خيرالله قاسم المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 09:38
المحور:
الادب والفن
سَبَقَتني الدارُ الّتي نَشَأتُ بِها..
كُنتُ مُترَدّدًا كَورَقَةٍ تَتَعَلّقُ بِأَغصانِ نَهرٍ،
وَالدّارُ تَجمَعُ الحَطبَ قَبلَ وِصالي.
أَنا.. لا أَزالُ أَنتَظِرُ مُسافِرًا لَم يَأتِ،
حَتّى اللّحظةِ الّتي لَم تُمهِلني أَن أُقِرَّ:
بَينَ العَودةِ.. أو البَقاءِ..
بَينَ الحِيرةِ الّتي تَصرُخُ في وَجهي:
"لَم يَبقَ غَيرُكَ! سَأَترُكُكَ إن لَم تُرافِقني..
سَأَترُكُكَ لِتَنَامَ عَلى وِحشةِ انتِظارِكَ،
وَآخُذُ الرّصيفَ مَعي!"
تَرَكَني وَسارَ..
إِلى دارِ العُزلةِ..
تَبِعتُهُ.. وَصَوتي يَصرُخُ كَطِفلٍ يَبحَثُ عَن حِضْن:
"اِنتَظِرني!"
وَلكِنّي..
وَصَلتُ قَبلَهُ!
فَعادَ وَحَمَلَني..
وَحدي..
نَزَلنا..
وَشارَكتُهُ في جَمعِ الحَطبِ..
أَنا.. بِصَمتٍ وَذهولٍ..
أَحمِلُ أَثقالًا مِنَ الهَمِّ..
تَرسُمُ سَوادًا عَلى جَبهَتي.
سَأَلَني الدّار:
"ما بِكَ مُهمومٌ إلى هَذا الحَدِّ؟
كُلَّ مَرّةٍ تَذهَبُ وَتَعودُ وَحدَكَ..
تُساعِدُني في جَمعِ الحَطب!"
قُلتُ:
"نَعَم.. كُلَّ يَومٍ أَعودُ..
تُسَلّيني..
تَفتَحُ لي الأَبوابَ..
أُهمِسُ في فَراغاتِها..
وَأَعودُ أَتمَدّدُ عَلى فراشي."
رَدَّ عَلَيَّ:
"وَاليَوم.. هَل تَحمِلُ أَمتِعَةً غَريبَة؟"
أَجَبته:
"نَعَم.. أَما تَرى جَبهَتي؟"
قال:
"رَأَيتُها..
فيها أَصابِعُ تَرسُمُ خُطوطًا سُمرًا..
وَالسَّوادُ الدّاكِنُ..
لَن أُشاهِدَهُ مِن قَبل!"
قُلتُ لَهُ:
"هَل تَحتاجُ لأَبوابٍ تَفتَحُها لي؟"
مِن فَرطِ حُبِّهِ المُتَجَذِّرِ..
قال:
"الأَبوابُ دائِمًا مُشرَعَة..
وَلكِنَّكَ كَبُرتَ..
وَتَخَطّى عُمرُكَ زَمَنَ حِكاياتي القَديمة!"
فَما كانَ مِنّي غَيرَ أَن أَقولَ:
"سَأَترُكُ فِراشي فارِغًا هَذِهِ اللَّيلَة..
أَفتَرِشُ الحَطبَ..
رُبّما أَحسُّ فيهِ بِدِفءٍ يُعيدُني إِلَيكَ..
بَعدَ سَفَري الأَخير..
رُبّما هَذِهِ المَرّة..
تَكونُ الأَبوابُ بِلا فَراغ..
وَالفِراشُ يُعانِقُنا..
وَهُوَ يُلملِمُ الدّموع!"
#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟