أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزيق..4و5















المزيد.....

العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزيق..4و5


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 16:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


4...العراق بين معاهدة الاستقلال الزائف وسنوات الغليان (1930–1941)


ها أنا أكتب هذه السطور وأنا أرى جند الاحتلال البريطاني يعودون ليدخلوا بغداد من جديد بعدما انهارت حركة رشيد عالي الكيلاني، لأستعيد في ذهني ما جرى على هذه الأرض منذ أن وقّع رجالنا معاهدة عام 1930، تلك الورقة التي قيل إنها ستجعل العراق سيد نفسه، فإذا بنا نكتشف بعد أحد عشر عامًا أن الاستقلال كان زيفًا مموهًا، وأن النفوذ البريطاني ما زال يمد أذرعه في كل مفصل من مفاصل دولتنا الحديثة.

المعاهدة والاستقلال: حرية مشروطة

في الثلاثين من حزيران 1930، جلست حكومتنا برئاسة نوري باشا السعيد إلى طاولة التفاوض مع بريطانيا العظمى، فخرجت لنا بمعاهدة جديدة. قيل يومها إنها ستحرر العراق من ربقة الانتداب وتمنحه حقه بين الأمم، وما كانت إلا قيدًا جديدًا مغلّفًا بكلمات الاستقلال.

وبالفعل، في الثالث من تشرين الأول 1932، دخل العراق عصبة الأمم كدولة مستقلة اسمًا، بينما بقيت القواعد البريطانية في الحبانية والشعيبة، تبسط ظلّها علينا متى شاءت حكومة التاج البريطاني.

فيصل الأول: موت الحَكَم

ما كان يُسكّن الغليان في صدور الناس إلا حكمة الملك فيصل الأول، الذي حاول بقدر ما استطاع أن يوازن بين بريطانيا وبين إرادة شعبٍ يطالب باستقلال حقيقي. لكن الأقدار شاءت أن يفارق الحياة فجأة في أيلول 1933 في سويسرا. برحيله خسرنا صوت الحكمة واتسع باب الفتن على مصراعيه.

دماء في سميل

لم تمضِ أيام على غياب فيصل حتى اهتز شمال العراق على وقع مأساة الآشوريين في سميل. في آب 1933، سال الدم غزيرًا من أناسٍ لا حول لهم ولا قوة، قضت عليهم البنادق والمدافع باسم تأديب المتمردين. كانت تلك المجزرة علامة على هشاشة دولتنا الفتية أمام أزماتها القومية والطائفية، وكشفت لنا كم نحن بعيدون عن دولة المواطنة.

انتفاضات الفرات الأوسط

ثم جاء العامان 1934 و1935، ليعلو صوت العشائر في الفرات الأوسط، حين أثقلت الدولة كاهلهم بالضرائب وساقت أبناءهم إلى الخدمة العسكرية الإلزامية دون أن تعطيهم من حقوقهم ما يكفي. لم تجد الحكومة حرجًا في قمعهم بالقوة، مستعينة أحيانًا بالطائرات البريطانية.

انقلاب بكر صدقي: الجيش يتكلم

وفي خريف 1936، بلغ التململ ذروته حين قرر بكر صدقي – وهو من ضباط الجيش – أن يفتح الباب لانقلابات العسكر. انقلب على حكومة ياسين الهاشمي وقتل جعفر العسكري الذي حاول صدّه. كان ذلك أول انقلاب عسكري في بلاد العرب، ليؤسس قاعدة خطيرة مفادها أن الجيش قد يقرّر مصير الأمة بقوة البندقية.

لكن بكر صدقي نفسه لم يعش طويلًا؛ ففي صيف 1937، سقط قتيلًا في الموصل بيد ضباط رفضوا أن يكون الجيش مطية لطموح الأفراد.

الملك غازي: الحلم المكسور

تعلّق الناس بالملك غازي، الشاب الذي حمل لواء العروبة ورفع صوته ضد الإنجليز، بل وحلم بوحدة عربية تمتد من المحيط إلى الخليج. لكن في نيسان 1939، غادرنا غازي في حادث سيارة قيل إنه قضاء وقدر، وإن في بغداد من يهمس أنه كان اغتيالًا مدبّرًا ليتخلص منه خصومه ممن لا يريدون زعزعة النفوذ البريطاني.

تكتلات وأحزاب في الظل

في غمرة هذه الأحداث، بقي النشاط الحزبي محدودًا هشًّا. تأسس الحزب الوطني وحزب الإخاء الوطني وجمعية الأهالي، لكن هذه الأحزاب لم تتحوّل إلى تيارات جماهيرية راسخة. ظلت رهينة الزعامات الشخصية والمصالح البرلمانية أكثر من كونها تعبيرًا صادقًا عن هموم الناس.

كانت هناك أيضًا جمعيات سرية مثل جمعية الإصلاح الشعبي، التي نمت تحت عباءة الضباط الساخطين على الفساد والتبعية. ولعل أخطر ما ظهر هو جماعة المربع الذهبي من الضباط القوميين، الذين ساعدوا رشيد عالي الكيلاني على خوض مغامرته الأخيرة ضد البريطانيين.

الحزب الشيوعي: البذرة الحمراء تحت الأرض

وأما من يريد معرفة أين كان الشيوعيون، فأقول له: نعم، الحزب الشيوعي وُجد، لكنه لم يكن يُسمع صوته عاليًا بعد. لقد تأسس عام 1934 حين اجتمع بعض المثقفين والعمال والطلبة حول فكرة العدالة الاجتماعية وحقوق الكادحين. كان يوسف سلمان يوسف، الذي نلقبه بفهد، أحد أبرزهم.

لكن حزبهم بقي تحت الأرض، يطبع المناشير ويزرع بذور الوعي الطبقي في الموانئ والمصانع. لم يكن له بعد أن يتحرك في العلن كما يفعل اليوم بعض الثوار القوميين. ستكبر هذه البذرة قريبًا حين يجد العمال صوتهم ويعرفون أنهم ليسوا وحدهم أمام ظلم الإقطاع والساسة المرتبطين بالأجنبي.

سقوط مغامرة مايس 1941

ثم ها نحن نصل إلى أيار 1941، حيث وجد رشيد عالي نفسه محاطًا بجيشه من الضباط القوميين، يحاول استرداد الكرامة من بين أيدي البريطانيين. قامت بغداد على وقع المدافع، لكن ميزان القوى لم يكن لصالحنا. عاد الإنجليز بجيشهم وطائراتهم وسقطت حركة مايس، ليعود الأمير عبد الإله وصيًا على الملك الطفل فيصل الثاني، ويعود الاحتلال ليتمدد من جديد.

كلمة أخيرة

إن كل ما عشناه في هذه الأعوام – من معاهدة الاستقلال الزائف إلى مذابح الشمال، ومن انتفاضات العشائر إلى انقلابات العسكر – يؤكد أن عراقنا لا يزال في أول الطريق إلى حريته الحقيقية. لا يكفي أن نوقّع أوراقًا مع المستعمر ولا أن نعلّق رايات في عصبة الأمم، إنما نحتاج إلى وعي سياسي صادق وتنظيم شعبي متين وحياة حزبية لا تحكمها الولاءات الشخصية ولا تتحكم فيها السفارات الأجنبية.

ربما يكون بيننا اليوم من يزرع الأفكار، من قومي أو شيوعي أو إصلاحي، لتنهض هذه الأمة من سباتها الطويل.

وأنا أكتب هذه الكلمات، أدعو من يأتي بعدنا أن يقرأ ما حدث لا ليحفظه كوقائع فقط، بل ليحسن كيف يحوّل دروس التاريخ إلى وقودٍ لتحرّرٍ حقيقي، فلا معاهدة تُقيّدنا ولا انقلاب يُرهبنا ولا جيشٌ أجنبي يُحكِم قبضته علينا إلى الابد

5...
العراق...1957
يمرّ العراق اليوم بمرحلة من أخطر مراحل تاريخه السياسي، فمنذ أواخر الحرب العالمية الثانية وحتى هذه السنة، تكشّف لنا كيف أن شعبنا لم يعد يقبل أن يعيش في حدود الصمت، ولا أن يُستدرج طويلاً إلى خانة الخضوع والتبعية.

لقد بدأ عقد الأحداث الأخيرة مع حركة رشيد عالي الكيلاني في ربيع عام 1941، حينما حاولت بعض العناصر الوطنية من ضباط الجيش ورجال السياسة أن تنتزع العراق من براثن النفوذ البريطاني. ومع أن تلك الحركة لم يُكتب لها النجاح بسبب تدخل قوات الاحتلال وإعادة الوصي عبد الإله إلى منصبه، إلا أنها تركت في النفوس يقينًا بأن البريطانيين ما زالوا هم اللاعب الأهم في توجيه دفة الحكم.

ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، أخذت الأفكار القومية تجد لها أرضًا خصبة في عقول الشباب والضباط والطلبة. وبدأت الأحزاب الوطنية تتخذ لنفسها موقعًا وسط هذه الأجواء، رغم التضييق والتقييد. فجاءت معاهدة بورتسموث سنة 1948 محاولة لإعادة ترتيب العلاقة مع بريطانيا، لكنها جوبهت برفض عنيف من الشعب في انتفاضة مشهودة عُرفت بـ«الوثبة». سالت فيها دماء الطلبة والعمال في شوارع بغداد، واضطرت الحكومة إلى التراجع عن المعاهدة.

وفي العام نفسه، كان الجيش العراقي قد شارك في حرب فلسطين الأولى مع الجيوش العربية، وما أن عاد الجنود إلى أرض الوطن حتى استقبلتهم الجماهير بحزن وغضب على ما آلت إليه الحرب من نتائج مُرة، زادت من حدة الأسئلة عن جدوى الأنظمة القائمة وقدرتها على الذود عن الكرامة العربية.

وبعد ذلك بسنوات قليلة، عام 1950، خطت الحكومة خطوة مهمة بتأسيس مجلس الإعمار، ليكون وعاءً تُصب فيه عائدات النفط من أجل تنمية البلاد. لقد شُيدت بفضل ذلك المجلس السدود والطرق ومدّ الخط الحديدي، وتطلعت النفوس إلى عراق أكثر حداثة. لكن ذلك لم يمنع الناس من التساؤل عن مدى عدالة توزيع هذه المشاريع بين الحواضر والريف، وبين الفقراء والأثرياء.

وفي عام 1952، ما لبثت العاصمة أن اهتزت مرة أخرى على وقع مظاهرات وانتفاضات الطلاب والعمال، احتجاجًا على ضيق الحال واستشراء الفساد الإداري والمالي، ففُرضت الأحكام العرفية وسُكّنت الحركة الوطنية لبعض الوقت، لكنها لم تمت.

وفي عام 1953، تسلّم جلالة الملك فيصل الثاني سلطاته ببلوغه السن القانونية، وأُلغيت وصاية الأمير عبد الإله التي استمرت منذ استشهاد الملك غازي. علق الناس آمالًا كبيرة على أن يضخّ الملك الشاب روحًا جديدة في الحكم، لكن التحديات الخارجية لم تمهله طويلًا.

فما كاد عام 1955 يأتي حتى انضوى العراق رسميًا في حلف بغداد، الذي أرادته بريطانيا وبعض حلفائها سدًا في وجه المد الشيوعي، بينما رآه كثير من أبناء الشعب قيدًا جديدًا يربط العراق بمصالح الكتلة الغربية. ثم لم تلبث أزمة السويس عام 1956 أن زادت من احتقان الشارع؛ إذ خرج العراقيون يهتفون لمصر عبد الناصر، ورفعوا أصواتهم ضد العدوان الثلاثي وضد بقاء العراق ضمن ذلك الحلف.

وبين وثبة 1948 وانتفاضة 1952، وبين مشروع مجلس الإعمار وحلف بغداد، تكوّنت في وجدان العراقيين قناعة راسخة بأن هذا الشعب قادر على أن يقول كلمته متى شاء. إننا اليوم في سنة 1957، نرى بوادر ذلك الوعي الوطني تتجلى أكثر من أي وقت مضى؛ إذ تتنامى المطالبة بالسيادة الكاملة وإعادة النظر في أحلافٍ واتفاقيات لم يجْنِ منها العراقي سوى المزيد من القلق والارتهان.

لعل ما نحتاجه في هذه المرحلة ألا ننسى أن تاريخنا القريب علمنا درسًا عظيمًا: لا يمكن لأي حاكم أو حزب أو مجلس أن ينهض بهذه البلاد ما لم يصغِ إلى مطالب الناس ويؤمّن لهم نصيبهم العادل من ثروتها.

....يتبع
.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النهج الماركسي في مواجهة التجريبية الاقتصادية
- العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق ...3
- العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق...2
- العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزق..1
- نقد مقولة «لا يمكن التخلي عن اقتصاد السوق والمنافسة»..ج2
- لحظة الانهيار الغامضة: حين ألقى حزب العمال الكردستاني سلاحه
- نقد مقولة «لا يمكن التخلي عن اقتصاد السوق والمنافسة»
- اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب ...
- حرب البذور… سلاح دمار مؤجل في ترسانة قوى الرأسمال
- الاطار السياسي لمهام المشروع الاشتراكي
- المجمعات السكنية في عهد السوداني: رفاه للنخبة أم حل لأزمة ال ...
- الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الش ...
- عاشوراء العراقيين ...حسين يقتل حسينا
- تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي


المزيد.....




- الجزائر: دخول القانون الجديد لمكافحة المخدرات والمؤثرات العق ...
- رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز يختتم زيارة رسمية إلى مو ...
- الاتحاد الأوروبي يناقش الهجرة والنفوذ الروسي والتركي في ليبي ...
- قصف إسرائيلي يستهدف لواءين بريف اللاذقية
- واشنطن تدين الهجمات على حقول النفط بكردستان العراق
- نظامك الغذائي غني بالبروتين؟.. احذر هذه الآثار الجانبية
- بالفيديو.. بدء انسحاب الجيش السوري من السويداء
- ويتكوف: مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة -تسير على نحو جيد-
- -أحداث السويداء- بين تعقيدات الداخل وتدخلات الخارج
- روبيو: الاتفاق على خطوات لإنهاء الاشتباكات في سوريا -الليلة- ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - العراق بين العرش الموعود وأشباح التمزيق..4و5