|
الإخوان المسلمون: استنساخ استخباراتي بريطاني للماسونية في الشرق الإسلامي..ج2
ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8423 - 2025 / 8 / 3 - 14:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التحوّلات في مواقف الدول… قطيعة أم إعادة تموضع؟ إن المتأمل في الحملة السياسية–الإعلامية المتصاعدة ضد جماعة الإخوان المسلمين، لا يمكنه أن يتجاهل حجم التحول الذي طرأ على مواقف بعض الدول التي كانت تاريخيًا إما راعية غير معلَنة للجماعة، أو على الأقل متسامحة معها ضمن حدود وظيفتها. فالدول التي بدأت تتصدى لتنظيم الإخوان بشكل مباشر، سواء عبر الحظر، أو التصنيف كتنظيم إرهابي، أو تفكيك البنى الاجتماعية المرتبطة به، لا تقوم بذلك في سياق لحظي، بل في إطار ما يبدو أنه تحوّل استراتيجي جذري.
لكن السؤال المركزي هنا: هل يمثّل هذا التحول قطيعة نهائية مع الجماعة؟
إن الإجابة بالإيجاب تعني ضمنًا تغيّرًا في التموضع الاستراتيجي لهذه الدول إزاء بريطانيا، باعتبار الأخيرة الحاضنة التقليدية لجماعة الإخوان منذ ثلاثينات القرن الماضي، سواء من خلال التسهيلات القانونية والإعلامية التي مُنحت لهم، أو من خلال الصمت البريطاني المديد عن كل نشاطاتهم، رغم طابعها العالمي وشبه السيادي.
لذلك، فإن أي قطيعة حقيقية مع الإخوان لا يمكن فهمها دون تتبع علاقة بريطانيا نفسها بهذه الدول خلال السنوات الماضية.
العلاقات البريطانية–الإسرائيلية كنموذج دال
من المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، ما حدث في العلاقات البريطانية–الإسرائيلية في الأعوام الأخيرة. إذ بلغت درجة من التوتر العلني حين أصرت إسرائيل، في سياق اتفاقات التطبيع وما بعدها، على إنهاء الدور السياسي والعسكري لحركة حماس – التي تُعد امتدادًا مباشرًا لجماعة الإخوان. وفي لحظة حاسمة، خرجت بريطانيا بموقف بدا راديكاليًا وغير منسجم مع الحلف الأطلسي: الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة رمزية لكنها تحمل دلالة كبرى على مستوى التوقيت والرسالة.
هذا التوتر لم يكن منعزلًا، بل ترافق مع تسريبات وتقارير موثوقة تؤكد أن أرصدة حماس المالية ما زالت محفوظة في البنوك البريطانية، ولم تُجمّد أو تُصادر كما حدث في بلدان أخرى، مما يعزز فرضية أن الرعاية البريطانية للمشروع الإخواني لم تُرفع بالكامل، بل تُدار ضمن توازن جديد: ضبط لا قطيعة، احتواء لا إقصاء.
الدول المهاجمة للإخوان: انشقاق أم توزيع أدوار؟
في ضوء ذلك، يمكننا أن نعيد طرح المسألة بصيغة أكثر تركيبًا: هل تحوّل الإمارات ومصر وفرنسا والولايات المتحدة إلى معاداة صريحة للإخوان هو فعل قطيعة فعلية؟ أم أنه توزيع أدوار جديد ضمن شبكة النفوذ الغربية التي ما زالت تستخدم الجماعة كاحتياطي اجتماعي–دعوي قابل للاستدعاء في أي لحظة انهيار سياسي؟
إن ضعف الرد البريطاني على تصنيف الجماعة كإرهابية في عدد من الدول العربية، يقابله استمرار المساحات الممنوحة لها داخل المؤسسات البريطانية (الإعلام، الجمعيات، الملاذات السياسية)، مما يُعزز الفرضية التالية:
ما يبدو أنه قطيعة مع الإخوان، ليس أكثر من تصعيد ظرفي، مرتبط بتحولات سياسية محلية ودولية، لا يعكس بالضرورة انفكاكًا كاملاً عن البنية التي أنشأت الجماعة، بل مجرد إعادة تموضع لحين الحاجة.
نحو استنتاج مؤقت
إذا كانت دول مثل الإمارات والسعودية تتخذ موقفًا عدائيًا واضحًا من الإخوان، فإن غياب أي توتر معلن مع بريطانيا بشأن هذا الملف، يطرح سؤالًا حرجًا: هل هناك توافق ضمني على تحجيم الجماعة دون تصفيتها؟ وهل القطيعة المعلنة مجرد تكتيك لضبط الداخل العربي، دون المساس بالحاضنة الدولية؟
في الإجابة على ذلك، ينبغي تتبّع نمط العلاقة بين بريطانيا وهذه الدول في ملفات أعمق: التنسيق الأمني، مبيعات السلاح، الملفات المالية، والموقف من التمدد الإيراني.
عندها فقط يمكن أن نعرف: هل ما يحدث هو انشقاق حقيقي عن المشروع البريطاني–الإخواني؟ أم مجرّد تقاطع مصالح مؤقت، سرعان ما تُعاد صياغته في غرفة التحكم الخلفية؟
تحليلات تفصيلية في مواقف الدول من جماعة الإخوان
الإمارات: التصفية الكاملة
اتخذت الإمارات موقفًا بالغ الحدة تجاه الإخوان، تجاوز الحظر إلى التصفية الرمزية والعملية: تصنيف الجماعة كتنظيم إرهابي، تفكيك جميع مؤسساتها، وملاحقة أفرادها داخل وخارج البلاد. وقد رافق ذلك خطاب ثقافي وسياسي يؤكد على أن الإسلام السياسي برمّته تهديد للدولة. غير أن هذا التوجه لم يؤدِ إلى قطيعة تُذكر مع بريطانيا، ما يشير إلى وجود تفاهم خلفي يجيز محاصرة الجماعة داخل الخليج، مقابل استمرار حضورها الدولي في الفضاء البريطاني. الإمارات هنا تؤدي دور "المنظف الداخلي" دون المساس بالبنية الأكبر.
السعودية: عداء انتقائي بعد المصالحة المؤجلة
ظلت السعودية لعقود حاضنة ضمنية لرموز الإخوان، خاصة في حقبة ما بعد نكسة 1967، حين استقبلت العديد من قادتهم في الجامعات والمؤسسات الدعوية. لكنها منذ صعود محمد بن سلمان اتخذت خطًا عدائيًا صريحًا تجاههم. رغم ذلك، ما زالت هناك مظاهر انتقائية في التعامل: فالبنية الدينية التقليدية داخل المملكة تحمل بعض رواسب الخطاب الإخواني، كما أن العلاقة البريطانية–السعودية في أوج تناغمها، ما يعزز فرضية أن الحرب على الإخوان في الداخل السعودي لا تعني بالضرورة الخروج من الفلك البريطاني، بل إعادة تموضع وظيفي.
فرنسا: المعركة من بوابة العلمانية
فرنسا تنظر إلى الإخوان من زاوية مغايرة، تتصل بتاريخها الخاص مع "اللائكية" والصراع مع الإسلام المجتمعي. وقد خاضت باريس مواجهات مفتوحة مع الجمعيات والمدارس التابعة للجماعة داخل أراضيها، خصوصًا بعد موجات الإرهاب. لكنها، كبقية الدول الغربية، لم تقطع جذورها الاستخبارية المرتبطة بتاريخ استخدام الجماعات الإسلامية في إفريقيا والشرق الأوسط. فرنسا تُقاتل الإخوان كـ"تهديد داخلي"، دون المساس بشبكة المصالح الخارجية.
الولايات المتحدة: عداء أمني لا بنيوي
في واشنطن، لم يُصنّف الإخوان كتنظيم إرهابي بشكل رسمي، رغم ضغوط حلفائها. العلاقة مع الجماعة تذبذبت تبعًا للمصالح الأمنية. إدارة أوباما كانت منفتحة نسبيًا، بينما تبنّى ترامب خطابًا عدائيًا، ثم عادت اللهجة إلى الاعتدال في عهد بايدن. أمريكا تتعامل مع الإخوان كملف أمني–وظيفي، لا كعقيدة استراتيجية، ما يسمح لها بالإبقاء على رموزهم داخل أراضيها، واستخدامهم كورقة ضغط عند الحاجة.
قطر: الرعاية الاستثمارية للجماعة
قطر مثلت الحاضن المالي–الإعلامي الأهم للجماعة في العقدين الأخيرين. عبر شبكة الجزيرة، ومؤسسات بحثية ومشاريع إغاثية وتعليمية، لعبت الدوحة دور الداعم العلني للجماعة. ولعل أهم ما ينبغي الإشارة إليه، هو العلاقة البنيوية العميقة بين قطر وبريطانيا، التي تجاوزت البعد السياسي إلى نمط استثماري–سيادي. فقد تحوّلت قطر، بدعم بريطاني مباشر، إلى إمبراطورية مالية وعقارية داخل لندن، من خلال تملك الأبراج والمؤسسات التجارية والفنادق الكبرى، في ما يشبه منح "شهادة حُكم ذاتي" داخل قلب العاصمة البريطانية. وهو ما يفسّر استمرار دعمها للإخوان دون أن تتعرّض لضغوط تُذكر.
تركيا: الحصانة الغامضة
أغرب ما في المشهد هو تركيا. فالنظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان، قاد انقلابًا ناعمًا على علمانية الدولة، وأعاد تشكيل الجمهورية على أسس إخوانية الهوى، دون أن يُواجَه بالرفض أو الحصار الذي طاول دولًا عربية أقل حدة. أردوغان، رغم كل ما فعله: تصفية القضاء، إسكات الإعلام، إلغاء مبدأ فصل السلطات، يتصرف بوصفه دكتاتورًا فعليًا، لكنه يتمتع بـحصانة غير معهودة ومجهولة المصدر.
هذه الحصانة لا يمكن فهمها إلا في ضوء التنافس البريطاني–الأمريكي داخل تركيا. الزعيم الروحي للإخوانية التركية، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا الأمريكية، يُمثل مشروعًا بديلًا يُعتقد أنه مدعوم أمريكيًا، وقد دخل في صراع مفتوح مع أردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
وبذلك، يمكن القول إن الصراع بين أردوغان وغولن ليس فقط تنافسًا داخليًا، بل انعكاس لاختلاف استراتيجي بين لندن وواشنطن في رسم حدود النفوذ في تركيا ومنطقة الشرق الإسلامي ككل. استنتاج نهائي
ما يبدو ظاهريًا من عداء دولي لجماعة الإخوان لا يجب أن يُفهم كقطيعة فعلية، بل كمشهد يعاد تشكيله بحسب الحاجة. بعض الدول تحارب الجماعة لأسباب داخلية (كما تفعل الإمارات)، أو لتأكيد مركزيتها (كما تفعل السعودية)، أو لضرورات أمنية (كما تفعل فرنسا والولايات المتحدة).
لكن في المقابل، هناك مستوى أعلى من الحماية البنيوية تمنحه بريطانيا وتركيا وقطر – كل بطريقته – يسمح ببقاء الجماعة كـ"احتياطي استراتيجي" قابل لإعادة التوظيف. فليس كل من حاصر الإخوان قد خرج من الفلك البريطاني، ولا كل من تحالف معهم ينتمي لمشروع واحد.
وحدها القراءة الجيوسياسية المتعمقة تستطيع أن تميز بين معاداة ظرفية، وانفكاك بنيوي فعلي.
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان المسلمون: استنساخ استخباراتي بريطاني للماسونية في ال
...
-
حماس: الجذر الإخواني والدعم القطري في سياق التوازن مع إسرائي
...
-
الإسلام السياسي : أسلمة الرأسماليه
-
في تجذير العجز: الرعايه الاجتماعية كآلية لضبط الجماهير
-
جهاز استخبارات الحشد الشعبي: البنية، الصلاحيات، والعلاقة بال
...
-
الوطنية كجدل يمزّق، واللادولة كفراغ مفاهيمي
-
الوطنية العراقية ومأزق الكردي: ولاء يُطلب بلا شراكة
-
الروح الوطنية العراقية: من رابطة سيادية إلى أداة قمع رمزي
-
في تقديس الكيان الميت: تناقضات الطائفة ووهم الدولة
-
مهمة الثوري العراقي المرحليه..الهدم ثم الهدم
-
ذي القرنين: حين ينهار المنطق أمام النص ( غيبوبة الفكر )..2
-
ذي القرنين: حين ينهار المنطق أمام النص ( غيبوبة الفكر )
-
العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق
-
العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..11 و 12
-
من “الملحمة” إلى الجيوسياسة: الحوثيون بين الدعم الإيراني وال
...
-
تصحر في العراق . أم تصحير .. ؟
-
ترامب يحدث شرخا في العلاقات الاسرائيليه- الامريكيه
-
العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..10
-
الهيئه الأقتصاديه لتيار الصدر
-
السويداء: حين يُستبدل -داعش- بـ-البدو-.. في لغة الإعلام وغمو
...
المزيد.....
-
روسيا: زلزال هائل قد يكون سبب أول ثوران بركاني منذ 600 عام
-
-شريكتي بالأمومة-.. أصالة تهنئ ابنتها شام بعيد ميلادها
-
بصمة يد عمرها 4000 عام على قبر مصري قديم.. لمن تعود؟
-
القضية الخامسة خلال خمس سنوات: السلطات تواصل استهداف موقع مد
...
-
تبادُل الاتهامات بين الجيش السوري وقسد حول قصف -منبج-
-
نتانياهو يندد بمشاهد الرهائن ويصف تصرفات حماس بـ-الدنيئة وال
...
-
فيديو- لحظة وصول البابا ليو الرابع عشر إلى روما للمشاركة في
...
-
انفجار مرفأ بيروت: تحقيق معرقل وعدالة غائبة
-
لوفيغارو: 7 خطوات للحصول على الجنسية البريطانية
-
الوقفة الشجاعة لحزب النهضة في تونس
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|