بوتان زيباري
الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 09:10
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
لم تكن سقوط النظام في سوريا ذلك النصر المُنتظر لأنقرة، بل تحوّل إلى كابوس يطارِدها في عقر دارها. لقد ظنّوا أن رحيل الأسد سيفتح لهم أبواباً مُشرعة نحو نفوذٍ إقليمي وحلٍّ لأزمات اللاجئين والكورد، فإذا بهم يُفاجَأون بشرق أوسطٍ أكثر تعقيداً، وأعداءً أقوياءَ يحفرون خنادقهم على حدودهم. لقد انقلب السحر على الساحر، وبدلاً من أن تتنفّس تركيا الصعداء، وجدت نفسها في مواجهة كيانٍ جديد يملأ الفراغ: إسرائيل التي توسّعت كالنار في الهشيم، ورسّخت أقدامها في الجولان والسويداء، بل وهدّدت أحلام أنقرة بخطابٍ صريحٍ يعيد إلى الأذهان أمجاد الإمبراطورية العثمانية ويحذّر من عودتها.
لم تكن المسألة مجرّد مناوشات عسكرية، بل تحوّلت إلى معضلة استراتيجية عميقة. فإسرائيل لم تعد تحتاج إلى تركيا كما في التسعينيات، حين كانت العلاقة بينهما تحالفاً استراتيجياً ضد عدوٍّ مشترك. اليوم، صار لإسرائيل حلفاء جدد في اليونان وقبرص، وأصبحت "اتفاقات إبراهيم" تُقلّص من قيمة الورقة التركية في المعادلة. لم يعد الأمر مجرّد صراع على الأرض، بل هو تحوّل جيوسياسي كبير يجعل أنقرة تواجه لوحة إقليمية لم تعد هي من يرسمها.
وفي خضم هذه العاصفة، عادت القضية الكوردية لتطلّ برأسها من نافذة التاريخ. لقد كان اردوغان يأمل أن يُحقق تقدماً في حواره مع أوجلان، وأن يضمن دعم الحزب الكوردي في البرلمان، لكنّ الكورد السوريين – بدعمٍ غير مباشر من وعود إسرائيلية بحماية الأقليات – باتوا أكثر تمسّكاً بمطالب الحكم الذاتي. لقد خرجت الأمور عن السيطرة، وأصبحت أنقرة بين مطرقة التوسع الإسرائيلي وسندان المطالب الكوردية.
ولم تنفع كل المحاولات الدبلوماسية مع واشنطن، ولا التهديدات العسكرية، ولا حتى اللجوء إلى روسيا. فموسكو ليست حليفاً موثوقاً، وهي لن تخاطر بعلاقتها مع إسرائيل من أجل تركيا. وهكذا وجدت أنقرة نفسها في متاهة لا مخرج منها، إلا إذا غيّرت رؤيتها بالكامل. ربما يكون الحل ليس في فرض نموذج الدولة المركزية، بل في الاعتراف بتعدّدية سوريا، وضمان حقوق الأقليات، وبناء سوريا جديدة تقوم على المواطنة لا على الهيمنة.
فهل تستطيع أنقرة أن تتخلى عن أحلام الهيمنة القديمة، وتتبنّى رؤية جديدة تُعيد الاستقرار إلى المنطقة، وتُحقّق لها ما لم تحققه بالسلاح؟ المستقبل وحده هو الذي سيجيب.
#بوتان_زيباري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟