أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب إلى الحتمية














المزيد.....

اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب إلى الحتمية


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 10:01
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حين تصبح الفوضى أكثر كلفة من الحرب
يومًا بعد يوم، تتبلور في هذه البلاد ملامح الضرورات التي قد تدفع إلى حربٍ أهلية، بعدما بلغت حالة «اللادولة» حدًّا من الهشاشة لم يعد معه أي أفق لإصلاحٍ سلمي أو إعادة بناءٍ عبر الأدوات التقليدية. إنّ مظاهر السلطة الرسمية لم تعد كافية لإقناع الناس بأن ثمة دولة تحتكر العنف الشرعي وتفرض القانون على الجميع بالتساوي. في المقابل، تنمو مراكز قوى موازية تتمثل في فصائل مسلحة، وميليشيات حزبية، وزعامات عشائرية مسلحة، وشبكات مصالح اقتصادية محمية بالسلاح، وولاءات سياسية تتقاطع مع قوى إقليمية ودولية. هذا كله يُعيد إنتاج الانقسام ويدفن أي مشروع مركزي جامع. إنّ تراكُم هذا المشهد يعني ببساطة أنّ الفوضى المستمرة باتت عبئًا لا يقلّ عن الحرب نفسها؛ بل قد تبدو الحرب الأهلية — بكل مآسيها — في نظر بعض الفاعلين «آلية تطهير» قسرية لاستعادة إمكانية بناء الدولة من تحت الركام. هنا لا تعني الضرورة رغبةً واعية لدى الجميع، بل هي تعبير عن انسداد جميع المخارج الأخرى وضعف قدرة الإصلاح التدريجي.

دروس التجارب التاريخية

حين نراجع أمثلة حروب أهلية شهيرة — من الولايات المتحدة إلى إسبانيا ولبنان — نجد أنّ الصراع الدموي لم يكن دائمًا فوضىً عبثية بلا نتيجة. في الولايات المتحدة مثلًا، مهّدت الحرب الأهلية (1861–1865) لإلغاء العبودية وتوحيد الولايات تحت سلطة فيدرالية قوية وإعادة صياغة الدستور ليضمن بعض الحقوق. في إسبانيا، وإن انتهت الحرب الأهلية (1936–1939) بنظام ديكتاتوري، إلا أنها رسمت حدود الصراع بين القوى الجمهورية والملكية والفاشية في أوروبا عمومًا. أما في لبنان، فقد أدت حرب 1975 إلى صياغة «اتفاق الطائف» الذي أعاد توزيع التوازن الطائفي وأوقف آلة القتل المفتوحة، لكنه لم يبنِ دولة قوية بقدر ما رسّخ تسويات هشة. غير أنّ كل هذه النماذج تكشف الوجه الآخر للحقيقة: الحرب الأهلية ليست مفتاحًا سحريًا يبني دولة مثالية. غالبًا ما تترك وراءها ذاكرة دموية وانقسامات عميقة تتحوّل إلى ألغام مؤجلة قابلة للانفجار في أية لحظة. فالأزمات التي تشعلها الحرب لا تزول كليًا، بل يُعاد ترتيبها بقوة السلاح ثم تُغلف بغلاف اتفاقي هش. من هنا، تصبح الحرب الأهلية حلًا جزئيًا لكنه لا يغلق الدائرة نهائيًا، بل قد يفتحها على صراعات جديدة بأشكال أخرى.

من يغذي الحرب ومن يقاومها؟

واقع «اللادولة» لا يستمر من تلقاء نفسه؛ هناك من يغذّيه ويجني منه أرباحًا هائلة. الميليشيات المسلحة والفصائل العائلية والمافيات الاقتصادية المحمية بالسلاح تجد في هذا الوضع فرصًا ذهبية للنهب بلا رقيب ولا قانون. لهذا ليس غريبًا أن ترى هذه الأطراف تقاوم أي مشروع يهدف إلى إعادة الدولة لاحتكار العنف وتنظيمه قانونيًا. إنّ انفلات السلاح والولاءات المتقاطعة هو الضمان الوحيد لاستمرار منظومة الفوضى والزبائنية والهيمنة. على الطرف الآخر، هناك من يرى أنّ استمرار الفوضى يعني استمرار استنزاف المجتمع بلا أفق حقيقي، وخاصة الشرائح التي ترى نفسها خاسرة ضمن موازين القوى المختلة. هؤلاء يعتقدون أن الصدام المسلح، رغم رعبه، قد يكون الخيار الأخير لإجبار الجميع على القبول بقواعد جديدة تعيد توزيع القوة والثروة وتجبر الجميع على الاعتراف بسلطة مركزية ولو من رماد الحرب.

الكونفدرالية أو الحرب: الاحتمالان الكبيران

في السياق الطبيعي لحالة «اللادولة» العراقية بوصفها أزمة الأزمات البنيوية، فإنّ حلها ينشطر أمام احتماليْن رئيسيين: إما التوجه إلى صيغة كونفدرالية قائمة على تقاسم واضح للسلطات والإيرادات بين المكونات عبر مشروع سياسي وطني واعٍ، أو الانزلاق نحو حرب أهلية تُفرَض بفعل الانسداد الكامل واستحالة إعادة بناء المركز بالقوة الناعمة. إنّ مشروع إعادة بناء الهوية الوطنية مرتبط موضوعيًا بنضوج ممكنات الحرب الأهلية؛ إذ لا تولد الهويات المشتركة غالبًا إلا من رحم صدمة كبرى تعيد صياغة العقد الاجتماعي. بهذا المعنى، تبدو الحرب الأهلية في العراق أقرب إلى الحتمية منها إلى الإرادوية إذا ظلت شروط الريع والفوضى والانقسام قائمة. أما استمرار الحالة الساكنة للادولة فهو مرهون في جوهره بإرادة القوى الخارجية، التي تمثل في ما وراء المعلن سلطة اللادولة الحقيقية، وتدير بقاءها وفق مصالحها وتحفظ ميزان القوى الهش. ومع التطورات المتسارعة في واقع الشرق الأوسط الجديد، قد يتحول العراق إلى «جدول بزل» لتصفية حسابات التنافس والصراع المستقبلي بين الفاعلين الإقليميين والدوليين.

القاعدة الإنتاجية: شرط بناء هوية وطنية راسخة

وسط كل هذا، تبقى الحقيقة الأعمق: إنّ قلق الهوية الوطنية هو أزمة الأزمات العراقية التي لا يمكن حلها عبر العنف وحده أو التسويات المؤقتة. إذ لا يمكن إنجاز مشروع وطني جامع بين مكونات ممزقة إلا بفك الارتباط عن الاقتصاد الريعي الذي يعيد إنتاج التبعية والولاءات الهشة. وحده الانتقال إلى اقتصاد إنتاجي حقيقي — وتحديدًا عبر إعادة إحياء القطاع الصناعي — يستطيع تفكيك الشبكات الزبائنية وإنشاء مصالح مادية عابرة للطوائف والمناطق. في المصنع، يتحول الانتماء من ولاءات طائفية إلى مصالح إنتاجية مشتركة تربط العامل بزميله وصاحب العمل بالسوق. عندها فقط يصبح الحديث عن عقد اجتماعي حقيقي وشرعية سياسية أمرًا ممكنًا، لأن المجتمع يكون قد كوّن قاعدة مادية راسخة تصون هويته بعيدًا عن ريح الانقسام المستمر.

خاتمة

لا مستقبل للعراق إذا بقي أسيرًا لمعادلة الفوضى المدارة خارجيًا، ولا طائل من انتظار إصلاح إداري في ظل غياب قاعدة مادية إنتاجية مستقلة. الحرب الأهلية قد تأتي بصيغة قسرية لتعيد رسم الخريطة أو تُفرض كونفدرالية الأمر الواقع، لكن الهوية الوطنية المستقرة لن تُبنى إلا حين تصبح الفوضى أغلى من النظام، وحين تصبح لقمة العيش معلقة بالإنتاج وليس بحسابات الريع والمحاصصة. عندها فقط، سيكون المصنع وليس الميليشيا هو الضامن الحقيقي للعقد الاجتماعي، والأرض الصلبة لأي معنى سيادي جامع



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب البذور… سلاح دمار مؤجل في ترسانة قوى الرأسمال
- الاطار السياسي لمهام المشروع الاشتراكي
- المجمعات السكنية في عهد السوداني: رفاه للنخبة أم حل لأزمة ال ...
- الطفل الذي يسقيك تأنيبًا..البعد النفسي لاشراك الاطفال في الش ...
- عاشوراء العراقيين ...حسين يقتل حسينا
- تفاصيل الحياة اليومية في غزه..تغيب مقصود أم ماذا؟
- نقد جذري للذكاء الاصطناعي الرأسمالي وخطة عودة إلى الأرض
- حينما تفقد الملكية معناها: تفكيك النقد الميكانيكي للاشتراكية
- العداله الاجتماعيه..حتم التناقض الثنائي
- لا جدال في اشتراكية الاتحاد السوفياتي..
- في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع
- إيران كقوة كولونيالية ناعمة: الاقتصاد المقاوم بوصفه أداة إخض ...
- حول نضج شروط الانتفاضه الشعبيه الايرانيه..


المزيد.....




- كلمة للرفيق جمال براجع إثر اختتام أشغال الدورة 11 للجنة المر ...
- وفاة الأمين العام للحزب الشيوعي السوري عمار خالد بكداش
- اشتباكات عنيفة بين جماعات من اليمين المتطرف ومهاجرين في بلدة ...
- لحظة مامداني.. آمال جديدة ومخاطر مستجدة لليسار في مدينة نيوي ...
- الشرطة تقتل المتظاهرين في كينيا
- الشيوعي العراقي يدعو لاعتماد 14 تموز عيداً وطنياً لتأسيس الج ...
- اشتباكات عنيفة بين جماعات من اليمين المتطرف ومهاجرين في إسبا ...
- الشيوعي العراقي: ليكن يوم 14 تموز عيدًا وطنيًا
- بن غفير: لا أريد إسقاط الحكومة من أجل اليسار
- اعتقال عشرات المتظاهرين في لندن لدعمهم حركة -فلسطين أكشن-


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - اللادولة العراقية: بين الكونفدرالية المحتملة وحرب أهلية أقرب إلى الحتمية