أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي














المزيد.....

في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 00:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يختلف اثنان من المؤرخين ولا من الشيعة أنفسهم على أن معركة الطف، التي استشهد فيها الحسين بن علي وأصحابه، وقعت كاملةً في صبيحة اليوم العاشر من محرم سنة 61 هـ. فالحدث مكتمل زمنياً في يوم واحد، بلا امتدادٍ موضوعي يفرض عشرة أيام متتابعة من الطقوس.

لكن العجيب أن الطقوس الحسينية الشيعية لا تقتصر على يوم العاشر نفسه، بل تُمدَّد إلى عشرة أيام كاملة، وكأنها محاكاة مقصودة لبنيةٍ زمنيةٍ أعمق كانت راسخةً في المخيال الديني الأسبق: «عشرة أيام التوبة» التوراتية. في التقاليد اليهودية، تبدأ هذه العشرة بأول يوم من السنة الدينية (رأس السنة – روش هشناه) وتنتهي بيوم الغفران الأكبر (يوم كيبور). بين هذين الحدّين يتطهر اليهود بالصوم والدعاء وإصلاح العلاقات وطلب الغفران، في طقس جماعي يكرّس الشعور بالخطيئة والندم الجمعي.

عندما قدِم النبي محمد المدينة، وجد اليهود يصومون يوم كيبور – اليوم العاشر من شهر تشري العبري – فسألهم، فقالوا: «هذا يوم نجّى الله فيه موسى وقومه». فأقرّ أصل الصوم وصامه شكرًا لله، مؤكداً على وحدة رسالات التوحيد، ثم نسخ صيامه بصيام رمضان لما فُرِض.

هنا تكمن المفارقة؛ إذ إن العقلية الشيعية أعادت توظيف هذه البؤرة التاريخية لتقيم عليها بناءً طقوسيًا موازيًا: عشرة أيام من محرم تُحوِّل الواقعة من ذكرى قتل حدثت في يومٍ واحد إلى مسرحٍ زمني ممتدّ، يُستعاد فيه القتل رمزيًا كل يوم، وكأن الدم يسيل متجدّدًا. إنها محاكاة صريحة لبنية «العشرة التوراتية»: هناك عشرة التوبة عند اليهود، وهنا عشرة الفداء عند الشيعة. هناك تطهّر بالصوم والدعاء، وهنا تطهّر بالبكاء والنحيب وضرب الأجساد.

هذا الانقلاب أكثر غرابة حين نرى كيف انتقل «فحوى التطهر» من فعلٍ روحي خالص في الأصل التوراتي – صوم وندم وإصلاح – إلى ممارسةٍ جسدية دامية عند التشيّع الإمامي: النحيب، اللطم، التطبير، شجّ الرؤوس… كلها وسائل تفريغ نفسي وتعبئة جماعية تحت غطاء «التطهّر من ذنب ترك الحسين». إنه تطهير جسدي يُفرَض على الجسد ليغسل ذنبًا جماعيًا في الوعي الشيعي: كيف ترك الناس سبط النبي وحده في كربلاء.

وبينما كان الإسلام في جوهره يربط التطهّر بضبط النفس والتوجّه القلبي لله – بلا نياحةٍ ولا إيذاءٍ للجسد – نجد هنا مسرحةً للجرح تُعيد فتح جروح جسدية حقيقية بدلاً من الاكتفاء باستحضار المعنى الروحي. وهذا يخالف بوضوح النهي القاطع عن شق الجيوب ولطم الخدود وضرب الأجساد، ويكشف التناقض الصارخ مع تقاليد الصحابة والتابعين.

الأدهى من ذلك أن العقلية الشيعية لم تكتفِ بالمحاكاة الزمنية، بل لجأت إلى تزييفٍ تأويليٍ مقصود كي تزرع هذه المحاكاة في قلب النص النبوي. فبعض رواياتهم تزعم أن النبي كان يصوم عاشوراء لا لأنه يوم نجّى الله فيه موسى، بل لأنه كان «يعلم بوحي الله» أنه اليوم الذي سيُستشهد فيه الحسين. بهذا التأويل يُمحى الأصل التوراتي – الذي هو حقيقة تاريخية محفوظة – ويُزرع بدلاً منه «مستقبل دموي» تُستعاد فيه كربلاء وكأنها مكتوبة سلفًا في علم النبي. وهذه قراءة انتهازية خالصة تُعيد هندسة الذاكرة لتلائم غايات الحزن الجمعي والتجييش العقائدي والسياسي معًا.

هكذا نرى أن امتداد طقوس عاشوراء من يومٍ واحدٍ إلى عشرة أيام ليس نتاج ضرورةٍ تاريخيةٍ ولا صدفةٍ عاطفيةٍ، بل هو استنساخٌ واعٍ لهندسة الزمن المقدّس كما صاغته الموروثات التوراتية: زمنٌ مكثّفٌ لإصلاح الجماعة بالدمع والدم، واستدعاءٌ دائمٌ للمظلومية باعتبارها محور الهوية. إنه زمنٌ تُختَزل فيه «التوبة» إلى نحيبٍ وجَلدٍ، ويُسفَحُ فيه الجسد لأجل غسل الذاكرة،



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل الحسين والتسيس التكتيكي العباسي
- التغيير (( العراقي ))..من الافتراضي الى الممكن..ج3
- التغيير ((العراقي )).. من الأفتراضي الى الممكن ..ج2
- الانتخابات البرلمانيه ..ترتيب اوراق الخراب
- التغيير ((العراقي))..من الافتراضي الى الممكن
- حالة( اسكات النيران ) ..مهله مراجعه النظام الايراني
- الانتصار الكاذب وصناعة الوهم المدفوع
- إيران كقوة كولونيالية ناعمة: الاقتصاد المقاوم بوصفه أداة إخض ...
- حول نضج شروط الانتفاضه الشعبيه الايرانيه..
- كفة ميزان الحرب..بين الاسد الصاعد وبين الوعد الصادق 3
- رقصة على حافة الانفجار: صراع أميركا وإسرائيل في كبح إيران
- الهلال الخصيب المأزوم..بممكنات التأزيم
- رهينة اليورانيوم المخصب..هدنه تكتيكيه وملامح تموضع جديد
- انبعاث مركزية الهلال الخصيب على انقاض الهلال الشيعي
- النانو..قبضة اسرائيل القاتله..لماذا تتم تعمية رصدها
- مديات..تحالف روسيا والصين مع ايران
- إيران بعد تدمير قدراتها النووية: بين الردع المنهار وسيناريو ...
- أنقره تتموضع مبكرا في شرقا اوسطيا جديد
- ساعة الصفر..ممكن ان توجه ايران ضربه نوويه لأسرائيل
- 48 ساعه فرصه محور (المقاومه)..لتكتيك ميداني محوري


المزيد.....




- النظام العربي والإسلام السياسي.. أدوار وليس مواقف
- حظر تجوال في السويداء والسلطات تطالب بتعاون المرجعيات الديني ...
- أخر تحديث لـ تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد على نايل سات 2 ...
- لماذا حذر إيهود أولمرت من بناء الجيش الإسرائيلي لـ-المدينة ا ...
- السجن 22 عاما للخطيب الإدريسي -زعيم التيار السلفي- في تونس
- الجمعيات الإسلامية في بوركينا فاسو تدعو لمكافحة خطاب -الكراه ...
- حرب غزة ومعضلة الهوية في المجتمع اليهودي بالولايات المتحدة
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات.. متع طفلك الأن
- مشروع -الرقعة اليهودية- ينهي حلم الدولة الفلسطينية
- الرئاسة الروحية للدروز بالسويداء: نرفض دخول الأمن العام إلى ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث الجادر - في محاكاة العشرة التوراتية وطقس عاشوراء الشيعي