|
رواية: عشرة أعوام من الرماد
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 00:14
المحور:
الادب والفن
مقدمة :
من الصعب ، في يومنا، أن نفهم كيف تتشابك فيه ، خيوط الحقيقة مع أكاذيب الإعلام، حيث تُشترى الصحف ووسائل الإعلام بأموال إمبراطوريات مالية تُدار من قِبل أقلية تتحكم بالروايات، يُصوَّر النظام الانقلابي في كييف، الذي رُكِّب عام 2014، على أنه تحفة ديمقراطية. لكن الحقيقة، كما كشفتها تقارير الجهات الغربية ذاتها قبل اندلاع الحرب الروسية ضد عصابات كييف، هي أن هذا النظام كان ثاني أكثر الأنظمة فساداً في العالم. الفساد، كما يتكرر في التاريخ، يترافق مع إيديولوجيات فاشية، كما يظهر في شخصيات مثل نتنياهو، حيث يهرب القادة الفاسدون إلى الأمام بارتكاب إبادات جماعية لإلهاء شعوبهم عن جرائمهم. تقارير الأمم المتحدة سجلت أن أكثر من ثلاثة عشر ألف طفل ومدني في دونباس قُتلوا بقصف النظام النازي الذي ركّبته فيكتوريا نولاند في كييف، في حرب ممنهجة ضد شعب أراد الحفاظ على هويته واستقلاله. اعترافات ميركل وهولاند بأن اتفاقيات مينسك لم تكن سوى خدعة لكسب الوقت وتسليح النظام الفاشي في كييف تكشف عن عمق المؤامرة. وفجأة، تحولت روسيا، بثقافتها العريقة التي ينتمي إليها القرم وكييف تاريخياً، إلى عدو. تولستوي، دوستويفسكي، تشايكوفسكي، تشيخوف، أصبحوا رموزاً مكروهة، وكل من يقرأ لهم أو يحتفي بثقافتهم يُصنَّف كعدو. بدأت المعركة الحقيقية عندما اكتشف بوتين أن بعض الأوليغارشيين الروس، المرتبطين بمصالح عالمية مثل آل روتشيلد، احتكروا عشرين بالمئة من النفط الروسي، محولين ثروات البلاد إلى جيوب الأقلية المالية. لكن روسيا، بقيادة رئيسها الجديد، رفضت أن تكون خادماً للاحتكارات المالية، كما أصبحت بعض الدول التي قامت على إبادة سكانها الأصليين وسرقة مواردهم. هذه الرواية، "أناشيد الرماد"، تكشف أجندات الغرب الاستعمارية التي تسعى لسرقة موارد روسيا تحت شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان. من خلال قصة إيفان وابنته لينا، تروي الرواية معاناة شعب دونباس، الذي قاوم الإبادة الممنهجة منذ انقلاب 2014، وسط صراع عالمي يضع القوى الكبرى في مواجهة بعضها. بلغة شعرية مستوحاة ، وبحبكة درامية تجمع بين الصمود الإنساني والنقد السياسي، تقدم الرواية صورة حية للأمل الذي يولد من الرماد، وسط عالم يرقص على إيقاع النار.
ملخص لفصول الرواية : الفصل الأول: ظلال الشتاء في قرية صغيرة على تخوم دونباس، حيث تتداخل أنفاس البرد مع دخان الحرب، كان يقف إيفان، رجل في الأربعين، يحدق في الأفق الممزق بنيران القصف. بيته الخشبي المتواضع، الذي بناه بيديه قبل عقدين، لم يعد سوى أنقاض تتناثر تحت سماء رمادية. ابنته الصغيرة، لينا، ذات العشر سنوات، كانت تجلس على كومة من الحجارة، تمسك بدمية ممزقة، عيناها تحملان سؤالاً لم يملك إيفان إجابة له: "لماذا يريدون قتلنا؟"كان العام 2014 قد شهد بداية الكابوس. بعد انقلاب كييف، الذي أشعلته أيادٍ أجنبية بقيادة امرأة أمريكية ذات نفوذ في الظل للاحتكارات المالية في نيويورك ، تحولت دونباس إلى ساحة للإبادة. جاءت العصابات المسلحة، التي ترفع شعارات القومية المتطرفة، لتقتلع جذور شعب أراد أن يعيش بسلام، متمسكاً بلغته وهويته. إيفان، الذي كان يوماً مزارعاً هادئاً، أصبح مقاوماً يحمل بندقية قديمة، ليس بدافع الحرب، بل بدافع الحياة.في تلك الليلة، تحت ضوء القمر الباهت، اجتمع إيفان مع مجموعة من المقاومين في قبو مهجور. كانوا يتحدثون همساً عن خطة للدفاع عن القرية. لكن الكلمات كانت ثقيلة، مشبعة بالخوف واليأس. "إنهم لا يريدوننا أحياء،" قال يوري، الشاب ذو العينين المتقدتين، "لكنهم لن يأخذوا أرواحنا بسهولة." كان صوته يحمل إيقاعاً غريباً، مزيجاً من الأمل والغضب، كأناشيد شعرية تُغنى وسط الخراب. الفصل الثاني: أصوات من الهاوية في كييف، بعيداً عن دونباس، كانت الأضواء الساطعة للقصور السياسية تخفي ظلاماً أعمق. في غرفة فاخرة، كان رجل يرتدي بدلة أنيقة، يُدعى أوليكسي، يجلس مع مجموعة من المستشارين الأجانب. كانت امرأة ذات شعر أشقر ونظرات حادة تتحدث بثقة عن "ضرورة كسر إرادة دونباس." لم تذكر اسمها، لكن حضورها كان يحمل ثقلاً يفوق الكلمات. كانت هي المهندسة الخفية للانقلاب، التي أشعلت فتيل الحرب بوعود بالحرية، لكنها لم تكن سوى أداة لهيمنة أجنبية.في تلك الأثناء، كانت سماء دونباس تمطر قذائف. إحداها سقطت قرب مدرسة القرية، حيث كانت لينا تلعب مع أصدقائها. الصراخ ملأ الهواء، والدماء اختلطت بالتراب. إيفان، الذي هرع إلى المكان، وجد ابنته حية، لكن عينيها كانتا تحملان جرحاً لا يُرى. "أبي، لماذا لا يحبوننا؟" سألت مرة أخرى، وهو، بعجز الآباء، لم يجد سوى أن يضمها إلى صدره.في تلك الليلة، قرر إيفان الانضمام إلى المقاومة بشكل كامل. لم يكن الأمر مجرد دفاع عن الأرض، بل عن معنى الوجود. كان يعلم أن القوى التي تقف وراء كييف لن تتوقف، وأن الحرب ليست مجرد صراع محلي، بل جزء من لعبة أكبر، حيث تتصارع قوى عالمية على رقعة شطرنج ملطخة بدماء الأبرياء. الفصل الثالث: رقصة النار مع مرور السنوات، تحولت دونباس إلى جحيم مفتوح. العصابات المسلحة، مدعومة بأسلحة غربية متطورة، لم تكتفِ بقتل المدنيين، بل دمرت كل ما يرمز إلى الحياة: المدارس، المستشفيات، حتى الأشجار التي كانت تظلل الحقول. لكن المقاومة، رغم خسائرها، كانت تنمو كالنباتات البرية بين الشقوق. إيفان أصبح قائداً لمجموعة صغيرة، يخططون لعمليات مضادة ضد القوات النازية التي اجتاحت مناطقهم.في إحدى العمليات، تمكن إيفان ورفاقه من تدمير مستودع أسلحة قرب خط المواجهة. كانت لحظة نصر نادرة، لكنها جاءت بثمن باهظ. يوري، الشاب المتحمس، سقط برصاصة قناص. وفي لحظاته الأخيرة، همس لإيفان: "لا تدعهم يسرقون أحلامنا." تلك الكلمات أصبحت شعلة في قلب إيفان، تحرقه وتنيره في آن واحد.في الخارج، كانت الأمور تتصاعد. قوى الناتو، بقيادة أمريكية، كانت تزود كييف بصواريخ بعيدة المدى، تهدد بضرب العمق الروسي. لكن روسيا، التي كانت تراقب بصمت، بدأت تحركاتها. طائرات عسكرية بدأت تهبط في عواصم حلفاء بعيدين، وأصوات المناورات البحرية في الخليج الفارسي كانت ترن كإنذار للغرب. العالم كان على شفا صراع أكبر، ودونباس كانت قلبه النابض. الفصل الرابع: أناشيد التحرير في فبراير 2022، تغيرت الرياح. القوات الروسية دخلت دونباس، ليس كغزاة، بل كمحررين في عيون إيفان وأهله. كانوا يحملون معهم وعد استعادة الأمل، لكنهم كانوا أيضاً جزءاً من لعبة جيوسياسية معقدة. إيفان، الذي رأى في قدومهم بارقة أمل، لم يكن يثق تماماً بالنوايا الكبرى. كان يعلم أن الحروب لا تُخاض فقط من أجل الشعوب، بل من أجل المصالح أيضاً.في قريته، بدأت الحياة تعود تدريجياً. المدارس أعيد فتحها، والأطفال، بما فيهم لينا، عادوا للعب في الحقول. لكن الندوب كانت عميقة. لينا، التي كبرت قبل أوانها، كانت ترسم صوراً لأصدقائها الذين فقدتهم، وكأنها تحاول إحياءهم على الورق. إيفان، من جهته، كان يحارب أشباحه الداخلية، متسائلاً عما إذا كان النصر سيجلب العدالة أم مجرد فصلاً جديداً من الألم.في الخارج، كانت الأزمة العالمية تتصاعد. تحذيرات من ضربات استباقية، تهديدات نووية، ومناورات بحرية مشتركة بين روسيا وحلفائها. العالم كان يترنح على حافة الهاوية، ودونباس، تلك الأرض الصغيرة، كانت مرآة تعكس جنون البشرية. الفصل الخامس: رماد الأمل في خريف 2025، كانت دونباس قد استعادت بعضاً من هدوئها، لكن الثمن كان باهظاً. آلاف الأرواح، بما فيها أكثر من ثلاثة آلاف طفل، دُفنت تحت التراب. إيفان، الذي أصبح رمزاً للمقاومة، كان يقف على تلة تطل على القرية، يتأمل ما تبقى. لينا، التي أصبحت مراهقة الآن، اقتربت منه، ممسكة بلوحة رسمتها تصور طيراً يحلق فوق حقل محترق."أبي، هل سيعود كل شيء كما كان؟" سألت. إيفان تنهد، ثم ابتسم بحزن. "لا، يا لينا، لن يعود. لكننا سنبني شيئاً جديداً من الرماد."في الأفق، كانت أصوات المدافع تتلاشى، لكن الصراع الأكبر لم ينته. العالم كان يتغير، تحالفات جديدة تتشكل، وقوى قديمة تنهار. دونباس، التي قاومت ونجت، كانت شاهدة على أن الأمل يمكن أن يولد حتى من أعمق الجروح. لكن السؤال الذي ظل يطارد إيفان كان: "هل سيتعلم العالم من رمادنا، أم سيظل يرقص على إيقاع النار؟"
…………….
الفصل الأول: ظلال الشتاء
في قرية صغيرة على أطراف دونباس، حيث تتجمد الأنفاس في الهواء البارد وتختلط برائحة البارود، كان إيفان يقف على عتبة بيته الخشبي المتداعي. كان البرد قارساً، يتسلل عبر معطفه البالي، لكنه لم يكن يشعر به. عيناه، اللتين اعتادتا على مراقبة الأفق، كانتا مثبتتين على بقايا القرية التي كانت يوماً مليئة بالحياة. الآن، لم يبقَ سوى أنقاض تتناثر تحت سماء رمادية، وصوت الرياح يحمل أنيناً خافتاً، كأن الأرض نفسها تبكي. بيته، الذي بناه بيديه قبل عقدين، كان قد تحول إلى كومة من الأخشاب المحترقة والحجارة المتناثرة. كان ذلك منذ ثلاثة أيام، عندما اجتاحت القذائف المدفعية القرية، تاركة وراءها جثثاً وذكريات ممزقة.
ابنته لينا، ذات العشر سنوات، كانت تجلس على كومة من الحجارة قرب البيت المدمر. كانت تمسك بدمية قديمة، ذراعها اليمنى ممزقة، ووجهها القماشي مشوه بالغبار والدموع. عيناها، اللتين كانتا يوماً تلمعان ببراءة الطفولة، كانتا الآن تحملان سؤالاً لم يجد إيفان إجابة له: "لماذا يريدون قتلنا؟" كانت صغيرته، التي كانت تضحك وتركض في الحقول قبل عام، قد تحولت إلى ظل صامت، كأن الحرب سرقت منها ليس فقط بيتها، بل طفولتها ذاتها.
كان العام 2014 نقطة التحول. بعد انقلاب كييف، الذي أشعلته أيادٍ خفية بقيادة امرأة ذات نفوذ بعيد، تحولت دونباس إلى ساحة للإبادة. جاءت العصابات المسلحة، ترفع شعارات القومية المتطرفة، لتقتلع جذور شعب أراد أن يعيش بسلام، متمسكاً بلغته وهويته. إيفان، الذي كان يوماً مزارعاً هادئاً، يعتني بحقول القمح ويحلم بمستقبل لابنته، أصبح مقاوماً يحمل بندقية قديمة، ليس بدافع الحرب، بل بدافع الحياة. كان يعلم أن الموت يتربص به في كل زاوية، لكنه لم يكن يستطيع التخلي عن لينا، عن القرية، عن الأمل الذي بدا واهناً كضوء شمعة في عاصفة.
في تلك الليلة، تحت ضوء القمر الباهت، تسلل إيفان إلى قبو مهجور على مشارف القرية. كان المكان بارداً، رطباً، تفوح منه رائحة التراب والخوف. هناك، اجتمع مع مجموعة صغيرة من المقاومين، وجوههم متعبة، عيونهم تحمل مزيجاً من التصميم واليأس. كانوا يتحدثون همساً، خوفاً من أن يصل صوتهم إلى آذان العدو. يوري، الشاب ذو العينين المتقدتين، كان يجلس على صندوق خشبي، يعبث بسكين صغيرة. "إنهم لا يريدوننا أحياء،" قال، صوته يحمل إيقاعاً غريباً، كأناشيد شعرية تُغنى وسط الخراب. "لكنهم لن يأخذوا أرواحنا بسهولة." كان يوري، الذي فقد أخاه الأكبر في قصف سابق، يحمل غضباً يتجاوز السنوات العشرين التي عاشها. كان يرى في المقاومة ليس فقط دفاعاً عن الأرض، بل استعادة للكرامة التي سُلبت منهم.
إيفان، الذي كان يستمع في صمت، شعر بثقل الكلمات. كان يعلم أن المعركة ليست مجرد مواجهة مع العصابات المسلحة، بل مع قوى أكبر بكثير. في كييف، كانت هناك أيادٍ خفية تدير اللعبة، ووراءها قوى غربية ترى في دونباس مجرد قطعة على رقعة شطرنج جيوسياسية. كان قد سمع عن امرأة ذات نفوذ، تتحرك في الظل، توزع الأوامر وتعد بالحرية بينما تزرع الموت. لم يعرف اسمها، لكنه شعر بحضورها كظل ثقيل يخيم على الأرض.
في اليوم التالي، استيقظت القرية على صوت انفجار بعيد. كان القصف قد بدأ مجدداً، هذه المرة أقرب إلى المدرسة القديمة التي تحولت إلى ملجأ للنازحين. إيفان هرع إلى المكان، قلبه ينبض خوفاً على لينا، التي كانت تلعب مع أصدقائها هناك. عندما وصل، وجد المشهد الذي كان يخشاه: الدماء تختلط بالتراب، وصراخ الأمهات يملأ الهواء. لينا كانت هناك، حية، لكن عينيها كانتا تحملان جرحاً لا يُرى. "أبي، لماذا لا يحبوننا؟" سألت، صوتها خافت كأنها تخشى أن يسمعها العالم. إيفان، بعجز الآباء، لم يجد سوى أن يضمها إلى صدره، يحاول أن يحميها من الحقيقة القاسية: أن الحرب لا تعرف الحب، وأن دونباس أصبحت هدفاً لإرادة لا ترحم.
في تلك اللحظة، اتخذ إيفان قراراً. لم يعد يكفيه أن يحمي بيته المدمر أو ينتظر الرحمة من عدو لا يعرفها. كان عليه أن ينضم إلى المقاومة بشكل كامل، أن يحمل السلاح ليس فقط دفاعاً عن لينا، بل عن كل طفل في دونباس، عن كل أم فقدت ابنها، عن كل رجل أُجبر على دفن حلمه تحت الركام. كان يعلم أن الطريق سيكون طويلاً، مليئاً بالدم والخسارة، لكنه شعر، لأول مرة منذ سنوات، أن هناك معنى للقتال.
في الأيام التالية، بدأ إيفان يشارك في التخطيط لعمليات المقاومة. كانوا يجتمعون في القبو ليلاً، يرسمون الخطط على أوراق ممزقة، يتبادلون القصص عن الخسائر والانتصارات الصغيرة. كانت هناك أنيا، الممرضة التي فقدت زوجها في قصف سابق، ومع ذلك كانت تعتني بجروح المقاتلين بنفس الرقة التي تعتني بها بأطفال القرية. كان هناك أيضاً ميخائيل، الرجل العجوز الذي كان يروي قصصاً عن الحرب العالمية الثانية، كأن التاريخ يعيد نفسه في حلة جديدة. وكان يوري، الذي أصبح بمثابة الأخ الأصغر لإيفان، يحمل طاقة شبابية تجمع بين التهور والشجاعة.
في إحدى الليالي، جاءت أخبار عن اقتراب قوة كبيرة من العصابات المسلحة. كانوا يخططون لاجتياح القرية، لتدمير ما تبقى منها. إيفان ورفاقه قرروا نصب كمين في الغابة القريبة، حيث كانوا يعلمون أن القوات ستمر. كانت الخطة محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت أملهم الوحيد لكسب الوقت وحماية القرية. في تلك الليلة، وقف إيفان في الغابة، يستمع إلى صوت الريح وهي تعوي بين الأشجار، وكأنها تحذره من المصير القادم. لكنه لم يكن يفكر في الموت. كان يفكر في لينا، في عينيها اللتين تحملان سؤالاً لم يجد له إجابة بعد.
الكمين نجح جزئياً. تمكنوا من تدمير عدة مركبات للعدو، لكنهم خسروا اثنين من رفاقهم. عندما عاد إيفان إلى القرية، كانت لينا تنتظره عند مدخل القبو. "هل انتصرنا؟" سألت، صوتها يحمل أملاً هشاً. إيفان ابتسم بحزن، "نحن لا نزال هنا، أليس كذلك؟" لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أن النصر الحقيقي بعيد المنال، وأن الحرب لن تنتهي بكمين واحد.
مع مرور الأشهر، بدأت القرية تفقد المزيد من أرواحها. كل قذيفة كانت تسقط كانت تأخذ معها قطعة من قلب إيفان. لكنه كان يجد العزاء في المقاومة، في الرفاق الذين أصبحوا عائلته الجديدة، في لينا التي كانت تتعلم كيف ترسم من جديد، رغم أن لوحاتها كانت مليئة باللون الأحمر. كان يعلم أن الحرب ليست مجرد صراع محلي، بل جزء من لعبة أكبر، حيث تتصارع قوى عالمية على حساب دماء الأبرياء. كان يسمع شائعات عن دعم غربي لكييف، عن صواريخ بعيدة المدى، عن تهديدات تلوح في الأفق. لكنه لم يكن يهتم بالسياسة. كل ما كان يهمه هو حماية ما تبقى من دونباس، من لينا، من الأمل.
في إحدى الليالي، بينما كان إيفان يجلس مع لينا قرب مدفأة صغيرة في القبو، روت له قصة عن طائر رأته في الحلم، يحلق فوق الحقول المحترقة. "كان يغني، أبي، رغم النار," قالت. إيفان نظر إليها، ورأى في عينيها شيئاً لم يره منذ زمن: شرارة الأمل. في تلك اللحظة، قرر أن يواصل القتال، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل أن يعيش هذا الطائر الذي رأته لينا في حلمها.
الفصل الثاني: أصوات من الهاوية
في كييف، بعيداً عن الدخان الكثيف الذي يخنق دونباس، كانت الأضواء الساطعة للقصور السياسية تخفي ظلاماً أعمق. في غرفة فاخرة بأحد المباني الحكومية، كان أوليكسي، رجل في منتصف الأربعينات يرتدي بدلة سوداء أنيقة، يجلس على رأس طاولة طويلة. الجدران المزينة بلوحات زيتية قديمة كانت تتناقض مع التوتر الذي يعم الغرفة. أمامه، مجموعة من المستشارين الأجانب، وجوههم صلبة، عيونهم تحمل بريقاً يوحي بالسلطة المطلقة. بينهم امرأة ذات شعر أشقر مشدود إلى الخلف، عيناها حادتان كشفرات السكين، تتحدث بلهجة هادئة لكنها قاطعة. "يجب كسر إرادة دونباس،" قالت، وهي تدير كأس النبيذ بين أصابعها الطويلة. لم تذكر اسمها، لكن حضورها كان يحمل ثقلاً يفوق الكلمات. كانت هي المهندسة الخفية للانقلاب، التي أشعلت فتيل الحرب بوعود بالحرية، لكنها لم تكن سوى أداة لهيمنة أجنبية، تخدم مصالح قوى لا تعرف شيئاً عن أرض دونباس أو شعبها. أوليكسي، الذي كان يوماً صحفياً طموحاً، تحول إلى أداة في يد هذه القوى. كان يعلم أن كلماته، التي تُبث عبر شاشات التلفاز، تصنع الحقيقة في أذهان الملايين، لكنه كان يشعر أحياناً بثقل الدم الذي يُسفك باسمه. لكنه كان يقنع نفسه أن هذا هو ثمن "التقدم"، ثمن "الانضمام إلى الغرب". كانت الغرفة مليئة بالدخان، ليس من السجائر، بل من الكلمات المحملة بالخداع. كانت المرأة تتحدث عن استراتيجيات جديدة، عن أسلحة متطورة ستصل قريباً، عن ضرورة "تطهير" المناطق الشرقية من "الخونة". كانت كلماتها تتساقط كالقذائف، لكنها لم تكن ترى الدم، لم تسمع صراخ الأطفال، لم تشم رائحة البارود. كانت بعيدة، في عالم من الخرائط والأرقام، حيث الأرواح مجرد نقاط على لوحة شطرنج. في تلك الأثناء، في دونباس، كانت السماء تمطر ناراً. قذيفة سقطت قرب المدرسة القديمة في قرية إيفان، حيث كانت لينا تلعب مع أصدقائها. الصراخ ملأ الهواء، والغبار اختلط بالدماء. إيفان، الذي كان يعمل في الحقل القريب، سمع الانفجار وركض، قلبه ينبض بسرعة كأنه سيمزق صدره. عندما وصل، وجد المشهد الذي كان يخشاه: أطفال ملقون على الأرض، بعضهم يصرخ، والبعض الآخر صامت إلى الأبد. لينا كانت هناك، جالسة بجانب جدار محطم، عيناها مفتوحتان على اتساعهما، لكنها لم تبكِ. كانت تحمل دميتها الممزقة، وكأنها تحاول التشبث بشيء من طفولتها المسروقة. "أبي، لماذا لا يحبوننا؟" سألت، صوتها خافت، كأنها تخشى أن يسمعها العالم. إيفان، الذي شعر بقلبه يتمزق، لم يجد كلمات ليجيبها. ضمها إلى صدره، يحاول أن يحميها من الحقيقة القاسية: أن الحرب لا تعرف الحب، وأن دونباس أصبحت هدفاً لإرادة لا ترحم. في تلك اللحظة، شعر إيفان أن شيئاً داخله قد مات. لم يكن مجرد بيته أو حقوله، بل جزء من روحه، تلك الروح التي كانت يوماً تحلم بحياة هادئة، بحصاد وفير، بليالٍ يروي فيها قصصاً للينا قبل النوم. لكنه لم يكن يملك رفاهية الحزن. كان عليه أن يتحرك، أن يقاوم، أن يحافظ على ما تبقى من عالمه الصغير. في تلك الليلة، قرر إيفان الانضمام إلى المقاومة بشكل كامل. لم يعد الأمر مجرد دفاع عن الأرض، بل عن معنى الوجود. كان يعلم أن القوى التي تقف وراء كييف لن تتوقف، وأن الحرب ليست مجرد صراع محلي، بل جزء من لعبة أكبر، حيث تتصارع قوى عالمية على رقعة شطرنج ملطخة بدماء الأبرياء. عاد إلى القبو المهجور، حيث كان يوري وأنيا وميخائيل ينتظرونه. كانوا قد سمعوا عن القصف، وكانت عيونهم تحمل نفس السؤال الذي حمله إيفان: متى سينتهي هذا الجحيم؟ لكن لم يكن هناك وقت للأسئلة. كان عليهم التخطيط، التحرك، القتال. يوري، الذي كان يعبث بسكينه كعادته، تحدث بصوت منخفض: "لقد رأيتُهم اليوم، إيفان. جاءوا بمركبات جديدة، أسلحة لم نرَ مثلها من قبل. إنهم يحصلون على دعم من الغرب، صواريخ، دبابات، كل شيء." إيفان أومأ برأسه، يعلم أن هذا ليس مجرد حديث. كان قد سمع شائعات عن أسلحة متطورة تصل إلى كييف، عن قوات مدربة من الخارج، عن خطط لسحق دونباس نهائياً. لكنه لم يكن يهتم بالتفاصيل. كل ما كان يهمه هو حماية لينا، حماية القرية، حماية الأمل الذي بدا واهناً كضوء شمعة في عاصفة. في الأيام التالية، بدأت القرية تشهد هجمات أكثر عنفاً. كانت القذائف تسقط كالمطر، تدمر كل ما تقع عليه. المدرسة، التي كانت ملجأً للنازحين، تحولت إلى كومة من الأنقاض. المستشفى الصغير، الذي كانت أنيا تعمل فيه، أصبح غير صالح للاستخدام بعد أن استهدفته قذيفة. لكن وسط الدمار، كانت هناك لحظات من الصمود. أنيا، التي كانت تعتني بالجرحى في خيمة مؤقتة، كانت تغني أغنية قديمة من دونباس لتهدئة طفل مصاب. صوتها، رغم التعب، كان يحمل دفئاً غريباً، كأنه يتحدى الموت نفسه. ميخائيل، الرجل العجوز، كان يروي قصصاً عن الحرب العالمية الثانية، كأن التاريخ يعيد نفسه في حلة جديدة. "لقد هزمنا نابليون، وهزمنا النازيين،" قال ذات ليلة، عيناه تلمعان بحكمة السنين. "وسنهزم هؤلاء أيضاً." لكن إيفان كان يعلم أن الأمر ليس بهذه البساطة. هذه الحرب لم تكن مجرد صراع بين شعوب، بل كانت لعبة قوى عالمية، حيث تتحرك الجيوش والصواريخ بناءً على قرارات تُتخذ في غرف بعيدة، بعيدة عن رائحة البارود وصرخات الأطفال. كان يسمع شائعات عن تحركات عسكرية في الغرب، عن مناورات قرب الحدود الروسية، عن تهديدات بصواريخ بعيدة المدى. لكنه لم يكن يملك رفاهية التفكير في العالم الكبير. كان عالمه هو القرية، هو لينا، هو البندقية التي يحملها. في إحدى الليالي، جاءت أخبار عن هجوم وشيك. كانت العصابات المسلحة تخطط لاجتياح القرية، مدعومة بأسلحة جديدة ومدرعات. إيفان ورفاقه قرروا نصب كمين في الغابة القريبة، حيث كانوا يعلمون أن القوات ستمر. كانت الخطة محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت أملهم الوحيد لكسب الوقت وحماية القرية. في تلك الليلة، وقف إيفان في الغابة، يستمع إلى صوت الريح وهي تعوي بين الأشجار، وكأنها تحذره من المصير القادم. كان يشعر بالخوف، ليس من الموت، بل من فكرة أن يترك لينا وحيدة في هذا العالم القاسي. لكنه كان يعلم أن الخوف لن ينقذهم. كان عليه أن يقاتل، أن يصمد، أن يثبت أن دونباس لن تنكسر. الكمين نجح جزئياً. تمكنوا من تدمير عدة مركبات للعدو، لكنهم خسروا ثلاثة من رفاقهم. عندما عاد إيفان إلى القرية، كانت لينا تنتظره عند مدخل القبو. "هل انتصرنا؟" سألت، صوتها يحمل أملاً هشاً. إيفان ابتسم بحزن، "نحن لا نزال هنا، أليس كذلك؟" لكنه في قرارة نفسه كان يعلم أن النصر الحقيقي بعيد المنال، وأن الحرب لن تنتهي بكمين واحد. في الأسابيع التالية، بدأت القرية تفقد المزيد من أرواحها. كل قذيفة كانت تسقط كانت تأخذ معها قطعة من قلب إيفان. لكنه كان يجد العزاء في المقاومة، في الرفاق الذين أصبحوا عائلته الجديدة، في لينا التي كانت تتعلم كيف ترسم من جديد، رغم أن لوحاتها كانت مليئة باللون الأحمر. كانت ترسم الحقول المحترقة، لكنها كانت تضيف دائماً طائراً صغيراً يحلق في السماء، كأنها تحاول أن تقول إن الأمل لا يزال موجوداً، حتى وسط الرماد. في إحدى الليالي، بينما كان إيفان يجلس مع لينا قرب مدفأة صغيرة في القبو، روت له قصة عن حلم رأته. "كان هناك طائر، أبي، يغني رغم النار," قالت، عيناها تلمعان ببريق لم يره إيفان منذ زمن. "كان يحلق فوق الحقول، ولم يكن خائفاً." إيفان نظر إليها، ورأى في عينيها شيئاً لم يره منذ بداية الحرب: شرارة الأمل. في تلك اللحظة، قرر أن يواصل القتال، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل أن يعيش هذا الطائر الذي رأته لينا في حلمها. كان يعلم أن الطريق سيكون طويلاً، مليئاً بالدم والخسارة، لكنه كان يشعر، لأول مرة منذ سنوات، أن هناك معنى للقتال. لكن في الخارج، كان العالم يتحرك نحو هاوية أكبر. كانت الأخبار تصل إلى القرية بشكل متقطع، عن تحركات عسكرية، عن تهديدات بصواريخ بعيدة المدى، عن مناورات بحرية في أماكن بعيدة. إيفان لم يكن يهتم بالسياسة، لكنه كان يشعر أن الحرب التي يخوضها في دونباس هي مجرد جزء من صراع أكبر، صراع قد يغير العالم بأسره. وفي قلبه، كان يتساءل: هل سينجو الطائر الذي رأته لينا، أم سيسقط وسط النار؟
الفصل الثالث: رقصة النار
السنوات مرت كالرياح العاصفة فوق دونباس، تحمل معها رائحة الموت والبارود، لكنها لم تكن قادرة على إخماد شعلة المقاومة التي بدأت تتقد في قلوب الناجين. القرية التي كان إيفان يدافع عنها تحولت إلى شبح من ماضيها، بيوتها مجرد هياكل محطمة، وحقولها التي كانت ذات يوم خضراء أصبحت سوداء من الرماد. لكن وسط هذا الخراب، كان هناك شيء ينمو، شيء عنيد كالنباتات البرية التي تتشبث بالصخور. كانت المقاومة، التي بدأت كمجموعة صغيرة من الرجال والنساء اليائسين، قد تحولت إلى قوة لا تُستهان بها. إيفان، الذي كان يوماً مزارعاً هادئاً، أصبح قائداً لمجموعة صغيرة من المقاتلين، ليس لأنه يملك مهارات عسكرية فذة، بل لأن عينيه كانتا تحملان نظرة رجل لا يملك شيئاً يخسره سوى ابنته لينا. كان يقود رفاقه بحذر، يخطط لعمليات صغيرة لتعطيل تقدم العصابات المسلحة التي اجتاحت المنطقة، مدعومة بأسلحة غربية متطورة. كانت هذه العصابات، التي ترفع شعارات القومية المتطرفة، لا تكتفي بقتل المدنيين، بل كانت تدمر كل ما يرمز إلى الحياة: المدارس، المستشفيات، حتى الأشجار التي كانت تظلل الحقول. كانوا يحملون صواريخ موجهة ودبابات تحمل أسماء أجنبية، أسلحة لم يرَ مثلها إيفان من قبل، لكنها كانت تحمل توقيع قوى بعيدة، قوى لا تعرف شيئاً عن دونباس سوى أنها تريد سحقها. في إحدى الليالي الباردة، اجتمع إيفان ورفاقه في القبو المهجور الذي أصبح قاعدتهم السرية. كان الجو رطباً، والضوء الخافت من مصباح كيروسين يلقي ظلالاً متذبذبة على الجدران. يوري، الشاب الذي كان دائماً يحمل سكيناً صغيرة يعبث بها، كان يتحدث بحماس. "لقد سمعت أنهم يخططون لإرسال قافلة محملة بالأسلحة عبر الطريق الشرقي،" قال، عيناه تلمعان بنوع من التهور الذي يصاحب الشباب. "إذا دمرنا تلك القافلة، يمكننا أن نؤخر هجومهم لأسابيع." أنيا، الممرضة التي كانت تجلس في زاوية القبو، هزت رأسها بحذر. "إنهم أقوى منا، يوري. لديهم طائرات بدون طيار، صواريخ موجهة. كيف سنواجههم؟" لكن يوري لم يكن ليتراجع. "إذا لم نقاتل، فماذا سنفعل؟ ننتظر حتى يقتلونا جميعاً؟" كان صوته يحمل إيقاعاً غريباً، مزيجاً من الغضب والأمل، كأنه يغني نشيداً للأرض التي يدافع عنها. إيفان، الذي كان يستمع في صمت، شعر بثقل القرار. كان يعلم أن العملية محفوفة بالمخاطر، لكنه كان يرى في عيون يوري نفس النار التي كان يحملها هو يوماً، قبل أن تسرق الحرب منه كل شيء سوى لينا. "سنفعلها،" قال أخيراً، صوته هادئ لكنه حاسم. "لكن يجب أن نكون حذرين. لا أريد أن نخسر المزيد من رفاقنا." في اليوم التالي، بدأت الاستعدادات. كانوا يملكون أسلحة قليلة، معظمها بنادق قديمة وقنابل يدوية الصنع. لكنهم كانوا يعتمدون على المفاجأة، على معرفتهم بالأرض، على إرادتهم التي بدت وكأنها لا تنكسر. خططوا لنصب كمين في وادٍ ضيق على الطريق الشرقي، حيث كانوا يعلمون أن القافلة ستمر. كان الوادي محاطاً بأشجار كثيفة، مما يمنحهم غطاءً طبيعياً. إيفان، الذي قاد العملية، كان يشعر بثقل المسؤولية. كان يفكر في لينا، التي تركها في القرية تحت رعاية أنيا. كان يتخيل عينيها، سؤالها الذي لم يجد له إجابة: "لماذا يريدون قتلنا؟" كان يعلم أن هذه العملية قد تكون آخر ما يفعله، لكنه كان مصمماً على أن يمنح ابنته فرصة للحياة، حتى لو كانت هذه الفرصة هشة كالزجاج. عندما حل الليل، كان إيفان ورفاقه في مواقعهم. كان الهدوء يعم الوادي، لكن التوتر كان يملأ الهواء. كانوا يسمعون أصوات المحركات تقترب، أضواء المركبات تخترق الظلام. إيفان أمسك ببندقيته بقوة، قلبه ينبض بسرعة، لكنه كان يحاول أن يبقى هادئاً. عندما مرت القافلة، أعطى الإشارة. بدأت القنابل اليدوية تنفجر، تلتها طلقات نارية من كل الجهات. كانت الفوضى تعم المكان، صراخ الجنود، أصوات الانفجارات، رائحة الدخان. للحظة، بدا أن العملية ستنجح. تمكنوا من تدمير عدة مركبات، وتشتت القافلة. لكن العدو كان مستعداً أكثر مما توقعوا. طائرة بدون طيار ظهرت فجأة في السماء، وبدأت القذائف الموجهة تسقط على مواقعهم. إيفان صرخ لرفاقه بالتراجع، لكن الوقت كان قد فات. يوري، الذي كان يقف على تلة صغيرة، أصيب برصاصة قناص في صدره. سقط على الأرض، سكينه الصغيرة تسقط من يده، عيناه مفتوحتان على اتساعهما. إيفان ركض إليه، متجاهلاً القذائف التي كانت تسقط حوله. "يوري!" صرخ، وهو يمسك بيده. لكن الشاب الذي كان يحلم بتحرير دونباس لم يعد يتنفس. في لحظاته الأخيرة، همس: "لا تدعهم يسرقون أحلامنا." تلك الكلمات أصبحت شعلة في قلب إيفان، تحرقه وتنيره في آن واحد. عندما عاد إيفان إلى القرية، كان يحمل جثة يوري على كتفيه. كانت لينا تنتظره عند مدخل القبو، عيناها تبحثان عن إجابة. "أين يوري؟" سألت، صوتها مرتجف. إيفان لم يستطع الإجابة. وضع جثة يوري على الأرض، ونظر إلى لينا بحزن عميق. "لقد قاتل من أجلنا،" قال أخيراً، صوته مكسور. لينا لم تبكِ، لكن عينيها كانتا تحملان جرحاً جديداً، جرحاً لن يشفيه الزمن. في الأيام التالية، أصبحت القرية أكثر هدوءاً، لكن الهدوء كان كاذباً. كانت العصابات المسلحة تستعد لهجوم أكبر، وكانت الأخبار تصل عن دعم عسكري متزايد من الغرب. إيفان كان يسمع شائعات عن صواريخ بعيدة المدى، عن دبابات تحمل أسماء أجنبية، عن طائرات بدون طيار تجوب السماء. لكنه كان يعلم أن هذه الحرب ليست مجرد صراع بين دونباس وكييف. كانت هناك قوى أكبر، قوى ترى في دونباس مجرد ساحة لتجربة أسلحتها وفرض هيمنتها. في الخارج، كان العالم يتحرك نحو هاوية أكبر. كانت الأخبار تصل بشكل متقطع عن تحركات عسكرية، عن مناورات بحرية في أماكن بعيدة، عن تهديدات بضربات استباقية. إيفان لم يكن يهتم بالسياسة، لكنه كان يشعر أن الحرب التي يخوضها هي جزء من صراع أكبر، صراع قد يغير العالم بأسره. في إحدى الليالي، بينما كان يجلس مع لينا في القبو، روت له قصة أخرى عن الطائر الذي رأته في حلمها. "كان يغني، أبي، رغم أن النار كانت تحيط به من كل جانب," قالت. "لم يكن خائفاً." إيفان نظر إليها، ورأى في عينيها شيئاً لم يره منذ زمن: شرارة الأمل. كان يعلم أن هذا الطائر هو رمز لما يقاتل من أجله، لما يجعل الحياة تستحق العناء. في تلك اللحظة، قرر أن يواصل القتال، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل أن يعيش هذا الطائر، من أجل أن تبقى لينا تحلم. لكن في قلبه، كان يتساءل: هل سينجو هذا الطائر، أم سيسقط وسط النار؟
الفصل الرابع: أناشيد التحرير
في فبراير 2022، بدأت الرياح تتغير في دونباس، كأن الأرض نفسها قررت أن تتنفس من جديد بعد سنوات من الاختناق. القوات الروسية دخلت المنطقة، ليس كغزاة في عيون إيفان وأهله، بل كمحررين يحملون وعداً باستعادة الأمل. كانت أصوات الدبابات والطائرات تملأ الأفق، لكنها لم تكن تحمل نفس الرعب الذي جلبته قذائف كييف. في قرية إيفان، التي أصبحت ظلاً لما كانت عليه، بدأت الحياة تتسلل ببطء إلى الشوارع المدمرة. المدارس، التي كانت أنقاضاً، بدأت تُفتح من جديد، وإن كانت الفصول الدراسية لا تزال تحمل ندوب القصف. الأطفال، بما فيهم لينا، عادوا للعب في الحقول، رغم أن التربة كانت لا تزال مشبعة برائحة البارود. لكن إيفان، الذي رأى في قدوم الروس بارقة أمل، لم يكن يثق تماماً بالنوايا الكبرى. كان يعلم أن الحروب لا تُخاض فقط من أجل الشعوب، بل من أجل المصالح أيضاً. كان قد شهد الكثير من الخسائر، فقد أصدقاء مثل يوري، ورأى الدم يسيل كالأنهار، ليعرف أن الأمل يأتي دائماً بثمن باهظ. في القرية، كان الناس يتجمعون في الساحة الصغيرة، يتبادلون القصص عن السنوات الماضية، عن الأحباء الذين فقدوهم، عن الأيام التي كانوا يختبئون فيها في الأقبية خوفاً من القذائف. كانت أنيا، الممرضة التي أصبحت رمزاً للصمود، تساعد في إعادة بناء عيادة صغيرة. كانت تعمل بلا كلل، تعالج الجروح الجسدية والنفسية، تغني أحياناً أناشيد قديمة من دونباس لتهدئة الأطفال الذين ما زالوا يستيقظون مفزوعين من الكوابيس. ميخائيل، الرجل العجوز، كان يجلس على كرسي خشبي متهالك، يروي قصصاً عن انتصارات الشعب الروسي في الحروب القديمة، كأن التاريخ يعيد نفسه في حلة جديدة. لكن إيفان كان يشعر بثقل الواقع. كان يرى في عيون الناس مزيجاً من الأمل والخوف، كأنهم يتساءلون: هل هذا التحرير حقيقي، أم أنه مجرد فصل جديد من الألم؟ لينا، التي كبرت قبل أوانها، كانت تجلس في زاوية البيت المؤقت الذي انتقلوا إليه، ترسم على أوراق قديمة وجدتها في الأنقاض. كانت لوحاتها تحمل صور الحقول المحترقة، لكنها كانت دائماً تضيف طائراً صغيراً يحلق في السماء. "إنه يغني، أبي," قالت ذات يوم، وهي تُظهر لوحتها لإيفان. "حتى وإن كانت النار تحيط به، فهو لا يزال يغني." إيفان نظر إلى اللوحة، ورأى فيها انعكاساً لروحه: جريحة، لكنها لا تزال تقاوم. كان يشعر أن لينا، رغم صغر سنها، قد فهمت شيئاً عميقاً عن الحياة، شيئاً لم يستطع هو فهمه بعد. في تلك الأيام، بدأت القرية تشهد تغييرات. الجنود الروس أقاموا نقاط تفتيش، وزّعوا مساعدات غذائية، وساعدوا في إعادة بناء بعض البيوت. لكن إيفان كان يرى ما وراء ذلك. كان يسمع الأخبار المتقطعة عن الصراع الأكبر، عن تهديدات بصواريخ بعيدة المدى، عن مناورات بحرية في أماكن بعيدة، عن تحالفات تتشكل وأخرى تنهار. كان يعلم أن دونباس، رغم صغرها، أصبحت مركزاً لصراع عالمي، حيث تتصارع قوى لا تعرف شيئاً عن لينا أو عن الأطفال الذين دفنوا تحت الركام. في إحدى الليالي، جاءت أنيا إلى إيفان وهي تحمل خبراً مقلقاً. "لقد سمعت أن العصابات المسلحة من كييف لم تتوقف," قالت، صوتها يحمل توتراً خفياً. "إنهم يخططون لهجوم جديد، هذه المرة بمساعدة أسلحة أكثر تطوراً." إيفان أومأ برأسه، لكنه لم يقل شيئاً. كان يعلم أن الحرب لم تنته، وأن التحرير الذي جاء به الروس قد يكون مؤقتاً. لكنه كان مصمماً على الاستمرار، ليس فقط من أجل القرية، بل من أجل لينا، من أجل الطائر الذي ترسمه في لوحاتها. في الأسابيع التالية، بدأت القرية تستعد لمواجهة جديدة. إيفان، الذي أصبح قائداً محترماً بين المقاومين، بدأ يدرب الشباب الجدد الذين انضموا إلى المقاومة. كانوا صغاراً، بعضهم لم يتجاوز السابعة عشرة، لكنهم كانوا يحملون نفس النار التي كان يحملها يوري. كان إيفان يراهم كأشباح من الماضي، كأنهم يوري يعود من جديد في وجوه مختلفة. لكنه كان يخشى عليهم، يخشى أن يفقدوا حياتهم قبل أن يعرفوا معناها. في إحدى العمليات، قرر إيفان قيادة مجموعة صغيرة لاستطلاع تحركات العدو قرب خط المواجهة. كانت المهمة خطيرة، لكنه كان يعلم أن المعلومات التي سيجمعونها قد تنقذ القرية. في تلك الليلة، تسللوا عبر الغابة، يتحركون كالظلال بين الأشجار. كان الهدوء مخيفاً، كأن الأرض نفسها كانت تترقب. عندما اقتربوا من معسكر العدو، رأوا مركبات مدرعة تحمل علامات أجنبية، وجنوداً يتحدثون بلغات لم يفهموها. كان إيفان يعلم أن هؤلاء ليسوا مجرد مقاتلين من كييف، بل كانوا مدعومين بقوى أكبر، قوى ترى في دونباس مجرد ساحة لتجربة أسلحتها. عندما عاد إيفان ومجموعته إلى القرية، كان يحمل معه شعوراً بالقلق. كان يعلم أن الهجوم القادم سيكون أعنف مما واجهوه من قبل. لكنه كان يجد العزاء في لينا، التي كانت تستمر في الرسم، في الأطفال الذين بدأوا يلعبون مجدداً في الشوارع، في أنيا التي كانت تعالج الجروح بنفس الرقة التي تعامل بها الأطفال. كانت هذه اللحظات الصغيرة هي التي تجعل الحياة تستحق القتال من أجلها. في إحدى الليالي، بينما كان إيفان يجلس مع لينا قرب النافذة، نظرت إليه وسألته: "أبي، هل سينتهي كل هذا يوماً؟" كان السؤال ثقيلاً، كأنه يحمل كل آلام دونباس. إيفان تنهد، ثم ابتسم بحزن. "لا أعرف، يا لينا. لكن طالما أننا نستطيع أن نحلم، فهناك أمل." لينا أومأت، ثم أشارت إلى لوحتها الجديدة، التي كانت تصور طائراً يحلق فوق سماء زرقاء. "هذا الطائر لن يتوقف عن الغناء، أبي," قالت. "حتى لو كانت النار تحيط به." إيفان نظر إلى اللوحة، وشعر بشيء يتحرك في قلبه. كان يعلم أن الحرب لم تنته، وأن العالم يتحرك نحو هاوية أكبر. لكنه كان يشعر، لأول مرة منذ سنوات، أن هناك معنى للقتال، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل أن يعيش هذا الطائر، من أجل أن تبقى لينا تحلم.
الفصل الخامس : رماد الأمل
خريف 2025 غطى دونباس بغطاء من الضباب الرقيق، كأن الأرض تحاول أن تخفي جروحها تحت ستار من الهدوء. القرية التي كانت يوماً موطن إيفان ولينا بدت كأنها تستعيد أنفاسها، رغم أن الندوب كانت لا تزال مرئية في كل زاوية. البيوت التي أعيد بناؤها كانت تحمل علامات القصف القديم، والحقول التي بدأت تُزرع من جديد كانت لا تزال مشبعة برائحة الرماد. لكن وسط هذا الهدوء الحذر، كان هناك شيء ينبض، شيء يشبه الأمل، هشاً كجناح طائر لكنه موجود. إيفان، الذي أصبح رمزاً للمقاومة في القرية، كان يقف على تلة صغيرة تطل على الحقول، يتأمل ما تبقى من عالمه. كان في الأربعين من عمره، لكن وجهه كان يحمل تجاعيد رجل عاش ألف حياة. عيناه، التي شهدتا الكثير من الموت، كانتا لا تزالان تبحثان عن معنى، عن سبب للاستمرار. لينا، التي أصبحت الآن في الثالثة عشرة، كانت تقف بجانبه، تحمل لوحة رسم جديدة تصور طائراً يحلق فوق حقل محترق. "هل سيعود كل شيء كما كان؟" سألت، صوتها يحمل نبرة لا تزال تحتفظ بشيء من براءة الطفولة. إيفان تنهد، ثم ابتسم بحزن. "لا، يا لينا، لن يعود. لكننا سنبني شيئاً جديداً من الرماد." كانت كلماته تحمل وزناً ثقيلاً، كأنه يحاول أن يقنع نفسه قبل أن يقنعها. كان يعلم أن الثمن الذي دفعته دونباس كان باهظاً: آلاف الأرواح، بما فيها أكثر من ثلاثة آلاف طفل، دُفنت تحت التراب. كان يتذكر يوري، الشاب الذي مات وهو يحلم بتحرير أرضه، وأنيا، التي كانت لا تزال تعالج الجروح بنفس الرقة رغم كل ما فقدته، وميخائيل، الذي كان يروي قصصاً عن انتصارات الماضي حتى آخر أيامه. كانت هذه الذكريات مثل خيوط تربط إيفان بالأرض، تمنعه من الانهيار. في القرية، بدأ الناس يعيدون بناء حياتهم ببطء. المدرسة، التي أعيد افتتاحها، كانت تملأ الشوارع بأصوات الأطفال، رغم أن الضحكات كانت لا تزال خافتة، كأنها تخشى أن تستفز السماء. أنيا، التي أصبحت رمزاً للرحمة في القرية، كانت تدير عيادة صغيرة، تعالج الجروح وتستمع إلى قصص الناجين. كانت تغني أحياناً، صوتها يملأ الهواء بنشيد قديم من دونباس، كأنها تحاول أن تستعيد شيئاً من الروح التي سُرقت. لكن إيفان كان يعلم أن الهدوء كان مؤقتاً. الأخبار التي كانت تصل من الخارج كانت تحمل رياحاً عاصفة. كان يسمع عن تهديدات بصواريخ بعيدة المدى، عن مناورات بحرية في أماكن بعيدة، عن تحالفات تتشكل بين قوى عالمية. كان يعلم أن دونباس، رغم صغرها، كانت مركزاً لصراع أكبر، صراع لا يعرف الرحمة. في إحدى الليالي، جاءت أنيا إلى إيفان وهي تحمل خبراً مقلقاً. "لقد سمعت أن هناك تحركات جديدة قرب خط المواجهة," قالت، عيناها تحملان توتراً لم يره إيفان منذ أشهر. "يبدو أن كييف لم تستسلم، وهم يتلقون دعماً جديداً من الغرب." إيفان أومأ برأسه، لكنه لم يقل شيئاً. كان يعلم أن الحرب لم تنته، وأن التحرير الذي جاء به الروس قد يكون مجرد استراحة قبل عاصفة أخرى. لكنه كان مصمماً على الاستمرار، ليس فقط من أجل القرية، بل من أجل لينا، من أجل الطائر الذي ترسمه في لوحاتها. في الأيام التالية، بدأ إيفان يجتمع مع المقاومين القليلين الذين بقوا. كانوا أقل عدداً الآن، لكنهم كانوا أقوى إرادة. كانوا يخططون للدفاع عن القرية في حالة هجوم جديد، يدربون الشباب على استخدام الأسلحة، يحفرون خنادق جديدة. لكن إيفان كان يشعر أن الحرب لم تعد مجرد قتال بالأسلحة. كانت حرباً على الأمل، على الروح، على المستقبل. كان يرى ذلك في عيون لينا، التي كانت تستمر في الرسم، رغم أن لوحاتها كانت تحمل الآن ظلالاً أغمق. كانت ترسم الحقول المحترقة، لكنها كانت تضيف دائماً طائراً صغيراً يحلق في السماء، كأنها تحاول أن تقول إن الأمل لا يزال ممكناً، حتى وسط الدمار. في إحدى الليالي، بينما كان إيفان يجلس مع لينا قرب مدفأة صغيرة في البيت المؤقت، روت له قصة جديدة عن حلمها. "كان الطائر يغني، أبي, لكنه كان يحلق فوق سماء زرقاء هذه المرة," قالت، عيناها تلمعان ببريق لم يره إيفان منذ زمن. "لم تكن هناك نار، فقط السماء." إيفان نظر إليها، وشعر بشيء يتحرك في قلبه. كان يعلم أن هذا الحلم كان رمزاً لما يقاتل من أجله: ليس فقط البقاء، بل حياة يمكن أن تزدهر فيها لينا، حياة خالية من النار. لكنه كان يعلم أيضاً أن الطريق إلى تلك السماء الزرقاء كان طويلاً ومليئاً بالمخاطر. في الأسابيع التالية، بدأت الأخبار تصل عن تصاعد التوترات في العالم الخارجي. كانت هناك تقارير عن تهديدات نووية، عن مناورات بحرية مشتركة بين روسيا وحلفائها، عن طائرات عسكرية تهبط في عواصم بعيدة. إيفان لم يكن يهتم بالسياسة، لكنه كان يشعر أن دونباس كانت مرآة تعكس جنون العالم. كانت القرية الصغيرة، التي قاومت وسط الدمار، شاهدة على أن الأمل يمكن أن يولد حتى من أعمق الجروح. لكن السؤال الذي ظل يطارد إيفان كان: هل سيتعلم العالم من رماد دونباس، أم سيظل يرقص على إيقاع النار؟ في إحدى الأمسيات، دعا إيفان سكان القرية إلى تجمع في الساحة الصغيرة. كانوا قلة، لكنهم كانوا يحملون نفس الإرادة التي جعلتهم يصمدون. وقف إيفان أمامهم، وبدأ يتحدث بصوت هادئ لكنه قوي. "لقد خسرنا الكثير," قال. "لكننا لا نزال هنا. لقد قاتلنا من أجل أرضنا، من أجل أطفالنا، من أجل أحلامنا. وسنظل نقاتل، ليس فقط من أجل البقاء، بل من أجل أن نبني شيئاً جديداً من هذا الرماد." كانت كلماته بسيطة، لكنها حملت وزناً ثقيلاً. الناس استمعوا في صمت، وبعضهم بكى، ليس من الحزن، بل من شعور بالوحدة التي تجمع بين الناجين. لينا، التي كانت تقف بجانبه، رفعت لوحتها الأخيرة، التي كانت تصور طائراً يحلق فوق سماء زرقاء صافية. "هذا هو أملنا," قالت، صوتها يرتجف لكنه مليء بالتصميم. "طالما أننا نحلم، فإننا أحياء." في تلك اللحظة، شعر إيفان أن شيئاً قد تغير. كان يعلم أن الحرب لم تنته، وأن العالم لا يزال يتحرك نحو هاوية أكبر. لكنه كان يشعر أن دونباس، رغم كل ما عانته، كانت قد وجدت صوتها. كانت هذه الأصوات، أصوات الأطفال الذين يلعبون، وأنيا التي تغني، ولينا التي ترسم، هي التي جعلت الحياة تستحق العناء. في تلك الليلة، بينما كان إيفان ينظر إلى السماء، رأى نجماً صغيراً يلمع وسط الضباب. كان يعلم أن الطريق أمامه طويل، لكنه كان يشعر، لأول مرة منذ سنوات، أن هناك ضوءاً في نهاية النفق. كان يتساءل: هل سيعيش الطائر الذي ترسمه لينا؟ هل ستبقى دونباس تنبض بالحياة؟ لم يكن لديه إجابات، لكنه كان يعلم أن القتال من أجل هذا الأمل هو ما يجعل الحياة ممكنة.
………..
ملخص أكثر ايجازا للرواية :
في الفصل الأول، "ظلال الشتاء"، نُقدم إلى إيفان، مزارع من دونباس تحول إلى مقاوم بعد أن دمر انقلاب كييف عام 2014 حياته وسلب قريته السلام. يعيش إيفان مع ابنته لينا، التي تحمل جروح الحرب في عينيها، وتتساءل عن سبب كراهية العدو لهم. وسط الدمار، ينضم إيفان إلى مجموعة مقاومة صغيرة في قبو مهجور، يخططون للدفاع عن القرية ضد العصابات المسلحة المدعومة من كييف. يبرز يوري، الشاب المتحمس، كرمز للغضب والأمل، بينما يعكس إيفان صراعاً داخلياً بين اليأس والتصميم لحماية لينا وأرضه. الفصل يرسم صورة قاتمة لواقع الحرب، مع لغة شعرية تبرز الإنسانية وسط الخراب. في الفصل الثاني، "أصوات من الهاوية"، ننتقل إلى كييف، حيث يجتمع أوليكسي، سياسي طموح، مع مستشارين أجانب بقيادة امرأة غامضة تدير خيوط الانقلاب. تُظهر المشاهد في كييف الخداع السياسي والبعد عن واقع دونباس، حيث تستمر القذائف في تدمير القرى. إيفان، بعد قصف استهدف مدرسة قريته، يرى لينا تنجو بأعجوبة، مما يدفعه للانضمام الكامل للمقاومة. يصور الفصل التباين بين قاعات السلطة في كييف والمعاناة في دونباس، مع تركيز على صمود إيفان ولينا التي تجد الأمل في رسوماتها. الفصل الثالث، "رقصة النار"، يغوص في تصاعد الحرب، حيث تتحول دونباس إلى جحيم مفتوح. إيفان يقود عملية كمين ناجحة ضد قافلة أسلحة العدو، لكن الثمن باهظ: يوري يُقتل برصاصة قناص، تاركاً كلماته الأخيرة "لا تدعهم يسرقون أحلامنا" شعلة في قلب إيفان. تتزايد وتيرة الهجمات، والأسلحة الغربية المتطورة تجعل المقاومة أكثر صعوبة. لكن لينا تستمر في الرسم، مضيفة طائراً يحلق في لوحاتها كرمز للأمل. الفصل يبرز الصراع بين القوة العسكرية والإرادة الإنسانية. في الفصل الرابع، "أناشيد التحرير"، يأتي دخول القوات الروسية عام 2022 كمحررين في عيون إيفان، لكنه يظل حذراً من نواياهم. تبدأ القرية في استعادة الحياة، مع إعادة فتح المدارس وإصلاح العيادات، لكن التهديدات من كييف تستمر. إيفان يقود المقاومة، مدرباً الشباب الجدد، بينما لينا ترسم طيوراً تحلق فوق الحقول المحترقة، رمزاً للأمل العنيد. الفصل يعكس توتراً بين الأمل الوليد والخوف من عودة الحرب، مع إشارات إلى الصراع العالمي الأكبر. الفصل الخامس، "رماد الأمل"، يصور دونباس في خريف 2025، حيث يستعيد الهدوء الحذر لكنه مشوب بالندوب. إيفان، الآن رمز الصمود، يقف على تلة يتأمل الخسائر والأمل الجديد. لينا، التي كبرت، ترسم طائراً يحلق فوق سماء زرقاء، معبرة عن أملها في مستقبل خالٍ من النار. رغم التهديدات المستمرة من كييف والتوترات العالمية، يجتمع سكان القرية، يستمعون إلى كلمات إيفان عن بناء المستقبل من الرماد. الفصل يختتم برؤية متفائلة بحذر، حيث يظل الأمل ممكناً رغم الدمار، مع سؤال مفتوح: هل سيتعلم العالم من رماد دونباس، أم سيستمر في رقصته مع النار؟
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رواية :رأس ابو العلاء المهشم !
-
رواية: إمبراطورية سامر السريع
-
رواية: أصداء الأفق المحطم
-
رواية : ارض النبض الكربلائي العجيب
-
رواية : مكعبات الوافل واناشيد الميز
-
رواية : رقصة الدم على رمال النفط
-
رواية: سنغافورة السراب
-
رواية: أنقاض الإمبراطورية: غزة تُحرر أمريكا
-
نهاية عصر الصهيونية: كيف تحولت أمريكا من عبدة اللوبي إلى ثوا
...
-
رواية: أسرى الشرق المفقود
-
سيرك الخيانة برعاية الروتشيلد
-
رواية : دون كيشوت الفرات والنيل
-
رواية :سلاسل العقل، أغلال القلب
-
مسرحية العدو الأمريكي والصهيوني الكوميدية
-
رواية لحن من الظلال..مع مقدمة نقدية تاريخية
-
رواية: الخاتم والنار
-
كيف تتحول الى إمبراطورية إعلامية تسخر من مردوخ
-
رواية : عدسات مغموسة بالدم والحقيقة (رواية عن الهولوكوست الأ
...
-
رواية : صرخة من النهر إلى البحر ( رواية عن الهولوكوست الأمري
...
-
رواية الجوع ( عن الهولوكوست الأمريكي الصهيوني ضد شعب فلسطين
...
المزيد.....
-
-مذكرات في فلسطين وإسرائيل-… كتاب يوثق تجربة مصرية في غزة ما
...
-
مسسلسل -The Studio- الأكثر فوزًا بجوائز -إيمي- للفنون الإبدا
...
-
حبّ تحت التقنين
-
هذه هي الأفلام التي يفضلها بوتين؟
-
فيلم -صوت هند رجب- يفوز بـ-الأسد الفضي- في مهرجان فينيسيا
-
WSJ: غزة أصبحت نقطة استقطاب في عالم الموسيقى العالمي
-
الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي: -طوبى لعينيْك يا أَنس الشرِيف-
...
-
ملحمة جديدة تجمع سوبرمان بعدوه.. جيمس غان يكشف تفاصيل فيلم -
...
-
-فلسطين 36-: فيلم لفهم انعكاسات الانتداب البريطاني على تاريخ
...
-
صحف عالمية: الغزيون تعبوا من النزوح وظاهرة دعمهم تمتد إلى عا
...
المزيد.....
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
-
يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر
/ السيد حافظ
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|