نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 12:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في إحدى فقرات" التصريح الصحفي" ، الذي صدر عن " مسد " في نهاية لقاء استكهولم الثالث ،١٤ إيّار ٢٠٢٢، نقرأ :
" كما درس إشكالية الهوية الوطنية في العقد الاجتماعيّ القادم، وفي أهداف ومبادئ هذا العقد بالتركيز خصوصاً على مسألتي الهوية السورية واللامركزية، التي بحث أيضاً في جلسة ثالثة في مقترحات تطبيقها وملامحها والتحدّيات التي تواجهها" .
ثمّ يضيف ، مؤكّدا :
"هما مسألتي الهويّة السورية واللامركزية التي تعمل عليهما لقاءات استوكهولم - الثاني ، ٩١٠ نيسان الماضي ، والثالث ، ١٤١٥ أيّار الجاري" .
رابعا ،
في مفهوم الهوية الوطنية .
في اعتقادي ، تبلور الهويّة الوطنية لأي " شعب "، بما هي نتاج لتوافق جميع هويّاته السابقة لتشكّل الدولية الوطنية - القومية والإثنية والدينيّة- لا يصل الى شكله القانوني / السياسي ، إلا في سياق صيرورة بناء الدولة الوطنية ، التي يقودها نظام " ديمقراطي وطني " ، يعمل في سياق بناء مقوّمات الدولة الديمقراطية الوطنية وبشكل واع على دمج جميع مكوّنات الشعب في بوتقة وطنية/ سياسية ، موحّدة . من الطبيعي أن يأتي في مقدّمة مقومات الدولة الوطنية الدستور الديمقراطي المدني ، الذي يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات ، دون أي نقص ، او زيادة ، لأي سبب، علاوة على السيادة الوطنية، وحماية المصالح الحيوية للدولة !
عندما تفشل السلطة السياسية ، لعواملها ومصالحها الخاصة ، وفي عوامل سياق تاريخي محدد ، في تحقيق الدمج والحفاظ على المقوّمات ، تظهر التصدّعات ، وتتباين الرؤى ، ويبدأ الجميع البحث عن مخارجه الخاصة ، المرتبطة بانتماءات ما قبل الهوية الوطنية، والمرتهنة لمصالح القوى الخارجية.
يبدو جليّا أنّ قضية طبيعة النظام ، وهويّة سلطته السياسية هي العامل الحاسم في النجاح أو الفشل ، والتآكل ...
بناء عليه ، يصبح واضحا ان الترويج لمفهوم الهويّة الوطنية ربطا مع " اللامركزية السياسية " في السياق القسدي لا يهدف سوى إلى ذر الرماد في عيون السوريين ، واخفاء حقيقة الاهداف التكتيكية والاستراتيجية التي يسعى إليها قادة وأصحاب مشروع قسد ، والتي تمثّلت على الصعيد التكتيكي، وفي مسارات وإجراءات التسوية السياسية الأمريكية الجزئية، في أهداف مشروع " التأهيل الشامل والمتزامن لسلطات الأمر الواقع " ، وفي مقدمتها سلطة كيان قسد " الديمقراطي" ( التي تبلورت نهاية ٢٠١٩ في مسارات صيرورة تدمير مقوّمات الهوية الوطنية السورية التي قادتها سلطة الاسدين منذ ١٩٧٠)، كما تتبلور على الصعيد الاستراتيجي في سيطرة قسد على سوريا .
رابعا ،
لايخرج عن سياقات وصيرورة مشروع قسد على المستويين التكتيكي والاستراتيجي مسعى قيادة مسد للربط بين هاتين الاطروحتين ( اللامركزية والهوية الوطنية السورية ) في لقاءات استوكهولم، الثاني والثالث، و الاهداف الحقيقية للتركيز عليهما من قبل الطرفين الرئيسيين المشاركين في لقاءات استكهولم- الفريق " الديمقراطي العربي " ، والفريق الديمقراطي الكردي ؟!
١لماذا يحظى مفهوم اللامركزية ( والفدرالية )، واولويّة الوصول الى توافق حوله، هذه الاهميّة القصوى في مواقف مسد ؟
▪︎ يؤكّد الشيخ " رياض حمود درار "، الرئيس المشارك في مجلس سوريا الديمقراطية "، على الأهميّة الخاصة لأطروحة " اللامركزية" ، وضرورة التوافق حولها كخطوة أولى لأغنى عنها لتشكيل جسم سياسي ديمقراطي معارض :
" في استوكهولم ٢، حطّينا نقطة اساسية لمشروع الدولة السورية في المستقبل ، ومن خلال تجربة الإدارة الذاتية في مشروع " اللامركزية الديمقراطية ". ....
تمّ التأكيد على ضرورة اللامركزية لسوريا ،وهو مشروع يمكن أن يُطبّق على اساس إدارة المناطق نفسها بنفسها .
٢ما هي طبيعة المناطق التي يعتقد السيد رياض أن الحل السياسي، وشكل سوريا المستقبل يكمن في أن" تدير نفسها بنفسها" ؟
لنترك الجواب للسيّدة إلهام أحمد، الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية:
▪︎في لقاء خاص على تلفزيون عفرين ١مع السيّدة إلهام احمد ، الرئيس التنفيذي لمجلس سوريا الديمقراطية، تتحدّث عن وجود فعلي لثلاث سلطات أمر واقع ، متباينة سياسيا وثقافيا وعسكريا ، وضرورة أن يأخذ اي مسار سياسي هذه الحقائق بعين الاعتبار.."
تُضيف :
" التقييم الشامل للمشهد السياسي السوري يُظهر " ثلاث مناطق نفوذ ، موجودة في الجغرافيا السورية، وبما يجعلها مقسّمة سياسيا وعسكريا وثقافيا .في ظل هذا الوضع ، بالتأكيد ، البحث عن حل سياسي ، يفتح المجال للحديث عن سوريا جديدة ، تكون ضمن إطار نظام لامركزي. وهذا يحتاج الى تفاهمات ، وحوارات مطوّلة . .... وبات يدرك الجميع ضرورة أن يأتي الحل السياسي على يد جميع السوريين، دون إقصاء أي طرف من مكوّناته الثقافية . لذلك الحديث عن اشراك الإدارة لابدّ منه."١لماذا يحظى مفهوم اللامركزية ( والفدرالية )، واولويّة الوصول الى توافق حوله، هذه الاهميّة القصوى في مواقف مسد ؟
٣لماذا يحظى مفهوم (الهويّة الوطنية )، وضرورة الوصول الى توافق حوله تلك الاهميّة القصوى في مواقف " الفريق الديمقراطي العربي"؟
لنستمع الى ما يقوله الأستاذ "موفّق نيربية "، عضو "اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى والشخصيات الديمقراطية في سوريا"، التي انبثقت عن لقاء بروكسل ، واحد أكثر الديمقراطيين المتحمسين والمبررين ل"مشروع مسد الديمقراطي" :
《عندما انبحثت في القاء ٢ مسألة اللامركزية ، كنّا من حيث الشكل كأننا نعطي للكرد نقطةٍ،( مع اني انا مع اللامركزية أكثر من الكرد) ..!
النقطة الثانية ، التي يجب أن تتبعها في استوكهولم ٣، هي " الهويّة السورية ".وهي مسألة لنا نحن . للسوريين ، لنا جميعا . هما نقطتان ، تتوازنان معا!
مثل ما ههن بدهن اللامركزية(؟!) ، نريد أن يرى جميع السوريين أن الكرد ليسوا كما يقال انفصاليين . هم يؤمنون بسوريا الموحّدة (!!). يؤمنون بوحدة سوريا ، وهذا نسير باتجاهه!!.
هل يُريد الأستاذ "موفق نيربية " ، المناضل الشيوعي المخضرم ، والديمقراطي البارز ، أن يستخدم يافطة التوافق على مفهوم " الهويّة الوطنية " كغطاء ، يستر واقع اهداف مشروع مسد -تثبيت حدود ومواقع جميع سلطات الأمرالواقع؟ وهل تبنّي افكار اطروحة ما او عدمه هو الذي يحدد طبيعة القوى ، وأهدافها السياسية الحقيقية؟ هل يسعى لتبرير مشاركة القوى الديمقراطية في مشروع يتناقض مع مسارات بناء الدولة الوطنية السورية؟ !! يا لها من " حنكة " سياسية !!
ألا تلاحظون أيّها السادة تناقض مفهوم الهوية الوطنية السورية، الذي تصنعه صيرورة بناء دولة وطنية ديمقراطية موحّدة ، مع التطبيق العملي ، في هذه المرحلة من سيطرة ميليشيات قوى الأمر الواقع، لمفهوم اللامركزية ، الذي لن يؤدّي تطبيقه في هذا الواقع السوري الراهن سوى الى شرعنة سلطات الأمر الواقع الميليشياوية، ( اسد وقسد وابو عمشة والهيئة )وبما يدمّر مسار بناء الدولة الوطنية الديمقراطية؟
هل تسخرون من عقولنا؟ يبدو انّكم نسيتم مسار جنيف ، والقرار ٢٢٥٤، وخطوة الانتقال السياسي في دمشق ، وخارطة طريق التحوّل الديمقراطي !!
خامسا ،
يؤكّد كلّ الفرضيات " الاتّهاميّة " التي ضمّنتها القسمين السابقين ما يطرحه " الرفاق الديمقراطيون " ، في الفقرة الأولى من وصفة " الهويّة الوطنية " المزعومة ، التي تناولتها حوارات ستوكهولم٣ !!
لنقرأ بعناية :
"أولاً- آن الأوان ليدخل السوريون عهداً جديداً عن كلّ ما سبق، عهداً من السلام والحرية والحداثة والازدهار، ويخرجوا من أزمنة الهويّات المتناحرة والعيش دائماً على أعتاب الحروب واحتمالاتها؛ إلى هوية واحدة لا يختلفون عليها، ليس فيها نفي أو اقصاء لأحد، قادرة علي جمعهم في بوتقة وطنية واحدة، من دون أن يحتاجوا للتخلّي عن هويّاتهم الفرعية الأخرى، قومية كانت أم إثنية أم دينية أم مذهبية وطائفية"
تطرح الفقرة مجموعة من " المغالطات " التي لايمكن أن تنطلي على مدبجو الورقة، وتصل الى درجة" الخطايا الوطنية: !
١اعطاء الانتماءات القومية والطائفية والمذهبية صفة " الهويّة " حتّى ولوكانت " فرعية "، يتناقض مع المفهوم القانوني للهوية .الهويّة هو مفهوم قانوني / سياسي يرتبط بالدولة الوطنية ، وما تعطيه من حقوق وواجبات ، تجعل من حاملها مواطنا ، حاملا لجنسية محددة .الحديث عن امتلاك هويّة عربية او كردية او اسلامية ، ناهيكم عن " هوية علوية او سنية ....كمن يتحدّث عن " امتلاك " شيك " بل رصيد !! لايمكن في ظل دولة المواطنة ان تتعايش الهوية الوطنية ّمع هويّات اخرى ، ولكنها تقبل ، وفقا لنصوص دستورية واضحة ، بحريّة انتماءات المواطنين المذهبية أو القومية والسياسية. أمّا أن نحوّل الانتماء الى" هويّة" ، فهذا ما يحصل فقط في ظل الانظمة الاستبدادية ، حين تعمل السلطة المهيمنة على رفع الأنتماءات الى مستوى الهويّة ، أو بما يتجاوزها ، لتفتيت الشعوب قوميا وطائفيا...من اجل ديمومة سلطتها ، وهذا مفهوم تماما !!
٢ الحديث عن " هويّات متناحرة " في سوريا هو تزوير للتاريخ ، خاصّة لطبيعة الصراع الذي تفجّر في اعقاب الثورة السورية ٢٠١١ ، ولا يختلف عن توصيف النظام وقوى الثورة المضادة، التي تصرّ دعاياتها على ان ما حصل لم يكن سوى حروب اهلية / طائفية ، وتبرر حروبها بكونها ضدّ الارهاب الطائفي !!
فهل يجهل" الرفاق الديمقراطيون" حقيقة إنّ التناقض الرئيسي في سوريا ، وكامل منطقة ثورات الربيع العربي ،هو بين سلطات انظمة رأسمالية / إستبدادية، وبين طموحات ونضالات ملايين البشر للتحرر ولبناء مؤسسات الدولة العادلة ، وليس بين هويّات متناحرة ، وانّ الصراع الذي تفجّر في ربيع ٢٠١١ لم يكن في سياق صراع تناحر هويّاتي " ؟
هل قضى العشرات من المشاركين في تدبيج هذا البيان اجمل سنوات عمرهم خلف القضبان لأسباب تتعلّق بصراع الهويّات ؟
كيف يكون صراع هويّات ، وتجمع "قسد "تحت راية جيشها الموحّد عشرات الانتماءات القومية والمذهبية والسياسية ؟
كيف تعتقد "مسد" أنّ السوريين في حالة صراع هويات ، ويعيش الكرد والعرب والسريان والاشوريون ...والمسلمون والمسيحيون في تعايش ووئام في كنف " ادارتها الذاتية " ؟
٣ الحديث عن " هويات متناحرة "، وبما يتضمنه من انفصال عن الواقع ، وتزوير للحقائق التاريخية التي تقول بتعايش السوريين السلمي والطبيعي ، خاصة الكرد والعرب ، هو تضليل سياسي لتبرير "مشروع التقسيم الفدرالي "، أليس كذلك يا حضرات ؟ فعندما تصل العلاقات بين المجموعات البشرية ، ايّ يكن طبيعتها ، الى درجة التناحر ، يصبح الطلاق ، هو الحل ،رغم كونه " أبغض الحلال الى الله "!! اليس الطلاق هو الذي تسعون اليه ، والذي اصبح واقعا سياسيا وميليشياويا وثقافيا ، كما تقولون ؟!
وهنا يصبح الحديث عن هوية واحدة ، وبوتقة واحدة ، الذي تتضمنه الفقرة ، ليس له مدلول عملي ،ولا يدخل إلّا في باب التضليل !!
سادسا ،
في الختام ، وخلاصة القول :
إنّ اطلاق صيرورة بناء الهوية الوطنية السورية هو مسار متناقض تماما مع اهداف المشروع الامريكي الذي تعمل قسد على تنفيذه، وتحاول مسد اعطائه الشرعية السورية، تحت يافطة " منصّة ديمقراطية "( مسار ديمقراطي- مؤتمر ديمقراط)، والذي لن يؤدّي موضوعيا سوى الى شرعنة "حصّة "الولايات المتّحدة، تماما كما هو الحال في الدور الذي تعمل عليه سلطة " الإئتلاف " في المنطقة التي تحتلها تركيا..او غيرها في حصّة " الأسد "!! فصيرورة بناء الهوية الواحدة في ظل مؤسسات دولة ديمقراطية موحدّة ،يستحيل أن تتقدّم وعبر مسار الحوار والاعتراف المتبادل بحقائق الواقع الراهنة( كما جاء في مؤتمر " القدس المحتلّة " في حزيران ٢٠٢١)، وكما يعتقد "قادة مسد"، و حيث تسيطر سلطات الأمر الواقع الميليشياوية،التي تشكّل اداة وقاعدة للإحتلالات الاجنبية ؛ الامريكية والروسية والتركية والايرانية ، اليس كذلك يا حضرات ؟ هل سيحصل السوريون على دولة وطنية ديمقراطية( فدرالية و لامركزية) عندما يحكم السوريون " انفسهم بأنفسهم ، في ظل سيطرة سلطات الأمر الواقع القائمة "؟ ايّ تضليل هذا، واستخفاف بعقول السوريين ؟!
▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎
( ١)- وهو بالتالي " لا وطني "، ولن نتوقّع منه أن يؤسس لبناء هويّة وطنية . هي علاقة جدلية لايمكن الفصل بين أطرافها: الديمقراطية والوطنية ، وكان من الطبيعي أن تسعى انظمة " الديكتاتوريات العسكرية " الناصرو بعثيّة "، التي سيطرت على دول المنطقة المستقلّة ، على تهميش هذه الحقيقة !!
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟