خيرالله قاسم المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 00:36
المحور:
الادب والفن
(سيرة الذاكرة والفراغ)
لم يكن ذلك المكان غرفة،
ولا منزلًا،
ولا حتى سورًا يحرس أكوام النسيان.
كان شيئًا يشبه كل شيء…
ويشبه لا شيء، في الوقت ذاته.
أرضية من ترابٍ لم تلامسها خطوات،
حيطانٌ عارية، كوجهٍ بلا ملامح،
وسقفٌ يعلو بصمت، دون أن يَعِد بالسقوط أو الأمان.
في الركن الأبكم — حيث ينتهي شارع العبث —
طاولة على هيئة سرير،
يعلوها وشاحٌ من غبارٍ قديم،
امتد من زمنٍ لم يُخلَق بعد.
داخل الجرار الصامتة،
ترقد أشياء ماتت بصمت:
• أشرطة أغاني توقّف نبضها.
• كتابٌ بلا عنوان،
صفحاتُه جلدُ وحشٍ أسطوري،
يفوح منه عبق عصورٍ لم تأتِ بعد… وربما لن تأتي.
2
كل صفحة في ذلك الكتاب: كونٌ منفصل.
■ الذاكرة:
كرسيٌّ مقلوب خلف بابٍ مخلوع،
عباءةٌ سوداء، ملقاة كجثة نسيها المساء،
ضوءٌ شاحب يحاول أن يتذكّر شكل صاحبه،
لكنه لا يجرؤ على اللمس.
■ العدم:
نافذة مفتوحة على هواء لا يحمل شيئًا،
ثياب بيضاء ترفرف كأنها أرواح تتسكع،
يدٌ تتلوّى في الهواء، بلا جسد،
كأنها تحاول أن تمسك الزمن من عنقه.
■ الطريق:
امرأة تفرش بساطًا في الفراغ،
ورجل يسير فوق ترابٍ ندي،
لا ظل له…
كل خطوة يمحو بها أثر الخطوة التي سبقتها،
كأن الطريق يرفض أن يتذكّر.
3
في منتصف ليلة مطرية،
خرج همس من بين الصفحات، همس لا يُرى:
“كُنّا ننتظرك…
لكننا لم نكن هنا أبدًا.”
في تلك اللحظة، أدرك:
هذا الكتاب لا يُسجّل الماضي.
إنه يخلق وجودًا من العدم،
يرسم بالكلمات على بياض الذاكرة،
كما يُنقش الضوء على حائطٍ من لا شيء.
4
قبل الصفحة الأخيرة،
تظهر صورةٌ لامرأة تبتسم… دون فم.
عيناها تقرآن الكتاب.
تعرفان كلّ خطيئة نسيها،
وكل دربٍ ضلّه،
وكل فكرة لم تكتمل.
أغلق الكتاب بهدوء،
كما يُغلق بابٌ لم يُفتح أصلًا.
أحسّ أن العدم ليس فراغًا،
بل قلم فضّي، يكتب — دون صوت — على جدران اللاوجود:
“أنا هنا.”
5
الذاكرة ليست أرشيفًا…
بل خيالٌ يعيد كتابة ما لم يحدث.
وهذا الكتاب —
بصفحاته التي تتقشر مثل الجلد —
ليس سوى مرآة لعالمٍ موازٍ،
نقرأ فيه ما لم نعشه،
ونعيش ما لن نجرؤ على قراءته
#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟