خيرالله قاسم المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 17:08
المحور:
الادب والفن
قصةقصيرة
في معركةٍ لم تُرفع فيها رايات، ولم تُقرَع طبول،
في معركة “تحرير الأرض المحتلة الكبرى”،
كان صادق الحافي الخاسر الوحيد،
والخاسر الأكبر.
لم تكن الأرض سوى مرايا مكسورة،
ولا كانت المعركة على سلطة أو نفوذ،
الصراع كان على “الولاية”،
كلمة مشتعلة، تتسرطن في جسد وطنٍ لا يتذكّر اسمه،
وطنٍ ينسى حدوده ويشكّ في جغرافيته.
صادق لم يكن محاربًا،
كان عاشقًا أعرج،
يجرّ خلفه ذنوب الولاء المَرضيّ،
ويطارد طيف امرأةٍ لا تعرفه،
امرأةٍ ترسم له الحلم، وتمحوه في نفس اللحظة.
قال لنفسه ذات وهم:
“كنْتِ فاتنة… جسدكِ أزهر قبل أوانه…”
وكان يصدق ما يقول،
كما يصدق السجين أن زنزانته وطن.
حبّه لم يكن حبًا.
كان تعلّقًا مرضيًا،
حفرةً بلا قاع،
سرطانًا ناعمًا يأكل ذاكرة رجلٍ لم يتعلّم كيف يُهزم.
أرادها كاملة.
وهي كانت ظلًّا لا يُمس.
كان يراها سامقةً، تكتب المستحيل بخطّ مستقيم،
وكان يذوب،
ويشيخ،
ويتفتت،
بين أصابعها التي لم تلمسه يومًا.
هي كانت هناك،
خارج التاريخ،
خارج المسافة،
خارج الحكاية.
وهو كان يغرق فيها أكثر،
كلما هربت.
عندما ضرب الناس من حوله،
لم يكن عنفًا،
كان طقسًا تطهيريًا يحاول به تخفيف صوته الداخلي،
ذاك الصوت الذي كان يقول له:
“إنها لا تريدك.”
وحين مات أحدهم لمجرد أنّه خالف أمره،
لم يكن القتل سوى تفريغٍ لحقدٍ لم يجد طريقه إليها.
كانت أوهامه تعمل لها وحدها،
مثل عبيد لا يرفعون رؤوسهم،
كانت الآمرة،
وهو كان الظل.
تغيب الأوهام،
فيموت صادق،
تعود،
فينهض كجسدٍ يُنفخ فيه رماد.
ظلّ يتعلّق بها،
وهو يعرف أنها لا تحبّه،
ولا تحبّ أحدًا،
ولا تحتمل أن يحبّها أحد.
ومع ذلك،
ظلّ يحلم بفتات الجسد،
أن يكسب منها شيئًا،
أي شيء،
يكتبه انتصارًا،
ولو على شكل قبلة من رماد.
في نهاية المأساة،
لم يكن يهمّه إن عاش إبراهيم أو مات،
كان يرى فقط عينيها،
ويحمل سلاحه نحوها،
وفي النظرة الأخيرة،
نظرة الغِلّ،
خرجت كل هزائمه دفعة واحدة،
كل وجعه،
وكل تلك الذات التي طحنها وهم الحبّ تحت قدمَي امرأة لا تنظر خلفها.
أطلق النار،
ورأى كل شيء ينطفئ.
بكى.
ولم تكن دموعه ندمًا.
بل كانت دموع هزيمة،
الهزيمة الأخيرة،
حين ينتصر الوهم،
ويحصل على كل شيء:
القلب،
الجسد،
والموت
#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟