نزار فجر بعريني
الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إعلان مجموعة "عيسى ابراهيم - كنان وقاف" عن تأسيس مشروع سياسي لفصل الساحل السوري عن الجسد الأم- تحت يافطة "اللامركزية السياسية، الفيدرالية لمناطق غرب سوريا "- يطرح تساؤلات عميقة، من واجب ومصلحة السوريين في السلطة وعلى الصعيد الوطني والشعبي العام البحث عن إجاباتها الموضوعية!
١ مَن يموّل؟ ٢ ما هي طبيعة الأجندات السورية المستفيدة؟ ٣ ماهي الأجندات الدولية؟ ما هي مسؤولية السلطة الجديدة؟ ما هي طبيعة المسؤولية الوطنية النخبوية؟
هي مجموعة تساؤلات متداخلة، في تداخل أجندات الصراع على سوريا في حقبة ما بعد إسقاط سلطة الأسد وإطلاق السلطة الجديدة لبرنامج تفكيك مرتكزات "مشروع التقسيم الأسدي الإيراني الأمريكي" السابق عبر خطوات وعلى مسارات وفي سياق إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات دولة مركزية موحّدة، في مواجهة مشروع قسدي مضاد، يسعى لتفشيل مسارات العملية السياسية الإنتقالية لصالح نظام كانتونات انفصالية لامركزية على نموذج " روجافاي كردستان" (١)
في العودة إلى التساؤلين الاوّل والثاني حول طبيعة الجهة المموّله والأجندات "السورية" ، ليس من الصعوبة ملاحظة أنّ المستفيد الوحيد من نشاط عيسى ابراهيم هو قسد. فهو يؤكّد من جهة أولى على واقعية دعايات أطروحات برنامج مسد السياسي حول معاناة "العلويين" ورفضهم لمشروع "الدولة المركزية" الذي تطرحه السلطة الجديدة لإقامة نظام تشاركي مركزي، وهو يعزز، من جهة ثانية، جهود قسد ومسد الميدانية، السياسية والإعلامية والعسكرية، لفصل الساحل السوري...
ما هي الأجندات الدولية؟ هي بشكل رئيسي أجندات حكومية أوربية، فرنسية وإلمانية بالدرجة الأولى، في جهود سعيها لصناعة "لوبيات" سورية، تستخدمها كأوراق ضغط ضد السلطة المركزية، وهي في الواقع لا تقتصر على المرحلة الجديدة من الصراع على سوريا، ولا على المستوى السوري، بل هو نهج سياسي "استعماري"، قديم ومتجدد!!
هي أيضا، أجندات "إسرائيلية"، ولا تخرج من حيث الجوهر عن سياسات "أوراق الضغط"، لكن الخطورة تكمن في الفارق النوعي بين أجندات الحكومات الأوربية وحكومة نتنياهو الإرهابية... في حين تسعى الحكومات الأوربية للحصول على امتيازات اقتصادية وتأثير سياسي في مشروع النهضة الاقتصادية الجديد، تسعى حكومة الحرب لفرض شروطها الخاصة بالتسوية السياسية مع سوريا، بما يشرعن احتلالها للجولان، ويضمن لها شروط إقامة "منطقة آمنة" حتى تخوم دمشق.
ما هي مسؤولية السلطة الجديدة؟ مما لاشك فيه أنّ مشروع السلطة الجديدة وآليات سيطرتها هي المُستهدف الرئيسي في نتائج ومسارات مشروع التقسيم، وهو ما يوضح ما يجب عليها القيام به، ليبقى التساؤل الرئيسي: هل تقوم السلطة بما يكفي لمواجهة وتفشيل مشروع قسد المضاد، الذي يشكّل أخطر أدوات وأوراق الضغط في مشروع السيطرة الإسرائيلية (٢)؟ أبدا، وهي لم تعترف حتى الآن بطبيعة المشروع، ولم تكشف للرأي العام السوري طبيعة مخاطره، ولم تضع استراتيجية وطنية لمواجهة أدوات ووسائل قسد لفصل الساحل السوري والسويداء، وقد تحوّلت بعض منابر إعلام السلطة الجديدة الى منصّات لترويج أفكار مشروع قسد، كما وازدحمت قاعات "الحوار الوطني" بمؤيدين وداعمين لمشروع التقسيم، وهو ما يعطي مصداقية لأكاذيب دعايات قسد التي تقول أن السلطة شريك في توفير شروط التقسيم ...!
لماذا تتجاهل السلطة الجديدة أهميّة وضرورات طرح استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة مشروع التقسيم القسدي؟ لماذا لا تتخذ إجراءات وخطوات رادعة، خاصة على المستويات السياسية والإعلامية والثقافية والقانونية؟
ماذا عن دور النخب السياسية والثقافية السورية الوطنية؟ لا صوت ، ولا صورة ، وهي الغائب، والمغيّب، والفاقد القدرة على الفعل الوطني، وهو نتاج سياسات إقصاء وتهميش تاريخية، مارستها سلطات الأسد الساقطة، وماتزال قائمة حتى اليوم!! التساؤل برسم السلطة الجديدة: لماذا هذا الحرص على تغييب الصوت الوطني، الداعم لجهود برنامج الرئيس الإنتقالي الوطني؟
غياب الموقف الحكومي الداعم لقيام دور وطني فاعل للنخب السياسية والثقافية السورية، في معارك حماية مصالح السوريين الوطنية المشتركة ومواجهة أجندات وقوى مشروع التقسيم، لاينبغي أن يضعف من إرادة النضال الوطني السوري، بل يجب أن يدعو القوى الوطنية إلى تعزيز أشكال ووسائل توصيل صوتها للرأي العام، وتحويله إلى قوّة وطنية فاعلة!
السلام والاستقرار لسوريا وشعبها، والعدالة للسوريين في أطر مؤسسات الدولة الوطنية الموحّدة!
(١)-ياخذ الصراع على سوريا مسارين: الصراع على شكل النظام السياسي، ويدور بين القوى السياسية والثقافية داخل هياكل ومؤسسات السلطة الجديدة، وهي تناقضات ليست بالثانوية، وقد برز خلال المرحلة السابقة تبيانا واضحا بين طبيعة المشروع السياسي الذي طرحه ويتبناه الرئيس الإنتقالي أحمد الشرع، وبين رؤى وتطلّعات إسلامية متطرّفة، مؤدلجة. يقوم برنامج الرئيس الإنتقالي على نظرية مشروع وطني سوري، وفقا لمساري إعادة توحيد سوريا في إطار نهضة إقتصادية، وعلاقات دولية وإقليمية متوازنة، وفقا لمبادىء المصالح المشتركة التي حدد ملامحها برنامج توحيد سوريا ونهصتها. مشروع الرئيس غير مؤدلج إسلاميا، وقد أعلن بوضوح أنّه، الرئيس الشرع، ليس امتدادا لثورات الربيع العربي، ولا الإسلام السياسي الجهادي، أو الإسلام السياسي الإخواني.... هو باختصار، تيار إسلامي وطني، وسطي. طبعا، يقف على يمينه الإسلام الجهادي، وعلى يساره الإسلام والأخواني.... ويسعى كلّ منهما لتجيير أشكال الصراع حول مصير الكيان الجيوسياسي لتعزيز مواقعه داخل السلطة وخارجها.
الصراع الرئيسي على سوريا يدور بين قوى مشروع إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح وبين قوى مشروع التقسيم التي تقودها سلطة "قامشلو"، وفقا لبرنامج سياسي واضح تُعلن عن مضمونه وسائل إعلام وقادة قسد ومسد يوميا.
الصراع بين سلطتي دمشق و"قامشلو" هو صراع تناحري، وجودي، يرتبط بمصير الكيان الجيوسياسي السوري، وليس بشكل النظام السياسي.
الرئيس أحمد الشرع يرفض بالمطلق أطروحات ومشاريع تقسيم سوريا ، ويعارض فكرة ومشروع الفدرالية أو اللامركزية السياسية، ويؤكّد أنّه لا يحظى بقبول شعبي، ولا يخدم مصلحة سوريا. إصرار قيادات "إقليم شمال وشرق سوريا" على مشروع التقسيم تحت يافطات الفدرالية، أو " اللامركزية " كما يريدون تسميتها لأسباب إعلامية، تبيّن طبيعة الصراع الرئيسي مع دمشق، الذي لا يمكن إلّا أن ينتهي في صدام عسكري، في فترة ما، مستقبلا!
في منتصف نيسان الماضي، وفي "منتدى السليمانية" حول "الأكراد والتغيرات في دمشق" طرحت السيدة إلهام أحمد (ما تسمّى "الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية"- وزيرة خارجية "الإقليم"!) بوضوح طبيعة أهداف وأدوات مشروع قسد الإنفصالي، في "...أنظمة المركزية ظهرت في ظروف سياسية محددة. لكنها أنتجت أزمات بنيوية في بنية المجتمعات ..ونتج عنها حروب. نحن نرى أن هذه الأنظمة شديدة المركزية لا تحل القضايا....
لذلك نرى أن سوريا لايجب أن تعود إلى مرحلة ٢٠١١، ويجب أن تكون لا مركزية، وتعطي حقوق كافة المكونات في المجتمع السوري.
..حاليا الواقع الموجود...الدروز هي إدارة خارج نطاق الإدارة الجديدة.. العلويون يعانون... شمال وشرق سوريا لا تزال في ظل الإدارة الذاتية... إدلب كذلك نفس الأمر ، هناك فئة تحكم إدلب... والمناطق السورية الأخرى نفس كذلك الأمر... بمعنى، الواقع الموجود بشكل طبيعي يخلق حالة جديدة لرسم نظام سوريا الجديد.
الخطط الموجودة لدينا هي المحافظة على ما هو موجود .... وسنسعى لأنّ ننخرط في الداخل السوري أكثر... وسنكون مشاركين بأيّة عملية تحدث ... وسنضغط في هذا الاتجاه...كي لايكون لدينا خيارات أخرى .."
يبدو جليّا أن المفاوضات مع حكومة دمشق لا تستهدف في أجندات مشروع قسد المشاركة في جهود مشروع السلطة لبناء نظام وطني سوري تشاركي عبر خطوات وإجراءات خارطة طريق إعادة توحيد الجغرافيا والسلطة وحصر امتلاك السلاح بيد مؤسسات دولة مركزية موحّدة، بل فرض شروطها لإقامة نظام سياسي لامركزي، يشكّل المظلّة الدستورية الشرعية للحفاظ على مرتكزات إقليمها الراهن، وتعميم نموذجه على الصعيد السوري العام، خاصة في مناطق الساحل السوري والسويداء!!
وها هي نتائج جهود مشروع قسد تظهر تباعا منذ منتصف ديسمبر...!! أفلا يعقلون؟
(٢)-
مصدر حكومي لمنصة تحقق، في التعقيب على الهجمات العدوانية الإسرائيلية الغادرة التي تزامنت مع بيان "فدرالية غرب سوريا"، يكشف طبيعة تجاهل العامل الرئيسي القسدي:
"📌 البلطجة الاسرائيلية في الجنوب مستمرة لرفض دمشق تقديم تنازلات مسبقة لإسرائيل تخص الجولان ونزع سلاح الجنوب بالكامل
📌 اسرائيل كانت ترى أنّ إبداءها مرونة بملف الدروز سيقابل بموافقة سورية على نزع سلاح الجنوب
📌 الحكومة السورية ترى أن الموافقة على اي طلب اسرائيلي مقابل الانسحاب من المنطقة العازلة وترك موضوع السويداء للحل الوطني سيعلم اسرائيل ان تكرر ذات السيناريو كلما احتاجت لتحصيل مكاسب.
📌 الطرف الأمريكي يضغط بشدة على الطرفين لتوقيع اتفاق أمني الشهر القادم بأي شكل."
#نزار_فجر_بعريني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟