أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية :رأس ابو العلاء المهشم !















المزيد.....



رواية :رأس ابو العلاء المهشم !


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


مقدمة

هذه الرواية، "رأس أبو العلاء المهشم"، ليست توثيقًا تاريخيًا لحلب أو لمخيم النيرب، بل هي نسيج خيالي يتداخل فيه الواقع بالخيال، حيث تتشابك الوقائع الحقيقية مع أحداث متخيلة، بعضها ينتمي إلى زمنه وبعضها يتحرر من قيود الزمن. إنها رحلة عبر ذاكرة إنسانية وجماعية، تحمل في طياتها روح مدينة حلب، المدينة التي نهضت مرات لا تحصى من زلازل طبيعية وغزوات بشرية، من المغول إلى العثمانيين، ومن الفرنجة إلى الرومان، وصولاً إلى المرتزقة المعاصرين الذين باعوا بلادهم بالريال السعودي والقطري، والليرة التركية، والدولار الأمريكي. حلب، في هذه الرواية، ليست مجرد مكان، بل هي رمز للصمود، وعد بالخلاص، وشهادة على وفاءٍ ثقافي وفني عريق يرفض الانكسار. المرتزقة، بأسلحتهم الأمريكية وشعاراتهم الدينية الزائفة، ليسوا سوى عابرين، كلمات عابرة في قصة حلب التي تمتد عبر آلاف السنين.

الرواية تتبع احمد ، شيوعي تقدمي في الستين من عمره، في رحلته عبر الزمن والمكان، من مخيم النيرب في حلب إلى موسكو، كوبا، تونس، ليبيا، مالطا، وبلجيكا، وصولاً إلى عودته إلى حلب المدمرة في سبتمبر 2025. أحمد ليس مجرد شخصية، بل هو مرآة للشعب السوري، يحمل في قلبه ذاكرة مدينته وجراحها، وفي عقله أحلام الثورة والعدالة التي شكلتها سنوات منفاه. الرواية ليست مجرد سرد لحياة رجل، بل هي تأمل في الهوية، الذاكرة، والمقاومة، حيث يتداخل الماضي مع الحاضر في حبكة غير خطية تعكس تعقيد التجربة الإنسانية في مواجهة الدمار.

يقف أحمد في ساحة سعدالله الجابري، يواجه أنقاض نصب الشهداء الذي صممه عبد الرحمن مؤقت. النصب، الذي يبدو في الرواية وكأنه يحمل عمر سوريا نفسها، رغم أنه تحفة فنية منذ ثلاثة عقود فقط، يصبح رمزًا للذاكرة الجماعية التي حاول المرتزقة محوها. يتذكر أحمد طفولته في مخيم النيرب، حيث كانت ميساء، أمه، تحكي عن الشهداء، ومعاوية، والده، يزرع فيه بذور الفكر التقدمي. يستحضر أيضًا عيسى، صديقه الذي كان يحلم أن يصبح شاعرًا، وفانيا، الفتاة الروسية التي التقاها في موسكو. الكتاب الممزق لأبو العلاء المعري، "رسالة الغفران"، الذي يجده في الساحة، يصبح رمزًا للصمود الفكري في وجه الدمار.

في أحد الفصول يعود السرد إلى عام 1965، حيث يصور حياة أحمد الطفل في مخيم النيرب، عالم مليء بالحياة رغم الفقر. يركض أحمد مع عيسى في الزقاق، يسرقان كتاب "اللزوميات" للمعري من دكان أبو ياسر، ويقرآنه تحت ضوء مصباح زيتي. ميساء تحكي عن مقاومة الاستعمار الفرنسي، ومعاوية يحذر من الجهل، مشجعًا أحمد على القراءة. في 2025، يعود أحمد إلى المخيم المهجور، ليجد الأنقاض بدلاً من الحياة، لكنه يجد أيضًا كتاب "رأس المال" لماركس، يذكره بأحلام والده الثورية. الفصل يبرز التناقض بين الحياة النابضة في الماضي والدمار في الحاضر، مع التركيز على الكتابة كوسيلة للمقاومة.


يعود احمد إلى عام 2003، حيث يزور أحمد معرة النعمان ليحيي ذكرى المعري. يقف أمام تمثاله، متأملاً عمق رؤيته. في 2025، يعلم أن التمثال دُمر على يد المرتزقة، لكنه يرى في المعري رمزًا للحقيقة التي لا تموت.

نرى أحمد في بروكسل عام 2010، يعيش حياة هادئة لكنها خالية من الدفء. يشعر بالغربة، يكتب رسائل إلى عيسى دون إرسالها، ويتابع أخبار دمار حلب. يحلم بنصب الشهداء ينهار، ويستيقظ على صوت ميساء: "البلد لم تمت". يقرر العودة إلى حلب ليواجه الماضي. في 2025، يلتقي برجل عجوز يحتفظ بكتب ممزقة، فيعزز إيمانه بأن الكتب هي الذاكرة. يكتب: "المنفى ليس مكانًا، بل شعورًا".

يختتم الرواية، حيث يقرر أحمد الكتابة كشكل من أشكال المقاومة. يكتب عن ميساء، معاوية، عيسى، فانيا، والمعري، مؤكدًا أن الذاكرة تُولد من جديد في كل من يرفض الاستسلام. يجد قصيدة لعيسى في أنقاض مخيم النيرب: "حلب ليست حجارة، إنها قلوب". يترك كتاب المعري في الساحة، مدركًا أن الكلمات ستبقى. ينظر إلى طائر يحلق في السماء، ويشعر أنه يمثل حلب والمقاومة.

الرواية ليست توثيقًا تاريخيًا، بل تداخل خيالي مع وقائع، بعضها حقيقي وبعضها متخيل، مثل نصب الشهداء الذي يبدو في الرواية وكأنه يحمل عمر سوريا، رغم أنه تحفة منذ ثلاثة عقود فقط. حلب، التي نهضت من زلازل لا حصر لها، تبشر بالخلاص، وفية لتاريخها الثقافي والفني. المرتزقة، بأموالهم الخليجية ودعمهم الإمبريالي، مجرد عابرون. الرواية، بأسلوبها االجديد، تقدم رؤية عن الصمود عبر الذاكرة والكتابة، مؤكدة أن حلب، مثل قلوب أهلها، لا تموت.



الفصل الأول: الرجوع إلى التراب
حلب، سبتمبر 2025

كان الهواء في ساحة سعدالله الجابري يحمل رائحة البارود الممزوجة بغبار الحجارة المحترقة. وقف أحمد ، الرجل الستيني ذو الشعر الأبيض المتناثر والعينين الغائرتين، في وسط الساحة، يتأمل الأنقاض التي كانت يومًا نصب شهداء الاستقلال. لم يعد النصب سوى كتل مشوهة من الحجر، مقطوعة الرأس، مخلوعة الأطراف، كأنها جثة مدينة أُعدمت عمدًا. الريح، التي كانت تهب من جهة القلعة، حملت معها همهمة بعيدة، صوت طائرات مسيرة تحوم في السماء كالذباب فوق جيفة. كان الصمت في الساحة ثقيلًا، لكنه لم يكن صمت الموت، بل صمت الذاكرة التي ترفض النسيان.

أحمد، بقامته المنحنية قليلًا تحت وطأة السنين، رفع يده إلى جبينه كأنه يحيي شبحًا. تذكر الصباحات البعيدة في مخيم النيرب، حين كان صبيًا يركض في الزقاق الضيق، يطارد كرة قماشية مع عيسى، صديقه الذي كان يحلم أن يصبح شاعرًا. كان المخيم آنذاك عالمًا صغيرًا، مزدحمًا بالأحياء، يعج بالضحكات والصراخ والروائح: رائحة الخبز الطازج من تنور أمه ميساء، ورائحة القهوة التي كان يعدها والده معاوية قبل أن يبدأ نقاشاته السياسية مع الجيران. "الأرض لمن يحبها، يا أحمد، وليس لمن يملكها"، كان معاوية يقول، وهو يشير إلى الأفق البعيد حيث تمتد حقول حلب الخضراء. تلك الكلمات، التي كانت تبدو لأحمد الطفل مجرد حكمة غامضة، صارت الآن وكأنها وشم محفور في روحه.

لكنه اليوم، في هذه الساحة الممزقة، لم يرَ الأرض التي تحدث عنها والده. الأرض التي يحبها قد سُرقت، سُلبت بحوافر المرتزقة الذين اجتاحوا حلب مثل سرب جراد. كانوا يرتدون زيًا أسود، يحملون أسلحة أمريكية الصنع، ويتحدثون بلكنات غريبة، خليط من لهجات خليجية وتركية وعربية مشوهة. كانوا يدعون أنفسهم "ثوارًا"، لكن أحمد عرفهم على حقيقتهم: أدوات في يد قوى أكبر، احتكارات مالية من لندن وواشنطن، محميات خليجية تتاجر بالنفط والدم، وتركيا الأطلسية التي ترى في سوريا مجرد امتداد لأحلامها العثمانية الجديدة.

قرب أنقاض النصب، لمح أحمد كتابًا ممزقًا ملقى على الأرض. اقترب، انحنى ببطء، ورفعه. كان غلافه مهترئًا، لكنه تعرف على الكلمات المطبوعة بالخط العربي القديم: "رسالة الغفران" لأبو العلاء المعري. شعر بطعنة في صدره. تذكر كيف كان هو وعيسى يسرقان كتبًا من دكاكين الكتب المستعملة في سوق الحلبية، يقرآن المعري ويتناقشان حول أفكاره وكأنهما فيلسوفان صغيران. "إذا كان المعري يرى العالم بعين قلبه، فلماذا نحتاج إلى عيون؟" كان عيسى يسأل، وأحمد يضحك، لكنه كان يشعر بشيء أعمق: المعري لم يكن مجرد شاعر، بل كان صوتًا يتحدى الزيف، يرفض الخضوع للأوهام.

لكن اليوم، حتى تمثال المعري في معرة النعمان قد دُمر. سمع أحمد الأخبار قبل أشهر: المرتزقة، الذين يدعون أنفسهم حماة الدين، وصفوا التمثال بـ"الصنم" وحطموه بحماسة وحشية. لم يكونوا يعرفون أن المعري، الذي كتب عن الجنة والنار قبل دانتي بقرون، كان أكبر من أصنامهم. لم يكونوا يعرفون أن تدمير تمثاله لن يمحو كلماته، التي ظلت حية في وجدان الشعب السوري.

مشى أحمد ببطء نحو الجهة الغربية من الساحة، حيث كانت تقف دكاكين الكتب يومًا. لم يعد هناك سوى جدران محطمة، وبعض الأوراق المتناثرة التي تحملها الريح. تذكر الرجل العجوز الذي كان يبيع الكتب هناك، كان يدعوهم "يا أولاد" ويتركهم يقرؤون ساعات دون أن يطالبهم بالدفع. "الكتاب ليس للبيع، بل للحياة"، كان يقول. أين هو الآن؟ هل مات تحت قصف جرات الغاز للإرهابيين الأطلسيين ؟ هل هرب إلى منفى آخر؟ أم أنه، مثل أحمد، عاد ليواجه أشباح الماضي؟

في ذهنه، عاد إلى مخيم النيرب في ستينيات القرن الماضي. كان المخيم آنذاك مليئًا بالحياة، رغم الفقر. كانت ميساء، أمه، تحكي له عن الشهداء الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي. كانت تجلس على حصيرة في الفناء، تقشر البطاطس، وتحكي بصوت هادئ عن رجال ونساء ضحوا بحياتهم من أجل سوريا حرة. "النصب في ساحة سعدالله ليس مجرد حجر، يا أحمد"، كانت تقول. "إنه ذاكرتنا". معاوية، والده، كان يضيف بنبرة حادة: "لكن الذاكرة ليست كافية. يجب أن نحميها بالدم".

تلك الكلمات كانت ترن في أذنيه الآن، وهو ينظر إلى الأنقاض. لم يكن النصب مجرد حجر، كما قالت ميساء. كان تحفة فنية أبدعها عبد الرحمن مؤقت، النحات الذي استطاع أن يجسد روح سوريا في كل منحوتة. كل تمثال في النصب كان يحكي قصة شهيد، كل خط كان يعبر عن إرادة شعب قاوم الاستعمار وسعى إلى الحرية. أحمد، الذي زار الساحة في 2003، تذكر كيف كان النصب يقف شامخًا، محاطًا بالحياة: الأطفال يلعبون، العشاق يتمشون، والكتاب يتناقشون في المقاهي المجاورة. لكن اليوم، لم يعد هناك سوى الصمت والدمار.

تذكر أحمد زيارته الأخيرة لحلب في 2003. كانت المدينة آنذاك لا تزال تحتفظ بروحها، رغم التوترات التي بدأت تظهر في الأفق. كان يتجول في الأسواق، يشتري التوابل والصابون الحلبي، ويتوقف عند دكان الكتب ليشتري نسخة قديمة من "الأيام" لطه حسين. كان يشعر أن حلب هي بيته، حتى وإن كان قد غادرها منذ عقود. لكنه الآن، في 2025، لم يعد يعرف هذه المدينة. الشوارع التي كان يعرفها اختفت، والوجوه التي كانت مألوفة أصبحت أشباحًا.

في تلك اللحظة، سمع صوتًا خافتًا، كأنه همسة. التفت، لكنه لم يرَ أحدًا. كان الصوت يأتي من داخله، صوت فانيا، الفتاة الروسية التي التقاها في موسكو في السبعينيات. كانت طالبة أدب، تحب تشيخوف وتغني أناشيد لينين بنبرة مليئة بالحماس. "الثورة ليست في الشوارع فقط، يا أحمد. إنها في القلب"، قالت له ذات ليلة باردة في مقهى صغير في موسكو. تلك الكلمات، التي بدت له يومها مجرد جملة رومانسية، صارت الآن سؤالًا يطارده: هل كان القلب كافيًا؟

في موسكو، كان أحمد شابًا يافعًا، مليئًا بالأحلام. درس الهندسة، لكنه قضى معظم وقته يقرأ ماركس ولينين، يحلم بثورة عالمية ستغير وجه الأرض. فانيا كانت شريكته في تلك الأحلام. كانا يجلسان لساعات، يتناقشان حول العدالة والمساواة، يحلمان بعالم خالٍ من الاستغلال. لكن الحياة لم تكن كما يحلمان. غادر أحمد موسكو إلى تونس، ثم ليبيا، ثم كوبا، وأخيرًا مالطا، قبل أن يستقر في بلجيكا. في كل بلد، كان يحمل معه شيئًا من حلب: رائحة التوابل، وذاكرة النصب في ساحة سعدالله. لكن فانيا اختفت. لم يعرف إن كانت قد ماتت، أو تزوجت، أو نسيت أحلامهما المشتركة.

في الساحة الآن، شعر أحمد بالبرد يتسلل إلى عظامه. لم يكن البرد بسبب الطقس، بل بسبب الفراغ الذي تركه الدمار. اقترب من إحدى الكتل الحجرية المتبقية من النصب. لمسها بأصابعه المرتجفة، كأنه يحاول استعادة شيء من الماضي. تذكر كيف كان النصب يعكس ضوء الشمس في الصباح، كيف كان يبدو وكأنه يحكي قصة سوريا بأكملها: من المقاومة ضد الفرنسيين إلى الحلم بدولة حرة. عبد الرحمن مؤقت، الذي صمم النصب، كان فنانًا استثنائيًا. كل منحوتة كانت تحمل تفصيلًا دقيقًا، كل خط كان يعبر عن عزيمة. لكن اليوم، لم يعد هناك سوى الحطام.

فجأة، سمع أحمد صوت خطوات تقترب. التفت بسرعة، فوجد شابًا نحيفًا، لا يتجاوز العشرين، يرتدي سترة ممزقة. كان يحمل كاميرا قديمة، يوجهها نحو الأنقاض. "ممنوع التصوير هنا"، قال الشاب بنبرة تحذيرية، لكنه لم يكن يتحدث إلى أحمد، بل إلى نفسه، كأنه يكرر تعليمات تلقاها. اقترب أحمد منه، وسأله: "لماذا تصور؟" أجاب الشاب، وهو ينظر إلى الأرض: "لأن هذا كل ما تبقى. إذا لم أوثقه، من سيفعل؟"

تلك الكلمات أصابت أحمد في صميم قلبه. تذكر عيسى مرة أخرى. كان عيسى يقول دائمًا إن الشعر هو توثيق الروح. "إذا لم نكتب، يا أحمد، فمن سيحكي قصتنا؟" كان يسأل. لكن عيسى اختفى في الحرب. لم يعرف أحمد إن كان قد مات، أو سُجن، أو هاجر. لكنه كان يشعر أن شبح عيسى يتبعه في كل خطوة يخطوها في حلب.

مشى أحمد بعيدًا عن الساحة، متجهًا نحو شارع القلعة. كانت القلعة، التي كانت يومًا رمزًا لعزة حلب، محاصرة الآن بعلم تركي يرفرف فوقها. شعر أحمد بغضب يتصاعد في صدره. تذكر كيف كان يلعب في طفولته تحت ظل القلعة، يستمع إلى قصص الشيوخ عن صلاح الدين وحروبه. لكن اليوم، لم تكن القلعة سوى شاهدة صامتة على احتلال جديد. المرتزقة، الذين يدعون أنفسهم "الجيش الوطني"، كانوا يتجولون في الشوارع، يفرضون سلطتهم بالسلاح.

في طريقه، مر أحمد بمقهى قديم كان يرتاده في شبابه. كان المقهى مغلقًا، لكن من خلال النافذة المكسورة، رأى طاولات متسخة وكراسي مقلوبة. تذكر الليالي التي قضاها هناك مع أصدقائه، يناقشون السياسة والأدب. كانوا يحلمون بسوريا عادلة، سوريا لا مكان فيها للاستغلال أو الظلم. لكنهم الآن، مثل النصب، أصبحوا مجرد ذكرى.

في تلك اللحظة، سمع أحمد صوتًا آخر، هذه المرة كان أقرب، كأنه صوت امرأة تبكي. تبعه الصوت حتى وصل إلى زاوية مظلمة من الشارع. هناك، رأى امرأة عجوز جالسة على الأرض، تحيط بها أكياس قماشية تحمل بقايا حياتها. كانت تشبه ميساء، أمه، بنظرتها الحزينة ويديها المجعدتين. اقترب أحمد، وسألها: "هل أنت بخير؟" رفعت المرأة عينيها إليه، وقالت: "البلد لم تمت، يا ابني. إنها تنتظر من يكتب قصتها من جديد".

تلك الكلمات، التي بدت وكأنها صدى لصوت ميساء، جعلت أحمد يشعر بدمعة تسقط على خده. لم يكن يبكي من الحزن، بل من شعور عميق بالمسؤولية. تذكر كيف كان والده يقول إن الشعب السوري، مهما واجه من دمار، سيجد طريقة للنهوض. "الأنقاض ليست النهاية، يا أحمد. إنها البداية"، كان معاوية يقول.

عاد أحمد إلى الساحة، حاملًا الكتاب الممزق في يده. جلس على حجر كبير، كان جزءًا من النصب يومًا. فتح الكتاب، وبدأ يقرأ بصوت خافت: "وما الناس إلا في ضلال، إذا ظنوا أن الحياة تنتهي بالموت". شعر أن المعري يتحدث إليه مباشرة، وكأن كلماته كتبت لهذه اللحظة.

في تلك الليلة، قرر أحمد أن يكتب. لم يكن يعرف بعد ماذا سيكتب: قصيدة، رواية، أم شهادة. لكنه كان يعلم أن الكتابة هي المقاومة الوحيدة المتبقية. أخرج قلمًا صغيرًا من جيبه، وبدأ يكتب على الصفحة الأخيرة من الكتاب: "حلب لم تمت. إنها تنتظرنا".

كان الليل قد هبط على الساحة، والنجوم بدأت تظهر في السماء. لكن أحمد لم ينظر إليها. كان ينظر إلى الأنقاض، يرى فيها ليس الدمار، بل بذور المستقبل.


الفصل الثاني: أشباح النيرب
مخيم النيرب، 1965

الشمس كانت ترمي أشعتها الذهبية على زقاق ضيق في مخيم النيرب، حيث كان الغبار يتراقص في الهواء مع كل خطوة يخطوها أحمد الصغير. كان في العاشرة من عمره، نحيفًا كغصن زيتون، لكنه مليء بالطاقة التي لا تهدأ. في يده كرة قماشية بالية، مصنوعة من بقايا قميص قديم لأمه ميساء، وكان يركض وراءها مع عيسى، صديقه الذي كان دائمًا يحلم بأشياء أكبر من المخيم. كان المخيم عالمًا صغيرًا، مزدحمًا بالأصوات: صراخ الأطفال، نقاشات الكبار حول السياسة،رائحة الخبز الطازج كانت تملأ الأجواء، ممزوجة برائحة القهوة التي كان معاوية، والد أحمد، يحضرها كل صباح قبل أن يبدأ حديثه عن العدالة والمقاومة.

كان أحمد يحب هذا الزقاق، رغم ضيقه وجدرانه الطينية المتشققة. كان يشعر أن المخيم هو بيته، ليس لأنه ولد فيه، بل لأنه كان يحمل قصص الجميع: قصص اللاجئين الفلسطينيين الذين جاءوا من قرى النكبة، وقصص السوريين الذين واجهوا الاستعمار الفرنسي، وقصص الأحلام التي كانت تُحكى في الليالي الباردة حول مدفأة صغيرة. كان المخيم، بكل فقره، مليئًا بالحياة. كان أحمد يرى في عيون الناس مزيجًا من الألم والأمل، كأن كل واحد منهم يحمل جرحًا لكنه يرفض أن يستسلم له.

في ذلك اليوم، وبينما كان أحمد وعيسى يركضان وراء الكرة، توقف عيسى فجأة، وأشار إلى دكان صغير في نهاية الزقاق. كان دكانًا لبيع الكتب المستعملة، يملكه رجل عجوز يُدعى أبو ياسر، كان يجلس على كرسي خشبي مهترئ، يدخن غليونه وينظر إلى الأطفال بنظرة حنونة. "تعال، يا أحمد"، قال عيسى بنبرة مليئة بالحماس. "لنسرق كتابًا". أحمد توقف، قلبه يخفق بسرعة. لم يكن يحب فكرة السرقة، لكن عيسى كان دائمًا يقنعه بأن الكتب ليست ملكًا لأحد، بل هي ملك العقول. "إذا لم نقرأ، سنظل أغبياء إلى الأبد"، قال عيسى، وهو يسحب أحمد من يده نحو الدكان.

تسللا بحذر، مستغلين انشغال أبو ياسر بحديث مع أحد الزبائن. كانت الرفوف مليئة بالكتب القديمة، أغلفتها ممزقة، لكنها كانت تبدو لأحمد كنوزًا. عيناه وقعتا على كتاب صغير، غلافه أحمر باهت، مكتوب عليه بخط عربي أنيق: "اللزوميات" لأبو العلاء المعري. أمسك عيسى بالكتاب، وهمس: "هذا هو. المعري سيعلمك كيف ترى العالم". دس الكتاب تحت قميصه، وهربا يركضان، ضحكاتهما تملأ الزقاق.

في تلك الليلة، جلس أحمد وعيسى تحت ضوء مصباح زيتي في غرفة أحمد الصغيرة. كانت ميساء في المطبخ، تحضر العشاء، ومعاوية يجلس في الفناء مع جيرانه، يناقشون أخبار الثورة الجزائرية. فتح عيسى الكتاب، وبدأ يقرأ بصوت خافت: "وما الناس إلا في ضلال، إذا ظنوا أن الحياة تنتهي بالموت". توقف، ونظر إلى أحمد. "ماذا يعني هذا؟" سأل أحمد، وهو يشعر أن الكلمات ثقيلة على قلبه الصغير. عيسى ابتسم، وقال: "يعني أننا لا نموت، يا أحمد. أفكارنا، قصصنا، كلها تبقى".

تلك الكلمات ظلت عالقة في ذهن أحمد، حتى عندما عاد إلى حلب في سبتمبر 2025، واقفًا في وسط مخيم النيرب المهجور. لم يعد المخيم كما كان. الزقاق الضيق، الذي كان يركض فيه مع عيسى، أصبح الآن ممرًا مليئًا بالحطام. الجدران الطينية انهارت، والأصوات التي كانت تملأ المكان اختفت. لم يعد هناك صراخ أطفال، ولا رائحة خبز، ولا نقاشات سياسية. كل ما تبقى هو الصمت، صمت ثقيل كأنه يحمل أرواح كل من عاشوا هنا وغادروا.

مشى أحمد ببطء في الزقاق، أحذيته تثير الغبار. كان يبحث عن شيء، لكنه لم يكن يعرف ماذا. ربما كان يبحث عن عيسى، أو عن ذكرى تلك الأيام التي كانت الحياة فيها أبسط، حتى وإن كانت مليئة بالفقر. توقف عند المكان الذي كان يقف فيه دكان أبو ياسر. لم يعد هناك دكان، ولا كتب، ولا أبو ياسر. كل ما وجده هو لوح خشبي مكسور، عليه بقايا كلمات بالحبر الأسود: "الكتب للحياة". شعر أحمد بطعنة في قلبه. تذكر كيف كان أبو ياسر يبتسم وهو يراهما يسرقان الكتب، كأنه يعرف أنهما لن يؤذيا أحدًا، بل سيحملان الكلمات إلى المستقبل.

في تلك اللحظة، عاد إلى ذكرى أخرى من المخيم. كان في الثالثة عشرة من عمره، وكان قد بدأ يقرأ كتبًا أكثر جدية، كتبًا عن ماركس ولينين، كان يجدها مخبأة في صندوق خشبي تحت سرير والده. كان معاوية يحذره دائمًا: "الكتب خطرة، يا ولدي، لكن الجهل أخطر". لكن أحمد لم يكن يخاف. كان يشعر أن الكتب هي التي ستأخذه بعيدًا عن ضيق المخيم، إلى عالم أوسع، عالم يمكنه فيه أن يغير شيئًا.

كانت ميساء، أمه، مختلفة. لم تكن تحب الكتب، لكنها كانت تحكي القصص. في الليالي الباردة، كانت تجمع أحمد وإخوته حول المدفأة، وتحكي عن الشهداء الذين قاوموا الاستعمار. "كانوا مثلنا، يا أحمد"، كانت تقول. "فقراء، لكنهم لم يخافوا". كانت تحكي عن نصب الشهداء في ساحة سعدالله الجابري، عن عبد الرحمن مؤقت الذي صممه، عن كل تمثال كان يحمل قصة تضحية. أحمد كان يستمع، لكنه لم يكن يفهم تمامًا. كان يرى النصب في زياراته النادرة إلى وسط حلب، لكنه لم يكن يرى فيه أكثر من حجارة مرتبة بشكل جميل.

لكن في 2025، وهو يقف في المخيم المهجور، أدرك أحمد معنى كلمات ميساء. النصب لم يكن مجرد حجارة. كان ذاكرة حية، رمزًا لشعب رفض الاستسلام. لكنه الآن، مثل المخيم، أصبح أنقاضًا. تذكر أحمد كيف سمع الأخبار عن تدمير النصب. كان في بلجيكا، يشاهد التلفاز في شقته الصغيرة في بروكسل، عندما رأى صور المرتزقة وهم يحطمون النصب بمطارق ثقيلة. كانوا يصرخون بشعارات دينية زائفة، يصفون التماثيل بـ"الأصنام". شعر أحمد حينها أن شيئًا في داخله انكسر مع النصب.

عاد إلى ذكرى أخرى من المخيم. كان في الخامسة عشرة، وكان قد بدأ يشارك في النقاشات السياسية مع والده وأصدقائه. كانوا يجتمعون في الفناء، يتحدثون عن الثورة الفلسطينية، عن جمال عبد الناصر، عن الأمل في عالم عربي موحد. كان أحمد يستمع، يشعر أن الكلمات تملأ روحه بالنار. كان يحلم أن يصبح مثل والده، رجلًا يقاتل من أجل العدالة. لكن معاوية كان يحذره دائمًا: "الثورة ليست لعبة، يا أحمد. إنها دم وتضحيات".

في تلك السنوات، بدأ أحمد يرى العالم بعيون مختلفة. كان يقرأ المعري، وطه حسين، وماركس، وكان يشعر أن العالم أكبر من المخيم، لكنه أيضًا أكثر تعقيدًا. كان يرى الظلم في كل مكان: في فقر المخيم، في قصص اللاجئين، في الحديث عن القرى الفلسطينية التي دُمرت في النكبة. كان يسمع عن قرى مثل دير ياسين والطنطورة، التي أُبيدت على يد العصابات الصهيونية. كان يشعر أن سوريا وفلسطين هما وجهان لعملة واحدة، عملة النضال ضد الظلم.

في 2025، وهو يتجول في أنقاض المخيم، شعر أحمد أن تلك الأحلام القديمة لم تمت، لكنها أصبحت ثقيلة. كان يرى في كل زاوية شبحًا من الماضي: شبح عيسى وهو يقرأ المعري، شبح ميساء وهي تحكي قصص الشهداء، شبح معاوية وهو يتحدث عن الثورة. لكنه رأى أيضًا أشباحًا جديدة: أشباح المرتزقة الذين أتى بهم حلف الناتو الأمريكي النازي الذين دمروا حلب، أشباح الطائرات المسيرة التي تحوم فوق المدينة، أشباح القوى الإمبريالية التي ترى في سوريا مجرد ساحة لعب.

توقف أحمد عند بقايا منزل عائلته. كان المنزل صغيرًا، لكنه كان مليئًا بالدفء. الآن، لم يعد سوى جدران متصدعة وسقف منهار. دخل بحذر، وكأنه يخشى أن يزعج الأرواح التي تسكن المكان. في زاوية الغرفة، وجد صندوقًا خشبيًا، نفس الصندوق الذي كان يخبئ فيه والده كتبه. فتحه، ووجد بداخله كتابًا واحدًا، غلافه ممزق، لكنه تعرف عليه: "رأس المال" لكارل ماركس. ابتسم أحمد، وشعر بدمعة تسقط على خده. تذكر كيف كان يقرأ هذا الكتاب في الخفاء، خوفًا من أن يراه أحد.

أمسك الكتاب، وجلس على الأرض. بدأ يقلب صفحاته، وكأنه يبحث عن شيء. لم يكن يبحث عن كلمات ماركس، بل عن ذكرى والده. تذكر كيف كان معاوية يقول: "الرأسمالية هي التي تدمر العالم، يا أحمد. لكن الشعوب هي التي ستبنيه من جديد". تلك الكلمات، التي بدت له يومها مجرد شعارات، صارت الآن حقيقة ملموسة. الرأسمالية، التي تحدث عنها والده، هي التي أرسلت المرتزقة إلى حلب، هي التي مولت السلاح، هي التي دمرت النصب والمخيم.

في تلك اللحظة، سمع أحمد صوتًا خافتًا، كأنه همسة. كان الصوت يشبه صوت عيسى. "هل ما زلت تكتب، يا أحمد؟" كان يسأل. أحمد أغلق الكتاب، ونظر حوله. لم يرَ أحدًا، لكنه شعر أن عيسى موجود، ربما في الغبار، ربما في الريح. "نعم، يا عيسى"، همس أحمد. "سأكتب".

خرج من المنزل، حاملًا الكتاب في يده. مشى نحو وسط المخيم، حيث كان المسجد الصغير يقف يومًا. لم يعد المسجد موجودًا، ولم يكن احمد من زوار المساجد ، بل كان من أصحاب الكتب الحمراء التي كان يحذر منها خطيب الجامع، في كل خطبة ،وكأنه مأجور لمحميات الخليج الصهيو أمريكية مقابل بعض الريالات أو التمور المغشوشة .. لكن أحمد شعر أن افكار الشيوعية لا تزال تتردد في أذنيه. جلس على حجر كبير، وبدأ يكتب على الصفحة الأخيرة من الكتاب: "المخيم لم يمت. إنه يعيش فينا".

كان الغروب قد بدأ يلقي بظلاله على المخيم. السماء كانت مليئة بالألوان: الأحمر والبرتقالي والأرجواني. أحمد نظر إلى الأفق، ورأى طائرًا يحلق بحرية. شعر أن الطائر هو المخيم، هو حلب، هو سوريا. لم يكن يعرف إن كان سيعود إلى هنا مرة أخرى، لكنه كان يعلم أن المخيم سيظل معه، في قلبه، في كلماته، في مقاومته.




الفصل الثالث: موسكو الباردة
موسكو، 1978

كانت الثلوج تتساقط ببطء على شوارع موسكو، كأنها تحاول تغطية المدينة بغطاء أبيض يخفي بعض تناقضاتها التي بدأت تظهر عن الغرب. أحمد ، الشاب السوري ذو الواحد والعشرين عامًا، كان يسير في شارع غوركي، يداه مدسوستان في جيبي معطفه البالي. كان الهواء باردًا، لكنه لم يكن يشعر بالبرد بقدر ما كان يشعر ببعض الغربة. موسكو، بمبانيها الضخمة وتماثيلها الشامخة، كانت مختلفة عن مخيم النيرب. لم تكن هناك رائحة الخبز الطازج، ولا صوت الاطفال تتردد في الزقاق، ولا نقاشات معاوية الحامية حول العدالة. لكن موسكو كانت تملك شيئًا آخر: طاقة الثورة، وعدًا بمستقبل أفضل، و لم تخب توقعات احمد ، حتى بعد تجربة مريرة لأحد القادة الروس الموهومين بالغربة .

كان قد وصل إلى المدينة قبل عامين، بمنحة دراسية لدراسة الهندسة في جامعة لومونوسوف. لكنه لم يكن مهتمًا بالهندسة بقدر اهتمامه بالأفكار. في غرفته الصغيرة في السكن الجامعي، كان يقضي الليالي يقرأ ماركس ولينين، يحلم بثورة عالمية ستغير وجه الأرض. كان يرى في موسكو مركزًا للأحلام الثورية، مدينة تحمل في شوارعها صدى ثورة أكتوبر. لكن الواقع بعد سبعين عاما كان مختلفًا قليلا . كان يرى التناقضات: البيروقراطية التي تخنق بعض حوانب الحياة، والوجوه التي كانت تنتظر أن يتم معالجة أوجه القصور بعبقرية شيوعية معتادة في هذه البلاد .لكن قدر روسيا أن تكون كطائر الفينيق ، حيث تختار في الوقت المناسب، كيف تتجدد وتنهض من جديد .

في إحدى الليالي الباردة، وبينما كان يتجول في شارع أربات، لمح مقهى صغيرًا مضاءً بضوء خافت. كان المقهى مكتظًا بالطلاب، يتحدثون بصوت عالٍ، يدخنون سجائر فاخرة تنتجها الدولة ، ويشربون الشاي من أكواب زجاجية. دخل أحمد، مدفوعًا برغبة في الهروب من البرد والوحدة. في زاوية المقهى، لاحظ فتاة ذات شعر أشقر طويل، تجلس وحدها، تقرأ كتابًا. كانت ترتدي معطفًا أحمر، وعيناها مثبتتان على الصفحات بنوع من التركيز الذي جعل أحمد يشعر أنها ترى العالم بطريقة مختلفة. اقترب منها، مترددًا، وسأل: "ماذا تقرأين؟" رفعت الفتاة عينيها، وابتسمت. "تشيخوف"، قالت. "السيدة مع الكلب".

كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها أحمد بفانيا. كانت طالبة أدب روسي، في الثالثة والعشرين من عمرها، وكانت عيناها تحملان بريقًا يشبه الحلم. جلست معه، وبدأت تتحدث عن تشيخوف، عن قصصه التي تجمع بين الحزن والأمل. "تشيخوف يفهم الإنسان"، قالت. "يعرف كيف يجعلك تشعر بالحياة، حتى عندما تكون مأساوية". أحمد، الذي لم يكن قد قرأ تشيخوف من قبل، شعر أن كلماتها تفتح أمامه عالمًا جديدًا. تحدث عن حلب، عن مخيم النيرب، عن رائحة التوابل في الأسواق، وعن أحلامه بتغيير العالم. استمعت فانيا باهتمام، وعيناها تلمعان. "أنت ثوري"، قالت بنبرة نصف جادة نصف مازحة. "لكن الثورة ليست فقط في الشوارع، يا أحمد. إنها في القلب".

تلك الكلمات، التي قالتها فانيا في تلك الليلة، ظلت عالقة في ذهن أحمد، حتى عندما عاد إلى حلب في 2025، واقفًا في ساحة سعدالله الجابري المدمرة. كان يتذكر صوتها، نبرتها الواثقة، وكيف كانت تجعل الأفكار تبدو بسيطة وعميقة في الوقت ذاته. لكنه الآن، وهو ينظر إلى الأنقاض، تساءل: هل كان القلب كافيًا؟ هل كانت الثورة التي حلم بها في موسكو مجرد وهم؟

في موسكو، صارت فانيا جزءًا من حياة أحمد. كانا يلتقيان في المقهى بانتظام، يتبادلان الكتب والأفكار. كانت فانيا تقرأ له تشيخوف ودوستويفسكي، وكان أحمد يحكي لها عن المعري و غسان كنفاني . كانا يتشاركان السجائر ، ويحلمان بعالم خالٍ من الظلم. في إحدى الليالي، وبينما كانا يتمشيان على ضفاف نهر موسكفا، أمسكت فانيا بيده، وقالت: "أنت مختلف، يا أحمد. أنت تحمل وطنك في قلبك". أحمد لم يعرف كيف يرد. كان يشعر أن فانيا تراه بطريقة لا يراها هو نفسه. لكنه كان يشعر أيضًا بالغربة، كأن اشياء خرافية وهابية في عالمه العربي تجتاحه ، كوسواس قهري ..لكن جمال موسكو وفانيا وطيبة الناس هنا كان عزاء له ،أنه في مكانه الصحيح، في هذا البلاد النقية ،مثل ثلج موسكو ، بعد هطول مفاجيء.

في تلك السنوات، بدأ أحمد يرى تناقضات في الاتحاد السوفييتي. كان يرى بعض الاوهام تعشعش فيمن يعتقد ، أن الانتماء للغرب حل سحري ، وكان العقود السبعة أنتجت تيارا ليس كبيرا يعبر عن طبقة تشبه الكومبرادور ، وهذا ما كان يعيق تحويل براءات الاختراع الكبيرة المركونة إلى إنجاز وتنفيذ .في إحدى زياراته لإحدى المعاهد العلمية أطلعه أحد الباحثين على براءات اختراع تجعل موسكو قبلة التكنولوجيا . كان يسمع عن الجوع والفقر في موسكو في قناة المخابرات الخارجية البريطانية البي بي سي ، لكنه لم يجد فيها إلا الاكتفاء، فالاكل ليس هما، هنا .. بل هناك شغف الناس بالقراءة والمسرح والثقافة والحب بكل مستوياتهم حتى التي رآها تكنس في حديقة باركولتوري ، فقد عزمته، لاريسا ،على مسرحية قرب الكرملين ، والناس يرتدون ملابس فاخرة بعضها اطلع عليها ، كان منتجا في فنلندا .. لقد انتقد في معهد اللجنة المركزية بعض الشخصيات ووجد تفهما خلافا لاكاذيب الغرب عن الاعتقالات و الخوف . بدأ يتساءل: هل ينجح هذا التضليل في اعلام الغرب و محمياته الخليجية الصهيو أمريكية في إيهام بعض الناس البسطاء بأنه حقيقة ؟ و كان يسأل عن ضرورة الاستفادة من تجربة تيتو في الإدارة الذاتية اليوغسلافية لأنها حل لكل مشاكل البلاد ؟ لكنه لم يشارك هذه الأفكار مع فانيا. كان يخشى أن يخيب أملها، بسبب تعقيد الشرح الذي سيقدمه لها ، أو أن يفقد البريق الذي رآه في عينيها.

في إحدى الأمسيات، دعته فانيا إلى شقتها الصغيرة في ضواحي موسكو. كانت الشقة متواضعة، مليئة بالكتب واللوحات الصغيرة. على الحائط، كان هناك ملصق لثورة أكتوبر، وتحته صورة صغيرة لتشيخوف. جلست فانيا على الأريكة، وأشعلت شمعة صغيرة. "هل تؤمن بالثورة حقًا، يا أحمد؟" سألته. توقف أحمد لحظة، ثم أجاب: "أؤمن بالعدالة. أؤمن أن العالم يمكن أن يكون أفضل من خلال مرحلة طويلة من الاشتراكية وصولا للشيوعية ". ابتسمت فانيا، لكن ابتسامتها كانت تحمل شيئًا من الحزن. "العدالة صعبة"، قالت. "لكنها تستحق القتال من أجلها".

في تلك الليلة، قرأت فانيا له قصة قصيرة لتشيخوف، عن رجل يعيش حياة بائسة لكنه يكتشف في النهاية معنى الحب. أحمد استمع، لكنه كان يفكر في حلب. كان يتذكر مخيم النيرب، وميساء وهي تحكي عن الشهداء، ومعاوية وهو يتحدث عن الثورة. كان يشعر أن حلب هي التي تحدد هويته، حتى وهو في قلب موسكو. لكنه كان يشعر أيضًا أن فانيا هي التي تجعل هذه الغربة محتملة.

في 2025، وهو يقف في ساحة سعدالله الجابري، عاد أحمد إلى ذكرى تلك الليالي في موسكو. كان يتذكر صوت فانيا، وكيف كانت تغني أناشيد لينين بنبرة مليئة بالحماس. لكنه كان يتذكر أيضًا كيف اختفت فانيا من حياته. بعد أن أنهى دراسته في موسكو، غادر إلى تونس للعمل كمترجم. حاول التواصل معها، لكن رسائله عادت دون رد. لم يعرف إن كانت قد ماتت، أو تزوجت، أو نسيت أحلامهما المشتركة. لكنه كان يشعر أن فانيا لا تزال معه، في ذاكرته، في كلمات تشيخوف التي علمتها إياه.

في موسكو، كان أحمد يقضي أيامه بين الجامعة والمقهى. لكنه كان يقضي أيضًا وقتًا طويلًا في المكتبات، يقرأ عن التاريخ الروسي، عن الثورات، عن الأدب. كان يجد في الكتب ملاذًا من الغربة العابرة . في إحدى المكتبات، عثر على نسخة مترجمة من "رسالة الغفران" لأبو العلاء المعري. اشتراها، وقرأها بنهم. شعر أن المعري يتحدث إليه عبر القرون، كأنه يحذره من الأوهام التي يمكن أن تأسر الإنسان. كتب تعليقًا صغيرًا على هامش الكتاب: "المعري يرى ما لا نراه".

في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس مع فانيا في المقهى، سألته: "لماذا تحب المعري؟" أحمد توقف لحظة، ثم أجاب: "لأنه لا يخاف أن يقول الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة". فانيا ابتسمت، وقالت: "مثلك". أحمد ضحك، لكنه شعر بشيء يتحرك في داخله. كان يشعر أن فانيا تراه كما لم يره أحد من قبل. لكنه كان يشعر أيضًا أن هذه اللحظات لن تدوم.

في 2025، وهو يتجول في أنقاض حلب، تذكر أحمد تلك الليالي في موسكو. كان يتذكر البرد، والثلوج، وصوت فانيا. لكنه كان يتذكر أيضًا كيف بدأ يشعر بالشك. كان يرى بعض التناقضات في الاتحاد السوفييتي التي تتطلب الاسترشاد بالتجربة اليوغسلافية العبقرية ، وكان لا يخامره شك إن الشيوعية على المدى البعيد حلم ممكن ووحيد للبشرية. في إحدى المرات، وبينما كان يتحدث مع أستاذه في الجامعة، سأله: "هل يمكن أن تنجح الشيوعية ؟" أجاب الأستاذ بنبرة متعبة: "الثورة تنجح عندما يؤمن الناس بها. لكن الخط ليس مستقيما ، بل فيه تعرجات ، قد تجرب وتفشل لفترة معينة ، لكنها تصحح نفسها ، وتستمر في نهجها التقدمي على الأقل في موسكو ولا تنس بكين أنها تحمل عبقرية تجربة اشتراكية، بخصائص صينية، تلافت بعض أخطاء موسكو ".

في تلك السنوات، بدأ أحمد يشعر أن الثورة ليست مجرد شعارات. كان يرى في عيون فانيا نفس الإيمان الذي كان يراه في عيون والده معاوية. لكنه كان يرى أيضًا الخوف، الخوف من المستقبل، من الفشل. في إحدى الليالي، وبينما كانا يتمشيان في شارع أربات، قالت فانيا: "أحيانًا، أشعر أننا نحلم بأشياء أكبر منا". أحمد لم يرد، لكنه شعر أنها محقة. فاي تجربة قد تظهر بعض مظاهر التراخي أو التكلس لهذا أعتقد أن تيتو نجح في أكثر من جانب كان ممكن أن تتجنبه روسيا التي مازالت باتحادها العجائبي بين الشعوب السوفيتية ، هي الأكثر ديمقراطية وإنسانية في التاريخ،حسب رأيه ..فليس لدى موسكو اي طابع استعماري مع الأطراف ، كما تشرح مدرسة التبعية ، بل إن مستوى المعيشة في اوكرانيا التي زارها، افضل من موسكو مرتين ..كأن موسكو اب حنون يفضل أبناءه على نفسه ..وهذا يريحه، أن لا طابع استعماري لموسكو على دول الاتحاد ، ولا على دول أوروبية الشرقية

عندما غادر موسكو في 1980، كان يحمل معه ذكريات فانيا، وكتاب المعري، وأحلام الثورة. لكنه كان يحمل أيضًا شعورًا بضرورة الاستفادة من يوغوسلافيا الاشتراكية لم يستطع التخلص من هذه الفكرة . في تونس، ثم ليبيا، ثم كوبا، ثم مالطا، وأخيرًا بلجيكا، ظل أحمد يبحث عن مكان يشعر فيه أنه في بيته. لكنه كان يعلم، في قرارة نفسه، أن بيته هو حلب، حتى وإن أصبحت أنقاضًا.

في 2025، وهو يقف في ساحة سعدالله الجابري، أغلق أحمد عينيه، وحاول أن يتذكر صوت فانيا. "الثورة في القلب"، كانت تقول. لكنه الآن، وهو يرى الدمار من حوله، تساءل: هل كان القلب كافيًا؟ أم أن الثورة تحتاج إلى أكثر من ذلك؟ أمسك بالكتاب الممزق الذي وجده في الساحة، وكتب على هامشه: "فانيا، أين أنت الآن؟".

كانت الشمس قد بدأت تغرب في حلب، والأنقاض كانت تلقي بظلالها الطويلة على الأرض. أحمد نظر إلى السماء، ورأى طائرًا يحلق بحرية. شعر أن الطائر هو فانيا، هو المعري، هو حلب. لم يكن يعرف إن كان سيجد إجابات لأسئلته، لكنه كان يعلم أن عليه أن يكتب، أن يوثق، أن يقاوم.



الفصل الرابع: أنقاض الحلم
حلب، سبتمبر 2025

كانت الشمس تحترق في سماء حلب، لكن ضوءها كان باهتًا، كأنه يرفض أن ينير مدينة أصبحت ظلًا لنفسها. أحمد صالح سلوم، الرجل الستيني ذو الوجه المجعد والعينين اللتين تحملان ثقل عقود من المنافي، مشى ببطء في شارع القلعة. كانت الشوارع التي عرفها في طفولته قد اختفت، استبدلت بأنقاض وجدران متصدعة وأصوات بعيدة للطائرات المسيرة التي تحوم في الأفق. القلعة، التي كانت يومًا رمزًا لعزة حلب، كانت الآن محاصرة بعلم تركي يرفرف فوقها، كأنه إعلان عن انتصار الغزاة. أحمد توقف، ونظر إلى العلم بنظرة مليئة بالغضب والحزن. كان يشعر أن المدينة التي ولد فيها لم تعد ملكه، لكنها لم تكن ملك المرتزقة أيضًا. كانت حلب، رغم الدمار، تنتظر شيئًا، ربما تنتظر من يكتب قصتها من جديد.

كان شارع القلعة، الذي كان يومًا مليئًا بالحياة، خاليًا إلا من بعض الظلال التي تتحرك بحذر. المرتزقة، الذين يدعون أنفسهم "ثوارًا"، كانوا يتجولون في مجموعات صغيرة، يحملون أسلحة أمريكية الصنع، ويتحدثون بلكنات غريبة، خليط من اللهجات الخليجية والتركية. أحمد رآهم من بعيد، وشعر بنار في صدره. كان يعلم أن هؤلاء ليسوا ثوارًا. كانوا أدوات في يد قوى أكبر، احتكارات مالية من لندن وواشنطن، محميات خليجية تبيع النفط والدم، وتركيا الأطلسية التي تحلم بإمبراطورية جديدة. كانوا يحملون شعارات دينية زائفة، يصفون التماثيل بـ"الأصنام"، لكنهم لم يعرفوا أن حلب، بتاريخها العريق، أكبر من أكاذيبهم.

تذكر أحمد أيام طفولته في مخيم النيرب، عندما كان يركض في هذا الشارع مع عيسى، يطاردان كرة قماشية ويحلمان بمستقبل أفضل. كان الشارع آنذاك مليئًا بالأصوات: بائعو التوابل ينادون على بضاعتهم، والأطفال يضحكون، والشيوخ يحكون قصص صلاح الدين. لكن اليوم، لم يكن هناك سوى الصمت، صمت ثقيل كأنه يحمل أرواح كل من مروا من هنا وغادروا. أحمد توقف أمام بقايا دكان صغير كان يبيع الصابون الحلبي. كان الدكان الآن مجرد كومة من الحجارة، لكن رائحة الصابون لا تزال عالقة في ذاكرته، رائحة الزيتون والغار التي كانت تملأ الأسواق.

مشى أحمد أكثر، متجهًا نحو ساحة سعدالله الجابري. كان النصب، الذي صممه عبد الرحمن مؤقت، قد تحول إلى أنقاض، لكنه كان لا يزال يحمل حضورًا غريبًا، كأن أرواح الشهداء التي كان يمثلها لا تزال تحوم حوله. جلس أحمد على حجر كبير، وأخرج من جيبه الكتاب الممزق الذي وجده في زيارته الأولى للساحة: "رسالة الغفران" لأبو العلاء المعري. فتح الكتاب، وقرأ بصوت خافت: "وما الناس إلا في ضلال، إذا ظنوا أن الحياة تنتهي بالموت". شعر أن المعري يتحدث إليه مباشرة، كأنه يحثه على أن يرى ما وراء الأنقاض.

في ذهنه، عاد إلى كوبا، حيث قضى سنوات الثمانينيات يعمل مع حركات تحرر أمريكا اللاتينية. كانت كوبا مختلفة عن موسكو. كانت مليئة بالحياة، بالموسيقى، بالأمل. هناك، تعلم أحمد أن المقاومة ليست مجرد كلمات، بل دم وتضحيات. كان يعمل كمترجم للوفود العربية التي تزور هافانا، وكان يقضي أمسياته مع ثوار من نيكاراغوا وكولومبيا، يستمع إلى قصصهم عن النضال ضد الإمبريالية الأمريكية. في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس في مقهى صغير في هافانا، سمع رجلًا عجوزًا يغني أغنية عن تشي غيفارا. كانت الكلمات بسيطة، لكنها كانت تحمل نارًا: "الثورة لا تموت، لأنها تعيش في القلوب". أحمد تذكر تلك الكلمات الآن، وهو يجلس في ساحة سعدالله، لكنه شعر أن الثورة الشيوعية في حلب قد أُجهضت، مخنوقة بأيدي المرتزقة الوهابيين وأسيادهم.

في كوبا، كان أحمد يحمل معه ذكرى حلب. كان يحكي لأصدقائه عن مخيم النيرب، عن ميساء ومعاوية، عن النصب الذي كان يرمز للصمود. كانوا يستمعون باهتمام، لكنهم كانوا يسألونه دائمًا: "لماذا لا تعود؟" أحمد لم يكن يعرف الإجابة. كان يشعر أن العودة تعني مواجهة الماضي، مواجهة الأحلام التي لم تتحقق. لكنه الآن، في 2025، كان هنا، يواجه تلك الأحلام المحطمة.

عاد إلى الواقع عندما سمع صوت خطوات تقترب. كان شابًا نحيفًا، يحمل كاميرا قديمة، يوجهها نحو الأنقاض. "ممنوع التصوير"، قال الشاب بنبرة تحذيرية، لكنه لم يكن يتحدث إلى أحمد، بل إلى نفسه. اقترب أحمد منه، وسأل: "لماذا تصور؟" أجاب الشاب: "لأن هذا كل ما تبقى. إذا لم أوثق، من سيفعل؟" تلك الكلمات أصابت أحمد في صميم قلبه. تذكر عيسى، الذي كان يقول إن الشعر هو توثيق الروح. "إذا لم نكتب، يا أحمد، فمن سيحكي قصتنا؟" كان يسأل.

مشى أحمد بعيدًا من الساحة، متجهًا نحو حي الجديدة، حيث كان يزور جدته في طفولته. كان الحي الآن مهجورًا، لكن أحمد شعر أن أشباح الماضي لا تزال تسكنه. تذكر كيف كانت جدته تحكي له عن الحرب العالمية الثانية، عن الجوع الذي عاشته حلب، وعن الشهداء الذين قاوموا الاستعمار الفرنسي. "الناس تموت، يا أحمد، لكن القصص تبقى"، كانت تقول. أحمد الآن، وهو يتجول في الأنقاض، شعر أن القصص هي كل ما تبقى.

في زاوية من الحي، لمح امرأة عجوز جالسة على الأرض، تحيط بها أكياس قماشية تحمل بقايا حياتها. كانت تشبه ميساء، أمه، بنظرتها الحزينة ويديها المجعدتين. اقترب أحمد، وسأل: "هل أنت بخير؟" رفعت المرأة عينيها إليه، وقالت: "البلد لم تمت، يا ابني. إنها تنتظر من يكتب قصتها من جديد". أحمد شعر بدمعة تسقط على خده. لم يكن يبكي من الحزن، بل من شعور عميق بالمسؤولية. تذكر كيف كانت ميساء تحكي عن الشهداء، عن النصب، عن حلب التي لا تنكسر.

عاد أحمد إلى الساحة، حاملًا الكتاب الممزق في يده. جلس تحت شجرة محترقة، وبدأ يكتب على الصفحة الأخيرة: "حلب لم تمت. إنها تنتظرنا". كان الليل قد بدأ يهبط على المدينة، والنجوم بدأت تظهر في السماء. لكن أحمد لم ينظر إليها. كان ينظر إلى الأنقاض، يرى فيها ليس الدمار، بل بذور المستقبل.

الفصل الخامس: ظلال المعري
معرة النعمان، 2013

كان الطريق إلى معرة النعمان يمتد عبر حقول الزيتون المنتشرة على جانبيه، والتي كانت لا تزال تحتفظ بلونها الأخضر رغم التوترات التي بدأت تعصف بسوريا. أحمد ، الذي كان في الثامنة والأربعين من عمره في تلك الزيارة الأخيرة لحلب في 2003، قرر أن يذهب إلى معرة النعمان ليحيي ذكرى أبو العلاء المعري، الشاعر الذي كان يراه مرآة لروحه. كان يقود سيارة مستأجرة، والهواء الحار يدخل من النافذة المفتوحة، يحمل معه رائحة التراب والزيتون. كانت المدينة هادئة نسبيًا، لكن أحمد كان يشعر بتوتر خفي في الأجواء، كأن الأرض نفسها تعلم أن عاصفة قادمة. عندما وصل إلى الساحة التي تضم تمثال المعري، توقف ونزل من السيارة. كان التمثال يقف شامخًا، وجهه الحجري ينظر إلى الأفق بعينين فارغتين، كأنه يرى ما لا يراه الآخرون.

أحمد اقترب من التمثال، ووضع يده على قاعدته. شعر بالحجر البارد تحت أصابعه، لكنه شعر أيضًا بحرارة غريبة، كأن التمثال يحمل روح المعري نفسه. تذكر كيف كان هو وعيسى يقرآن "اللزوميات" في مخيم النيرب، يتناقشان حول كلمات الشاعر الأعمى الذي استطاع أن يرى العالم أعمق من أي أحد. "إذا كان المعري يرى بعين قلبه، فلماذا نحتاج إلى عيون؟" كان عيسى يسأل، وأحمد يضحك، لكنه كان يشعر أن هذا السؤال يحمل معنى أعمق. الآن، وهو يقف أمام التمثال، شعر أن المعري كان يحذره من شيء، ربما من الدمار الذي سيأتي.

في تلك الزيارة، كان أحمد قد بدأ يشعر أن سوريا تتغير. كانت الأخبار تتحدث عن احتجاجات صغيرة، عن توترات سياسية، عن قوى خارجية تتدخل في شؤون البلاد. لكنه لم يكن يتخيل أن الأمور ستصل إلى هذا الحد. في 2025، وهو يتذكر تلك الزيارة وهو يقف في أنقاض حلب، علم أن التمثال قد دُمر. المرتزقة، الذين وصلوا إلى معرة النعمان تحت شعارات دينية زائفة، حطموا التمثال، وصفوه بـ"الصنم". لم يكونوا يعرفون أن المعري، الذي كتب "رسالة الغفران" قبل دانتي بقرون، كان أكبر من أوهامهم. لم يكونوا يعرفون أن تدمير تمثاله لن يمحو كلماته، التي ظلت حية في وجدان الشعب السوري.

عاد أحمد في ذهنه إلى تونس، حيث عمل كمترجم في التسعينيات. كانت تونس مختلفة عن موسكو وكوبا. كانت مدينة هادئة، لكنها كانت تحمل تناقضاتها الخاصة. كان يعمل في مكتب صغير في تونس العاصمة، يترجم وثائق تجارية وسياسية، لكنه كان يقضي أمسياته يقرأ المعري. في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس في شقته الصغيرة المطلة على البحر، فتح "رسالة الغفران" وقرأ بصوت خافت: "وما الناس إلا في ضلال، إذا ظنوا أن الحياة تنتهي بالموت". شعر أن المعري يتحدث إليه مباشرة، كأنه يحثه على البحث عن الحقيقة وسط الزيف.

في تونس، بدأ أحمد يرى العالم بعيون أكثر نضجًا. كان لا يزال شيوعيًا تقدميًا، لكنه بدأ يشك في الأحلام الكبيرة التي حملها هل ممكن تطبيقها في وطن عربي غارق بتضليل الوهابية الخليجية واسلام بريجينسكي التكفيري للفتنة.فما أنفقه الاتحاد السوفييتي ، خلال سبعين سنة ، اي سبعة مليارات ، تنفقه محمية خليجية صهيونية في سنة على التضليل ، وأن الإسلام الصهيوني الكيسنجري هو الحل . كان يرى كيف أن الرأسمالية، التي تحدث عنها والده معاوية، كانت تتسلل إلى كل مكان، حتى إلى بلدان شرق اوروبا التي كانت تحلم بالاشتراكية، حين وقعت في مصيدة الديون إلروتشيلدية باخر أيامها ..كان يرى الفساد في تونس، والفقر في الأحياء الشعبية، والوجوه المتعبة للناس الذين يعملون لساعات طويلة مقابل أجور زهيدة. في إحدى الأمسيات، وبينما كان يجلس في مقهى شعبي، سمع رجلًا عجوزًا يتحدث عن الحرية. "الحرية ليست مجانية، يا ولدي"، قال الرجل. "إنها تُدفع بالدم". أحمد تذكر كلمات والده: "الثورة ليست لعبة، يا أحمد. إنها دم وتضحيات".

في 2025، وهو يقف في أنقاض حلب، شعر أحمد أن تلك الكلمات كانت نبوءة. الدم كان قد دُفع، لكن الحرية لم تأت. المرتزقة، الذين دمروا تمثال المعري ونصب الشهداء، لم يكونوا يقاتلون من أجل الحرية. كانوا أدوات في يد قوى إمبريالية، من واشنطن إلى أنقرة، ومن الإمارات إلى تل أبيب والرياض والدوحة . كانوا يحملون شعارات دينية، لكنهم كانوا يخدمون أجندات مالية، أجندات تهدف إلى محو الذاكرة الجماعية للشعب السوري. أحمد شعر بالغضب يتصاعد في صدره. تذكر كيف كان المعري يكتب عن الزيف، عن النفاق، عن العقول التي ترفض أن ترى. شعر أن الشاعر الأعمى كان يتنبأ بهؤلاء المرتزقة، الذين يدمرون التماثيل لكنهم لا يستطيعون محو الأفكار.

عاد في ذهنه إلى ليبيا، حيث قضى سنوات قليلة بعد تونس. كانت ليبيا في الثمانينيات مليئة بالتناقضات. كان القذافي يتحدث عن الثورة، لكن أحمد كان يرى ان إعلامه فيه مشكلة في أن يقنع الناس بالإنجازات في البلد .وان قوى الثورة المضادة الوهابية، تترصد بالاكاذيب لتدمير الشعب الليبي وكان من المفترض أن لا يقع في اوهام كائن كاذب وخبيث مثل بلير . كان يعمل كمترجم أيضًا، لكنه كان يقضي معظم وقته في المكتبات، يقرأ عن التاريخ العربي، عن المعري، عن المقاومة الفلسطينية. في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس في مقهى في طرابلس، سمع شابًا يقرأ قصيدة لمحمود درويش. كانت القصيدة تتحدث عن فلسطين، عن الأرض التي سُرقت، عن الشعب الذي يرفض النسيان. أحمد شعر أن درويش والمعري يتحدثان اللغة نفسها، لغة المقاومة، لغة الذاكرة.

في 2025، وهو يتجول في أنقاض حلب، شعر أحمد أن الذاكرة هي السلاح الوحيد المتبقي. تذكر كيف كان يقرأ المعري في تونس، في ليبيا، في كوبا، في مالطا. كان المعري رفيقه في كل منفى، كأنه يذكره أن الحقيقة لا تموت. لكنه الآن، وهو يعلم أن تمثال المعري قد دُمر، شعر أن الحقيقة في خطر. المرتزقة، الذين يحملون أسلحة أمريكية وشعارات دينية اطلسية ، كانوا يحاولون محو الذاكرة الجماعية، محو المعري، محو نصب الشهداء، محو حلب. لكن أحمد كان يعلم أن الذاكرة لا تُمحى بالمطارق.

مشى أحمد نحو حي الشيخ مقصود، حيث كان يعيش بعض أقاربه في طفولته. كان الحي الآن مهجورًا، لكن أحمد شعر أن أشباح الماضي لا تزال تسكنه. تذكر كيف كان يزور عمته في هذا الحي، كيف كانت تحكي له عن الحياة قبل النكبة، عن القرى الفلسطينية التي دُمرت. "الأرض لا تنسى أهلها"، كانت تقول. أحمد الآن، وهو يتجول في الأنقاض، شعر أن الأرض لا تزال تتذكر.

في زاوية من الحي، لمح امرأة عجوز تجلس على الأرض، تحيط بها أكياس قماشية تحمل بقايا حياتها. كانت تشبه ميساء، أمه، بنظرتها الحزينة ويديها المجعدتين. اقترب أحمد، وسأل: "هل أنت بخير؟" رفعت المرأة عينيها إليه، وقالت: "البلد لم تمت، يا ابني. إنها تنتظر من يكتب قصتها من جديد". أحمد شعر بدمعة تسقط على خده. تذكر كيف كانت ميساء تحكي عن الشهداء، عن النصب، عن حلب التي لا تنكسر.

عاد أحمد إلى ساحة سعدالله الجابري، حاملًا الكتاب الممزق في يده. جلس تحت شجرة محترقة، وبدأ يكتب على الصفحة الأخيرة: "المعري لا يموت. حلب لا تموت". كان الليل قد هبط على المدينة، والنجوم بدأت تظهر في السماء. أحمد نظر إلى النجوم، ورأى فيها عيون المعري، عيون ميساء، عيون عيسى. شعر أن الذاكرة لا تزال حية، وأن المقاومة لم تنته.


الفصل السادس: بلجيكا، المنفى البارد
بروكسل، 2010

كانت شوارع بروكسل مغطاة بطبقة رقيقة من الضباب، كأن المدينة تحاول إخفاء نفسها عن أعين الغرباء. أحمد، الآن في منتصف الخمسينيات من عمره، كان يسير ببطء في شارع لويز، معطفه الأسود يتأرجح مع كل خطوة. كانت المدينة هادئة، نظيفة، منظمة بشكل مفرط، لكنها كانت خالية من الروح، أو هكذا كان يشعر أحمد. بروكسل، التي أصبحت منزله منذ أكثر من عقد، لم تكن حلب، ولا موسكو، ولا كوبا. كانت مدينة باردة، ليس بسبب الطقس، بل بسبب الفراغ الذي كان يشعر به في قلبه. كان يعمل في مكتب صغير في حي الأعمال، يترجم وثائق إدارية لشركة استيراد وتصدير، لكن عمله كان ميكانيكيًا، خاليًا من أي معنى. في كل يوم، كان يشعر أن جزءًا منه يتلاشى، كأن المنفى يأكل روحه ببطء.

كان أحمد يعيش في شقة صغيرة في ضاحية مولنبيك، حيث كان المهاجرون من شمال إفريقيا والشرق الأوسط يشكلون نسيجًا اجتماعيًا صاخبًا، لكنه كان يشعر بالغربة حتى بينهم. كانوا يتحدثون العربية، لكنهم لم يكونوا من حلب. كانوا يحكون قصص بلدانهم، لكنها لم تكن قصص مخيم النيرب، أو نصب الشهداء، أو أبو العلاء المعري. في أمسياته، كان أحمد يجلس على كرسي خشبي بجانب نافذته، ينظر إلى الشوارع المبللة بالمطر، ويحتسي كوبًا من القهوة التي كان يحاول جعل طعمها يشبه قهوة ميساء، لكنه كان يفشل دائمًا. كان يفتح كتابًا قديمًا من مكتبته الصغيرة، غالبًا "رسالة الغفران" للمعري، ويقرأ بصوت خافت، كأنه يحاول استحضار روح حلب في هذا المكان البارد.

في إحدى الليالي، وبينما كان المطر يضرب النافذة، أخرج أحمد دفترًا قديمًا من درج مكتبه. كان الدفتر مليئًا برسائل كتبها إلى عيسى، صديقه من مخيم النيرب، لكنه لم يرسلها أبدًا. "هل ما زلت تكتب الشعر، يا عيسى؟" كتب في إحدى الرسائل. "هل ما زلت تحلم بسوريا التي تحدثنا عنها؟" كان يعلم أن عيسى قد اختفى في الحرب. لم يعرف إن كان قد مات، أو سُجن، أو هاجر إلى مكان آخر. لكن أحمد كان يكتب إليه، كأن الكتابة إلى شبح عيسى هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على صلته بالماضي. في تلك الليلة، كتب: "بروكسل مدينة البنوك ولكنها ميتة، فقد سرقتها الاقلية المالية الاوليغارشية من ناسها ، يا عيسى. لا توجد هنا رائحة الخبز والتوابل ، ولا صوت الاطفال والباعة ، ولا نقاشات معاوية. لكنني أحمل حلب في قلبي، وهذا ما يجعلني أستمر".

في 2025، وهو يقف في أنقاض ساحة سعدالله الجابري، تذكر أحمد تلك الليالي في بروكسل. كان يتذكر البرد، الوحدة، والشعور بالغربة الذي لم يفارقه. لكنه كان يتذكر أيضًا كيف بدأ يشعر بالحاجة إلى العودة. في بروكسل، كان يتابع أخبار سوريا عبر التلفاز، يرى صور القصف، والدمار، والمرتزقة الذين يحطمون نصب الشهداء وتمثال المعري. في إحدى الليالي، وبينما كان يشاهد تقريرًا عن تدمير النصب، شعر أن شيئًا في داخله انكسر. أغلق التلفاز، وجلس في الظلام، يفكر في ميساء ومعاوية، في عيسى، في فانيا. شعر أن المنفى لم يعد يحميه، بل يخنقه.

في بروكسل، كان أحمد يحاول أن يعيش حياة عادية. كان يذهب إلى العمل، يتناول الغداء مع زملائه، يبتسم عندما يُطلب منه أن يبتسم. لكنه في قرارة نفسه كان يشعر أنه غريب. كان يرى في وجوه زملائه نوعًا من اللامبالاة، كأنهم لا يفهمون ما يعنيه أن تفقد وطنك. في إحدى الأمسيات، دعاه زميل بلجيكي إلى عشاء في منزله. كان البيت فخمًا، مليئًا باللوحات والأثاث الأنيق. تحدثوا عن العمل، عن الطقس، عن أشياء لا تهم أحمد. في لحظة صمت، سأله الزميل: "لماذا لا تتحدث عن بلدك؟" أحمد توقف، ثم أجاب: "لأن بلدي ليس مجرد مكان. إنه ذاكرة". الزميل لم يفهم، لكن أحمد لم يهتم. كان يعلم أن من لم يعش في مخيم النيرب، أو لم يرَ نصب الشهداء، لن يفهم.

في تلك السنوات، بدأ أحمد يشعر أن المنفى ليس مكانًا، بل حالة. كان يحمل حلب في قلبه، لكنه كان يشعر أنها تتلاشى مع كل يوم يمر. كان يحلم بحلب كل ليلة. كان يرى الساحة، النصب، الدكاكين، ووجه ميساء. في إحدى الليالي، استيقظ مفزوعًا من حلم. كان يحلم أنه يقف في ساحة سعدالله، والنصب ينهار أمام عينيه. كان يسمع صوت ميساء تقول: "البلد لم تمت، يا أحمد". استيقظ، وشعر أن الحلم هو دعوة. قرر في تلك اللحظة أن يعود إلى حلب، ليس ليعيش، بل ليواجه.

في 2025، وهو يتجول في أنقاض حلب، تذكر أحمد تلك اللحظة في بروكسل. كان يتذكر كيف شعر أن المنفى لم يعد ملاذًا، بل سجنًا. كان يتذكر كيف جمع أغراضه، وحجز تذكرة إلى دمشق، ثم إلى حلب. لكنه الآن، وهو يرى الدمار من حوله، تساءل: هل كانت العودة خطأ؟ هل كان من الأفضل أن يبقى في بروكسل، في تلك الحياة الهادئة، الباردة، الخالية من المعنى؟

مشى أحمد نحو حي العزيزية، حيث كان يزور مكتبة صغيرة في شبابه. كانت المكتبة الآن مجرد أنقاض، لكن أحمد شعر أن الكتب لا تزال موجودة، ربما في ذاكرته، ربما في الغبار. تذكر كيف كان يقرأ كتب ماركس ولينين في تلك المكتبة، يحلم بثورة عالمية. لكنه الآن، وهو يرى المرتزقة ولحاهم المنتشرة كالطاعون يتجولون في شوارع حلب، شعر أن الثورة الشيوعية التي حلم بها قد أُجهضت. المرتزقة، الذين يحملون أسلحة أمريكية وشعارات دينية زائفة، لم يكونوا ثوارًا. كانوا أدوات في يد الرأسمالية، في يد الاحتكارات المالية التي تحكم العالم من لندن وواشنطن.

في زاوية من الحي، لمح أحمد رجلًا عجوزًا يجلس على الأرض، يحيط به كومة من الكتب الممزقة. اقترب أحمد، وسأل: "لماذا تحتفظ بهذه الكتب؟" أجاب العجوز: "لأنها ذاكرتنا. إذا نسينا الكتب، نسينا أنفسنا". أحمد شعر بدمعة تسقط على خده. تذكر كيف كان أبو ياسر، صاحب دكان الكتب في مخيم النيرب، يقول: "الكتب ليست للبيع، بل للحياة".

عاد أحمد إلى ساحة سعدالله الجابري، حاملًا الكتاب الممزق في يده. جلس تحت شجرة محترقة، وبدأ يكتب على الصفحة الأخيرة: "المنفى ليس مكانًا، بل شعورًا. لكن حلب هي البيت". كان الليل قد هبط على المدينة، والنجوم بدأت تظهر في السماء. أحمد نظر إلى النجوم، ورأى فيها عيون ميساء، عيون عيسى، عيون فانيا. شعر أن المنفى انتهى، وأن العودة هي بداية المقاومة.


الفصل السابع: البداية من جديد
حلب، سبتمبر 2025

كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، تلقي بظلالها الطويلة على أنقاض ساحة سعدالله الجابري، كأنها تحاول أن تعانق الحجارة المحطمة التي كانت يومًا نصب شهداء الاستقلال. أحمد ، الرجل الستيني ذو الشعر الأبيض المتفرق والعينين اللتين تحملان ثقل السنين والمنافي، جلس على حجر كبير، ممسكًا بالكتاب الممزق الذي وجده في زيارته الأولى للساحة: "رسالة الغفران" لأبو العلاء المعري. كان الغبار يغطي يديه، لكنه لم يهتم. كان يشعر أن الغبار هو جزء من حلب، جزء من ذاكرته، جزء منه. الريح هبت برفق، تحمل معها رائحة البارود الممزوجة برائحة التراب، لكن أحمد شعر، للحظة، أنه يشم رائحة الخبز الطازج، رائحة ميساء التي كانت تملأ مخيم النيرب في طفولته.

كان الصمت في الساحة ثقيلًا، لكنه لم يكن صمت الموت. كان صمت المقاومة، صمت الذاكرة التي ترفض النسيان. أحمد نظر إلى الأنقاض من حوله، إلى بقايا النصب الذي صممه عبد الرحمن مؤقت، إلى الجدران المتصدعة، إلى الشوارع التي كانت يومًا مليئة بالحياة. تذكر كيف كان يركض في هذه الساحة مع عيسى، يطاردان كرة قماشية، يحلمان بمستقبل يليق بسوريا. تذكر كيف كانت ميساء تحكي له عن الشهداء، عن النصب، عن حلب التي لا تنكسر. "النصب ليس مجرد حجر، يا أحمد"، كانت تقول. "إنه ذاكرتنا". لكنه الآن، وهو يرى الأنقاض، شعر أن الذاكرة لا تحتاج إلى حجارة لتبقى حية.

في تلك اللحظة، قرر أحمد أن يكتب. لم يكن يعرف بعد ماذا سيكتب: قصيدة، رواية، أم شهادة. لكنه كان يعلم أن الكتابة هي المقاومة الوحيدة المتبقية. أخرج قلمًا صغيرًا من جيبه، وفتح الكتاب الممزق على صفحة بيضاء في النهاية. بدأ يكتب: "حلب لم تمت. إنها تنتظرنا". توقف لحظة، ونظر إلى السماء. كانت النجوم قد بدأت تظهر، نقاط ضوء صغيرة في بحر الظلام. شعر أن النجوم هي عيون ميساء، عيون عيسى، عيون فانيا، عيون المعري. كانوا جميعًا هنا، في هذه الساحة، يراقبونه، يحثونه على الاستمرار.

عاد أحمد في ذهنه إلى موسكو، إلى تلك الليالي الباردة مع فانيا، عندما كانا يجلسان في مقهى صغير، يتبادلان الكتب والأحلام. "الثورة في القلب"، كانت فانيا تقول. لكنه الآن، وهو يرى الدمار من حوله، تساءل: هل كان القلب كافيًا؟ هل كانت الأحلام التي حملها من موسكو، من كوبا، من تونس، كافية لمواجهة هذا الدمار؟ لكنه تذكر أيضًا كلمات معاوية: "الأنقاض ليست النهاية، يا أحمد. إنها البداية".

مشى أحمد نحو شارع القلعة، حيث كان يلعب في طفولته. كانت القلعة الآن محاصرة بعلم تركي، لكن أحمد لم ينظر إليه. كان ينظر إلى الأرض، إلى الحجارة التي كانت يومًا جزءًا من الشوارع التي عرفها. تذكر كيف كان يستمع إلى قصص الشيوخ عن صلاح الدين، عن الحروب التي خاضتها حلب ضد الغزاة. "حلب لا تسقط"، كانوا يقولون. والآن، رغم الدمار، شعر أحمد أن حلب لا تزال تقاوم.

في طريقه، مر بمقهى قديم كان يرتاده في شبابه. كان المقهى مغلقًا، لكن من خلال النافذة المكسورة، رأى طاولات متسخة وكراسي مقلوبة. تذكر الليالي التي قضاها هناك مع أصدقائه، يناقشون السياسة والأدب، يحلمون بسوريا عادلة. كانوا يتحدثون عن ماركس ولينين، عن جمال عبد الناصر، عن المقاومة الفلسطينية. لكنهم الآن، مثل النصب، أصبحوا مجرد ذكرى.

في زاوية من الشارع، لمح أحمد فتى صغيرًا، لا يتجاوز الثانية عشرة، يحمل كاميرا قديمة. كان الفتى يصور الأنقاض، بحذر، كأنه يخشى أن يراه أحد. اقترب أحمد، وسأل: "لماذا تصور؟" أجاب الفتى: "لأن هذا كل ما تبقى. إذا لم أوثق، من سيفعل؟" أحمد شعر بطعنة في قلبه. تذكر عيسى، الذي كان يقول إن الشعر هو توثيق الروح. "إذا لم نكتب، يا أحمد، فمن سيحكي قصتنا؟" كان يسأل.

عاد أحمد إلى الساحة، وجلس تحت شجرة محترقة. أخرج الكتاب الممزق، وبدأ يكتب مرة أخرى. كتب عن ميساء، عن معاوية، عن عيسى، عن فانيا. كتب عن النصب، عن المعري، عن حلب. كتب عن الدمار، لكنه كتب أيضًا عن الأمل. "الذاكرة لا تُمحى بالنار"، كتب. "إنها تُولد من جديد في كل من يرفض الاستسلام".

في تلك اللحظة، سمع أحمد صوتًا خافتًا، كأنه همسة. كان الصوت يشبه صوت ميساء. "البلد لم تمت، يا أحمد"، كان يقول. أحمد أغلق الكتاب، ونظر إلى الأفق. كانت الشمس قد غربت، والسماء كانت مليئة بالنجوم. رأى طائرًا يحلق بحرية، وشعر أن الطائر هو حلب، هو سوريا، هو المقاومة.

في الأيام التالية، واصل أحمد التجوال في حلب. زار مخيم النيرب، حيث ولد، وحي الشيخ مقصود، حيث كان يزور أقاربه. في كل زاوية، كان يرى أنقاضًا، لكنه كان يرى أيضًا بذور المستقبل. التقى بأشخاص، شيوخ وشباب، كانوا يحملون نفس الأمل. كانوا يتحدثون عن المقاومة، عن الذاكرة، عن اليوم الذي ستعود فيه حلب إلى سابق عهدها.

في إحدى الليالي، وبينما كان يجلس في مخيم النيرب، وجد دفترًا قديمًا بين الأنقاض. كان الدفتر يشبه ذلك الذي كان يكتب فيه رسائل إلى عيسى في بروكسل. فتحه، ووجد صفحة مكتوبة بخط عيسى. كانت قصيدة قصيرة: "حلب ليست حجارة، إنها قلوب. وقلوبنا لا تموت". أحمد شعر بدمعة تسقط على الصفحة. تذكر كيف كان عيسى يحلم أن يصبح شاعرًا، وكيف كان يقول إن الشعر هو المقاومة.

عاد أحمد إلى الساحة في اليوم الأخير من زيارته. كان يعلم أنه قد لا يعود إلى حلب مرة أخرى. لكنه كان يعلم أيضًا أن حلب ستبقى معه، في قلبه، في كلماته. جلس تحت الشجرة المحترقة، وأكمل كتابته. كتب عن الشهداء، عن المعري، عن النصب، عن الثورة التي لم تمت. كتب عن فانيا، التي علمتِه أن الثورة في القلب. كتب عن ميساء، التي علمتِه أن الذاكرة لا تموت. كتب عن عيسى، الذي علمه أن الكلمات هي السلاح.

عندما انتهى، أغلق الكتاب، ووضعه على الأرض بجانب الأنقاض. كان يعلم أن الكتاب قد يضيع، لكنه كان يعلم أيضًا أن الكلمات ستبقى. نهض، ونظر إلى السماء. كان الطائر لا يزال يحلق، كأنه يحمل رسالة إلى العالم. أحمد ابتسم، وهمس: "حلب، سأعود إليكِ، حتى لو كنتُ مجرد ذكرى".

كان الليل قد هبط على المدينة، والنجوم كانت تلمع بقوة. أحمد مشى بعيدًا، حاملًا حلب في قلبه. كان يعلم أن المقاومة لم تنته، وأن البداية من جديد ليست حلمًا، بل حقيقة.




………..



ملخص رواية "رأس ابو العلاء المهشم"

رواية "رأس ابو العلاء المهشم" هي عمل سردي غير خطي يتتبع حياة أحمد ، شيوعي تقدمي في الستين من عمره، من خلال رحلته عبر الزمن والمكان، من مخيم النيرب في حلب إلى موسكو، كوبا، تونس، ليبيا، مالطا، وبلجيكا، وصولاً إلى عودته إلى حلب المدمرة في سبتمبر 2025. الرواية تستكشف موضوعات الذاكرة، الهوية، والمقاومة، معتمدة على أسلوب سردي عميق وتأملي ، مع حبكة تربط بين الماضي والحاضر في إطار الدمار الذي أصاب حلب تحت الاحتلال التركي والصهيوني و احتلال المخابرات الخارجية البريطانية وأعمال المرتزقة المدعومين من قوى إمبريالية. الملخص التالي يغطي الفصول السبعة للرواية، مركزًا على الأحداث الرئيسية، الشخصيات، والموضوعات الأساسية.

الفصل الأول: الرجوع إلى التراب
في سبتمبر 2025، يعود أحمد إلى حلب، المدينة التي ولد فيها، ليجد ساحة سعدالله الجابري وقد تحولت إلى أنقاض. نصب الشهداء، الذي صممه عبد الرحمن مؤقت ورمز لصمود سوريا، لم يعد سوى كتل حجرية مشوهة، مقطوعة الرأس، مدمرة على يد المرتزقة المدعومين من قوى إمبريالية. أحمد، الستيني الذي عاش حياة مليئة بالمنافي، يقف في الساحة، يشعر بثقل الذاكرة. يتذكر طفولته في مخيم النيرب بحلب، حيث نشأ في الخمسينيات وسط قصص ميساء، أمه، عن الشهداء، وحكم معاوية، والده، عن العدالة والثورة. كانت ميساء تحكي عن مقاومة الاستعمار الفرنسي، بينما كان معاوية يزرع فيه بذور الفكر التقدمي: "الأرض لمن يحبها، يا أحمد، وليس لمن يملكها". في 2025، يرى أحمد أن الأرض قد سُرقت، ليس فقط بالاحتلال التركي، بل بأيدي المرتزقة الذين يحملون أسلحة أمريكية ويتحدثون بلكنات غريبة، مدعومين بأموال خليجية وأجندات إمبريالية. يجد كتابًا ممزقًا في الساحة، "رسالة الغفران" لأبو العلاء المعري، فيستحضر ذكرياته مع عيسى، صديقه الطفولي الذي كان يحلم بأن يصبح شاعرًا. يتذكر أيضًا فانيا، الفتاة الروسية التي التقاها في موسكو في السبعينيات، والتي علمتِه أن الثورة في القلب. الفصل يركز على شعور أحمد بالغربة وسط الدمار، مع تأملات عميقة حول الذاكرة والخسارة، معززًا الحبكة غير الخطية من خلال الانتقال بين الحاضر في حلب والماضي في مخيم النيرب وموسكو.

الفصل الثاني: أشباح النيرب
يعود الفصل إلى عام 1965، حيث يصور طفولة أحمد في مخيم النيرب، عالم صغير مليء بالحياة رغم الفقر. أحمد، البالغ من العمر عشر سنوات، يركض في الزقاق الضيق مع عيسى، يطاردان كرة قماشية. المخيم يعج بالأصوات والروائح: صراخ الأطفال، رائحة خبز ميساء، ونقاشات معاوية السياسية عن الثورة الجزائرية والمقاومة الفلسطينية. يسرق أحمد وعيسى كتابًا من دكان أبو ياسر، "اللزوميات" للمعري، ويقرآنه تحت ضوء مصباح زيتي. عيسى يحلم بأن يصبح شاعرًا، ويقول إن الكلمات هي التي تبقي الذاكرة حية. ميساء تحكي عن الشهداء، ومعاوية يحذر من خطر الجهل، مشجعًا أحمد على القراءة. في 2025، يعود أحمد إلى المخيم المهجور، ليجد الأنقاض بدلاً من الحياة. يتذكر عيسى، الذي اختفى في الحرب، ويجد كتابًا آخر، "رأس المال" لماركس، مخبأ في بقايا منزله. الفصل يركز على التناقض بين الحياة النابضة في المخيم في الماضي والدمار في الحاضر، مع تأملات حول المقاومة والذاكرة. أحمد يبدأ يشعر بمسؤولية توثيق القصص، مستلهمًا من كلمات عيسى: "إذا لم نكتب، من سيحكي قصتنا؟"

الفصل الثالث: موسكو الباردة
في عام 1978، يصل أحمد إلى موسكو بمنحة دراسية لدراسة الهندسة، لكنه أكثر اهتمامًا بالأفكار الثورية. يلتقي بفانيا، طالبة الأدب الروسي، في مقهى صغير في شارع أربات. فانيا تقرأ له تشيخوف، ويحكي لها عن حلب، عن مخيم النيرب، وعن أحلامه بتغيير العالم. يتشاركان السجائر والأحاديث عن العدالة، وتقول فانيا: "الثورة ليست في الشوارع فقط، يا أحمد. إنها في القلب". لكن أحمد يبدا نقاشا مع قادة في معهد اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي ، عن طروحات سمير امين وضرورة الاستفادة منها ، لتلافي بعض التناقضات التي بدأت تظهر في تجربة إنسانية جبارة ، كالاتحاد السوفييتي ، حتى لا تقضي البيروقراطية عليها، يشعر بالغربة قليلا، بسبب ظهور وكلاء للغرب الاستعماري بشكل غير ظاهر للعيان ، رغم ارتباطه بفانيا، ويبدأ يتساءل عن إمكانية تعميق الثورة التي حلم بها. يقرأ المعري في مكتبات موسكو، ويجد في كلماته مرآة لشكوكه. عندما يغادر موسكو إلى تونس، يفقد الاتصال بفانيا، لكن كلماتها تظل عالقة في ذهنه. في 2025، وهو يقف في أنقاض حلب، يتذكر فانيا ويتساءل إن كان القلب كافيًا لإنقاذ الثورة. الفصل يركز على صراع أحمد بين الأحلام الثورية والواقع، مع تأملات حول الغربة والأمل.

الفصل الرابع: أنقاض الحلم
في سبتمبر 2025، يواصل أحمد تجواله في حلب المدمرة، يزور شارع القلعة وحي الجديدة، حيث كانت ذكريات طفولته حية. القلعة محاصرة بعلم تركي، والمرتزقة يتجولون في الشوارع، يحملون أسلحة أمريكية ويتحدثون بلكنات غريبة. أحمد يشعر بالغضب، لكنه يرى أيضًا بذور المقاومة في الأنقاض. يتذكر سنواته في كوبا في الثمانينيات، حيث عمل مع حركات تحرر أمريكا اللاتينية وتعلم أن المقاومة تتطلب تضحيات. يلتقي بامرأة عجوز تشبه ميساء، تقول له: "البلد لم تمت، يا ابني. إنها تنتظر من يكتب قصتها من جديد". هذه الكلمات تعزز شعوره بالمسؤولية. يجد كتاب المعري مرة أخرى، ويبدأ يكتب فيه، مؤكدًا أن حلب لن تموت. الفصل يركز على مواجهة أحمد للدمار، مع استحضار ذكريات كوبا وطفولته، مؤكدًا على فكرة المقاومة عبر الذاكرة.

الفصل الخامس: ظلال المعري
يعود الفصل إلى عام 2003، حيث يزور أحمد معرة النعمان ليحيي ذكرى أبو العلاء المعري. يقف أمام تمثاله، يتأمل كيف استطاع الشاعر الأعمى أن يرى العالم بعمق. في 2025، يعلم أحمد أن التمثال قد دُمر على يد المرتزقة، الذين وصفوه بـ"الصنم". يتذكر سنواته في تونس وليبيا في التسعينيات، حيث قرأ المعري وسط تناقضات الواقع السياسي. في تونس، رأى بعض الفساد والفقر، وايضا جمال شرقي معماري وبلد بطبيعة ساحرة و شمس تمسح الهموم ، وفي ليبيا، سمع قصائد محمود درويش التي ذكرته بالمعري. في حلب المدمرة، يرى أحمد أن المعري هو رمز للمقاومة ضد الزيف، وأن تدمير تمثاله لن يمحو كلماته. يلتقي بامرأة عجوز أخرى، تشبه ميساء، تعزز إيمانه بأن الذاكرة هي السلاح الأقوى. يكتب في كتاب المعري: "المعري لا يموت. حلب لا تموت". الفصل يركز على رمزية المعري كصوت الحقيقة، مع ربط الماضي في تونس وليبيا بالحاضر في حلب.

الفصل السادس: بلجيكا، المنفى البارد
في عام 2010، يعيش أحمد في بروكسل، حيث استقر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يعمل في مكتب صغير، يعيش حياة هادئة لكنها خالية من الروح. يشعر بالغربة، حتى بين المهاجرين العرب في مولنبيك. يكتب رسائل إلى عيسى، الذي اختفى في الحرب، لكنه لا يرسلها. يتابع أخبار سوريا عبر التلفاز، ويرى تدمير نصب الشهداء، فيشعر أن شيئًا في داخله ينكسر. يحلم بحلب كل ليلة، ويستيقظ من حلم يرى فيه النصب ينهار، وصوت ميساء يقول: "البلد لم تمت". يقرر العودة إلى حلب، ليس ليعيش، بل ليواجه. في 2025، وهو يتجول في أنقاض حلب، يتذكر بروكسل وشعوره بالمنفى. يلتقي برجل عجوز يحتفظ بكتب ممزقة، فيعزز إيمانه بأن الكتب هي الذاكرة. يكتب في كتاب المعري: "المنفى ليس مكانًا، بل شعورًا". الفصل يركز على صراع أحمد مع الغربة في بروكسل، وقراره بالعودة كبداية للمقاومة.

الفصل السابع: البداية من جديد
في الأيام الأخيرة من زيارته لحلب في 2025، يقرر أحمد أن يكتب شهادة عن المدينة، عن النصب، عن المعري، عن ميساء ومعاوية وعيسى وفانيا. يجلس تحت شجرة محترقة في ساحة سعدالله، يكتب في كتاب المعري: "الذاكرة لا تُمحى بالنار. إنها تُولد من جديد في كل من يرفض الاستسلام". يتجول في مخيم النيرب وحي الشيخ مقصود، يلتقي بأشخاص يحملون الأمل رغم الدمار. يجد دفترًا قديمًا بعنوان قصيدة لعيسى: "حلب ليست حجارة، إنها قلوب". يكتب أحمد عن الثورة التي علمتِه فانيا، عن الذاكرة التي علمتِه ميساء، وعن الكلمات التي علمه عيسى. يترك الكتاب في الساحة، مدركًا أن الكلمات ستبقى حتى لو ضاع الكتاب. ينظر إلى طائر يحلق في السماء، ويشعر أنه يمثل حلب، سوريا، والمقاومة. الفصل يختتم الرواية برسالة أمل، مؤكدًا أن المقاومة تستمر عبر الذاكرة والكتابة.

الخاتمة
"رأس ابو العلاء المهشم" هي رواية عن الفقدان والصمود، تركز على رحلة أحمد الداخلية والخارجية عبر المنافي والعودة إلى حلب المدمرة. الرواية تستخدم تقنيات السرد غير الخطي لربط الماضي بالحاضر، مع التركيز على الذاكرة كشكل من أشكال المقاومة. الشخصيات، مثل ميساء، معاوية، عيسى، وفانيا، تمثل جوانب مختلفة من هوية أحمد ونضاله. المعري يظهر كرمز للحقيقة والصمود، بينما حلب تمثل الأمل الذي لا يموت. الرواية تنتهي برسالة تفاؤل، مؤكدة أن الكلمات والذاكرة هي السلاح الأقوى ضد الدمار.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية: إمبراطورية سامر السريع
- رواية: أصداء الأفق المحطم
- رواية : ارض النبض الكربلائي العجيب
- رواية : مكعبات الوافل واناشيد الميز
- رواية : رقصة الدم على رمال النفط
- رواية: سنغافورة السراب
- رواية: أنقاض الإمبراطورية: غزة تُحرر أمريكا
- نهاية عصر الصهيونية: كيف تحولت أمريكا من عبدة اللوبي إلى ثوا ...
- رواية: أسرى الشرق المفقود
- سيرك الخيانة برعاية الروتشيلد
- رواية : دون كيشوت الفرات والنيل
- رواية :سلاسل العقل، أغلال القلب
- مسرحية العدو الأمريكي والصهيوني الكوميدية
- رواية لحن من الظلال..مع مقدمة نقدية تاريخية
- رواية: الخاتم والنار
- كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
- رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ ...
- رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري ...
- رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين ...
- رواية : بكاء تحت الركام (عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد ...


المزيد.....




- -مذكرات في فلسطين وإسرائيل-… كتاب يوثق تجربة مصرية في غزة ما ...
- مسسلسل -The Studio- الأكثر فوزًا بجوائز -إيمي- للفنون الإبدا ...
- حبّ تحت التقنين
- هذه هي الأفلام التي يفضلها بوتين؟
- فيلم -صوت هند رجب- يفوز بـ-الأسد الفضي- في مهرجان فينيسيا
- WSJ: غزة أصبحت نقطة استقطاب في عالم الموسيقى العالمي
- الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي: -طوبى لعينيْك يا أَنس الشرِيف- ...
- ملحمة جديدة تجمع سوبرمان بعدوه.. جيمس غان يكشف تفاصيل فيلم - ...
- -فلسطين 36-: فيلم لفهم انعكاسات الانتداب البريطاني على تاريخ ...
- صحف عالمية: الغزيون تعبوا من النزوح وظاهرة دعمهم تمتد إلى عا ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد صالح سلوم - رواية :رأس ابو العلاء المهشم !