أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - أعطني شرطياً نزيهاً.. وأضمن لك حصار السلطة الفاسدة














المزيد.....

أعطني شرطياً نزيهاً.. وأضمن لك حصار السلطة الفاسدة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 12:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


النظرة الدونية للمواطن العراقي تبدأ من أبسط موظف يلتقيه يوميًا، فتراه يركع أمام الشرطي ويخاطبه بـ"سيدي"، رغم أن هذا الشرطي ليس إلا موظفًا صغيرًا في جهاز معيب. المواطن يحمل في يده أوراقه، يبتسم ابتسامة متذللة، ويرتجف خوفًا من كلمة "هوية" أو "بطاقة" تطيح بأمله في إنجاز أمره.

في الدوائر الحكومية، الموظف يتحدث بنبرة تعلو فوق صوت المواطن، وكأن المواطن متسول لطلب الخدمة وليس صاحب حق. "ليش ما جيت بدري؟" أو "انت تعرف شلون النظام"، عبارات تُقال وكأن المواطن مذنب في طلبه، لا كونه جزءًا من المجتمع له حقوق ثابتة.

وفي المستشفيات، الطبيب أو الممرض يتعامل مع المواطن كأنه متسول عند باب المعبد، فيطلب رشوة غير معلنة أو يؤجل العلاج حتى يُظهر "حسن النية". المواطن يركع أمام الطبيب كأنه يتوسل حياة، ويقول: "لو سمحت دكتور، تفضل، أرجوك"، بينما تُغلق أبواب المستشفيات الحكومية أمامه ما لم يكن بحوزته مال يُرضي سلطة الممرّض والطبيب.

هذه التفاصيل اليومية ليست عفوية أو ظرفية، بل هي نتاج نظام ريعي أنتج حالة من الخضوع والتبعية، حيث يضطر المواطن لتسليم كرامته لقاء خدمات هي من حقه الطبيعي، فتتكرس طبقة موظفين تسيطر على حياة الناس بقوة لا تستمدها إلا من ضعف المواطن الذي يقبل بالذل ويعشقه.

هذه السلوكيات الذليلة والمستبطنة لم تكن فقط انعكاسًا لضعف المواطن، بل أنتجت بيئة خصبة مثالية للفساد الإداري والرشوة. عندما يُعامل الموظف المواطن كمتسول، يصبح طلب المال "هدية" أو "تسهيل" أمرًا بديهيًا، لا شكوى منه ولا إدراك لمخاطره.

الارتشاء في منظومتنا صار حالة طبيعية، جزءًا من دورة عمل المؤسسات، يتوارثها الموظفون جيلًا بعد جيل، ليصبح الفساد نمطًا سلوكيًا عاديًا ومقبولًا. المواطن بات يعاني من هذه المنظومة التي تُجبره على الدفع مقابل حق يجب أن يحصل عليه مجانًا، فتُرسّخ هذه الدائرة الشريرة العلاقة الهجينة بين الموظف "السيد" والمواطن "المذلول".

هكذا، يتحول الذل اليومي إلى آلية لإدامة فساد مستشري، تُغذيها ثقافة الخنوع والتبجيل الكاذب، حتى غدت منظومة الرشوة والدفع "العادة" التي لا غنى عنها لإنجاز أبسط المعاملات، ويصير التذلل هو الثمن الباهظ لحقوق تبدو ضائعة في بحر بيروقراطية متعفنة.

النزاهة ليست مجرد شعار يُرفع على مستويات عليا، بل هي قيمة تبدأ من أدنى درجات السلطة اليومية. حين يكون الشرطي نزيهاً في عمله، يعامل المواطن باحترام وعدالة دون استغلال، فإن ذلك يخلق مناخاً من الثقة والاحترام المتبادل. هذه النزاهة الصغيرة تُشكل حجر الأساس لبناء مؤسسات أكثر عدلاً ونظافة، وتمهد الطريق لحكومة شفافة ومسؤولة.

في المقابل، غياب النزاهة عند الشرطي البسيط، الذي يتصرف كأنه "سيد" فوق القانون، يفتح الباب واسعاً أمام الفساد والاستبداد. المواطن حين يشعر بالإذلال أمام موظف صغير، يتعلم الذل ويقبل الرشوة والتساهل، ما يؤدي إلى انتشار منظومة فاسدة لا تنتهي عند المستويات العليا بل تغمر كل مفاصل الدولة.

إذا أردنا حصار السلطة الفاسدة وكسر منظومتها، لا بد أن نبدأ من الشرطي النزيه الذي لا يأخذ رشوة، ويعمل بقانون لا بشخصه، ومن الموظف الذي يرى المواطن كشريك وليس كمتسول. حين تتغير هذه القاعدة، تتغير الدولة بأكملها، ويبدأ أمل الإصلاح الحقيقي.

الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من القمم ولا يُفرض من الأعلى، بل ينبع من القاعدة الشعبية نفسها، من المواطن الذي يعاني الذل ويتطلع إلى كرامته المفقودة. أجهزة مكافحة الفساد لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا كانت جزءًا من المجتمع، تشكلها وتراقبها الجماهير، فلا تبقى مؤسسات منفصلة أو تابعة للنخبة التي تهيمن على السلطة.

يجب تشكيل مجالس شعبية لمكافحة الفساد، تمثل صوت الناس ومرآتهم، تراقب الأداء الإداري وتنقل صوت المواطن مباشرة، بعيدًا عن المكاتب المغلقة والقرارات السياسية التي تتلاعب بالحقوق. فقط عندما يصبح المجتمع نفسه هو الحارس الحقيقي للنزاهة، يمكن أن تُقطع يد الفساد وتتلاشى ثقافة الذل التي تربط المواطن بالموظف الفاسد.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (المشاية) إلى كربلاء وحج سانتياغو: رحلة نحو المقدس عبر العصو ...
- الاقتصاد الرقمي: ذروة تطور الرأسمال وانكشاف عبودية القرن الح ...
- توسع ميدان الصراع الرأسمالي في عصر الاقتصاد الرقمي: من الموا ...
- -الاقتصاد الرقمي والإنتاج السلعي: إعادة تأكيد الدور المركزي ...
- الاقتصاد الرقمي كامتداد لرأس المال: نقد إسقاطات الصراع الطبق ...
- ممر زنغزور: المشهد، الأطراف، والمصالح
- اللعبه الكبرى....سيرورة العالم الدولي الجديد
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي : لعبة توازنات أم خرق ست ...
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است ...
- التوسع الصيني في قطاع النفط العراقي: لعبة توازنات أم خرق است ...
- سكونية الاقتصاد الريعي الخليجي وتجميد التناقضات الطبقية
- هل أفلت النظرية الثورية الماركسية في الاقتصاد الريعي
- قوة العمل بين الاقتصاد السلعي والاقتصاد الريعي: في تشوّه الد ...
- حزب الدعوة: المنظمة الغامضة
- شهقة ما قبل الوجود
- الإخوان المسلمون: استنساخ استخباراتي بريطاني للماسونية في ال ...
- الإخوان المسلمون: استنساخ استخباراتي بريطاني للماسونية في ال ...
- حماس: الجذر الإخواني والدعم القطري في سياق التوازن مع إسرائي ...
- الإسلام السياسي : أسلمة الرأسماليه
- في تجذير العجز: الرعايه الاجتماعية كآلية لضبط الجماهير


المزيد.....




- مقطع فيديو تم نشره حديثًا يُظهر مسلحًا يطلق النار على رجال ا ...
- قد تحدث لك.. كيف تُصمّم بناءك لمواجهة فيضانات مدمّرة؟
- حزب الله يعلن رفضه تسليم سلاحه للحكومة: إما أن نبقى ويبقى لب ...
- هل هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق بشأن الحرب في أوكرانيا؟
- مباشر: لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا... قمّة قد ترسم معالم مرح ...
- ما هي الأهداف المعلنة وغير المعلنة لخطة سموتريتش الاستيطانية ...
- هجمات أوكرانية على روسيا قبيل قمة ترامب وبوتين
- الاتحاد الأفريقي يدعو لاعتماد خريطة -الأرض المتساوية- إنصافا ...
- خريطة لإسرائيل الكبرى تفضح خطط نتنياهو
- هل يشكل هجوم اليمين الإسرائيلي على زامير مقدمة لإقالته؟


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - أعطني شرطياً نزيهاً.. وأضمن لك حصار السلطة الفاسدة