ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 14:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
؟
في العراق، لم تُغتل الثورة برصاص الدولة وحدها، ولم يُسكت القلم الحر بسياط السلطة فقط، بل شارك المجتمع ذاته في الجريمة. نعم، المجتمع العراقي المدهون بعار الطائفية والعشائرية كان الجلاد الأول للقلم الثوري. هنا تكمن الفضيحة: حين تتحوّل الجموع إلى مقابر للكلمة، وتغدو الطائفة والعشيرة سجونًا طوعية تُسجن فيها العقول قبل الأجساد.
أولًا: غياب المشروع الثوري
الثورة لا تولد من فراغ، ولا يحيا القلم الثوري بلا مشروع يمده بالمعنى. لكن العراق حُرم من تيار ثوري صلب، فانقسمت المعارضة إلى:
إصلاحية مشوّهة تحاكي السلطة أكثر مما تعارضها.
مافيوية طامعة تتاجر بدماء الفقراء.
طائفية معطوبة أعادت إنتاج عبودية المذهب والقبيلة.
فكان القلم الثوري يتيمًا، يكتب في الفراغ.
ثانيًا: البنية الطبقية المحطمة
القلم الثوري ابن صراع طبقي حي، لكنه في العراق وُلد على ركام طبقات مسحوقة.
الطبقة العاملة جرى تفكيكها، إمّا بالبطالة المقنّعة أو بتهشيم الصناعات.
الفلاحون تحوّلوا إلى جيش عاطلين، بلا أرض ولا صوت.
الريع النفطي صار أداة تخدير وترويض، يشتري الولاء ويقتل الوعي.
وبدل أن يرفع الناس راية الصراع الطبقي، رفعوا راية الطائفة، وبدل أن يقاتلوا لأجل الخبز والكرامة، تقاتلوا لأجل قبرٍ أو مرجع.
ثالثًا: القمع المزدوج – الدولة والمجتمع معًا
هنا الكارثة الكبرى: القلم الثوري في العراق لم يكن يواجه الدولة وحدها، بل يواجه مجتمعًا بأسره.
الدولة تقتله بالقوانين الجائرة، بالسجن والرصاص.
المجتمع يذبحه بالعار، بالنبذ، بالتكفير، بالاتهام بالفتنة.
الطائفة صارت قبرًا للعقل، والعشيرة سوطًا على ظهر الكلمة. ومن يجرؤ على فضح هذا الخراب، يُرمى في قفص الخيانة أو يُهدد بثأر العشيرة.
رابعًا: الإعلام المأجور والابتذال الرقمي
الإعلام، الذي يُفترض أن يكون ساحة الكلمة الحرة، تحوّل إلى ذراع للسلطة أو إلى منابر مأجورة.
الصحف والقنوات الممولة من المال السياسي لا تنشر إلا أصوات الطاعة.
الإعلام الرقمي غرق في التفاهة والاستهلاك، يلمّع التافهين ويخنق الثوريين.
هكذا أصبح القلم الحر يُصارع في فراغ، بلا منصة وبلا منبر.
خامسًا: استبطان العبودية
الأخطر أن الاستبداد لم يعد مفروضًا من فوق فقط، بل صار مستبطنًا داخل النفوس.
الناس أنفسهم صاروا حرّاسًا طوعيين لسجونهم.
المواطن الذي يُفترض أن يحمي القلم، صار أول من يرجم صاحبه بتهمة إثارة الفتنة.
صار الدفاع عن الطائفة أهم من الدفاع عن الحقيقة، والانتماء للعشيرة أهم من الانتماء للكرامة.
الحقيقة العارية
إن القلم الثوري في العراق لم يمت لأنه ضعيف، بل لأنه طُعن من الخلف.
المجتمع الذي باع نفسه للطائفة والعشيرة، هو الذي اغتال الكلمة قبل أن تقتلها السلطة.
والعار كل العار لهذا الشعب الذي رضي أن يعيش عبدًا للهويات المزيّفة، وأن يسلّم صوته للجلادين.
لن يعود القلم الثوري إلا حين يخرج الناس من عباءة الطائفة وسجن العشيرة. لن يُكتب بيان الحرية إلا حين تُكسر سيوف العشائر وتُدفن مزابل الطوائف.
المجد للقلم الحر، حتى لو عاش غريبًا ومات وحيدًا. واللعنة على مجتمعٍ خان نفسه قبل أن يخون ثواره.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟