خيرالله قاسم المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 21:22
المحور:
الادب والفن
بكتْ عيوني تحت أضواء القمر،
ليس لأنّ الحزن كان حاضرًا،
بل لأنّ المطر تذكّرني.
كأنه جاء يعتذر…
على تأخّره،
على نسيانه لبيوت الطين،
وأمّهاتٍ ينتظرن جرار الماء
في فجرٍ بلا نهر.
في وهران،
في الزوايا التي لم تطلها العدسات،
كان المطر يرسم على التراب
حروفًا لا تُقرأ،
إلا حين تغمض عينيك.
كانت كلّ قطرة
صوتًا من ذاكرةٍ بعيدة،
كأنّ السماء تهمس:
“ما زلتُ هنا، لكني لا أعدُك بشيء.”
وفي لحظةٍ
أفلتُّ وجعي،
ضحكتُ…
ضحكتُ بصدقٍ كأنني طفلٌ عاد إلى حجر أمّه
بعد غيابٍ طويل.
ضحكتُ،
فاشتعل الألم.
قد يتّهمني ألمي…
أنني خنته،
أنني نسيتُ كيف أمشي فوق الزجاج،
كيف أعدّ نغزات القلب كل صباح،
كيف أكتبُ بالحبر الذي يسيل من الشقوق.
لكنني – صدّقني –
لم أخنه،
أنا فقط…
مشيتُ مع الماء.
أنا والماء،
كنا نعبر الأزقّة المكسوّة بوحلٍ خفيف،
نرسمُ ظلالنا
على الحيطان،
نتقاسم البلل والنسيان،
ونتواطأ على ذاكرةٍ تريد أن تصرخ،
لكنها تكتفي بالتنهيدة.
كان يعشق الطين،
وأنا أعشق بقايا الغيم،
وكلانا لا يثق بالسماء.
في كلّ بلدة نسيتها الخرائط،
في كلّ كهفٍ منسيّ تحت الجبال،
كنا نبحث عن اسمٍ واحدٍ
يُشبهنا.
ولم نجد،
إلا هُدهدًا مبللًا بالدهشة،
يصفّر في اللاشيء.
الآن…
فنجاني فارغ،
الضوء باهت،
ولا أحد يطرق الباب.
لكن المطر…
لا يزال يكتبني على الزجاج،
قطرةً
قطرةً
كأنني لم أُولد بعد.
الليلة الأخيرة،
رأيتُ المطر يدخل من النافذة دون استئذان،
ينزع معطفي،
يهمس في أذني:
“لقد بللتك… بما يكفي لتتذكّر.”
ابتلّت القصائدُ في جيبي،
صارت الكلماتُ رخوة،
تسيل بين أصابعي كأحلامٍ نُسيت قبل أن تكتمل.
وفي زاوية الغرفة،
رأيتُني — أنا الآخر —
أجلس قبالة نفسي،
أحتسي من فنجانٍ لا قهوة فيه،
وأتبادل الصمت مع وجهي القديم،
الذي فقد ظلاله.
المطر لم يكن ماءً،
بل صدى…
صدى من كنتُه،
من كنتُ أظنني عليه،
من لم أكنه أبدًا.
ثم خرج،
وترك الباب مواربًا،
كأنه يقول:
“لا تنتظر نهاية،
فأنت الآن… مجرد قطرة في سيرة الغيم
#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟