ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:28
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا يمكن المرور على قصة "ذي القرنين" في النص القرآني دون أن نصطدم بجدار المعقولية. فالنص، كما هو وارد في سورة الكهف (الآيات 83–98)، يقدم سردًا ملغزًا لأحداث ترتكز على ثلاث محطات جغرافية كبرى: مغرب الشمس، مشرقها، وبين السدين.
ما يثير الريبة في هذا السرد هو البنية الساذجة التي يُرسم بها العالم. حين يبلغ ذو القرنين مغرب الشمس، "وجدها تغرب في عين حمئة"، وهذا التعبير - الذي لا يحتمل مجازًا دقيقًا - يصور مشهدًا بصريًا لا يتفق مع ما نعلمه علميًا عن الكون. ثم، حين يبلغ مشرق الشمس، نجد وصفًا يكاد يكون صادمًا: قوم "لم نجعل لهم من دونها سترًا". لا مساكن، لا أشجار، لا جبال، لا غيوم، لا أي حائل بين أجسادهم العارية والشمس اللاهبة! كيف يمكن لأي تأويل أن يحتمل هذا التصوير؟
إن ما يحدث هنا لا يمكن تفسيره إلا بوصفه كارثة على المنهج التأويلي، الذي يسعى باستمرار إلى إنقاذ النص من تناقضه مع الواقع. فبينما قد يُحمّل مشهد "العين الحمئة" على المجاز أو الظن البصري، إلا أن وصف حال القوم في المشرق لا يسمح بأي تأويل ناجٍ. النص حاسم، مباشر، يصور واقعًا لا يتسق مع أدنى درجات المعرفة البيئية أو البشرية.
هنا يتجلى الإشكال الأكبر: الإيمان المطلق بالنص المقدس يغدو غيبوبة عقلية جماعية. تتلاشى فيها أدوات التفكير. يتعطل التفكيك والتحليل، وينهار كل أداء للمنطق. إذ كيف يمكن لعالم فيزياء أو جغرافي أو إنسان يزعم امتلاك المعرفة، أن يمر على هذا النص دون أن تشتعل داخله أسئلة الصدمة؟
إن ما نراه في قصة ذي القرنين، كما تُروى في القرآن، ليس سوى تجلٍ حاد لانتصار الإيمان الأعمى على العقل. حيث تُلغى المعارف، تُشل أدوات النظر، ويغدو السؤال خيانة، والتشكيك كفرًا، والتفكير وقاحة.
إن لحظة كهذه، بكل ما تحمله من انكشاف، لا تُظهر فقط وهن التأويل، بل تكشف البنية العميقة للخضوع: كيف يُربّى العقل ليقصي ذاته حين يتعامل مع "مقدس". كيف يُطلب من المثقف والعالم أن يعلّق أدواته، أن يتنكر لخبرته، ويقف خاشعًا أمام نصّ لا يصمد أمام أي قراءة عقلانية
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟