أغاني الناي المفقود

خيرالله قاسم المالكي

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 21:30
المحور: الادب والفن
    

لَنْ تَلِدَنِي الحَقِيقَةُ..
جِئْتُ مِنْ رَجُلٍ مَزَارِعٍ
كَانَ يَحْمِلُ مَسَحَاتِ القَدَاسِ
وَإِبْرِيقَ مَاءٍ يَتَسَرْبَلُ بِضَبَابِ الفَجْرِ..
يَخْتَلِسُ الوُضُوءَ مِنْ نَهْرٍ
لَيْسَ لَهُ اسْمٌ فِي الخَرَائِطِ!

فِي مَرَايَا اللَّيْلِ..
لَا أَرَى إِلَّا انْعِكَاسَ سَرِيرٍ
يَحْتَضِنُ عَوْرَتِي بِدُونِ غِطَاءٍ..
أُنَادِي:
"يَا لَيْتَ السَّنَوَاتِ السَّارِقَةَ
تَرُدَّ إِلَيَّ بَقَايَا كَهْلٍ مُحِبٍّ"..
فَتَجِيبُنِي العَوْرَةُ:
"هَذَا لَيْلُ مَا بَعْدَ الحَقِيقَةِ..
فِيهِ تَغِيبُ المَرَايَا!"

مِيلَادِي مُتَخَفٍّ..
أَحْمِلُ مِعْوَلًا يَثْمِرُ فِي النَّهْرِ
وَأَنْجِبُ زَرْعًا مِنْ لَحْمِي..
يَا مَنْجِمِي العَدَمِ..
هَذِهِ الوُرُودُ تَزِينُ قَبْرِي قَبْلَ أَنْ أَمُوتَ!

انْحَرُوا الذَّبَائِحَ..
فَالضُّيُوفُ مَلَائِكَةٌ تَخَلَّعَتْ عَنْ طَهَارَتِهَا..
حَوَّاءُ ضَحِكَتْ
وَقَسَّمَتِ التُّفَّاحَةَ مَعَ ظِلِّهَا..
وَأَنَا..
أَقِفُ عَلَى حَافَّةِ المَائِدَةِ
أَسْحَبُ لِسَانِي كَمِئْزَرٍ دَمَوِيٍّ!

كُلَّمَا جَاءُوا بِسَبَايَا..
قُلْتُ: "هَذِهِ السَّمْرَاءُ تُضِيءُ مَخْدَعِي الرَّقْمِيَّ"..
سَرِيرِي يَفِيضُ بِمَاءٍ مُشَفَّرٍ..
وَأَنَا..
أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ هُوَ..
بَيْنَمَا يَهْرُبُ الغُزَاةُ بِبَقِيَّةِ الأَجْسَادِ!

السَّاعَاتُ وَاقِفَةٌ..
وَالأَيَّامُ تَعُجُّ بِإِعْصَارٍ
يَحْمِلُنِي إِلَى مَقْبَرَةِ "وَادِي السِّلْمَةِ"..
حَيْثُ المَوْتُ
يَلْعَبُ بِأَرْقَامِ الحِسَابِ
كَمُهَنْدَسٍ يُحَاوِلُ بَرْمَجَةَ العَدَمِ!

ضَحِكْتُ..
لأَنَّ طَاوِلَةَ الرَّقْصِ
صَارَتْ ثَدْيَيْ غَانِيَةٍ..
يَحْتَفِلُ بِهِمَا الذُّبَابُ..
وَالكَأْسُ الَّتِي شَرِبُوا مِنْهَا
تَحَوَّلَتْ إِلَى ظِلٍّ فِي زِفَافِ الحَنْظَلِ..
وَأَنَا..
بِحَارٌ مِنَ المَاءِ المَالِحِ
تَجْرِي فِي شَرَايِينِ الخَلِيجِ!

فِي ذُرْوَةِ الحُرُوبِ..
يَنْكَسِرُ الرُّمْحُ
وَتَتَثَاءَبُ الذِّئَابُ حَوْلَ جُثَّةٍ..
لَيْسَ لَهَا رَقَمٌ جُغْرَافِيٌّ..
فَقَطْ..
بِطَاقَةُ ائْتِمَانٍ مَسْرُوقَةٌ
تَقُولُ:
"هَذِهِ الوَلِيمَةُ مُقَدَّمَةٌ مِنْ قَنَاةِ الحَرْبِ العَالَمِيَّةِ"!

لَبِسْتُ جِلْبَابَ أَبِي..
فَأَنْكَرَنِي..
وَصَارَ المِسْمَارُ الَّذِي يُعَلِّقُهُ
يَصْرُخُ:
"أَيْنَ العُصْفُورُ الَّذِي كُنْتُ أَحْمِلُهُ فِي جَيْبِي؟"..
وَأَنَا..
أَقِفُ أَمَامَ المِرْآةِ
أُحَاوِلُ قِرَاءَةَ البَارْكُودِ
المُسَجَّلِ عَلَى ظَهْرِ الجِلْبَابِ!

#خيرالله_قاسم_المالكي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل