ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 14:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تكن العلاقة بين أنقرة وطهران من جهة، والحزبين الكرديين في العراق من جهة أخرى، إلا انعكاسًا لتوازنات متحركة تُرسم على وقع التحولات في شمال العراق. فتركيا أمسكت بأربيل ودهوك عبر تحالفها الوثيق مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، متكئة على أنابيب النفط ومشروع شراكة أمنية يجرّ الإقليم إلى قلب الاستراتيجية التركية. في المقابل، وجدت إيران في الاتحاد الوطني الكردستاني حليفها الأوثق، ربطت به السليمانية بحدودها، واحتفظت من خلاله بقدرتها على الضغط في بغداد وعلى تطويق النفوذ التركي–الأميركي في الشمال.
لكن المشهد لا يتوقف عند طرفين، فهناك لاعب خفي اسمه إسرائيل، التي عززت عبر العقود صلاتها مع أربيل والبارزانيين، وساهمت في تصريف نفط الإقليم ودعمت نزعات الاستقلال في لحظة استفتاء 2017. اليوم، ومع انحسار دور حزب العمال الكردستاني بعد إعلانه التخلي عن العمل المسلح، تُفتح ساحة جديدة لإسرائيل كي تمد نفوذها على الهامش، موظفة علاقاتها الاقتصادية والاستخبارية لتعويض الغياب العسكري للحزب.
في هذا الترتيب، تتحول كردستان العراق إلى مثلث مغلق: أنقرة تتكئ على أربيل ودهوك، طهران تتمركز في السليمانية، وإسرائيل تتربص على الخط، حاضرة بما يكفي لتوظيف الانقسامات لمصلحتها. أما الأكراد أنفسهم، فقد وجدوا أن مدينتين ــ أربيل والسليمانية ــ صارتا مرآتين متقابلتين لمشروعين متنازعين، بين تركيا وإيران، في حين بقيت القوة الكردية المسلحة (حزب العمال) مجرد ظل يتراجع، لكنه لا يختفي من معادلة القلق الدائم.
وهكذا، فإن القيادات الكردية التي ادّعت تمثيل مشروع قومي، لم تفعل سوى أن أحكمت ربط الإقليم بمحاور متصارعة، فجعلت من أربيل ذراعًا لتركيا، ومن السليمانية بوابة لإيران، فيما أبقت لإسرائيل مقعدًا خلف الستار. لقد تحوّل شعار الاستقلال إلى غطاء لسياسة ارتهان مزدوجة، تدفع ثمنها الجماهير الكردية التي لا تملك سوى أن تتنقل بين ولاء مرتهن وآخر، بينما يستمر الإقليم في لعب دور الساحة بدل أن يكون طرفًا فاعلاً في المعادلة.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟