أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - حزين














المزيد.....

حزين


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8463 - 2025 / 9 / 12 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


كلما حاولتُ تلمُّسَ شيءٍ يخصُّني، لم أجِدْهُ. كان يَهْرُبُ من بين أصابعي، يَتَهَشَّمُ، ثم يَخْتَفي في شَقٍّ يَتَعَمَّقُ في الجدار.

لكنَّ الجدارَ لم يعد جدارًا. كان كائنًا حيًّا يتنفَّسُ بُطْءً، يَرْتَجِفُ حين ألمسُه، ويَفْتَحُ شقوقَه وكأنها أفواهٌ صغيرةٌ تستعدُّ للكلام.

وقال لي بصوتٍ يشبهُ حَفيفَ الريح في أنفاقٍ مهجورةٍ: «أتعرفُ من أنت؟ أنت ظلٌّ يمشي بلا جسد، أنت سؤالٌ يتيمٌ يبحثُ عن أبٍ من المعنى.»

اِرْتَعَدْتُ. لم أكن أتوقَّعُ أن يسألني جدارٌ عن هُوِيَّتي. فقلتُ له، وصوتي يكادُ ينقطع: –– أَنَا إِنْسَانٌ أَضَاعَ نَفْسَهُ في نِصْفِ الطَّرِيق.

فأجاب: «أَنْتَ لَسْتَ إِنْسَانًا كَامِلًا... أَنْتَ نِصْفَان: نِصْفٌ يَنْهَارُ فَوْقَ يَدَيْ، وَنِصْفٌ يَنْتَظِرُ أَنْ يَكْتَمِلَ حُزْنُك. حين يَكْتَمِلُ، سَتَعُودُ إِلَيَّ. فَأَنَا أَنْتَ... لكن في صُورَةِ حَجَر.»

قلتُ متسائلًا: –– وَلِمَاذَا أَنَا حَجَرٌ في مِرْآكَ، وَلَسْتُ لَحْمًا وَدَمًا؟

٭ ابْتَسَمَتْ شُقوقُهُ. «لأَنَّ اللَّحْمَ يَفْنَى، وَالدَّمَ يَجِفُّ، أَمَّا الحَجَرُ فَيَبْقَى شَاهِدًا عَلَى بُطْلَانِ الوُجُود. أَلَمْ تَسْأَلْ نَفْسَكَ يَوْمًا: مَا جَدْوَى أَنْ تَحْيَا إِنْ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ يَذُوبُ؟»

أَحْسَسْتُ أَنَّ صَوْتَهُ يَثْقُلُ عَلَى رُوحِي. قلتُ: –– لَكِنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَعِيشَ... أَنْ أَجِدَ نَفْسِي.

رَدَّ عَلَيَّ بِصَرَامَةٍ غَامِضَةٍ: «وَمَنْ قَالَ إِنَّ نَفْسَكَ في الخَارِج؟ إِنَّهَا هَاهُنَا... مَرْكُومَةٌ في دَاخِلِي، بَيْنَ طَبَقَاتِ الطِّينِ وَالرَّمَاد. أَحْلَامُكَ، طُفُولَتُكَ، وُجُوهُ أَحِبَّتِكَ... كُلُّهَا مَحْفُوظَةٌ في مَسَامِّي. أَنَا لَسْتُ عَدُوَّكَ... أَنَا ذَاكِرَةُ وُجُودِكَ.»

سَكَتَ قَلِيلًا، ثُمَّ أَرْدَفَ: «الحُزْنُ لَيْسَ ضَعْفًا... الحُزْنُ هُوَ النَّافِذَةُ الوَحِيدَةُ الَّتِي تُطِلُّ مِنْهَا عَلَى المَعْنَى. بِدُونِ الحُزْنِ سَتَعِيشُ كَالسَّطْحِ: أَمْلَسُ، بِلا أَثَر. أَمَّا مَعَهُ، فَأَنْتَ صَدْعٌ مَفْتُوحٌ، وَفِي الصُّدُوعِ فَقَطْ يُولَدُ النُّور.»

أَحْسَسْتُ أَنَّ الجِدَارَ لَمْ يَعِظْنِي، بَلْ كَانَ يُعَلِّمُنِي أَنَّ الوُجُودَ نَفْسَهُ صَدْعٌ، وَأَنَّنَا لَا نَكُونُ إِلَّا حِينَ نَنْكَسِر.

قُلْتُ أَخِيرًا، وَأَنَا أَحْسُ بِرِجْفَةٍ تَمْشِي في أَعْمَاقِي: –– إِذَنِ النِّهَايَةُ لَيْسَتْ مَوْتِي؟

٭ ابْتَسَمَ مَرَّةً أُخْرَى، وَانْفَتَحَتْ شُقوقُهُ كَابْتِسَامَةٍ حَزِينَةٍ: «النِّهَايَةُ لَيْسَتْ مَوْتَكَ... النِّهَايَةُ أَنْ تَفْقِدَ السُّؤَال. طَالَمَا تَسْأَلُ، فَأَنْتَ تَبْدَأُ مِنْ جَدِيد، وَلَوْ كُنْتَ حَجَرًا.»



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تَرَاتِيلُ الفَجْرِ وَاللَّيْل
- المهدِ واللَّحْد
- إهْدَاء
- نُبُوءَات فِي نَارِ المَعَارِك
- غزّيون إنجاب
- الصف اللامنتهي
- محطات ساكنة
- رحلة الظامئ إلى القبر المهجور
- **.جدارمهملة .**
- **أحلام رجل في مفترق الضباب**
- “بكاء الماء الندي”
- الدخان الأسود
- لون الماء
- تراتيلُ الحُزْنِ
- وجه اخرمن غبار
- **مدن الضياع: سفر الأساطير المنسية في زمن الوجع**
- **-عزاء أولاد آدم-**
- هلوسة الفجر**
- كتاب اللاوجود
- صرّة السوداء


المزيد.....




- يُرجح أنه هجوم إيراني.. عشرات الممثلين الإسرائيليين يقعون ضح ...
- غزة... حين تعلو نغمات الموسيقى على دوي الانفجارات والرصاص
- غزة: الموسيقى ملاذ الشباب الفلسطيني وسط أجواء الحرب والدمار ...
- سياسي من ديمقراطيي السويد يريد إيقاف مسرحية في مالمو – ”تساه ...
- وزير الثقافة الإيراني: سيتم إعداد فهرس المخطوطات الفارسية في ...
- رشيد حموني يساءل السيد وزير الشباب والثقافة والتواصل حول أدو ...
- -الحياد ليس خيارا-: لماذا يتحدث عدد كبير من الفنانين الآن عن ...
- فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يطالب بعقد اجتماع للجنة ...
- نادية سعد الدين: الفكر الفلسفي يرفد شبابنا بسلاح العقل
- وَهبُ الذي وهبَ سفن المعنى ضوءا في مرافئ الأدب والنقد


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - حزين