|
بيان القوى الوطنية الديمقراطية في اللاذقية- تساؤلات وهواجس!
نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 16:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بيان من " تجمّع القوى الوطنية الديمقراطية في اللاذقية" " حول" التجمّعات الطائفية والدعوات الانفصالية" ،يطرح تساؤلات عميقة ويكشف طبيعة الأوهام التي تحكم عقلية التفكير السياسي النخبوي المعارض ! لنعترف بداية أنّه "بيان جيد" طالما يتحدّث للمرّة الأولى في بعض التفصيل عن" أطراف" في مشروع التقسيم، وقد تجاهلت نخبه منذ تاسيس تجمّعها الديمقراطي قبل بضعة أشهر طبيعة مشروع تقسيم سوريا، تاريخيا منذ ٢٠١٢ ، وفي حقبة ما بعد سقوط سلطة الأسد، وغيّب وعيها السياسي الوقائع التي تبيّن أنّ كلّ ما حصل و نتج خلال المعارك" الطائفية"المتنقّلة بين الساحل السوري والسويداء منذ مطلع شباط لم يخرج عن سياق صراع السيطرة على الساحل والسويداء بين قوى وأذرع مشروع التقسيم التي تقودها قسد وبين أجهزة و شركاء السلطة السورية الجديدة ، الساعية لفرض شرعية سيطرتها وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسساتها الوليدة . من جهة ثانية، يتحدّث البيان مرارا وتكرارا عن " دعوات الفيدرالية والكونفدرالية أو حتى الانفصال "، ويشير إلى أنّ بعض هذه الدعوات يعود إلى " ما قبل سقوط النظام البائد"،وأنّ هذه" الدعوات "راحت تتعمّق بعد سقوطه وفرار رموزه وفاسديه" ، لكنّها ، أي " الدعوات " " باتت اليوم، مع ممارسات السلطة القائمة، أعمق وأشدّ تنوعاً، وتحاول تجاوز الطابع الانفعالي باتجاه تصورات سياسية، وإن كانت هذه التصورات محكومة بسقف طائفي أو مناطقي." التساؤلات التي تطرح نفسه : هل من الموضوعية اختصار مشروع و جهود التقسيم بمستوى الدعوات ،والتصورات السياسية؟ وهل ارتبط تعميق نزعات التقسيم وارتفاع أصوات الدعوات إليها تحت يافطات اللامركزية والفدرالية فقط بممارسات وسلوك السلطة الجديدة؟ ألا تغييب هذه القراءة السطحية حقائق ووقائع مشروع تقسيم سوريا التاريخية ، والراهنة ؟ لماذا هذا التركيز على بعض تمظهرات الصراع التي تبرز في " دعوات" البعض الإنفصالية ، وربطها في سلوكيات السلطة الجديدة، وتغيّبون ارتباطها الحقيقي بأجندات قوى مشروع التقسيم؟
إذا كنتم تتجاهلون وقائع أنّ الإجراءات والخطوات الرئيسية لتأسيس مقوّمات كيان جيوسياسي قسدي كانت قد حصلت منذ مطلع ٢٠١٢ ، وإذ تحمّلون السلطة الجديدة كامل المسؤولية عن توفير أسباب تعمّق نزعات انفصالية ، اليس من حقنا التساؤل : ألم يكن من واجبكم كقوى وطنية ديمقراطية عدم تجاهل وقائع أن مرتكزات وقوى مشروع التقسيم سابقة لسلطة دمشق، وستتواصل بعدها بغضّ النظر عن طبيعة وسلوك السلطة الجديدة؟ ! ثمّ، هل تعتقدون بعدم وجود استراتيجية لقسد في مواجهة تحدّيات مرحلة ما بعد سقوط الأسد، الناتجة عن مشروع السلطة الجديدة لإعادة توحيد الجغرافيا وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات دولة مركزية موحّدة، بما فيها تفكيك مرتكزات مشروع قسد، وبالتالي تغييب مسؤولية قسد ؟ هل حقّا لا تعرفون حقائق خطوات ووقائع تأسيس مشروع قسد وعوامل سياقه التقسيميّة منذ مطلع ٢٠١٢؟ دعونا نتذكّر أبرز خطوات تأسيس مرتكزات مشروع" إقليم شمال وشرق سوريا" الذي أُعلن عنه رسميا عام ٢٠١٨،وتضمّن تشكيل " المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا"، وبات يمتلك قبل سقوط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر، وفي عوامل سياق مشروع أمريكي( إيراني أسدي) لتقسيم سوريا، جميع مقوّمات الكيان الجيوسياسي المستقل: جيش وأجهزة أمنية - حكومة خاصة ( الإدارة الذاتية )- برلمان وجبهة سياسية ( مسد )- جغرافيا، تشغل أكثر من ربع مساحة الجمهورية السورية بعد الاستقلال ، وكلّ ما على سطحها وفي باطنها من ثروات بشرية وجغرافية وتاريخية و اقتصادية -السيادة المطلقة- إضافة إلى مشروع سياسي للسيطرة على دمشق ، عملت مسد على بناء أداته السياسية ( جسم ديمقراطي سوري!) منذ مطلع ٢٠١٦ حتى صيف ٢٠٢٤: *خلال ٢٠١٢، تمّ تأسيس قوّات " حماية الشعب والمرأة والاسايش " التي شكّلت تباعا العمود الفقري للكيان الجديد . * خلال ٢٠١٣، تمّ الإعلان عن تأسيس نواة كيان سياسي جديد ، لاوّل مرّة في سوريا منذ ١٩٤٥، بأسم " روج آفا"، أشبه بكيان " سعد حداد ، في جنوب لبنان!! * خلال ٢٠١٥، تمّ تأسيس جيش " قوات سوريا الديمقراطية "( قسد)، بدعم أمريكي مباشر، كما تمّ تأسيس " مجلس سوريا الديمقراطية " (مسد )بدعم روسي مباشر ، وبمشاركة " شخصيات وتيّارات " ديمقراطية " ، ليكون بمثابة " برلمان " و " قيادة سياسية " للكيان قيد التأسيس !! * خلال معارك و حروب منتصف ٢٠١٤ ٢٠١٩، تمّ الانتهاء من رسم الحدود الجغرافية للكيان الجديد ، مقتطعا مناطق من أربع محافظات سورية- الحسكة ودير الزور والرقة وحلب. * بعد مطلع ٢٠٢٠، وفي إطار إجراءات وخطوات مسارات مشروع تسوية سياسية أمريكية خاصة ، (عملت على إعادة تأهيل سلطات الأمر الواقع التي تبلورت بجانب سلطة قسد – أسد و"المؤقّتة" و "الإنقاذ") تمّ خلال ٢٠٢٤ اعتماد " دستور ديمقراطي " خاص بالكيان ....باسم " العقد الاجتماعي "... * في مؤتمر ٢٦ نيسان ٢٠٢٥ ، تمّ تغيير إسم الإقليم إلى " روجافاي كردستان " بمشاركة ومباركة القوى الكردستانية السورية والإقليمية ، وفي ظل دعم فرنسي مباشر ، ومظلّة حماية إسرائيلية .. * في خطوات إضافية على طريق الإنفصال التام ،وبذرائع نهج السلطة الإقصائي ، وفي تجيير لدماء الضحايا ، سيطرت أجهزة الأمر الواقع القسدية والمسدية على جميع مؤسسات الدولة السورية وأعلنت وزارة تربية " الإدارة الذاتية " ، في خطوة تصعيد غير مسبوقة ضد سلطة دمشق ، إيقاف تدريس مناهج الدولة السورية في جميع المؤسسات التعليمية، الحكومية والخاصة، واستبدالها بمنهاج " روج آفا " الأوجلاني !!
ما هي دلالة تجاهلكم لطبيعة استراتيجية قسد المُعلنة لتفشيل مسارات العملية السياسية الإنتقالية، وإسقاط سلطة دمشق ، عبر دعم جهود إقامة أقاليم سياسية منفصلة في الساحل والسويداء تحت يافطات اللامركزية السياسية وشعارات حماية حقوق المكوّنات السياسية و الطائفية!! وفوق كلّ ذلك، تجاهلتم أنّه، في هذا السياق الإنفصالي، من الطبيعي والوقعي أن يكون لقسد مصلحة ودور في كلّ ما حصل ونتج عن معارك السيطرة على الساحل السوري والسويداء....وهي بالتالي تتشارك مع سلطة دمشق بتحمّل المسؤولية التاريخية والراهنة ، وقد باتت بعد سقوط سلطة النظام البائد قائدة مشروع التقسيم، وتدعم جميع الحركات الإنفصالية، وهي القوّة السورية الأقدر على تجيير " مجازر السويداء في تموز الفائت.....و ما حصل ويحصل من قتل واختطاف للنساء واعتقالات وتهجير خارج أيّ قانون، في حمص وحماه وصحنايا وأشرفية صحنايا والسومرية وسواها من المناطق السورية......" لتعزيز جهود وقوى الإنفصال ، وليس فقط الدعوات ، وكان أبرزها مؤتمر " وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا " في ٩ تموز ، وحضور قادة الانفصال في السويداء والساحل ؟ ثانيا، ليس خارج السياق ، هل الدافع الحقيقي لهذا البيان هو الحرص على كشف الأوهام ، ورفضها أم هو الخشية من ظهور "منافسين جدد " ، حيث يضع البعض " هذه التجمعات الطائفية إزاء الحركة الوطنية الديمقراطية وكبديل لها ولخطّها، في إغفال لأهمية هذا الخطّ الوطني الديمقراطي وتاريخه النضالي العريق والمجرّب"؟ هل حقّا تحرصون على حماية الحركة الوطنية الديمقراطية في مواجهة تيّارات التقسيم اللاوطنية الجديدة ؟ وهل تساهمون فيما تقدّمون من ثقافة سياسية وسلوك في بناء " الخط الوطني الديمقراطي السوري ... الذي يمكن أن يُعقَد الأمل عليه في الخروج من الكارثة الوطنية؟ " كيف سيكون ذلك ، ويفتقد خطابكم وموقفكم إلى الموضوعية ، ويشكّل في تجاهله لطبيعة مخاطر مشروع قسد انحيازا موضوعيا له، رغم أنّه ، بحكم المصالح والسياسات، القائد الفعلي لجميع أذرع وأصوات التقسيم الطائفية ، وهو مصدر الخطر الرئيسي ؟ هل حقا تعتقدون أنّكم تمثّلون " هذا الخطّ وهذه القوى الوطنية الديمقراطية " التي تمتلك " كلّاً من الخطة الاستراتيجية الأسلم للبلد والخطة الانتقالية الأكثر أمناً والتي تنطوي على حلّ حقيقي انتقالي وتدرّجي"؟ وما هي خارطة طريقكم الإنتقالية ؟ مبادىء القرار ٢٢٥٤، التي " تنطوي على حلّ حقيقي انتقالي وتدرّجي" ؟ هل تتجاهلون الوقائع ، وتحاربون الأوهام بالأوهام؟ لقد دعت مبادىء القرار العتيد الذي صدر في نهاية ٢٠١٥ إلى حل سياسي للصراع بين سلطة الأسد وقوى معارضة ، ولم تكن مسد التي باتت بعد سقوط سلطة الأسد، ولدوافعها السياسية الخاصة، تتبنّى القرار كأولوية، من بينها حتى آخر جلسات " حوار الطرشان " بين حكومة دمشق و " الهيئة العليا للمفاوضات"، قبل سقوط الأسد بأشهر قليلة ؟ مقابل ذلك ، ماذا حصل على الأرض ؟ هل كان القرار الأممي ومايزال في أجندات وسياسات القوى الدولية التي دبّجت مبادىء القرار وأصدرته في مجلس الأمن في نهاية ٢٠١٥ يشكّل خارطة طريق حل سياسي وتحوّل ديمقراطي؟ ولماذا لم يكن كذلك في الممارسات الواقعية للصراع ؟ وهل من الموضوعية التعويل على " روح القرار " بعد كلّ ما حصل من تغيّرات نوعية على خارطة السيطرة الجيوسياسية منذ مطلع ٢٠١٦؟ ١ ماذا تقول الوقائع ؟ تقول انّها في مواجهة ما يمكّن أن يشكّله القرار على الصعيد النظري والسياسي كخارطة طريق حل سياسي وتحوّل ديمقراطي، قادت الولايات المتّحدة وروسيا جهود عسكرية وسياسية ، صنعت وقائع خارطة طريق حلول عسكرية ، في محطتين رئيسيتين: ١تاريخيّا، في ساحات ووقائع الصراع، قادت الولايات المتّحدة، التي دبّجت " المبادىء "، و قبل إصدار البيان في نهاية ٢٠١٥ ،بالتنسيق مع روسيا ( التي لم تستخدم الفيتو ضده، ومثّلت " شاهد زور ! ) و منذ منتصف ٢٠١٥ معارك وحروب إعادة تقاسم سوريا، وكان الأسد شريكا ، كما كانت قسد ، وقد استمرّت حتى نهاية ٢٠١٩ ، و تخللها تكريس سلطات أربع كيانات ميليشاوية، تحوّلت لاحقا بعد ٢٠٢٠ حتى نوفمبر ٢٠٢٤ إلى حكومات منفصلة، متصارعة على الشرعية السورية، ومناطق النفوذ والنهب !! ٢ ولم تكن المرّة الوحيدة التي سقط فيها القرار أمام خَيار عسكري أمريكي وروسي : لقد سقط القرار مرّة ثانية أمام خَيار الحل العسكري، عندما انطلقت جحافل غرفة العمليات العسكرية وقيادة الهيئة في في ٢٧ نوفمبر في حرب نوعية، أدّت إلى إسقاط سلطة الأسد الشرعية، التي عوّل عليها أصحاب القرار لقيادة " العملية السياسية الإنتقالية " الأمميّة، وانتصر الحل العسكري مرّة ثانية ، وقادت سلطة التحرير في دمشق مسارات عملية سياسية إنتقالية في منظور ومخرجات " مؤتمر النصر " ،وليس وفقا لروح للقرار ٢٢٥٤ ( وقد أكّد قائد غرفة العمليات العسكرية في لقاء مع ديمستورا" أنّه قد بات من الماضي!) وباتت قوى" المعارضات السياسية" السورية التي كانت تفاوض سلطة الأسد برعاية واعتراف الأمم المتحدة من إجل تنفيذ ٢٢٥٤ جزء من هذه العملية السياسية الجديدة( حلّت هيئة التفاوض و " إئتلاف قوى الثورة والمعارضة " نفسيهما ، ووضعوا كلّ ما يملكون في خدمة تمكين العملية السياسية الإنتقالية ؟ على أيّة ، إذا غضينا النظر عن موضوعية تلك الأحداث التي تجعل تنفيذ مسار سياسي وفقا " لروح القرار " أو "جثّته" مستحيلة ، دعونا نتساءل: ألم يكن السبب الرئيسي لفشل مفاوضات جنيف التي كانت تسير طيلة سنوات وفقا لروح القرار ٢٢٥٤ هو عدم امتلاك القرار لآليات فعّالة ، تجبر سلطة الأسد على التوصّل إلى توافقات، وتنفيذها، وقد استغلّ الأسد هذه الثغرة للتملّص، والتهرّب ....؟ طيب ، ما هي الآلية اليوم التي تجبر الرئيس أحمد الشرع على تبنّي القرار ، والتوصّل إلى تفاهمات ، وتنفيذها ؟ وهنا نصل إلى مواجهة الحقيقة المرّة : كيف تفسّرون تطابق موقفكم تجاه " استراتيجية " القرار ٢٢٥٤ مع موقف مسد ؟ وهل تساءلتم ت عن حقيقة دوافع مسد تجاه القرار؟ يبدو لي أنّ تبنّي مسد لآلية "روح "القرار ٢٢٥٤، بعد رفضها لمسارات وجوهر القرار في السابق، وعدم المشاركة في جهود " هيئة التفاوض السورية " بعد ٢٠١٦، ورفضها للوساطات والجهود الروسية والامريكية منذ ٢٠٢٠ للتوافق مع سلطة دمشق في إطار تسوية سياسية شاملة ، يفسّره دوافع بروباغاندا إعلامية وسياسية لا تخرج عن أدوات حربها ضد سلطة دمشق ، كالقول بأنّها تتمسّك بمسارات الشرعية الدولية ( مقابل رفض السلطة الجديدة لها ؟)، كما تستخدم وقائع استحالة التنفيذ لتحميل السلطة مسؤولية ذهابها في مشروعها الانفصالي المضاد إلى خواتيمه، تماما كما تستغلّ دماء ومعاناة العلويين والدروز ، للقول بأنّها مهددة ، ولن توافق على آليات الدمج وفقا لاتفاق ١٠ آذار! في خلاصة القول : أعتقد أنّه بغض النظر عن طبيعة سلطة دمشق، ومشروعية سلوكها وبرنامجها الوطني، وهي قضايا إشكالية كبيرة ، إلى متى تستمرّون في تجاهل أبرز حقائق الصراع: تبيّن طبيعة الصراع على سوريا ما بعد الأسد أنّ مصير الكيان الجيوسياسي السوري وشكل النظام السياسي يتوقّفان على نتائج الصراع بين قوى مشروعين ، لا ثالث لهما : مشروع سلطة دمشق ، الساعية لإعادة توحيد الجغرافيا التي مزّقتها نتائج وقوى مشروع التقسيم ، وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات دولة مركزية موحّدة، وبين مشروع قسد، الساعي لتثبيت مرتكزات مشروع قسد الإنفصالي، وشرعنتها دستوريا ، عبر فرض وقائع تعميم نموذجها ، وإقامة كانتونات لامركزية طائفية تحت شعار " اللامركزية السياسية " ....وما على النخب الوطنية الديمقراطية سوى تحديد موقفها بشفافية وموضوعية .تغييب وجود مشروع قسد، وحقيقة مصلحة و مسؤولية قيادته عن توفير شروط التقسيم، لايمكن أن يكون أساسا لتشكيل ثقافة و أداة مشروع ديمقراطي سوري، ولا يعطي النخب مصداقية التمثيل !!
" تجمّع القوى الوطنية الديمقراطية في اللاذقية بيان حول التجمّعات الطائفية والدعوات الانفصالية
بعد كلّ مجزرة طائفية أو تهجير أو اختطاف أو اعتقال مما تشير حتى تحقيقات السلطة القائمة إلى أنّ قوّاتٍ تابعةً لها ضالعةٌ فيها، صار من المعهود في سوريا أن تتعالى دعوات إلى الانفصال أو الفيدرالية أو الكونفدرالية على أساس "المكوّنات"، أي الطوائف والأعراق والأقوام، وعلى أساس المناطق الجغرافية في أحسن الأحوال. حدث ذلك بعد مجازر الساحل في آذار المنصرم، وحدث بقوة أكبر بعد مجازر السويداء في تموز الفائت، وتعزز ويتعزز بعد ما حصل ويحصل من قتل واختطاف للنساء واعتقالات وتهجير خارج أيّ قانون، في حمص وحماه وصحنايا وأشرفية صحنايا والسومرية وسواها من المناطق السورية. يأتي ذلك أيضاً في ظلّ تدخّلات دولية وإقليمية سافرة كبرى في الشأن السوري، ومحاولات بعض الفاعلين المحليين ملاقاة هذه التدخّلات؛ كما يأتي في ظلّ فشل واضح لسلطة الأمر الواقع، لا في تقديم رؤية لمغادرة الماضي الأسدي الاستبدادي الفاسد فحسب، بل في حلّ أيّ مشكلة من مشاكل العيش اليومي للسوريين. صحيحٌ أنّ دعوات الفيدرالية والكونفدرالية أو حتى الانفصال تعود في بعض بداياتها إلى ما قبل سقوط النظام البائد، وأنّها راحت تتعمّق بعد سقوطه وفرار رموزه وفاسديه، لكنّها باتت اليوم، مع ممارسات السلطة القائمة، أعمق وأشدّ تنوعاً، وتحاول تجاوز الطابع الانفعالي باتجاه تصورات سياسية، وإن كانت هذه التصورات محكومة بسقف طائفي أو مناطقي. إننا في تجمّع القوى الوطنية الديمقراطية نحمّل سلطة الأمر الواقع المسؤولية الأولى والأساسية عمّا آلت إليه البلاد، لا بسبب ما يُرتكب من قمع وانتهاك ومجازر فحسب، بل أيضاً وأولاً بسبب إعادتها إنتاج النظام الأسدي، وإصرارها المماثل لإصراره على التنكّر لكلّ ما صبا إليه الشعب السوري وقواه الحيّة من خارطة للانتقال من الاستبداد والفساد إلى دولة القانون والمواطنة المتساوية. غير أنّ ذلك كلّه، إذ يفسّر الاندفاع الغريزي لمن يتعرّضون للذبح والحرق والسلب والنهب نحو كلّ من يتوقعون لديه حمايةً أو ملجأً، ولو كان العدو التاريخي، ويفسّر استغلال بعض النخب ما يحصل من دّفع بهذا الاتجاه، اتجاه الانفصال أو الكونفدرالية تحت حماية هذه الجهة الدولية أو الإقليمية أو تلك، فإنّه لا يبرره على الإطلاق، لا نظرياً ولا أخلاقياً ولا استراتيجياً ولا حتى براغماتياً. بل إنّ الأمر يتعدّى ذلك إلى أنّ القوى الدولية والإقليمية التي يجري اللجوء إليها، ومعها من يرتكبون ما يُرتكَب، ومعهم بعض النخب الداعية إلى الانفصال على أساس المكوّنات يكادون يتخادمون، موضوعياً على الأقلّ. إنّ القوى الوطنية الديمقراطية في الوقت الذي تذكّر بأنّ الطائفة ليست بالأساس الصالح لإقامة دولة أو وطن "طبيعي" غير عنصري وقابل للحياة، وليست تلك الوحدة أو الجماعة التي لا تقبل مزيداً من الانقسام الشرس هي ذاتها، تذكّر أيضاً أنّ دعوات الانفصال والكونفدرالية والفدرالية في السياق الراهن لا تعدو كونها أوهاماً مجرد أوهام، عاجزة تماماً سوى عن مزيد من الخراب على كلّ صعيد، في فوضى دموية شاملة واستتباع عبودي لهذا السيد الإقليمي والدولي أو ذاك. كما أنّنا ننبّه، لا سيما في الساحل، إلى كثير من فلول النظام الذين يطلّون برؤوسهم بعد كلّ حادث فادح، في هذا الجسم التنظيمي أو ذاك، مدّعين الاندفاع لإنقاذ أبناء جلدتهم، وهم الذين لم يبالوا على مدى عقود وطوال 14 عاماً من الدم والقتل، ولا يبالون اليوم، بأكثر من استعادة السلطة وموارد الفساد والنهب. وذلك في الوقت الذي نميّز بين هؤلاء وبين كثير من العناصر المنضوية في مثل هذه الأجسام أو المحبّذة لها ممن نفترض أنّهم يجب أن يكونوا جزءاً من المشروع الوطني الديمقراطي الجامع البعيد عن الطائفية. ما هو بالغ الغرابة وفادح الخطأ أن يضع بعضهم هذه التجمعات الطائفية إزاء الحركة الوطنية الديمقراطية وكبديل لها ولخطّها، في إغفال لأهمية هذا الخطّ الوطني الديمقراطي وتاريخه النضالي العريق والمجرّب لحساب طروحات غرّة أو فلولية أو طائفية، في نوع من الانتحار الحضاري يُجهز على آخر رمق حيّ يمكن أن يُعقَد الأمل عليه في الخروج من الكارثة الوطنية. إنّ هذا الخطّ وهذه القوى الوطنية الديمقراطية -على الرغم من ضعفها وقلّة حيلتها بسبب القمع الوحشي- تمتلك كلّاً من الخطة الاستراتيجية الأسلم للبلد والخطة الانتقالية الأكثر أمناً والتي تنطوي على حلّ حقيقي انتقالي وتدرّجي، ألا وهو مبادئ القرار الأممي 2254 المستخلص من أفضل الرؤى الانتقالية السورية الوطنية الديمقراطية والذي لا يزال المجتمع الدولي يعيد التوكيد عليه مرّة بعد مرّة حتى بعد سقوط النظام الأسدي. وهو ما ندعو شعبنا السوري برمّته وقواه الحيّة إلى الاحتشاد خلفه والنضال لتنفيذه، بديلاً حقيقياً لا للأنظمة الاستبدادية فحسب، بل للبدائل الطائفية وحلولها الوهمية الزائفة. إنّ الرهان كلّه هو على شعبنا وقواه الحيّة في بقائنا وطناً سيّداً موحّداً، وفي بقاء قضايانا القومية والإنسانية مطروحة، بالدفع نحو دولة القانون والمواطنة المتساوية والديمقراطية، فهذا الدّفع وحده هو المعوَّل عليه في تجاوز الكارثة الوطنية الرهيبة التي نحن فيها وكبح تناسلها إلى مزيد من الكوارث. تجمع القوى الوطنية الديمقراطية في اللاذقية الخميس 4/أيلول/ 2025".
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في آخر مستجّدات الصراع على الساحل السوري.
-
لماذا هذا الإصرار على توصيف الصراع على سوريا بين ٢
...
-
كيف نفهم طبيعة سياسات روسيا تجاه سوريا الجديدة، التي اطلقت خ
...
-
في الاسباب الحقيقية لتبنّي اللامركزية السياسية في رؤية ومش
...
-
كيف يمكن تجنيب السوريين عواقب الصراع المسلّح على مناطق سيطرة
...
-
الصراع على السويداء ، و عوامل مشاريع السيطرة الإقليمية!
-
- حزب العمل الشيوعي في سوريا- مثالية النظرية، ومأزق الممارسة
...
-
لماذا تراجعت الإدارة الجمهورية عن مشروع السيطرة الإقليمية ال
...
-
كيف نفسّر تباين الخطاب الرسمي حول طبيعة المسؤولية عن الهجوم
...
-
هل المفاوضات التي تجريها -قسد- مع السلطة الجديدة وسيلة لشراء
...
-
طبيعة الصراع الإقليمي ومأزق الوعي السياسي النخبوي اليساري!
-
إشكاليات العلاقة بين التكتيكي والاستراتيجي في أهداف ونتائج ا
...
-
الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وعواقب مأزق علاقات السيطرة التش
...
-
هل تجاوزت الحرب الإسرائيلية الإيرانية الخطوط الحمراء؟
-
الصراع الإيراني الإسرائيلي، وقضية البرنامج النووي والبلاستي!
-
هل يقلب الإيرانيون الطاولة على رأس نتنياهو؟
-
التسوية في غزة و قطار التطبيع الإقليمي- فرص وإمكانيات!
-
الصراع على سوريا في أهداف وأدوات الخيار الأمني الميليشياوي!
-
الصراع على سوريا بين ٢٠١١ ٢
...
-
قائد - قسد- وآخر مستجدّات العلاقات مع تركيا.
المزيد.....
-
إسرائيل تواصل نسف أبراج غزة وحماس -توافق- على إطلاق جميع الر
...
-
توقيف أكثر من 400 شخص في بريطانيا خلال تظاهرة دعم لمجموعة با
...
-
لمكافحة الجرائم... ترامب لا يستبعد خيار التدخل العسكري في شي
...
-
البرتغال: انقطاع كابل يربط مقصورتين سبب حادثة تحطم عربة التر
...
-
اليابان: رئيس الوزراء شيغيرو إيشيبا ينوي الاستقالة بعد انتكا
...
-
48 ساعة لا تُنسى في ريغنسبورغ البافارية
-
-مدرسة ماجدة عوض-.. خيام تعليمية تبعث الأمل لأطفال غزة
-
بينها -السفينة الصحفية-.. هكذا أبحرت سفن كسر الحصار من إيطال
...
-
ترامب يلوح بتدخل عسكري بشيكاغو وحاكم الولاية غاضب
-
-برج واحد يساوي حي كامل- هكذا يدمر الاحتلال مدينة غزة
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|