أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - **الحوار الصامت**














المزيد.....

**الحوار الصامت**


خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


ركبَ الحوارُ أولَ قافلةٍ متجهةٍ إلى مدينةِ الملاهي، حيث الأضواءُ المتلألئةُ والأصواتُ الصاخبةُ تملأُ الفضاءَ كفراشاتٍ من نار. هناك، بين دوّاماتِ الألوانِ والضحكاتِ المعلّقةِ في الهواء، يمكنه أن يلتقيَ الألعابَ الدائريةَ بمنتهى الوضوح، فيدورُ معها حيثما تشاء، كورقةِ شجرٍ عالقةٍ في رياحِ الخريف.

كان الجوُّ مزيجًا من الفوضى والبهجة: جدلٌ هزليٌّ هنا، عناقٌ مفاجئٌ هناك، صُراخٌ طفوليٌّ ينطلقُ من على المنصةِ أو من الصفِّ الأولِ في قاعةِ العرضِ المسائية. لكن وسطَ هذا الضجيجِ كلِّه، شعرَ الحوارُ بالكآبةِ تتسللُ إلى قلبه كسحابةٍ سوداءَ. لم يعدْ يحتملُ الضحكَ الزائفَ من حوله، فقررَ العودةَ إلى نفسه، إلى صمتهِ العميقِ الذي يشبهُ بئرًا مظلمةً.

وقفَ على حافةِ الجسرِ العتيقِ، حيثُ المدينةُ تمتدُّ تحت قدميه كخريطةٍ مبعثرة. أخرجَ أوراقَه الممزقةَ من جيبه، تلك التي كُتبتْ عليها كلماتٌ لم يعدْ يجدُ لها معنى. رفعها عاليًا في الهواءِ كأنه يودعُها، ثم أطلقها في الريحِ. تبعثرتْ أوراقُه البيضاءُ في الهواءِ كطيورٍ جريحةٍ قبل أن تسقطَ واحدةً تلو الأخرى في مياهِ النهرِ العظيم، حاملةً معها كلَّ الحكاياتِ التي لم يُكملْها.

منذُ سنواتٍ طويلةٍ، اعتادَ الحوار"الرجلُ المسنُّ." أن يجلسَ كلَّ صباحٍ على كرسيِّه الخشبيِّ البالي، قربَ دكّةِ بابِ منزلِه المتواضع. كان وجهُه يُشرقُ كلَّما مرَّ به طفلٌ صغير، فيمدُّ يدهُ المتيبسةَ ببطءٍ إلى جيبِ معطفهِ القديم، ليُخرجَ قطعةَ حلوى ملونةً ويهديها للطفلِ بابتسامةٍ دافئة. كانت هذهِ طقوسُه اليومية، لحظاتُه الثمينةُ التي تمنحُه شعورًا بأنه ما زالَ حيًا.

لكنّ الصباحَ الذي تلاه كان مختلفًا. وقفَ الرجلُ في المكانِ نفسِه، لكن دونَ معطفه الذي اعتادَ أن يخبئَ فيه الحلوى. رياحٌ باردةٌ كانت تعصفُ بالشارعِ الخالي، ولم يمرَّ به أيُّ طفل. ظلَّ واقفًا صامتًا، كشجرةٍ جافةٍ في يومٍ شتوي.

ثم فجأة، بدأ الرجالُ المسنون بالقدوم. جاءوا واحدًا تلو الآخر، واصطفوا بانتظامٍ إلى يساره، كجنودٍ في موكبٍ غامض. امتدَّ الصفُّ الطويلُ حتى نهايةِ الطريقِ الضبابي، وبدأ الجميعُ يرددون كلماتٍ موحدةً بصوتٍ أشبهَ بترنيمةِ الموتى:

**"لن يمنعنا حرُّ التجوال..."**

أما هو، فبقيَ صامتًا. لم تتحركْ شفتاه، لكن عينيهِ الزجاجيتين كانتا تحدقانِ في الأفقِ البعيد، كأنهما تريانِ شيئًا لا يراهُ الآخرون. ربما كان يرى مدينةَ الملاهي البعيدة، أو ربما كان يرى أوراقَ الحوارِ الأخيرةَ وهي تطفو على سطحِ النهرِ العظيم، حاملةً معها آخرَ ما تبقى من ذكرياتٍ لن يعودَ لها أبدًا.



#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “خريطة المدينة التي ترفض أن تُرسم
- مدن الظلال
- الاشتياق المر
- تَحْتَ نَارِ الرِّمَادِ
- شبح الليمون
- **أَنَا السَّجِينُ البِكْرُ**
- ذات مساء
- خريفٌ بلا أوراق
- ضياع في طريق معبد
- يا صيحة اجدادي … أيُّ دعاء تنتظرون؟
- مخاض
- قناديلها مرايا
- أذكريني – إلى فيروز
- مرسى في الخليج
- فِردَوسُ المُدُنِ الشَّقِيَّةِ
- النحل …الورد
- قَدَر
- كتابات بالماء الحر
- وصية اخيرة
- رجل في غاية الحنين


المزيد.....




- الأونروا تكذب الرواية الإسرائيلية: لم نسجل أي حالات لاستيلاء ...
- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيرالله قاسم المالكي - **الحوار الصامت**