بقيادة الحزب الشيوعي الصيني، يقدم بديلاً حقيقياً قائماً على السيطرة على التراكم الاجتماعي والإرادة الشعبية. من أم درمان إلى رام الله، إدلب، صنعاء، وبيروت، يتحول الأبطال من أفرادٍ يحلمون بأحلامٍ شخصيةٍ إلى قادةٍ يزرعون بذور المقاومة والصمود في شعوبهم، مستلهمين درس الصين في رفض الهيمنة وبناء الأوطان.
في الفصل الأول، يُقدم توفيق، شابٌ سودانيٌ من أم درمان، يجلس في مقهى شعبيٍ يطل على النيل، يحمل في قلبه حلم والده القديم بوطنٍ مزدهر. توفيق، الذي كان يطمح لأن يصبح مهندساً يبني جسوراً تربط ضفتي النيل، يجد نفسه محاصراً بالفقر والفوضى في مدينةٍ تعاني من انقطاع الكهرباء والماء. الجريدة بين يديه تحمل عنواناً براقاً عن "سنغافورة إفريقيا الجديدة"، لكنه يعرف أن هذه الوعود ليست سوى سراب. من خلال ذكريات طفولته قبل عشر سنوات، يتذكر توفيق قصص والده عن السودان كسلة غذاء إفريقيا، وعن المصانع والقطارات التي كانت تنقل البضائع. لكن تلك الأيام ولت مع وصول رجالٍ ببذلاتٍ أنيقة من عواصم الخليج، يحملون وعوداً بالتنمية مقابل توقيعاتٍ تُبيع كرامة البلاد. والده حذره من أن هذه الوعود تخفي خيانةً أكبر، وسرعان ما تحولت المدن إلى أنقاض، واضطر توفيق للانضمام إلى ميليشيا محلية ليبقى على قيد الحياة. لكن الأمل يبدأ يتحرك في قلبه عندما يسمع عن الصين، عن بلدٍ رفض وعود الغرب وبنى مدناً تفوقت على سنغافورة بإرادته الخاصة. يقرأ توفيق كتاباً عن الصين، ويتعرف على حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، فيبدأ يتحدث إلى شباب حيه عن فكرة استعادة السيطرة على الموارد، مستلهماً النموذج الصيني. ينتهي الفصل ببروز توفيق كقائدٍ يزرع بذور الأمل في قلوب الشباب، رافضاً وعود سنغافورة ومؤمناً بإرادة شعبه.
في الفصل الثاني، ننتقل إلى رام الله، حيث يعيش إسماعيل، شابٌ فلسطينيٌ يحلم بأن يصبح معلمًا يزرع الأمل في قلوب الأطفال. يجلس إسماعيل في بيته المتواضع، يستمع إلى خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"الأمير" عن "سنغافورة فلسطين"، لكنه يرى من نافذته الجرافات الصهيونية تهدم بيوت الجيران وتزرع مستوطناتٍ جديدة. من خلال ذكرياته قبل خمسة عشر عاماً، يتذكر إسماعيل قصص والده عن أيامٍ كانت فيها فلسطين تنبض بالحياة، وعن الحقول التي كانت تمتد إلى الأفق. لكن تلك الأيام ولت مع وصول رجالٍ من الغرب والخليج، يحملون وعوداً بالتنمية مقابل التطبيع. والده حذره من أن الغرب لا يمنح الحرية، بل يبيع الأوهام، وسرعان ما أصبحت الأرض تحت سيطرة المستوطنات، والماء والكهرباء رفاهيةً يتحكم بها الاحتلال. إسماعيل، الذي فقد حلمه بأن يصبح معلمًا، يعمل الآن في ورشةٍ لإصلاح السيارات، يكافح لإطعام عائلته. لكن الأمل يبدأ يتحرك في قلبه عندما يسمع عن الصين، عن شعبٍ سيطر على موارده وبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. يقرأ إسماعيل كتاباً عن الصين، ويتعرف على حزبٍ شيوعيٍ رفض الهيمنة الغربية، فيبدأ يتحدث إلى شباب حيه عن فكرة استعادة الأرض بالمقاومة، مستلهماً النموذج الصيني. ينتهي الفصل ببروز إسماعيل كقائدٍ يزرع بذور الصمود في قلوب الشباب، رافضاً وعود سنغافورة ومؤمناً بإرادة شعبه.
في الفصل الثالث، ننتقل إلى إدلب، حيث يعيش يوسف، مقاتلٌ سابقٌ في الجيش السوري، يحاول إيجاد طريقه في مدينةٍ تحولت إلى ساحةٍ للصراعات. يجلس يوسف في بيته المدمر تحت ضوء شمعة، يستمع إلى خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"الفارس" عن "سنغافورة سوريا"، لكنه يرى شوارع إدلب المغبرة حيث الناس يبحثون عن لقمة عيش، والماء والكهرباء تحت سيطرة قوى خارجية. من خلال ذكرياته قبل عشر سنوات، يتذكر يوسف أياماً كان فيها جندياً شاباً يحلم بحماية وطنه وبناء بيتٍ مع حبيبته سلمى. لكن الحرب جاءت، ومعها جاءت وعودٌ بالتنمية من رجالٍ ببذلاتٍ أنيقة، يطالبون بالتطبيع مقابل ماءٍ وكهرباء. والده حذره من أن هذه الوعود تخفي خيانةً أكبر، وسرعان ما تحولت المدن إلى أنقاض، وفقد يوسف عائلته في قصفٍ عشوائي. يعمل الآن حارساً في مستودعٍ لتوزيع المساعدات، يرى كيف تُوزع بشروطٍ مذلة. لكن الأمل يبدأ يتحرك في قلبه عندما يسمع عن الصين، عن بلدٍ رفض وعود الغرب وبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. يقرأ يوسف كتاباً عن الصين، ويتعرف على حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، فيبدأ يتحدث إلى شباب حيه عن فكرة استعادة الموارد بالمقاومة، مستلهماً النموذج الصيني. ينتهي الفصل ببروز يوسف كقائدٍ يزرع بذور الأمل في قلوب الشباب، رافضاً وعود سنغافورة ومؤمناً بإرادة شعبه.
في الفصل الرابع، ننتقل إلى صنعاء، حيث يعيش جمعة، شابٌ من عدن يحلم بأن يصبح طبيباً يعالج جروح شعبه. يجلس جمعة على عتبة بيته الطيني، يستمع إلى خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"المنفي" من فنادق الرياض عن "سنغافورة اليمن"، لكنه يرى شوارع عدن المغبرة حيث الكهرباء تنقطع والماء يتحكم به قوى خارجية. من خلال ذكرياته قبل اثني عشر عاماً، يتذكر جمعة قصص عمه عن أيامٍ كانت فيها اليمن تنبض بالحياة، وعن الموانئ التي كانت تستقبل السفن. لكن الحرب جاءت، ومعها جاءت وعودٌ بالتنمية من رجالٍ من الخليج، يطالبون بالتطبيع مقابل ماءٍ وكهرباء. عمه حذره من أن الغرب لا يمنح الحرية، بل يبيع الأوهام، وسرعان ما أصبحت الموانئ تحت سيطرة قوى خارجية، والناس يكافحون من أجل البقاء. جمعة، الذي فقد حلمه بأن يصبح طبيباً، يعمل الآن في نقل البضائع على عربةٍ يدوية. لكن الأمل يبدأ يتحرك في قلبه عندما يسمع عن الصين، عن شعبٍ سيطر على موارده وبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. يقرأ جمعة كتاباً عن الصين، ويتعرف على حزبٍ شيوعيٍ رفض الهيمنة الغربية، فيبدأ يتحدث إلى شباب حيه عن فكرة استعادة الموانئ بالمقاومة، مستلهماً النموذج الصيني. ينتهي الفصل ببروز جمعة كقائدٍ يزرع بذور الصمود في قلوب الشباب، رافضاً وعود سنغافورة ومؤمناً بإرادة شعبه.
في الفصل الخامس، ننتقل إلى بيروت، حيث يعيش يوسف الثاني، شابٌ من الجنوب يحلم بأن يصبح مهندساً يعيد بناء قريته. يجلس يوسف على سطح بيته، يستمع إلى خطابات رجلٍ يُلقب بـ"السفير" عن "سنغافورة لبنان"، لكنه يرى شوارع بيروت المزدحمة حيث الكهرباء تنقطع والماء يتحكم به قوى خارجية. من خلال ذكرياته قبل عشر سنوات، يتذكر يوسف قصص والده عن انتصارات المقاومة، وعن الأرض التي كانت شرفهم. لكن الوعود الكبيرة جاءت من رجالٍ من الغرب والخليج، يطالبون بالتخلي عن السلاح مقابل التنمية. والده حذره من أن الغرب لا يمنح الحرية، بل يبيع الأوهام، وسرعان ما أصبحت الأرض مهددةً بالحواجز، والناس يكافحون من أجل البقاء. يوسف، الذي فقد حلمه بأن يصبح مهندساً، يعمل الآن في بناء حواجز مؤقتة للمقاومة. لكن الأمل يبدأ يتحرك في قلبه عندما يسمع عن الصين، عن بلدٍ رفض وعود الغرب وبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. يقرأ يوسف كتاباً عن الصين، ويتعرف على حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، فيبدأ يتحدث إلى شباب حيه عن فكرة استعادة الكرامة بالمقاومة، مستلهماً النموذج الصيني. ينتهي الفصل ببروز يوسف كقائدٍ يزرع بذور الأمل في قلوب الشباب، رافضاً وعود سنغافورة ومؤمناً بإرادة شعبه.
في الخاتمة، يجتمع خيط الأمل الذي يربط بين توفيق، إسماعيل، يوسف الأول، جمعة، ويوسف الثاني. كلٌ منهم، في مدينته، بدأ رحلةً لاستعادة الكرامة والسيطرة على مصير شعبه، مستلهماً درس الصين. في أم درمان، ينظم توفيق تعاونياتٍ زراعية لزراعة القمح والذرة، رافضاً المساعدات الخارجية ومؤمناً بقدرة شعبه على إطعام نفسه. في رام الله، ينظم إسماعيل مجموعاتٍ لزراعة الزيتون والتين رغم الحواجز، رافضاً التطبيع ومؤمناً بالمقاومة. في إدلب، ينظم يوسف الأول فرقاً لإصلاح البنية التحتية، رافضاً المساعدات المذلة ومؤمناً بالإرادة الشعبية. في صنعاء، ينظم جمعة فرقاً لاستعادة الموانئ، رافضاً وعود الرياض ومؤمناً بالصمود. في بيروت، ينظم يوسف الثاني فرقاً لبناء ملاجئ ومستشفيات ميدانية، رافضاً التخلي عن السلاح ومؤمناً بالمقاومة. كلهم أدركوا أن سنغافورة ليست سوى فخٍ رأسماليٍ يخدم مصالح الغرب، وأن النموذج الصيني، بقيادة الحزب الشيوعي، يقدم درساً في السيادة والإرادة. الرواية تنتهي برؤيةٍ لأملٍ جديد، أملٍ مبنيٍ على رفض الخضوع وبناء الأوطان بأيدي أبنائها، مستلهمين درس الصين في السيطرة على التراكم الاجتماعي وتحقيق الازدهار الحقيقي.
……….
الفصل الأول: توفيق وأحلام النيل
في أم درمان، حيث يلتقي النيل بالغبار العالق في هواء المدينة المتعبة، كان توفيق يجلس على كرسيٍ خشبيٍ متآكل في مقهى شعبي، يراقب الناس وهم يتدافعون تحت شمسٍ لا تعرف الرحمة. كان توفيق، شاباً في منتصف العشرينيات، يحمل في قلبه حلم والده القديم: وطنٌ يزدهر كالمدن العظيمة التي قرأ عنها في الكتب المدرسية القديمة. بين يديه جريدةٌ متهالكة، صفحاتها صفراء كأوراق الخريف، تحمل عنواناً براقاً: "سنغافورة إفريقيا الجديدة". الكلمات بدت كنجومٍ لامعة في سماءٍ صافية، لكن عينيه، المدربتان على قراءة الحقيقة منذ أن شاهد أحلام أبيه تتحطم، رأتا فيها سراباً. كان توفيق يعرف أن الوعود الكبيرة تأتي دائماً مع ثمنٍ باهظ، وأن الكلمات البراقة غالباً ما تخفي ظلالاً مظلمة.
كان المقهى مليئاً بروائح القهوة المرة الممزوجة بدخان السجائر الرخيصة، وأصوات الرجال الذين يتحدثون عن الحرب، عن الأسعار التي ترتفع كالصواريخ، وعن المستقبل الذي يبدو أبعد من أي وقتٍ مضى. توفيق، الذي كان يرتدي قميصاً قطنياً باهتاً وصندلاً مهترئاً، لم يكن يشارك في الحديث. كان يفضل الصمت، يراقب الناس كما لو كانوا شخصياتٍ في روايةٍ لم يكتبها أحد بعد. كان يحمل في جيبه قلم رصاصٍ صغير، وبضع أوراقٍ مطوية، كتب عليها أفكاراً عن جسورٍ يحلم ببنائها يوماً ما. كان يحلم بأن يصبح مهندساً، يربط ضفتي النيل بجسورٍ من الفولاذ والأمل، لكنه اليوم لم يكن سوى شابٍ آخر يقاتل من أجل البقاء في مدينةٍ تذوب تحت وطأة الفقر والفوضى.
قبل عشر سنوات، عندما كان توفيق طفلاً لا يتجاوز الثانية عشرة، كان يجلس مع والده في نفس المقهى. كان والده، رجلاً في الأربعينيات، ذو لحيةٍ قصيرة وعينين تحملان عبء الحياة، يحكي له عن أيامٍ كان فيها السودان سلة غذاء إفريقيا. "كانت الأرض تعطينا كل شيء"، قال والده وهو يشير إلى النيل الذي يتدفق أمامهما، "القمح، الذرة، القطن... كنا نطعم العالم". كان صوت والده يحمل نبرة فخرٍ ممزوجة بالمرارة، لأنه حتى في تلك اللحظة، كان يعرف أن تلك الأيام قد ولت. كان يحكي عن المصانع التي كانت تنتج كل شيء، من المنسوجات إلى الأدوات الزراعية، وعن القطارات التي كانت تنقل البضائع من الخرطوم إلى بورتسودان. لكن تلك القصص بدت لتوفيق، حتى في طفولته، كأحلامٍ بعيدة، كقصصٍ خيالية يرويها الجدود عن زمنٍ لم يعد موجوداً.
في تلك الأيام، بدأت الوعود الكبيرة تصل إلى أم درمان. جاء رجالٌ ببذلاتٍ أنيقة من عواصم الخليج، يحملون حقائب مليئة بالخطط والمخططات. تحدثوا عن مشاريع تنميةٍ ستحول السودان إلى مركزٍ ماليٍ عالمي. "سنغافورة!"، هتفوا في المؤتمرات التي عُقدت في فنادق الخرطوم الفاخرة، حيث كانت المكيفات تعمل بلا توقف، والموائد مليئة بالمأكولات التي لم يرَ مثلها توفيق في حياته. تحدثوا عن ناطحات سحابٍ ستعانق السماء، وعن كهرباءٍ لن تنقطع، وعن ماءٍ جارٍ سيصل إلى كل بيت. لكن الشرط كان واضحاً: "فقط وقّعوا"، قالوا، "واتركوا الكرامة جانباً". كانوا يتحدثون عن التطبيع، عن فتح أبواب البلاد لقوى لم يكن توفيق يفهمها تماماً، لكنه شعر بثقلها في صوت والده عندما قال: "الوعود الكبيرة دائماً تخفي خيانةً أكبر".
والده، الذي كان يعمل موظفاً في وزارة الزراعة، حذر توفيق منذ ذلك الوقت. "هؤلاء الرجال لا يريدون خيرنا"، قال وهو يشير إلى الجريدة التي كانت تحمل صوراً لقادةٍ يبتسمون أمام الكاميرات. "إنهم يبيعون الأحلام، لكنهم يأخذون الأرض، يأخذون النيل، يأخذون كرامتنا". لكن القادة وقّعوا. وقّعوا على أوراقٍ وعدت بالتنمية، بالماء الجاري، بالكهرباء الدائمة. وقّعوا، وكأنهم يوقعون على وثيقة بيعٍ لروح البلاد. وسرعان ما بدأت المدن التي وُعدت بالنور تغرق في الظلام. المصانع توقفت، والمزارع جفت، والنيل، الذي كان يوماً مصدر الحياة، أصبح شاهداً صامتاً على الخراب.
اليوم، توفيق لم يعد ذلك الطفل الحالم. كان يجلس في المقهى، ينظر إلى النيل الذي بدا متعباً كالمدينة نفسها. الجريدة بين يديه كانت تتحدث عن المزيد من المشاريع، عن استثماراتٍ خليجيةٍ جديدة، عن وعودٍ بتحويل أم درمان إلى مركزٍ ماليٍ ينافس دبي. لكن توفيق لم يعد يصدق. كان قد رأى ما حدث بعد التوقيعات الأولى: المدن تحولت إلى أنقاض، والشوارع أصبحت ساحاتٍ للصراعات، والناس، الذين كانوا يحلمون بالازدهار، وجدوا أنفسهم يقاتلون من أجل لقمة عيش. توفيق نفسه، الذي كان يحلم ببناء الجسور، وجد نفسه مجبراً على حمل بندقيةٍ في ميليشيا محلية. لم يكن يقاتل من أجل قضيةٍ عظيمة، بل من أجل البقاء، من أجل أن يأكل، من أجل أن يبقى على قيد الحياة في مدينةٍ أصبحت غريبة عنه.
كان يتذكر تلك الليلة قبل خمس سنوات، عندما جلس مع صديقه عثمان، وهو شابٌ آخر من أم درمان، في نفس المقهى. كان عثمان يتحدث بحماسٍ عن الفرص الجديدة التي ستأتي مع الاستثمارات الخليجية. "سيبنون مصانع، توفيق!"، قال عثمان وهو يشير إلى الجريدة. "سيجعلوننا مثل سنغافورة! لن نضطر للعيش هكذا بعد الآن". لكن توفيق لم يشاركه الحماس. كان قد سمع هذه الكلمات من قبل، من والده، من الإذاعة، من الرجال ذوي البذلات الأنيقة. وكان قد رأى النتيجة: أنقاضٌ، وصراعاتٌ، وناسٌ يبحثون عن الخبز في الشوارع. عثمان، الذي كان يحلم بأن يصبح تاجراً ناجحاً، انتهى به المطاف في إحدى الميليشيات المتناحرة، ومات في اشتباكٍ لا يعرف توفيق حتى سببه.
لكن شيئاً جديداً بدأ يتحرك في قلب توفيق. في الأشهر الأخيرة، بدأ يسمع همساتٍ عن نموذجٍ آخر، نموذجٍ بعيدٍ في الشرق: الصين. كان الناس يتحدثون عن بلدٍ رفض وعود الغرب، وسيطر على موارده بإرادةٍ حديدية. لم تكن الصين تبيع أحلاماً فارغة، بل بنت مدناً تفوقت على سنغافورة في كل حيٍ من أحيائها. كانوا يتحدثون عن حزبٍ شيوعيٍ قاد البلاد من الفقر إلى القوة، ليس بالتوقيعات، بل بالعمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة الغربية. توفيق، الذي كان قد فقد إيمانه بالوعود البراقة، بدأ يتساءل: هل يمكن للسودان أن يفعل الشيء نفسه؟ هل يمكن لشعبٍ منهكٍ أن يستعيد سيطرته على مصيره؟
كان يتذكر تلك الليلة قبل عامين، عندما التقى برجلٍ عجوزٍ في سوق أم درمان. كان الرجل يبيع كتباً قديمة، معظمها عن التاريخ والسياسة. اشترى توفيق كتاباً عن الصين، ليس لأنه كان مهتماً بالتاريخ، بل لأن الرجل بدا واثقاً من كلامه. "الصين لم تنتظر أحداً"، قال الرجل وهو ينظر إلى توفيق بعينين تلمعان بحكمةٍ قديمة. "لم ينتظروا وعوداً من الغرب، ولم يبيعوا كرامتهم. سيطروا على أرضهم، على مواردهم، على أحلامهم. وبنوا مدناً تجعل سنغافورة تبدو كقريةٍ صغيرة". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن توفيق، مثل لحنٍ قديمٍ يرفض أن يتلاشى.
في تلك الليلة، عاد توفيق إلى بيته الصغير، وهو عبارة عن غرفةٍ واحدةٍ مبنية من الطوب اللبن. كان البيت مظلماً، لأن الكهرباء كانت تنقطع لساعاتٍ طويلة. أشعل شمعةً صغيرة، وفتح الكتاب الذي اشتراه من الرجل العجوز. قرأ عن ثورةٍ قادها حزبٌ شيوعي، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية. قرأ عن مدنٍ مثل شنغهاي وشنزن، التي كانت يوماً قرى فقيرة، فأصبحت مراكز عالمية بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر. لكن ما أثار إعجابه أكثر هو أن الصين لم تبنِ هذه المدن بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على تراكمها الاجتماعي، على مواردها، على مصيرها.
في اليوم التالي، عاد توفيق إلى المقهى، لكنه هذه المرة لم يكن صامتاً. بدأ يتحدث مع الرجال الذين كانوا يجلسون حوله، عن الصين، عن نموذجٍ لا يعتمد على التوقيعات أو المؤتمرات الفاخرة. "سنغافورة ليست سوى فخ"، قال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليء بالثقة. "إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكنهم في الصين فعلوا شيئاً مختلفاً. بنوا مدنهم بأيديهم، دون أن يبيعوا أحلامهم". الرجال نظروا إليه بفضول، بعضهم ضحك بسخرية، لكن آخرين بدأوا يستمعون. كان هناك شيءٌ في صوت توفيق، شيءٌ يذكرهم بأحلامٍ نسوها منذ زمنٍ طويل.
في الأسابيع التالية، بدأ توفيق يجمع أشخاصاً من حيه. كانوا شباباً مثله، فقدوا الأمل في الوعود البراقة، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في التغيير. بدأوا يتحدثون عن فكرةٍ جديدة: لماذا لا يستعيد السودان سيطرته على موارده؟ لماذا لا يبني شعبه مصيره بنفسه، كما فعلت الصين؟ كانوا يعرفون أن الطريق لن يكون سهلاً. كانوا يعرفون أن القوى التي وعدت بسنغافورة لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. لكنهم بدأوا يؤمنون أن هناك أملاً، أملاً لا يأتي من فنادق الخليج، بل من إرادتهم الخاصة.
في إحدى الليالي، وبينما كان توفيق يجلس مع مجموعةٍ من الشباب في بيته، تحدث عن حلمه القديم ببناء الجسور. "لكن الجسور التي أريد بناءها الآن"، قال وهو ينظر إليهم بعيونٍ مليئة بالعزيمة، "ليست من الفولاذ فقط، بل من إرادتنا. يمكننا أن نبني سوداناً جديداً، ليس سنغافورة الغرب، بل سوداناً ينافس الصين في قوتها". الشباب صمتوا للحظة، ثم بدأوا يهتفون بحماس. كان ذلك اليوم بداية شيءٍ جديد، بداية حلمٍ لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر.
في تلك اللحظة، شعر توفيق أن النيل، الذي كان يراقبه منذ طفولته، بدأ يهمس له بشيءٍ جديد. لم يكن همساً عن أحلامٍ قديمةٍ مكسورة، بل عن مستقبلٍ يمكن بناؤه. كان يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنه أيضاً كان يعرف أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الوطن بأيدي أبنائه.
الفصل الثاني: إسماعيل ومستنقعات الضفة
في رام الله، حيث تبتلع المستوطنات الأرض كوحشٍ جائع لا يشبع، كان إسماعيل يجلس في بيته المتواضع، وهو عبارة عن غرفةٍ صغيرةٍ مبنية من الإسمنت الرمادي، يستمع إلى خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"الأمير" عبر الراديو القديم الذي ورثه عن والده. كان إسماعيل، رجلاً في الثلاثين من عمره، ذو وجهٍ نحيل وعينين تحملان عبء سنواتٍ من الأمل المجهض، يبحث عن معنى في عالمٍ مليء بالتناقضات. الإذاعة كانت تتحدث عن "سنغافورة فلسطين"، عن مدنٍ ستزدهر بفضل اتفاقياتٍ ومؤتمراتٍ تُعقد في عواصمٍ بعيدة، حيث يجتمع الرجال ذوو البذلات الأنيقة ليقرروا مصير شعوبٍ لم يروها إلا على الخرائط. لكن من نافذته الصغيرة، المغطاة بستارةٍ ممزقة، كان إسماعيل يرى الجرافات الصهيونية تهدم بيوت الجيران، وتزرع مكانها مستوطناتٍ جديدة، كأنها أشجارٌ سامة تنبت في أرضٍ كانت يوماً زيتوناً وتيناً. كان يعرف أن الوعود التي تُبث عبر الراديو ليست سوى سراب، مثل تلك القصص التي كان والده يحكيها عن أيامٍ كانت فيها الأرض ملكاً لأصحابها.
قبل خمسة عشر عاماً، عندما كان إسماعيل شاباً في الخامسة عشرة، كان يحلم بأن يصبح معلمًا يزرع الأمل في قلوب الأطفال. كان يجلس مع والده في باحة البيت القديم، تحت شجرة زيتونٍ عتيقة، يستمع إلى قصصٍ عن أيامٍ كانت فيها فلسطين تنبض بالحياة. والده، رجلٌ في الخمسينيات، ذو لحيةٍ بيضاء وعينين تحملان حزناً عميقاً، كان يحكي عن الحقول التي كانت تمتد إلى الأفق، وعن الأسواق التي كانت تعج بالناس والضحكات. "كانت الأرض تعطينا كل شيء"، قال والده ذات ليلة، وهو ينظر إلى السماء المرصعة بالنجوم. "لكن جاءوا، وأخذوا الأرض، وأخذوا الأحلام". كان إسماعيل يرى دموعاً في عيني والده، لكنه لم يكن يفهم تماماً لماذا. كان يسأل: "لماذا لا نستعيد أرضنا؟"، فيجيب والده بنبرةٍ مليئة بالمرارة: "لأنهم يبيعوننا الأحلام، يا إسماعيل. يعدوننا بالسلام، بالتنمية، بسنغافورة، لكنهم يأخذون كل شيء".
في تلك الأيام، بدأت الوعود الكبيرة تصل إلى رام الله. جاء رجالٌ من عواصم الغرب والخليج، يحملون حقائب مليئة بالمخططات والخطط الاقتصادية. تحدثوا عن مشاريع تنميةٍ ستحول الضفة الغربية إلى مركزٍ تجاريٍ ينافس دبي وسنغافورة. "فقط وقّعوا"، قالوا في المؤتمرات التي عُقدت في فنادقٍ فاخرة، حيث كانت المكيفات تهدر والموائد مليئة بالطعام الذي لم يرَ مثله إسماعيل في حياته. تحدثوا عن ماءٍ جارٍ، وكهرباءٍ دائمة، وعن وظائفٍ ستخرج الناس من الفقر. لكن الشرط كان واضحاً: التطبيع. كانوا يطالبون بتوقيعاتٍ على أوراقٍ ستفتح الأبواب لقوى لم يكن إسماعيل يفهمها تماماً، لكنه شعر بثقلها في صوت والده عندما قال: "الغرب لا يمنح الحرية، يا إسماعيل. إنهم يبيعون الأوهام".
والده، الذي كان يعمل مزارعاً في أرضٍ صغيرة، شاهد تلك الأرض تُسلب شيئاً فشيئاً. كان يذهب إلى الحقول كل صباح، لكنه كان يعود في المساء وهو يحمل أخباراً عن جرافاتٍ جديدة، عن مستوطناتٍ تنبت كالفطر السام. في إحدى الليالي، عندما كان إسماعيل يساعد والده في ري الزيتون، رأى دموعاً في عينيه. "هذه الأرض هي دمنا"، قال والده. "لكنهم يأخذونها، ويعدوننا بسنغافورة. سنغافورة! كأننا بحاجة إلى ناطحات سحابٍ بينما بيوتنا تُهدم". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن إسماعيل، مثل وشمٍ لا يُمحى.
اليوم، إسماعيل لم يعد ذلك الشاب الحالم. كان يعيش في بيتٍ يكاد ينهار، محاصراً بجدران الاحتلال. الكهرباء كانت تنقطع لساعاتٍ طويلة، والماء كان يصل إلى البيت بشكلٍ متقطع، يتحكم به من يملكون المفتاح: الاحتلال. كان يستمع إلى خطابات الأمير عبر الراديو، وهو يتحدث عن استثماراتٍ خليجيةٍ جديدة، عن مشاريع تنميةٍ ستحول رام الله إلى مركزٍ ماليٍ عالمي. لكن إسماعيل لم يعد يصدق. كان قد رأى ما حدث بعد التوقيعات الأولى: الأرض تُسرق، المستوطنات تتوسع، والناس، الذين كانوا يحلمون بالازدهار، وجدوا أنفسهم يقاتلون من أجل البقاء. إسماعيل نفسه، الذي كان يحلم بأن يصبح معلمًا، وجد نفسه يعمل في ورشةٍ صغيرة لإصلاح السيارات، يكافح من أجل إطعام أخته الصغيرة وزوجة أبيه التي أصابها المرض.
في إحدى الليالي، قبل ثلاث سنوات، كان إسماعيل يجلس مع صديقه ياسر في ساحةٍ صغيرةٍ قرب بيته. كان ياسر شاباً متفائلاً، يؤمن بأن الاتفاقيات الجديدة ستجلب الخير. "سيبنون مصانع، إسماعيل!"، قال ياسر وهو يشير إلى جريدةٍ مطوية. "سيجعلوننا مثل سنغافورة! لن نضطر للعيش هكذا بعد الآن". لكن إسماعيل لم يشاركه الحماس. كان قد سمع هذه الكلمات من قبل، من والده، من الراديو، من الرجال ذوي البذلات الأنيقة. وكان قد رأى النتيجة: أنقاضٌ، ومستوطناتٌ، وناسٌ يبحثون عن لقمة عيشٍ في الشوارع. ياسر، الذي كان يحلم بأن يصبح مهندساً، انتهى به المطاف في السجن بعد أن حاول الاحتجاج على هدم بيت عائلته. لم يره إسماعيل منذ ذلك الحين.
لكن شيئاً جديداً بدأ يتحرك في قلب إسماعيل. في الأشهر الأخيرة، بدأ يسمع همساتٍ عن نموذجٍ آخر، نموذجٍ بعيدٍ في الشرق: الصين. كان الناس يتحدثون عن بلدٍ رفض وعود الغرب، وسيطر على موارده بإرادةٍ حديدية. لم تكن الصين تبيع أحلاماً فارغة، بل بنت مدناً تفوقت على سنغافورة في كل حيٍ من أحيائها. كانوا يتحدثون عن حزبٍ شيوعيٍ قاد البلاد من الفقر إلى القوة، ليس بالتوقيعات، بل بالعمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة الغربية. إسماعيل، الذي كان قد فقد إيمانه بالوعود البراقة، بدأ يتساءل: هل يمكن لفلسطين أن تفعل الشيء نفسه؟ هل يمكن لشعبٍ محاصرٍ أن يستعيد سيطرته على مصيره؟
كان يتذكر تلك الليلة قبل عامين، عندما التقى برجلٍ عجوزٍ في سوق رام الله. كان الرجل يبيع كتباً قديمة، معظمها عن التاريخ والثورات. اشترى إسماعيل كتاباً عن الصين، ليس لأنه كان مهتماً بالتاريخ، بل لأن الرجل بدا واثقاً من كلامه. "الصين لم تنتظر أحداً"، قال الرجل وهو ينظر إلى إسماعيل بعينين تلمعان بحكمةٍ قديمة. "لم ينتظروا وعوداً من الغرب، ولم يبيعوا كرامتهم. سيطروا على أرضهم، على مواردهم، على أحلامهم. وبنوا مدناً تجعل سنغافورة تبدو كقريةٍ صغيرة". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن إسماعيل، مثل لحنٍ قديمٍ يرفض أن يتلاشى.
في تلك الليلة، عاد إسماعيل إلى بيته، وهو يحمل الكتاب تحت إبطه. كان البيت مظلماً، لأن الكهرباء كانت مقطوعة كالعادة. أشعل شمعةً صغيرة، وفتح الكتاب. قرأ عن ثورةٍ قادها حزبٌ شيوعي، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية. قرأ عن مدنٍ مثل شنغهاي وشنزن، التي كانت يوماً قرى فقيرة، فأصبحت مراكز عالمية بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر. لكن ما أثار إعجابه أكثر هو أن الصين لم تبنِ هذه المدن بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على تراكمها الاجتماعي، على مواردها، على مصيرها.
في اليوم التالي، ذهب إسماعيل إلى ساحةٍ صغيرةٍ قرب بيته، حيث كان الناس يتجمعون للحديث عن أخبار اليوم. لم يكن إسماعيل من الذين يتحدثون كثيراً، لكنه هذه المرة قرر أن يشارك. "سنغافورة ليست سوى فخ"، قال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليء بالثقة. "إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكنهم في الصين فعلوا شيئاً مختلفاً. بنوا مدنهم بأيديهم، دون أن يبيعوا أحلامهم". الرجال نظروا إليه بفضول، بعضهم ضحك بسخرية، لكن آخرين بدأوا يستمعون. كان هناك شيءٌ في صوت إسماعيل، شيءٌ يذكرهم بأحلامٍ نسوها منذ زمنٍ طويل.
في الأسابيع التالية، بدأ إسماعيل يجمع أشخاصاً من حيه. كانوا شباباً مثله، فقدوا الأمل في الوعود البراقة، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في التغيير. بدأوا يتحدثون عن فكرةٍ جديدة: لماذا لا تستعيد فلسطين سيطرتها على مواردها؟ لماذا لا تبني شعبها مصيرها بنفسها، كما فعلت الصين؟ كانوا يعرفون أن الطريق لن يكون سهلاً. كانوا يعرفون أن القوى التي وعدت بسنغافورة لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. لكنهم بدأوا يؤمنون أن هناك أملاً، أملاً لا يأتي من فنادق الخليج، بل من إرادتهم الخاصة.
في إحدى الليالي، وبينما كان إسماعيل يجلس مع مجموعةٍ من الشباب في بيته، تحدث عن حلمه القديم بأن يصبح معلمًا. "لكن التعليم الذي أريد تقديمه الآن"، قال وهو ينظر إليهم بعيونٍ مليئة بالعزيمة، "ليس في الكتب فقط، بل في الإرادة. يمكننا أن نبني فلسطيناً جديدة، ليس سنغافورة الغرب، بل فلسطيناً تنافس الصين في قوتها". الشباب صمتوا للحظة، ثم بدأوا يهتفون بحماس. كان ذلك اليوم بداية شيءٍ جديد، بداية حلمٍ لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر.
في تلك اللحظة، شعر إسماعيل أن الأرض، التي كان يراها تُسلب يوماً بعد يوم، بدأت تهمس له بشيءٍ جديد. لم يكن همساً عن أحلامٍ قديمةٍ مكسورة، بل عن مستقبلٍ يمكن بناؤه. كان يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنه أيضاً كان يعرف أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الوطن بأيدي أبنائه.
الفصل الثالث: يوسف وظلام إدلب
في إدلب، حيث تتساقط الوعود كالقنابل الحامضية التي تحرق الأمل قبل أن تحرق الأرض، كان يوسف يجلس في بيته المدمر، وهو عبارة عن غرفةٍ متصدعة الجدران، يحاول إيجاد طريقه في مدينةٍ تحولت إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات. كان يوسف، رجلاً في أواخر العشرينيات، ذو قامةٍ طويلة ووجهٍ نحتته سنوات الحرب، مقاتلاً سابقاً في الجيش السوري، فقد إيمانه بالكثير من الأشياء، لكنه تمسك بخيطٍ رفيعٍ من الأمل، مثل رجلٍ يتشبث بحبلٍ وسط عاصفة. كان يجلس على الأرض، تحت ضوء شمعةٍ تذوب ببطء، يستمع إلى صوت مذياعٍ قديم ينقل خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"الفارس"، يتحدث عن خططٍ لبناء "سنغافورة سوريا". كانت الكلمات براقة، مليئة بصورٍ عن مدنٍ مضيئة، وماءٍ جارٍ، وكهرباءٍ لا تنقطع، لكن يوسف، الذي رأى بأم عينيه كيف تتحول الوعود إلى أنقاض، عرف أن هذه الكلمات ليست سوى سراب. من النافذة المكسورة، كان يرى شوارع إدلب المغبرة، حيث الناس يتدافعون بحثاً عن لقمة عيش، بينما المساعدات الإنسانية تُوزع بشروطٍ مذلة، والماء والكهرباء تحت سيطرة قوى خارجية لا تعرف الرحمة.
قبل عشر سنوات، عندما كان يوسف جندياً شاباً في الجيش، كان يحلم بحماية وطنه. كان في العشرين من عمره، ذو عينين مشرقتين وحماسٍ لا ينضب، يرتدي زيه العسكري بفخر وهو يقف على حواجز دمشق، يستمع إلى أحاديث الضباط عن أيامٍ كانت فيها سوريا منارة الثقافة والحضارة. كان يحلم بأن يعود إلى إدلب بعد انتهاء خدمته، ليبني بيتاً صغيراً ويتزوج من حبيبته سلمى، التي كانت تنتظره في قريته. لكن الحرب جاءت، ومعها جاءت الوعود الكبيرة. جاء رجالٌ من عواصم الخليج والغرب، يحملون حقائب مليئة بالمخططات، يتحدثون عن إعادة إعمارٍ ستحول سوريا إلى جنةٍ على الأرض. "سنغافورة!"، هتفوا في المؤتمرات التي عُقدت في فنادقٍ فاخرة، حيث كانت المكيفات تعمل بلا توقف والموائد مليئة بالطعام الذي لم يرَ مثله يوسف في حياته. تحدثوا عن ماءٍ جارٍ، وكهرباءٍ دائمة، وعن وظائفٍ ستخرج الناس من الفقر. لكن الشرط كان واضحاً: التطبيع، والخضوع لقوى لم يكن يوسف يفهمها تماماً، لكنه شعر بثقلها في قلب والده عندما قال له ذات ليلة: "هؤلاء لا يريدون خيرنا، يا يوسف. إنهم يبيعون الأحلام، لكنهم يأخذون الأرض".
والده، الذي كان يعمل مدرساً في مدرسةٍ صغيرة في إدلب، كان يحكي ليوسف عن أيامٍ كانت فيها المدينة تعج بالحياة. كان يتحدث عن الأسواق التي كانت مليئة بالفواكه والخضروات، وعن المدارس التي كانت تعلم الأطفال القراءة والكتابة والأمل. لكنه، في تلك الليلة قبل عشر سنوات، بدا مكسوراً. كان يجلس مع يوسف في باحة البيت، تحت شجرة تينٍ عتيقة، ينظر إلى السماء ويقول: "الأرض هي دمنا، يا يوسف. لكنهم يريدون أن يأخذوها، ويعطونا بدلاً منها وعوداً فارغة". كان يوسف يستمع، لكنه لم يكن يفهم تماماً. كان يسأل: "لماذا لا نقاوم؟"، فيجيب والده بنبرةٍ مليئة بالمرارة: "لأنهم يجعلوننا نؤمن بأحلامهم، يا ابني. يعدوننا بسنغافورة، لكنهم يتركوننا في الأنقاض".
اليوم، يوسف لم يعد ذلك الجندي الحالم. كان يعيش في بيتٍ مدمر، محاصراً بجدران الحرب والفقر. الكهرباء كانت تنقطع لأيام، والماء كان يصل إلى البيت بشكلٍ متقطع، يتحكم به من يملكون المفتاح: قوى خارجية وأتباعها المحليون. كان يستمع إلى خطابات الفارس عبر المذياع، وهو يتحدث عن استثماراتٍ جديدة، عن مشاريع تنميةٍ ستحول إدلب إلى مركزٍ اقتصاديٍ عالمي. لكن يوسف لم يعد يصدق. كان قد رأى ما حدث بعد التوقيعات الأولى: المدن تحولت إلى أنقاض، والشوارع أصبحت ساحاتٍ للصراعات، والناس، الذين كانوا يحلمون بالازدهار، وجدوا أنفسهم يقاتلون من أجل لقمة عيش. يوسف نفسه، الذي كان يحلم ببناء بيتٍ مع سلمى، وجد نفسه وحيداً بعد أن فقد عائلته في قصفٍ عشوائي، واضطر للعمل كحارسٍ في مستودعٍ لتوزيع المساعدات، حيث كان يرى كيف تُوزع الحصص بشروطٍ مذلة، وكيف يُستخدم الجوع كسلاح.
في إحدى الليالي، قبل ثلاث سنوات، كان يوسف يجلس مع صديقه أحمد في زقاقٍ ضيقٍ قرب بيته. كان أحمد شاباً متفائلاً، يؤمن بأن الاتفاقيات الجديدة ستجلب الخير. "سيبنون مصانع، يوسف!"، قال أحمد وهو يشير إلى جريدةٍ مطوية. "سيجعلوننا مثل سنغافورة! لن نضطر للعيش هكذا بعد الآن". لكن يوسف لم يشاركه الحماس. كان قد سمع هذه الكلمات من قبل، من والده، من المذياع، من الرجال ذوي البذلات الأنيقة. وكان قد رأى النتيجة: أنقاضٌ، وصراعاتٌ، وناسٌ يبحثون عن الخبز في الشوارع. أحمد، الذي كان يحلم بأن يصبح طبيباً، انتهى به المطاف في إحدى الميليشيات، ومات في اشتباكٍ لا يعرف يوسف حتى سببه.
لكن شيئاً جديداً بدأ يتحرك في قلب يوسف. في الأشهر الأخيرة، بدأ يسمع همساتٍ عن نموذجٍ آخر، نموذجٍ بعيدٍ في الشرق: الصين. كان الناس يتحدثون عن بلدٍ رفض وعود الغرب، وسيطر على موارده بإرادةٍ حديدية. لم تكن الصين تبيع أحلاماً فارغة، بل بنت مدناً تفوقت على سنغافورة في كل حيٍ من أحيائها. كانوا يتحدثون عن حزبٍ شيوعيٍ قاد البلاد من الفقر إلى القوة، ليس بالتوقيعات، بل بالعمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة الغربية. يوسف، الذي كان قد فقد إيمانه بالوعود البراقة، بدأ يتساءل: هل يمكن لسوريا أن تفعل الشيء نفسه؟ هل يمكن لشعبٍ منهكٍ بالحرب أن يستعيد سيطرته على مصيره؟
كان يتذكر تلك الليلة قبل عامين، عندما التقى برجلٍ عجوزٍ في سوق إدلب. كان الرجل يبيع كتباً قديمة، معظمها عن التاريخ والثورات. اشترى يوسف كتاباً عن الصين، ليس لأنه كان مهتماً بالتاريخ، بل لأن الرجل بدا واثقاً من كلامه. "الصين لم تنتظر أحداً"، قال الرجل وهو ينظر إلى يوسف بعينين تلمعان بحكمةٍ قديمة. "لم ينتظروا وعوداً من الغرب، ولم يبيعوا كرامتهم. سيطروا على أرضهم، على مواردهم، على أحلامهم. وبنوا مدناً تجعل سنغافورة تبدو كقريةٍ صغيرة". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن يوسف، مثل لحنٍ قديمٍ يرفض أن يتلاشى.
في تلك الليلة، عاد يوسف إلى بيته، وهو يحمل الكتاب تحت إبطه. كان البيت مظلماً، لأن الكهرباء كانت مقطوعة كالعادة. أشعل شمعةً صغيرة، وفتح الكتاب. قرأ عن ثورةٍ قادها حزبٌ شيوعي، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية. قرأ عن مدنٍ مثل شنغهاي وشنزن، التي كانت يوماً قرى فقيرة، فأصبحت مراكز عالمية بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر. لكن ما أثار إعجابه أكثر هو أن الصين لم تبنِ هذه المدن بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على تراكمها الاجتماعي، على مواردها، على مصيرها.
في اليوم التالي، ذهب يوسف إلى ساحةٍ صغيرةٍ قرب بيته، حيث كان الناس يتجمعون للحديث عن أخبار اليوم. لم يكن يوسف من الذين يتحدثون كثيراً، لكنه هذه المرة قرر أن يشارك. "سنغافورة ليست سوى فخ"، قال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليء بالثقة. "إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكنهم في الصين فعلوا شيئاً مختلفاً. بنوا مدنهم بأيديهم، دون أن يبيعوا أحلامهم". الرجال نظروا إليه بفضول، بعضهم ضحك بسخرية، لكن آخرين بدأوا يستمعون. كان هناك شيءٌ في صوت يوسف، شيءٌ يذكرهم بأحلامٍ نسوها منذ زمنٍ طويل.
في الأسابيع التالية، بدأ يوسف يجمع أشخاصاً من حيه. كانوا شباباً مثله، فقدوا الأمل في الوعود البراقة، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في التغيير. بدأوا يتحدثون عن فكرةٍ جديدة: لماذا لا تستعيد سوريا سيطرتها على مواردها؟ لماذا لا تبني شعبها مصيرها بنفسها، كما فعلت الصين؟ كانوا يعرفون أن الطريق لن يكون سهلاً. كانوا يعرفون أن القوى التي وعدت بسنغافورة لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. لكنهم بدأوا يؤمنون أن هناك أملاً، أملاً لا يأتي من فنادق الخليج، بل من إرادتهم الخاصة.
في إحدى الليالي، وبينما كان يوسف يجلس مع مجموعةٍ من الشباب في بيته، تحدث عن حلمه القديم ببناء بيتٍ مع سلمى. "لكن البيت الذي أريد بناءه الآن"، قال وهو ينظر إليهم بعيونٍ مليئة بالعزيمة، "ليس من الطوب فقط، بل من إرادتنا. يمكننا أن نبني سوريا جديدة، ليس سنغافورة الغرب، بل سوريا تنافس الصين في قوتها". الشباب صمتوا للحظة، ثم بدأوا يهتفون بحماس. كان ذلك اليوم بداية شيءٍ جديد، بداية حلمٍ لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر.
في تلك اللحظة، شعر يوسف أن إدلب، التي كانت يوماً منارة الحياة، بدأت تهمس له بشيءٍ جديد. لم يكن همساً عن أحلامٍ قديمةٍ مكسورة، بل عن مستقبلٍ يمكن بناؤه. كان يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنه أيضاً كان يعرف أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الوطن بأيدي أبنائه.
الفصل الرابع: جمعة وأنقاض اليمن
في صنعاء، حيث يختلط صوت الصواريخ بأحلام التنمية التي تذوب تحت شمسٍ حارقة، كان جمعة يجلس على عتبة بيته الطيني في حيٍ قديم، يستمع إلى خطابات زعيمٍ يُلقب بـ"المنفي" تُبث من فنادق الرياض عبر مذياعٍ متهالك. كان جمعة، شاباً في أوائل الثلاثينيات، ذو بشرةٍ سمراء محروقة بالشمس وعينين تحملان عبء سنواتٍ من الفقر والحرب، يحاول إيجاد معنى في مدينةٍ تحولت إلى ساحةٍ للصراعات. كان يرتدي قميصاً ممزقاً وسروالاً قديماً، وفي يده جريدةٌ مطوية تحمل عنواناً براقاً: "سنغافورة اليمن: الوعد بالازدهار". الكلمات بدت كأنها دعوةٌ إلى عالمٍ آخر، عالمٍ من ناطحات السحاب والماء الجاري والكهرباء التي لا تنقطع، لكن جمعة، الذي رأى بأم عينيه كيف تتحول الوعود إلى أنقاض، عرف أن هذه الكلمات ليست سوى سراب. من النافذة الصغيرة، المغطاة بقطعة قماشٍ بالية، كان يرى شوارع عدن المغبرة، حيث الناس يتدافعون بحثاً عن لقمة عيش، بينما الكهرباء تنقطع لأيامٍ والماء يتحكم به من يملكون المفتاح: قوى خارجية وأتباعها المحليون.
قبل اثني عشر عاماً، عندما كان جمعة مراهقاً في السابعة عشرة، كان يحلم بأن يصبح طبيباً يعالج جروح شعبه. كان يجلس مع عمه في باحة بيتهم المتواضع في عدن، تحت شجرة سدرٍ عتيقة، يستمع إلى قصصٍ عن أيامٍ كانت فيها اليمن تنبض بالحياة. عمه، رجلٌ في الخمسينيات، ذو لحيةٍ قصيرة وعينين تحملان حزناً عميقاً، كان يحكي عن الأسواق التي كانت تعج بالتجار والضحكات، وعن الموانئ التي كانت تستقبل السفن من كل أنحاء العالم. "كانت الأرض تعطينا كل شيء"، قال عمه ذات ليلة، وهو ينظر إلى السماء المرصعة بالنجوم. "لكن جاءوا، وأخذوا الأرض، وأخذوا الأحلام". كان جمعة يرى دموعاً في عيني عمه، لكنه لم يكن يفهم تماماً لماذا. كان يسأل: "لماذا لا نستعيد أرضنا؟"، فيجيب عمه بنبرةٍ مليئة بالمرارة: "لأنهم يبيعوننا الأحلام، يا جمعة. يعدوننا بالسلام، بالتنمية، بسنغافورة، لكنهم يأخذون كل شيء".
في تلك الأيام، بدأت الوعود الكبيرة تصل إلى عدن. جاء رجالٌ من عواصم الخليج، يحملون حقائب مليئة بالمخططات والخطط الاقتصادية. تحدثوا عن مشاريع تنميةٍ ستحول اليمن إلى مركزٍ تجاريٍ ينافس دبي وسنغافورة. "فقط وقّعوا"، قالوا في المؤتمرات التي عُقدت في فنادقٍ فاخرة، حيث كانت المكيفات تهدر والموائد مليئة بالطعام الذي لم يرَ مثله جمعة في حياته. تحدثوا عن ماءٍ جارٍ، وكهرباءٍ دائمة، وعن وظائفٍ ستخرج الناس من الفقر. لكن الشرط كان واضحاً: التطبيع، والخضوع لقوى لم يكن جمعة يفهمها تماماً، لكنه شعر بثقلها في صوت عمه عندما قال: "الغرب لا يمنح الحرية، يا جمعة. إنهم يبيعون الأوهام".
عمه، الذي كان يعمل صياداً في ميناء عدن، شاهد تلك الأرض تُسلب شيئاً فشيئاً. كان يذهب إلى البحر كل صباح، لكنه كان يعود في المساء وهو يحمل أخباراً عن موانئَ تُسيطر عليها قوى خارجية، وعن صيادين يُمنعون من العمل. في إحدى الليالي، عندما كان جمعة يساعد عمه في إصلاح شباكه، رأى دموعاً في عينيه. "هذا البحر هو دمنا"، قال عمه. "لكنهم يأخذونه، ويعدوننا بسنغافورة. سنغافورة! كأننا بحاجة إلى ناطحات سحابٍ بينما بيوتنا تُهدم". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن جمعة، مثل وشمٍ لا يُمحى.
اليوم، جمعة لم يعد ذلك المراهق الحالم. كان يعيش في بيتٍ يكاد ينهار، محاصراً بجدران الحرب والفقر. الكهرباء كانت تنقطع لأيامٍ طويلة، والماء كان يصل إلى البيت بشكلٍ متقطع، يتحكم به من يملكون المفتاح: قوى خارجية وأتباعها المحليون. كان يستمع إلى خطابات المنفي عبر المذياع، وهو يتحدث عن استثماراتٍ خليجيةٍ جديدة، عن مشاريع تنميةٍ ستحول عدن إلى مركزٍ اقتصاديٍ عالمي. لكن جمعة لم يعد يصدق. كان قد رأى ما حدث بعد التوقيعات الأولى: الأرض تُسرق، الموانئ تُسيطر عليها قوى خارجية، والناس، الذين كانوا يحلمون بالازدهار، وجدوا أنفسهم يقاتلون من أجل البقاء. جمعة نفسه، الذي كان يحلم بأن يصبح طبيباً، وجد نفسه يعمل في نقل البضائع على عربةٍ يدوية، يكافح من أجل إطعام أمه المريضة وأخته الصغيرة.
في إحدى الليالي، قبل ثلاث سنوات، كان جمعة يجلس مع صديقه صالح في زقاقٍ ضيقٍ قرب بيته. كان صالح شاباً متفائلاً، يؤمن بأن الاتفاقيات الجديدة ستجلب الخير. "سيبنون مصانع، جمعة!"، قال صالح وهو يشير إلى جريدةٍ مطوية. "سيجعلوننا مثل سنغافورة! لن نضطر للعيش هكذا بعد الآن". لكن جمعة لم يشاركه الحماس. كان قد سمع هذه الكلمات من قبل، من عمه، من المذياع، من الرجال ذوي البذلات الأنيقة. وكان قد رأى النتيجة: أنقاضٌ، وصراعاتٌ، وناسٌ يبحثون عن الخبز في الشوارع. صالح، الذي كان يحلم بأن يصبح مهندساً، انتهى به المطاف في إحدى الميليشيات، ومات في اشتباكٍ لا يعرف جمعة حتى سببه.
لكن شيئاً جديداً بدأ يتحرك في قلب جمعة. في الأشهر الأخيرة، بدأ يسمع همساتٍ عن نموذجٍ آخر، نموذجٍ بعيدٍ في الشرق: الصين. كان الناس يتحدثون عن بلدٍ رفض وعود الغرب، وسيطر على موارده بإرادةٍ حديدية. لم تكن الصين تبيع أحلاماً فارغة، بل بنت مدناً تفوقت على سنغافورة في كل حيٍ من أحيائها. كانوا يتحدثون عن حزبٍ شيوعيٍ قاد البلاد من الفقر إلى القوة، ليس بالتوقيعات، بل بالعمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة الغربية. جمعة، الذي كان قد فقد إيمانه بالوعود البراقة، بدأ يتساءل: هل يمكن لليمن أن يفعل الشيء نفسه؟ هل يمكن لشعبٍ منهكٍ بالحرب أن يستعيد سيطرته على مصيره؟
كان يتذكر تلك الليلة قبل عامين، عندما التقى برجلٍ عجوزٍ في سوق عدن. كان الرجل يبيع كتباً قديمة، معظمها عن التاريخ والثورات. اشترى جمعة كتاباً عن الصين، ليس لأنه كان مهتماً بالتاريخ، بل لأن الرجل بدا واثقاً من كلامه. "الصين لم تنتظر أحداً"، قال الرجل وهو ينظر إلى جمعة بعينين تلمعان بحكمةٍ قديمة. "لم ينتظروا وعوداً من الغرب، ولم يبيعوا كرامتهم. سيطروا على أرضهم، على مواردهم، على أحلامهم. وبنوا مدناً تجعل سنغافورة تبدو كقريةٍ صغيرة". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن جمعة، مثل لحنٍ قديمٍ يرفض أن يتلاشى.
في تلك الليلة، عاد جمعة إلى بيته، وهو يحمل الكتاب تحت إبطه. كان البيت مظلماً، لأن الكهرباء كانت مقطوعة كالعادة. أشعل شمعةً صغيرة، وفتح الكتاب. قرأ عن ثورةٍ قادها حزبٌ شيوعي، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية. قرأ عن مدنٍ مثل شنغهاي وشنزن، التي كانت يوماً قرى فقيرة، فأصبحت مراكز عالمية بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر. لكن ما أثار إعجابه أكثر هو أن الصين لم تبنِ هذه المدن بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على تراكمها الاجتماعي، على مواردها، على مصيرها.
في اليوم التالي، ذهب جمعة إلى ساحةٍ صغيرةٍ قرب بيته، حيث كان الناس يتجمعون للحديث عن أخبار اليوم. لم يكن جمعة من الذين يتحدثون كثيراً، لكنه هذه المرة قرر أن يشارك. "سنغافورة ليست سوى فخ"، قال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليء بالثقة. "إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكنهم في الصين فعلوا شيئاً مختلفاً. بنوا مدنهم بأيديهم، دون أن يبيعوا أحلامهم". الرجال نظروا إليه بفضول، بعضهم ضحك بسخرية، لكن آخرين بدأوا يستمعون. كان هناك شيءٌ في صوت جمعة، شيءٌ يذكرهم بأحلامٍ نسوها منذ زمنٍ طويل.
في الأسابيع التالية، بدأ جمعة يجمع أشخاصاً من حيه. كانوا شباباً مثله، فقدوا الأمل في الوعود البراقة، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في التغيير. بدأوا يتحدثون عن فكرةٍ جديدة: لماذا لا تستعيد اليمن سيطرتها على مواردها؟ لماذا لا تبني شعبها مصيرها بنفسها، كما فعلت الصين؟ كانوا يعرفون أن الطريق لن يكون سهلاً. كانوا يعرفون أن القوى التي وعدت بسنغافورة لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. لكنهم بدأوا يؤمنون أن هناك أملاً، أملاً لا يأتي من فنادق الرياض، بل من إرادتهم الخاصة.
في إحدى الليالي، وبينما كان جمعة يجلس مع مجموعةٍ من الشباب في بيته، تحدث عن حلمه القديم بأن يصبح طبيباً. "لكن الطب الذي أريد تقديمه الآن"، قال وهو ينظر إليهم بعيونٍ مليئة بالعزيمة، "ليس للجروح فقط، بل للأمل. يمكننا أن نبني يمناً جديداً، ليس سنغافورة الغرب، بل يمناً ينافس الصين في قوتها". الشباب صمتوا للحظة، ثم بدأوا يهتفون بحماس. كان ذلك اليوم بداية شيءٍ جديد، بداية حلمٍ لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر.
في تلك اللحظة، شعر جمعة أن البحر، الذي كان عمه يصطاد فيه يوماً، بدأ يهمس له بشيءٍ جديد. لم يكن همساً عن أحلامٍ قديمةٍ مكسورة، بل عن مستقبلٍ يمكن بناؤه. كان يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنه أيضاً كان يعرف أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الوطن بأيدي أبنائه.
الفصل الخامس: يوسف والمقاومة في بيروت
في بيروت، حيث تنبض المقاومة كقلبٍ لا يتوقف عن الخفقان رغم الجراح، كان يوسف يجلس على سطح بيته المتواضع في حيٍ شعبيٍ في الجنوب، يستمع إلى خطابات رجلٍ يُلقب بـ"السفير" تُبث عبر مذياعٍ قديم يصدر أصواتاً متقطعة. كان يوسف، شاباً في أوائل الثلاثينيات، ذو قامةٍ نحيلة وعينين تحملان ذكريات انتصاراتٍ قديمة وخساراتٍ عميقة، يحاول إيجاد معنى في مدينةٍ تتأرجح بين الأمل واليأس. كان يرتدي قميصاً بسيطاً وسروالاً ممزقاً عند الركبتين، وفي يده جريدةٌ مطوية تحمل عنواناً براقاً: "سنغافورة لبنان: الوعد بالازدهار". الكلمات بدت كأنها دعوةٌ إلى عالمٍ من الأحلام، عالمٍ من ناطحات السحاب والماء الجاري والكهرباء التي لا تنقطع، لكن يوسف، الذي رأى بأم عينيه كيف تتحول الوعود إلى سراب، عرف أن هذه الكلمات ليست سوى فخ. من النافذة الصغيرة، المغطاة بستارةٍ بالية، كان يرى شوارع بيروت المزدحمة، حيث الناس يتدافعون بحثاً عن لقمة عيش، بينما الكهرباء تنقطع لساعاتٍ طويلة والماء يتحكم به من يملكون السلطة: قوى خارجية وأتباعها المحليون.
قبل عشر سنوات، عندما كان يوسف فتىً في العشرين من عمره، كان يحلم بأن يصبح مهندساً يعيد بناء قريته في الجنوب. كان يجلس مع والده في باحة بيتهم الصغير، تحت شجرة زيتونٍ عتيقة، يستمع إلى قصصٍ عن أيامٍ كانت فيها لبنان منارة المقاومة والصمود. والده، رجلٌ في الخمسينيات، ذو لحيةٍ بيضاء وعينين تحملان فخراً ممزوجاً بالحزن، كان يحكي عن انتصاراتٍ في أعوامٍ مضت، عندما أذلت المقاومة الاحتلال وأجبرته على التراجع. "كانت الأرض دمنا"، قال والده ذات ليلة، وهو ينظر إلى السماء المرصعة بالنجوم. "لكن جاءوا، وأرادوا أن يأخذوها، وأن يعطونا بدلاً منها وعوداً فارغة". كان يوسف يرى عزيمةً في عيني والده، لكنه لم يكن يفهم تماماً لماذا. كان يسأل: "لماذا لا نواصل المقاومة؟"، فيجيب والده بنبرةٍ مليئة بالثقة: "لأننا لن نترك أرضنا، يا يوسف. لكن هناك من يريدون أن يبيعونا الأحلام، يعدوننا بسنغافورة، لكنهم يريدون سلاحنا".
في تلك الأيام، بدأت الوعود الكبيرة تصل إلى بيروت. جاء رجالٌ من عواصم الغرب والخليج، يحملون حقائب مليئة بالمخططات والخطط الاقتصادية. تحدثوا عن مشاريع تنميةٍ ستحول لبنان إلى مركزٍ تجاريٍ ينافس دبي وسنغافورة. "فقط سلموا سلاحكم"، قالوا في المؤتمرات التي عُقدت في فنادقٍ فاخرة، حيث كانت المكيفات تهدر والموائد مليئة بالطعام الذي لم يرَ مثله يوسف في حياته. تحدثوا عن ماءٍ جارٍ، وكهرباءٍ دائمة، وعن وظائفٍ ستخرج الناس من الفقر. لكن الشرط كان واضحاً: التخلي عن المقاومة، والخضوع لقوى لم يكن يوسف يفهمها تماماً، لكنه شعر بثقلها في صوت والده عندما قال: "الغرب لا يمنح الحرية، يا يوسف. إنهم يبيعون الأوهام".
والده، الذي كان يعمل ميكانيكياً في ورشةٍ صغيرة في الجنوب، شاهد تلك الأرض تُهدد شيئاً فشيئاً. كان يذهب إلى الورشة كل صباح، لكنه كان يعود في المساء وهو يحمل أخباراً عن حواجز جديدة، وعن تهديداتٍ من قوى خارجية. في إحدى الليالي، عندما كان يوسف يساعد والده في إصلاح دراجةٍ نارية، رأى دموعاً في عينيه. "هذه الأرض هي شرفنا"، قال والده. "لكنهم يريدون أن يأخذوها، ويعدوننا بسنغافورة. سنغافورة! كأننا بحاجة إلى ناطحات سحابٍ بينما أحلامنا تُسلب". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن يوسف، مثل وشمٍ لا يُمحى.
اليوم، يوسف لم يعد ذلك الفتى الحالم. كان يعيش في بيتٍ يكاد ينهار، محاصراً بجدران الفقر والتهديدات. الكهرباء كانت تنقطع لساعاتٍ طويلة، والماء كان يصل إلى البيت بشكلٍ متقطع، يتحكم به من يملكون السلطة: قوى خارجية وأتباعها المحليون. كان يستمع إلى خطابات السفير عبر المذياع، وهو يتحدث عن استثماراتٍ خليجيةٍ جديدة، عن مشاريع تنميةٍ ستحول بيروت إلى مركزٍ اقتصاديٍ عالمي. لكن يوسف لم يعد يصدق. كان قد رأى ما حدث بعد التوقيعات الأولى: الأرض تُهدد، الحواجز تتوسع، والناس، الذين كانوا يحلمون بالازدهار، وجدوا أنفسهم يقاتلون من أجل البقاء. يوسف نفسه، الذي كان يحلم بأن يصبح مهندساً، وجد نفسه يعمل في بناء حواجز مؤقتة للمقاومة، يكافح من أجل إطعام أمه المريضة وأخيه الصغير.
في إحدى الليالي، قبل ثلاث سنوات، كان يوسف يجلس مع صديقه حسن في زقاقٍ ضيقٍ قرب بيته. كان حسن شاباً متفائلاً، يؤمن بأن الاتفاقيات الجديدة ستجلب الخير. "سيبنون مصانع، يوسف!"، قال حسن وهو يشير إلى جريدةٍ مطوية. "سيجعلوننا مثل سنغافورة! لن نضطر للعيش هكذا بعد الآن". لكن يوسف لم يشاركه الحماس. كان قد سمع هذه الكلمات من قبل، من والده، من المذياع، من الرجال ذوي البذلات الأنيقة. وكان قد رأى النتيجة: أنقاضٌ، وتهديداتٌ، وناسٌ يبحثون عن لقمة عيشٍ في الشوارع. حسن، الذي كان يحلم بأن يصبح معلماً، انتهى به المطاف في السجن بعد أن حاول الاحتجاج على انقطاع الكهرباء. لم يره يوسف منذ ذلك الحين.
لكن شيئاً جديداً بدأ يتحرك في قلب يوسف. في الأشهر الأخيرة، بدأ يسمع همساتٍ عن نموذجٍ آخر، نموذجٍ بعيدٍ في الشرق: الصين. كان الناس يتحدثون عن بلدٍ رفض وعود الغرب، وسيطر على موارده بإرادةٍ حديدية. لم تكن الصين تبيع أحلاماً فارغة، بل بنت مدناً تفوقت على سنغافورة في كل حيٍ من أحيائها. كانوا يتحدثون عن حزبٍ شيوعيٍ قاد البلاد من الفقر إلى القوة، ليس بالتوقيعات، بل بالعمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة الغربية. يوسف، الذي كان قد فقد إيمانه بالوعود البراقة، بدأ يتساءل: هل يمكن للبنان أن يفعل الشيء نفسه؟ هل يمكن لشعبٍ محاصرٍ بالتهديدات أن يستعيد سيطرته على مصيره؟
كان يتذكر تلك الليلة قبل عامين، عندما التقى بشيخٍ عجوزٍ في سوق بيروت. كان الشيخ يبيع كتباً قديمة، معظمها عن التاريخ والثورات. اشترى يوسف كتاباً عن الصين، ليس لأنه كان مهتماً بالتاريخ، بل لأن الشيخ بدا واثقاً من كلامه. "الصين لم تنتظر أحداً"، قال الشيخ وهو ينظر إلى يوسف بعينين تلمعان بحكمةٍ قديمة. "لم ينتظروا وعوداً من الغرب، ولم يبيعوا كرامتهم. سيطروا على أرضهم، على مواردهم، على أحلامهم. وبنوا مدناً تجعل سنغافورة تبدو كقريةٍ صغيرة". تلك الكلمات ظلت عالقةً في ذهن يوسف، مثل لحنٍ قديمٍ يرفض أن يتلاشى.
في تلك الليلة، عاد يوسف إلى بيته، وهو يحمل الكتاب تحت إبطه. كان البيت مظلماً، لأن الكهرباء كانت مقطوعة كالعادة. أشعل شمعةً صغيرة، وفتح الكتاب. قرأ عن ثورةٍ قادها حزبٌ شيوعي، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية. قرأ عن مدنٍ مثل شنغهاي وشنزن، التي كانت يوماً قرى فقيرة، فأصبحت مراكز عالمية بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر. لكن ما أثار إعجابه أكثر هو أن الصين لم تبنِ هذه المدن بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على تراكمها الاجتماعي، على مواردها، على مصيرها.
في اليوم التالي، ذهب يوسف إلى ساحةٍ صغيرةٍ قرب بيته، حيث كان الناس يتجمعون للحديث عن أخبار اليوم. لم يكن يوسف من الذين يتحدثون كثيراً، لكنه هذه المرة قرر أن يشارك. "سنغافورة ليست سوى فخ"، قال بصوتٍ هادئٍ لكنه مليء بالثقة. "إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكنهم في الصين فعلوا شيئاً مختلفاً. بنوا مدنهم بأيديهم، دون أن يبيعوا أحلامهم". الرجال نظروا إليه بفضول، بعضهم ضحك بسخرية، لكن آخرين بدأوا يستمعون. كان هناك شيءٌ في صوت يوسف، شيءٌ يذكرهم بأحلامٍ نسوها منذ زمنٍ طويل.
في الأسابيع التالية، بدأ يوسف يجمع أشخاصاً من حيه. كانوا شباباً مثله، فقدوا الأمل في الوعود البراقة، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في التغيير. بدأوا يتحدثون عن فكرةٍ جديدة: لماذا لا تستعيد لبنان سيطرتها على مواردها؟ لماذا لا تبني شعبها مصيرها بنفسها، كما فعلت الصين؟ كانوا يعرفون أن الطريق لن يكون سهلاً. كانوا يعرفون أن القوى التي وعدت بسنغافورة لن تتخلى عن سيطرتها بسهولة. لكنهم بدأوا يؤمنون أن هناك أملاً، أملاً لا يأتي من فنادق الخليج، بل من إرادتهم الخاصة.
في إحدى الليالي، وبينما كان يوسف يجلس مع مجموعةٍ من الشباب في بيته، تحدث عن حلمه القديم بأن يصبح مهندساً. "لكن الهندسة التي أريد تقديمها الآن"، قال وهو ينظر إليهم بعيونٍ مليئة بالعزيمة، "ليس للمباني فقط، بل للأمل. يمكننا أن نبني لبناناً جديداً، ليس سنغافورة الغرب، بل لبناناً ينافس الصين في قوتها". الشباب صمتوا للحظة، ثم بدأوا يهتفون بحماس. كان ذلك اليوم بداية شيءٍ جديد، بداية حلمٍ لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على إرادةٍ شعبيةٍ لا تنكسر.
في تلك اللحظة، شعر يوسف أن بيروت، التي كانت يوماً منارة المقاومة، بدأت تهمس له بشيءٍ جديد. لم يكن همساً عن أحلامٍ قديمةٍ مكسورة، بل عن مستقبلٍ يمكن بناؤه. كان يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنه أيضاً كان يعرف أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الوطن بأيدي أبنائه.
الخاتمة: درس الصين
في الشوارع الضيقة لأم درمان، حيث يعانق النيل الغبار ويهمس بقصص الأمل والخيبة، كان توفيق يقف وسط حشدٍ صغير من الشباب، يتحدثون بحماسٍ عن حلمٍ جديد. لم يكن الحلم هذه المرة عن ناطحات سحابٍ أو مدنٍ مضيئة تُباع في فنادق الخليج، بل عن وطنٍ يستعيد سيطرته على مصيره. كان توفيق، الذي بدأ كشابٍ يحلم ببناء جسورٍ تربط ضفتي النيل، قد أدرك أن الجسر الحقيقي هو الإرادة الشعبية، تلك القوة التي رأى أن الصين قد استخدمتها لتحويل قراها الفقيرة إلى مدنٍ تنافس العالم. كان يتذكر تلك الليلة قبل أشهر، عندما قرأ عن شنغهاي وشنزن، عن حزبٍ شيوعيٍ رفض أوهام الغرب، وسيطر على تراكمه الاجتماعي، فبنى أمةً لا تعتمد على وعودٍ كاذبة. كان صوته يحمل نبرةً جديدة، نبرةً لم تكن موجودةً من قبل، نبرةً تجمع بين الأمل والعزيمة، وهو يقول للشباب المحيطين به: "سنغافورة ليست هدفنا. إنها فخٌ رأسماليٌ يخدم مصالح الغرب. لكن الصين علمتنا أن الطريق إلى القوة يبدأ من أيدينا". الشباب، الذين كانوا يعانون من انقطاع الكهرباء والماء، ومن الفقر الذي يخنق أحلامهم، بدأوا يستمعون بعناية. كانوا يرون في عيني توفيق شيئاً لم يروه منذ زمنٍ طويل: أملاً حقيقياً، مبنياً على الرفض والصمود.
في رام الله، حيث تنبت المستوطنات كالأعشاب الضارة، كان إسماعيل يقف في ساحةٍ صغيرة، محاطاً بمجموعةٍ من الشباب الذين سئموا الوعود البراقة. كان إسماعيل، الذي كان يحلم يوماً بأن يصبح معلمًا يزرع الأمل في قلوب الأطفال، قد أدرك أن التعليم الحقيقي ليس في الكتب وحدها، بل في تعليم الناس كيف يستعيدون كرامتهم. كان يتذكر تلك الليلة قبل عام، عندما قرأ عن الصين، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية، فبنى مدناً تفوقت على سنغافورة بإرادته الخاصة. كان يقف تحت شجرة زيتونٍ قديمة، ينظر إلى الشباب بعيونٍ مليئة بالعزيمة، ويقول: "سنغافورة التي يعدوننا بها ليست سوى سراب. إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح المحتل. لكن الصين أظهرت لنا أن الطريق إلى الحرية يبدأ من رفض الخضوع". الشباب، الذين كانوا يعانون من الحواجز والمستوطنات، ومن الحصار الذي يخنق أحلامهم، بدأوا يهتفون بحماس. كانوا يرون في كلمات إسماعيل دعوةً لاستعادة الأرض، ليس بالتوقيعات، بل بالإرادة.
في إدلب، حيث تتساقط الوعود كالقنابل، كان يوسف يقف وسط زقاقٍ ضيق، يتحدث إلى مجموعةٍ من الشباب الذين فقدوا كل شيء في الحرب، لكنهم لم يفقدوا الأمل. كان يوسف، الذي كان يحلم يوماً ببناء بيتٍ مع حبيبته سلمى، قد أدرك أن البيت الحقيقي هو الوطن الذي يُبنى بالصمود. كان يتذكر تلك الليلة قبل أشهر، عندما قرأ عن الصين، عن حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، ليس بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على موارده ومصيره. كان يقف تحت ضوءٍ خافتٍ من مصباحٍ يعمل بالبطارية، ينظر إلى الشباب بعيونٍ مليئة بالثقة، ويقول: "سنغافورة ليست سوى فخٌ يخدم مصالح الغرب. لكن الصين علمتنا أن القوة تأتي من أيدينا، من رفضنا للخضوع". الشباب، الذين كانوا يعانون من الجوع والدمار، ومن المساعدات التي تُوزع بشروطٍ مذلة، بدأوا يستمعون بعناية. كانوا يرون في كلمات يوسف دعوةً لاستعادة الكرامة، ليس بالتوقيعات، بل بالمقاومة.
في صنعاء، حيث يختلط صوت الصواريخ بأحلام التنمية المنهارة، كان جمعة يقف في ساحةٍ صغيرة، محاطاً بمجموعةٍ من الشباب الذين سئموا الوعود الكاذبة. كان جمعة، الذي كان يحلم يوماً بأن يصبح طبيباً يعالج جروح شعبه، قد أدرك أن الطب الحقيقي هو شفاء الأمل في قلوب الناس. كان يتذكر تلك الليلة قبل عام، عندما قرأ عن الصين، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية، فبنى مدناً تفوقت على سنغافورة بإرادته الخاصة. كان يقف تحت شجرة سدرٍ قديمة، ينظر إلى الشباب بعيونٍ مليئة بالعزيمة، ويقول: "سنغافورة التي يعدوننا بها ليست سوى سراب. إنها نتوءٌ رأسماليٌ يخدم مصالح المحتل. لكن الصين أظهرت لنا أن الطريق إلى الحرية يبدأ من رفض الخضوع". الشباب، الذين كانوا يعانون من الحرب والفقر، ومن الحصار الذي يخنق أحلامهم، بدأوا يهتفون بحماس. كانوا يرون في كلمات جمعة دعوةً لاستعادة الأرض، ليس بالتوقيعات، بل بالإرادة.
في بيروت، حيث تنبض المقاومة كشريانٍ حي، كان يوسف الثاني يقف في زقاقٍ ضيق، يتحدث إلى مجموعةٍ من الشباب الذين رفضوا الخضوع. كان يوسف، الذي كان يحلم يوماً بأن يصبح مهندساً يعيد بناء قريته، قد أدرك أن الهندسة الحقيقية هي بناء وطنٍ يقاوم الهيمنة. كان يتذكر تلك الليلة قبل أشهر، عندما قرأ عن الصين، عن حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، ليس بالاعتماد على وعودٍ خارجية، بل بالسيطرة على موارده ومصيره. كان يقف تحت ضوءٍ خافتٍ من مصباحٍ يعمل بالبطارية، ينظر إلى الشباب بعيونٍ مليئة بالثقة، ويقول: "سنغافورة ليست سوى فخٌ يخدم مصالح الغرب. لكن الصين علمتنا أن القوة تأتي من أيدينا، من رفضنا للخضوع". الشباب، الذين كانوا يعانون من الحواجز والتهديدات، ومن الفقر الذي يخنق أحلامهم، بدأوا يستمعون بعناية. كانوا يرون في كلمات يوسف دعوةً لاستعادة الكرامة، ليس بالتوقيعات، بل بالمقاومة.
كان توفيق، إسماعيل، يوسف الأول، جمعة، ويوسف الثاني، كلهم قد أدركوا الحقيقة. لقد رأوا الأنقاض التي خلفتها الوعود الكاذبة، وسمعوا ضحكات النخبة في قاعاتٍ مكيفة، لكنهم أدركوا أن سنغافورة ليست مدينةً من زجاج وفولاذ، بل فخاً رأسمالياً يخدم مصالح المراكز الاحتكارية الغربية. كانوا قد سمعوا عن الصين، عن بلدٍ سيطر على تراكمه الاجتماعي بقيادة حزبٍ شيوعيٍ رفض أوهام الغرب، فبنى في كل حيٍ مدينةً تفوق سنغافورة. كانوا يعرفون أن الطريق إلى الحرية لن يكون سهلاً، لكنهم أيضاً كانوا يعرفون أن الحلم الحقيقي لا يُبنى بالتوقيعات في فنادقٍ بعيدة، بل بالإرادة الشعبية التي لا تنكسر.
في أم درمان، بدأ توفيق بتنظيم لقاءاتٍ سرية في بيته المتواضع. كان يجمع الشباب من الحي، يتحدث إليهم عن الصين، عن كيفية بناء اقتصادٍ لا يعتمد على المساعدات الخارجية، عن كيفية استعادة الأرض والماء والكهرباء. كان يقرأ لهم من الكتاب الذي اشتراه من الرجل العجوز، يحكي لهم عن شنغهاي التي كانت قريةً فقيرة، فأصبحت مركزاً عالمياً بفضل إرادةٍ شعبيةٍ لا تعرف الاستسلام. كان الشباب يستمعون، وبعضهم بدأ يحلم بمستقبلٍ جديد، مستقبلٍ لا يُبنى على وعودٍ كاذبة، بل على العمل الجاد والرفض القاطع للهيمنة. كان توفيق يعرف أن الطريق سيكون طويلاً، لكنه كان يؤمن أن البداية هي الأهم، وأن كل خطوةٍ صغيرةٍ تقربهم من استعادة السودان.
في رام الله، بدأ إسماعيل بتنظيم مجموعاتٍ صغيرة من الشباب، يلتقون في الحقول تحت شجرات الزيتون، بعيداً عن أعين الحواجز. كان يتحدث إليهم عن الصين، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد المحتل، فبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. كان يحكي لهم عن كيفية استعادة الأرض، ليس بالتوقيعات، بل بالصمود والمقاومة. كان الشباب يستمعون، وبعضهم بدأ يحلم بفلسطينٍ حرة، فلسطينٍ لا تعتمد على وعودٍ خارجية، بل على إرادتها الخاصة. كان إسماعيل يعرف أن الطريق سيكون مليئاً بالتحديات، لكنه كان يؤمن أن الأمل الحقيقي يبدأ من الرفض، من الإيمان بأن الشعب قادرٌ على بناء مصيره.
في إدلب، بدأ يوسف الأول بتنظيم لقاءاتٍ في الأزقة الضيقة، حيث كان الشباب يتجمعون تحت ضوء المصابيح التي تعمل بالبطاريات. كان يتحدث إليهم عن الصين، عن حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، ليس بالاعتماد على المساعدات، بل بالسيطرة على موارده. كان يحكي لهم عن كيفية استعادة الماء والكهرباء، ليس بالتوقيعات، بل بالإرادة. كان الشباب يستمعون، وبعضهم بدأ يحلم بسوريا جديدة، سوريا لا تعتمد على وعودٍ كاذبة، بل على قوتها الخاصة. كان يوسف يعرف أن الطريق سيكون مليئاً بالأنقاض، لكنه كان يؤمن أن الأمل الحقيقي يبدأ من الصمود، من الرفض القاطع للخضوع.
في صنعاء، بدأ جمعة بتنظيم مجموعاتٍ صغيرة من الشباب، يلتقون في الأسواق القديمة بعيداً عن أعين الحواجز. كان يتحدث إليهم عن الصين، عن شعبٍ رفض أن يكون أداةً في يد القوى الغربية، فبنى مدناً تفوقت على سنغافورة. كان يحكي لهم عن كيفية استعادة الموانئ والأرض، ليس بالتوقيعات، بل بالمقاومة. كان الشباب يستمعون، وبعضهم بدأ يحلم بيمنٍ حر، يمنٍ لا يعتمد على وعودٍ خارجية، بل على إرادته الخاصة. كان جمعة يعرف أن الطريق سيكون مليئاً بالتحديات، لكنه كان يؤمن أن الأمل الحقيقي يبدأ من الرفض، من الإيمان بأن الشعب قادرٌ على بناء مصيره.
في بيروت، بدأ يوسف الثاني بتنظيم لقاءاتٍ سرية في الأزقة الضيقة، حيث كان الشباب يتجمعون تحت ضوء القمر. كان يتحدث إليهم عن الصين، عن حزبٍ شيوعيٍ قاد شعباً من الفقر إلى القوة، ليس بالاعتماد على المساعدات، بل بالسيطرة على موارده. كان يحكي لهم عن كيفية استعادة الكرامة، ليس بالتوقيعات، بل بالمقاومة. كان الشباب يستمعون، وبعضهم بدأ يحلم بلبنانٍ جديد، لبنانٍ لا يعتمد على وعودٍ كاذبة، بل على قوته الخاصة. كان يوسف يعرف أن الطريق سيكون مليئاً بالتهديدات، لكنه كان يؤمن أن الأمل الحقيقي يبدأ من الصمود، من الرفض القاطع للخضوع.
كان توفيق، إسماعيل، يوسف الأول، جمعة، ويوسف الثاني، كلهم قد بدأوا رحلةً جديدة. لم تكن رحلةً إلى سنغافورة، تلك المدينة التي روجها الغرب كنموذجٍ للتنمية، لكنهم أدركوا أنها ليست سوى نتوءٍ رأسماليٍ يخدم مصالح المراكز الاحتكارية. كانوا قد تعلموا درس الصين، درس السيطرة على الموارد، درس الإرادة الشعبية، درس الرفض القاطع للخضوع. كانوا يعرفون أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنهم أيضاً كانوا يعرفون أن الأمل الحقيقي لا يأتي من الخارج، بل من الداخل، من قلوب الشعوب التي ترفض الاستسلام.
في أم درمان، بدأ توفيق بتدريب الشباب على تنظيم أنفسهم، على إنشاء تعاونياتٍ صغيرة لزراعة الأرض وإنتاج الطعام. كان يحكي لهم عن الصين، عن كيفية بناء اقتصادٍ محليٍ لا يعتمد على المساعدات. كان الشباب يعملون في الحقول، يزرعون القمح والذرة، ويحلمون بسودانٍ يطعم نفسه بنفسه. كان توفيق يرى في عيونهم أملاً جديداً، أملاً لم يكن مبنياً على وعودٍ كاذبة، بل على العمل الجاد والإرادة.
في رام الله، بدأ إسماعيل بتدريب الشباب على حماية الأرض، على زراعة الزيتون والتين رغم الحواجز. كان يحكي لهم عن الصين، عن كيفية بناء مجتمعٍ يقاوم الهيمنة. كان الشباب يعملون في الحقول، يزرعون الأشجار، ويحلمون بفلسطينٍ حرة. كان إسماعيل يرى في عيونهم عزيمةً جديدة، عزيمةً لم تكن مبنيةً على توقيعاتٍ في مؤتمرات، بل على الصمود والمقاومة.
في إدلب، بدأ يوسف الأول بتدريب الشباب على إصلاح البنية التحتية، على إعادة بناء المدارس والمستشفيات رغم الدمار. كان يحكي لهم عن الصين، عن كيفية بناء مدنٍ من الأنقاض. كان الشباب يعملون في الشوارع، يصلحون الأنابيب، ويحلمون بسوريا قوية. كان يوسف يرى في عيونهم أملاً جديداً، أملاً لم يكن مبنياً على مساعداتٍ مذلة، بل على الإرادة والعمل.
في صنعاء، بدأ جمعة بتدريب الشباب على استعادة الموانئ، على إصلاح السفن والشباك رغم الحصار. كان يحكي لهم عن الصين، عن كيفية بناء اقتصادٍ بحريٍ قوي. كان الشباب يعملون في الموانئ، يصلحون القوارب، ويحلمون بيمنٍ حر. كان جمعة يرى في عيونهم عزيمةً جديدة، عزيمةً لم تكن مبنيةً على وعودٍ من الرياض، بل على الصمود والمقاومة.
في بيروت، بدأ يوسف الثاني بتدريب الشباب على حماية الحياة، على بناء ملاجئ ومستشفيات ميدانية رغم التهديدات. كان يحكي لهم عن الصين، عن كيفية بناء مجتمعٍ يقاوم الهيمنة. كان الشباب يعملون في الأزقة، يبنون الحواجز، ويحلمون بلبنانٍ قوي. كان يوسف يرى في عيونهم أملاً جديداً، أملاً لم يكن مبنياً على توقيعاتٍ في فنادق، بل على الإرادة والصمود.
كان توفيق، إسماعيل، يوسف الأول، جمعة، ويوسف الثاني، كلهم قد بدأوا يكتبون قصةً جديدة، قصةً ليست عن سنغافورة، تلك المدينة التي روجها الغرب كنموذجٍ للتنمية، بل عن أوطانٍ تُبنى بالإرادة الشعبية. كانوا قد تعلموا درس الصين، درس السيطرة على الموارد، درس الرفض القاطع للهيمنة، درس بناء الأمل من الأنقاض. كانوا يعرفون أن الطريق سيكون طويلاً، وأن التحديات ستكون كبيرة، لكنهم أيضاً كانوا يعرفون أن سنغافورة الحقيقية ليست مدينةً في الشرق الأقصى، بل حالة ذهنية، حالة رفضٍ للخضوع، وإرادةٍ لبناء الأوطان بأيدي أبنائها.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية: أنقاض الإمبراطورية: غزة تُحرر أمريكا
-
نهاية عصر الصهيونية: كيف تحولت أمريكا من عبدة اللوبي إلى ثوا
...
-
رواية: أسرى الشرق المفقود
-
سيرك الخيانة برعاية الروتشيلد
-
رواية : دون كيشوت الفرات والنيل
-
رواية :سلاسل العقل، أغلال القلب
-
مسرحية العدو الأمريكي والصهيوني الكوميدية
-
رواية لحن من الظلال..مع مقدمة نقدية تاريخية
-
رواية: الخاتم والنار
-
كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
-
رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ
...
-
رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري
...
-
رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين
...
-
رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد
...
-
ملخص خلفيات حرب الاستخبارات الأميركية السرية لإسقاط الدولة ا
...
-
رواية : آيات الفوضى الخلاقة
-
رواية : خرائط الجميز العجيبة
-
رواية: انفاق الزيتون الدامي
-
السلاح أو الموت: مسرحية المقاومة في زمن نتنياهو النازي الجدي
...
-
نقابات بلجيكا تقاوم لوبيات السلاح والإبادة الجماعية
المزيد.....
-
خدعوك فقالوا: الهوس بالعمل طريقك الوحيد للنجاح
-
بـ24 دقيقة من التصفيق الحار.. -صوت هند رجب- لمخرجة تونسية يه
...
-
تصفيق حار استمر لـ 14 دقيقة بعد انتهاء عرض فيلم -صوت هند رجب
...
-
-ينعاد عليكم- فيلم عن الكذب في مجتمع تبدو فيه الحقيقة وجهة ن
...
-
رشحته تونس للأوسكار.. فيلم -صوت هند رجب- يخطف القلوب في مهرج
...
-
تصفيق 22 دقيقة لفيلم يجسد مأساة غزة.. -صوت هند رجب- يهزّ فين
...
-
-اليوم صرتُ أبي- للأردني محمد العزام.. حين تتحوّل الأبوة إلى
...
-
للصلاة.. الفنان المعتزل أدهم نابلسي في معرض دمشق الدولي
-
تمثال الأسد المجنح في البندقية.. -صُنع في الصين-؟
-
توسلات طفلة حوصرت تحت القصف الإسرائيلي بغزة في فيلم -صوت هند
...
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|