نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 10:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قراءة نقدية راهنة في تجربة "حزب العمل الشيوعي"، مع التأكيد على كامل احترامي وتقديري لعظيم التضحيات التي قدمها أعضاء وكوادر وقيادات وجمهور الحزب في مواجهة سياسات نظام الأسدين الاستبدادية، و أمنياتي للجميع بموفور الصحة، وسعادة تحقق الآمال، أود أن أوضّح وجهة نظري في قضية رئيسيّة تجاهل الحديث عنها وفقا لمتابعتي كلّ مَن تناول تجربة الحزب. هي إلى هذه الدرجة من الأهمية لأن تبعاتها السياسية كانت تتفاقم في تقدّم مسارات وخطوات مشروع تقسيم سوريا منذ مطلع ٢٠١٥، في سياقات حروب جيوش حلفاء الولايات المتّحدة وروسيا لإعادة تقسيم سوريا، وفي صيرورة "إقليم شمال وشرق سوريا"، وقد باتت في أعقاب سقوط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر، ومواجهة تقدّم مسارات العملية السياسية الانتقالية، تُمثّل تهديدا متزايد الخطورة على السلم الأهلي في الساحل السوري والسويداء، وعلى الأمن القومي السوري بشكل عام، و أصبح من واجب النخب الوطنية، خاصة من أبناء التجربة، تشخيص طبيعتها في أطروحات الرابطة و الحزب التأسيسية، وكشف مخاطر أعراضها في وعي وممارسة أصحابها، وآليات معالجتها الوطنية، وقد كانت وماتزال تحمل بصمات "الرابطة" الأم، وتوحّد ممارسات الرفاق السياسية رغم كلّ ما حصل على الرابطة و الحزب من تغيّرات نوعيّة منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي في سياقات صراعات داخلية معقدة و مواجهات أمنية بالغة القسوة قبل ٢٠١١، وفي مواجهة تحدّيات تفجّر الثورة السورية ربيع ٢٠١١، ونجاح جهود تحالف "قوى الثورة المضادة" في هزيمتها خلال ٢٠١٢، ودفع الصراع السياسي على مسارات الخَيار الميليشاوي الطائفي، وصيرورة مشروع تقسيم سوريا عند مطلع ٢٠٢٠.
أعتقد أنّ الخطيئة الوطنية الكارثية في أطروحات الرابطة السياسية والنظرية خلال النصف الثاني من السبعينات، ثم حزب العمل لاحقا ، هي تبنّي ما يسمى "حق تقرير المصير للأكراد السوريين، وصولا إلى الاستقلال" بناء على قراءة مجتزأة من السياق لأطروحة لينن حول حق تقرير المصير لدول الاتحاد الروسي القومية ، وقد سحب مثقفو الرابطة "اللينينيون" مقولة لينن من سياق شروطها التاريخية... وغيّبوا طبيعة مقاصدها السياسية في ذلك الحين وفي الشروط التاريخية البلشفية المحددة، التي كانت تتوخّى توفير الغطاء السياسي والنظري، وتشجيع قادة الجمهوريات "الروسية القومية" للانخراط في مشروع توحيد الجمهوريات الاشتراكية الوليدة، الذي أصبح بفضل حنكة لينن السياسية وتضحيات ملايين الشيوعيين وأبناء الإمبراطورية الروسية السابقة "لتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية العظمى". هذه الصيرورة التوحيديّة التي ساهمت في نجاحها أطروحة لينن بما قدمته من تطمينات لقادة الجمهوريات القومية الروسية السابقة يؤدّي سحبها الميكانيكي على حالة السوريين الكرد إلى تشجيعهم على الانفصال عن الجسد السوري الأم،وشرعنة جهود أصحاب المشاريع السياسية الانفصالية التي تستغلّ مظالم الكرد القومية المتعددة المستويات، وتتساوق موضوعيا وذاتيا بشكل خاص مع أهداف وأدوات مشروع تقسيم العراق وتركيا الذي عملت عليه الولايات المتّحدة منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ومشروع تقسيم سوريا بأذرع الإسلام السياسي الجهادي والكردستاني، الذي عملت عليه واشنطن وحلفها الدولي منذ منتصف ٢٠١٤، وقد أنتج تكامل تلك العوامل - في عواقب حرب الخليج الثانية ١٩٩١ و غزو العراق ٢٠٠٣ و تدخّل جيوش واشنطن وحلفها الإقليمي والدولي في سوريا منذ منتصف٢٠١٤ - في السياقات والصيرورة كيانات سياسية ميليشاوية انفصالية في العراق وسوريا تحت يافطات الفدرالية واللامركزية السياسية ، وميليشيات إرهابية عابرة للحدود في تركيا، كادت أن تُطيح بوحدة الدولة التركية الحديثة.
أيها الأصدقاء ،
إذا كان من الطبيعي أن تتقاطع رؤية حزب العمل الشيوعي حول حق السوريين الكرد في تقرير مصيرهم السياسي القومي مع أهداف مشروع شقيقه الستاليني في حزب العمال الكردستاني التركي لإعادة توحيد دولة كردستان التاريخية المزعومة، يبقى المثير "للإعجاب"، هو تقاطعها مع جهود وسياسات سلطة الأسد الأب تجاه تركيا، عندما عملت على توفير كلّ مقوّمات القوّة والاستمرار لحزب العمال الكردستاني التركي في سياق مشروع الولايات المتّحدة لتقسيم دول الإقليم ... وهو ما وضع أطروحات الحزب ورؤيته، المتقاطعة نظريا والمتحالفة سياسيا مع "حزب العمال الكردستاني التركي"، في تقاطع مع سياسات سلطة النظام السوري الاستبدادية التي أعلن الحزب حربه عليها، ووضع في رأس قائمة أولوياته إسقاطها، وجعل من الجميع موضوعيا وسياسيا بعض أدوات تحقيق أهداف مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكي الذي سعى منذ مطلع الثمانينات لتفشيل دول الإقليم وتقسيمها! (١)
طبيعة هذا التحالف الغير منظور في وعي كوادر ورفاق وأصدقاء حزب العمل الشيوعي أصبحت في الممارسات السياسية أكثر وضوحا منذ مطلع ٢٠١٥ عندما انحازت وتحالفت نخب معظم انشقاقات حزب العمل الشيوعي مع قوى مشروع" قسد"، وساهمت في تأسيس واجهته السياسية "مسد" ، متجاهلة طبيعة عوامل سياق التأسيس التاريخية ، الإقليمية والسورية ، التي تبيّن ارتباط مشروع قسد ومسد بسلطة الأسد والنظام الإيراني، تحت مظلّة عوامل مشروع التقسيم الأمريكي... وقد تكاملت جهودها منذ مطلع ٢٠١٢ في صناعة مرتكزات "إقليم شمال وشرق سوريا" الذي بات في خطوات وإجراءات التأهيل منذ مطلع ٢٠٢٠ أحد شركاء سلطة الأسد، ومرتكزات مشروع التقسيم الإيراني الأمريكي- إضافة إلى حكومات "المؤقّتة" و "الإنقاذ"( تكامل أدوار ميليشات الإسلام السياسي الجهادية مع المليشيات الكردستانية التركية )- ولا يغيّر من واقعية هذه الحقائق الطبيعة التناحرية في بعض العلاقات بين الشركاء، وتناقض المرجعيات الإقليمية والدولية، ولم تكن تتجاوز سقف الصراع على الحصص ومناطق النفوذ والنهب.... برعاية السيد الأمريكي، صاحب المشروع، والمشغّل لأدواته وأذرعه!!
ما يؤكّد موضوعية هذه القراءة الشاملة لطبيعة أهداف وأدوات، ونتائج سياسات، مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكي الإيراني التشاركي، هو العواقب الكارثية الراهنة من وجهة نظر القضية الوطنية السورية ومصالح الأمن القومي السوري !
في هذه المرحلة التاريخية النوعية التي أطلق صيرورتها تغيّرات نوعية في استراتيجيات السيطرة الأمريكية، الإقليمية والسورية (٢) ، وأتى في سياقها إنجاز إسقاط سلطة الأسد في الثامن من ديسمبر على يد تحالف" الهيئة "، وإطلاق مسارات العملية السياسية الانتقالية التي تتضمّن إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات الدولة المركزية الجديدة ، ما تزال تلك النخب "الديمقراطية"، التي تبنّت شعارات مسد و قسد حول "اللامركزية السياسية" و "الديمقراطية" و "حقوق المكوّنات السياسية" - وصولا إلى حق إقامة أقاليم سياسية مستقلة – تتمسّك بوعيها وممارساتها المتوافقة مع أهداف وأدوات مشروع التقسيم الذي تقوده قسد دفاعا عن امتيازات السلطة والسلاح، رغم سقوط سلطة الأسد، العمود الفقري لمشروع التقسيم، وتغيّر عوامل السياق الأمريكية، و تناقض أهداف المشروع الواضحة مع شروط تحقيق السلم الأهلي و بناء مقوّمات الأمن القومي السوري....
بكلّ أسف، يبدو جليّا حتى اللحظة، غياب أيّة بوادر بعد كلّ ما حصل للخروج من هذا النفق الثقافي والسياسي والوطني والديمقراطي والإنساني، لأسباب ودوافع أيدولوجية غير موضوعية،.... وربما، وهو الأخطر ، لما بات عليه البعض مع علاقات تبعية وارتهان مع مسد!!
فهل من أمل، قبل فوات الأوان، في هذه الشروط التاريخية الجديدة، وقد أصبحت قيادات المشروع الكردستاني تركيّا وعلى الصعيد السوري، في خواتهما، في ظل و عواقب التغيّر الاستراتيجي الأمريكي!!
التعويل على الوعي الوطني ، وزوال الغشاوة عن عقول
وعيون النخب السياسية والثقافية السورية والكردية الوطنية، والوطن من وراء القصد!!
-----------------------------------------
(١) -ليس خارج السياق ، الحقيقة الابرز في سياسات السيطرة الإقليمية الأمريكية التي جهلتها أو تجاهلتها أطروحات الحزب وممارسات الرفاق السياسية والثقافية هي طبيعة أهداف وأدوات مشروع السيطرة الإقليميّة الأمريكي التشاركي، الذي أطلقت صيرورته إدارة كارتر- بريجنسكي في نهايات سبعينات القرن الماضي، وسعى ، في سياق استراتيجة مواجهة التغلغل السوفياتي ، إلى قطع صيرورات التحوّلات الديمقراطية بدءا من طهران مطلع ١٩٧٩، وتجيير الصراعات الداخلية على السلطات المحلية من أجل تفشيل دول الإقليم وتقسيمها- وكل ذلك بأدوات الإسلام السياسي الجهادي، السلطوي والعابر للحدود ، وبأذرع الميليشيات المتطرّفة والشوفينية الكردستانية .
(٢)- المؤسف أنّه ماتزال نخب هذا الطيف الواسع من الوعي السياسي تتجاهل طبيعتها، وتمارس ثقافة الإنكار، لدوافع سياسية ترتبط أساسا بما تحمله من أخطار على مشروع قسد ...
نزار بعريني،
طرطوس - يوليو ٢٠٢٥
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟